الاقتصاد اليوناني.. بين الضغوط الدولية والسخط الشعبي

الحكومة تتحاشى «التقشف الجذري».. وخلافات «الترويكا» معوق أساسي

اعتراضًا على خطط التقشف التي تريد الترويكا تطبيقها بطريقة قاسية، شارك نحو 15 ألف محتج في مظاهرات مناوئة للحكومة
اعتراضًا على خطط التقشف التي تريد الترويكا تطبيقها بطريقة قاسية، شارك نحو 15 ألف محتج في مظاهرات مناوئة للحكومة
TT

الاقتصاد اليوناني.. بين الضغوط الدولية والسخط الشعبي

اعتراضًا على خطط التقشف التي تريد الترويكا تطبيقها بطريقة قاسية، شارك نحو 15 ألف محتج في مظاهرات مناوئة للحكومة
اعتراضًا على خطط التقشف التي تريد الترويكا تطبيقها بطريقة قاسية، شارك نحو 15 ألف محتج في مظاهرات مناوئة للحكومة

بعد سنوات من انتهاج حكومة أثينا سياسات التقشف القاسية، التزامًا بشروط الاتحاد الأوروبي والمفوضية الأوروبية وصندوق النقد الدولي، المعروفة بالـ«الترويكا»، وذلك من أجل الحصول على حزم إنقاذ مالية لإخراج اليونان من عثرتها الاقتصادية بعد بلوغ مستويات العجز في الميزانية والدين الحكومي لمستويات قياسية.. بدأت الحكومة اليونانية تُبدي اعتراضها بشكل واضح على تبني مزيد من تلك السياسات التي تزيد من مستويات الإحباط الاجتماعي في ظل ارتفاع معدلات البطالة وتدني مستوى معيشة الأفراد.
وحتى الآن، هناك خلاف بين صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بشأن قوة تدابير الإصلاح التي يجب على أثينا اعتمادها لاستكمال أول مرحلة في خطة الإنقاذ الجديدة، وقال رئيس البرلمان اليوناني نيكولاوس فوتسيس، إن برنامج الإصلاحات التي يجري تنفيذها في اليونان تستبعد اتخاذ تدابير «تقشف جذرية» لتفادي تصعيد التوترات داخل البلاد. وأضاف فوتسيس - على هامش المؤتمر الأوروبي لرؤساء البرلمان في ستراسبورغ - قائلاً: «نحن نسير على الطريق الصحيح من حيث إصلاح مواردنا المالية. ولأننا نريد أن تنعكس الإصلاحات بشكل إيجابي على الوضع الاجتماعي، فيجب أن يتم تقليص عبء الظروف الصعبة عن كاهل المواطنين».
وكانت اليونان قد وافقت في يوليو (تموز) 2015 على خطة إنقاذ أوروبية قيمتها 86 مليار يورو (94 مليار دولار) على مدى ثلاث سنوات، تفاديًا للخروج من منطقة اليورو، لكن جاءت الخطة بشروط صارمة. وبموجب شروط اتفاق الإنقاذ في العام الماضي، يجب على اليونان اتخاذ تدابير الإصلاح التي من شأنها أن تنتج فائضًا أوليًا قدره 5.3 في المائة من الناتج الاقتصادي بحلول عام 2018. ويتركز الخلاف على قوة التدابير التي تحتاج إليها أثينا للوصول إلى تحقيق فائض بنحو 5.3 في المائة، مع إصرار من تسيبراس على أن اليونان ملتزمة بتنفيذ الإصلاحات التي سوف تصل إلى الهدف.. لكن يعتقد صندوق النقد الدولي أن كثيرًا من التدابير المتفق عليها تعد «غامضة»، ولا تمكن من الوصول إلى الهدف.
* خلافات الترويكا
وقال رئيس الوزراء اليوناني، ألكسيس تسيبراس، إن الخلافات بين صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي بشأن طريقة معالجة أزمة ديون اليونان تضر بالبلاد. وأكد تسيبراس في مؤتمر صحافي الأسبوع الماضي أن ما يؤخر استعادة ثقة الأسواق والمستثمرين هو استمرار النزاع والخلاف بين صندوق النقد الدولي والمؤسسات الأوروبية. ولم يقرر صندوق النقد حتى الآن ما إذا كان سيشارك في حزمة الإنقاذ الدولية الثالثة لليونان التي وقعت في عام 2015، ويقول إنه ليس مقتنعًا بقدرة البلد على خدمة ديونه.
وذكر تسيبراس أن الخلاف الحالي يمنع مشاركة اليونان في الوقت المناسب في برنامج التيسير النقدي للبنك المركزي الأوروبي. وأضاف أن اليونان التي تنفذ مثل هذا الإصلاح القاسي لا تستطيع أن تنتظر أكثر من ذلك بكثير، حيث تتجاوز ديون اليونان 170 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال جورج كاتروجالوس، وزير العمل اليوناني، إن بلاده ستبلغ دائنيها بأنها لا تستطيع الامتثال لإصلاحات سوق العمل التي يطلبها صندوق النقد الدولي كشرط لدعم ثالث خطة إنقاذ مالي للبلاد. وبحسب «رويترز»، فإن الحكومة اليسارية في اليونان تعتبر طلب صندوق النقد بمثابة حظر لحق العمال في التفاوض الجماعي على الأجور وظروف العمل، وإذا فشلت المفاوضات مع صندوق النقد بخصوص هذا الموضوع فإن تمويل الصندوق لخطة الإنقاذ البالغة قيمتها 86 مليار يورو (96 مليار دولار) قد يتعرض للخطر، وقد يقوض ذلك الثقة بالاتفاق عمومًا.
* التفاوض الجماعي
وأشار وزير العمل اليوناني قبل ساعات قليلة من محادثات أجراها مع رؤساء بعثة الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي يوم الخميس الماضي بشأن مدى تقدم خطة إنقاذ اليونان، إلى أن أثينا قد تحارب من أجل الحفاظ على «حق التفاوض الجماعي»، واصفًا صندوق النقد بأنه «لاعب متشدد». وأوضح كاتروجالوس أن حكومته تريد إعادة نظام التفاوض الجماعي لأنه أساس النموذج الاجتماعي الأوروبي، وفي برامج الإنقاذ السابقة جرى إضعاف نظام التفاوض الجماعي.
ويقول الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي إن القوة العاملة «غير المرنة» أسهمت في عدم قدرة اليونان على المنافسة، بما أسهم بدوره في الضائقة الاقتصادية، لكن مصادر قريبة من الدائنين تشير إلى أن صندوق النقد بصفة خاصة يعارض أي محاولة من أثينا لإحياء نظام التفاوض الجماعي القديم. وأفاد كاتروجالوس بأن هناك تدابير رفضها بالفعل أرباب الأعمال في اليونان، وقد وصلنا إلى نقطة لم يعد بإمكاننا فيها التساهل مع تدهور وضع العمال اليونانيين.
وعلى الحكومة اليونانية اليسارية أن تقدم برنامج إصلاحات جديدًا من أجل الحصول على شريحة جديدة من القروض بقيمة 2.8 مليار يورو بحلول نهاية سبتمبر (أيلول) الحالي، على أن تباشر بعدها مفاوضات حول تخفيف أعباء الدين عليها. وأكد صندوق النقد الدولي أنه لن يشارك ماليًا في خطة المساعدة الجديدة التي أقرتها دول منطقة اليورو لليونان، ما لم يتوصل الأوروبيون إلى اتفاق لخفض عبء الدين بشكل كبير على هذا البلد.
* إجراءات قاسية
وبالنسبة لهؤلاء الذين يصنفون على أنهم يعملون لحسابهم الخاص في اليونان، فسوف يواجهون التزامات ضريبية أكثر صعوبة في عام 2016 وعام 2017. وبموجب خطة حكومية لتلبية مطالب الإنقاذ الثالث لليونان، سوف تكون هناك حاجة إلى قيام جميع الأفراد العاملين لحسابهم الخاص بدفع 75 في المائة من ضرائبهم في عام 2016 على أساس أرباح العام الماضي، حتى لو لم يحققوا أي دخل يذكر في العام الحالي. وفي عام 2017 سترتفع هذه النسبة إلى 100 في المائة.
واعتراضًا على خطط التقشف التي تريد الترويكا تطبيقها بطريقة قاسية، شارك نحو 15 ألف محتج في مظاهرات مناوئة للحكومة قبل زيارة إلى اليونان يجريها عدد من مفتشي الإنقاذ وخطط الحكومة اليسارية لفرض مزيد من إجراءات التقشف بعد سنوات من المتاعب الاقتصادية. ذلك بعد أن قضت اليونان الجانب الأكبر من السنوات الثماني الأخيرة في ركود اقتصادي، وتمر الآن بثالث جولة من إجراءات التقشف المرتبطة ببرامج إنقاذ دولية. وحقق اقتصاد اليونان وتيرة نمو محدودة في الربع الثاني من العام الحالي، وأظهرت بيانات حديثة أن الاقتصاد البالغ حجمه 176 مليار يورو، أي 196.8 مليار دولار، نما بنسبة 0.2 في المائة في الفترة من أبريل (نيسان) إلى يونيو (حزيران) الماضيين، بما يقل قليلاً عن تقديرات سابقة بنموه 0.3 في المائة، وذلك يعود بالأساس إلى ضعف إنفاق المستهلكين وصافي الصادرات.
وأشارت البيانات إلى أن اقتصاد اليونان انكمش 0.9 في المائة على أساس سنوي في الربع الثاني، مقارنة مع توقعات أولية بانكماش نسبته 0.7 في المائة. في حين يتوقع خبراء الاقتصاد ركودًا محدودًا للعام بأكمله. وتتوقع المفوضية الأوروبية والبنك المركزي اليوناني انكماشًا اقتصاديًا نسبته 0.3 في المائة خلال العام الحالي، بينما تتوقع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية انكماشًا أقل نسبته 0.2 في المائة.



شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
TT

شركات البتروكيميائيات السعودية تتحول للربحية وتنمو 200% في الربع الثالث

موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)
موقع تصنيعي لـ«سابك» في الجبيل (الشركة)

سجلت شركات البتروكيميائيات المدرجة في السوق المالية السعودية (تداول) تحولاً كبيراً نتائجها المالية خلال الربع الثالث من 2024، مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، لتتحول إلى الربحية وبنسبة نمو تجاوزت 200 في المائة.إذ وصلت أرباحها إلى نحو 525 مليون دولار (1.97 مليار ريال) مقارنةً بتسجيلها خسائر في العام السابق وصلت إلى 516 مليون دولار (1.93 مليار ريال).

ويأتي هذا التحول للربحية في النتائج المالية لشركات القطاع، وتحقيقها لقفزة كبيرة في الأرباح، بفعل ارتفاع الإيرادات ودخل العمليات والهامش الربحي وزيادة الكميات والمنتجات المبيعة.

ومن بين 11 شركة تعمل في مجال البتروكيميائيات مدرجة في «تداول»، حققت 8 شركات ربحاً صافياً، وهي: «سابك»، و«سابك للمغذيات»، و«ينساب»، و«سبكيم»، و«المجموعة السعودية»، و«التصنيع»، و«المتقدمة»، و«اللجين»، في حين واصلت 3 شركات خسائرها مع تراجع بسيط في الخسائر مقارنةً بالربع المماثل من العام السابق، وهي: «كيمانول»، و«نماء»، و«كيان».

وبحسب إعلاناتها لنتائجها المالية في «السوق المالية السعودية»، حققت شركة «سابك» أعلى أرباح بين شركات القطاع والتي بلغت مليار ريال، مقارنةً بتحقيقها خسائر بلغت 2.88 مليار ريال للعام السابق، وبنسبة نمو تجاوزت 134 في المائة.

وحلت «سابك للمغذيات» في المركز الثاني من حيث أعلى الأرباح، رغم تراجع أرباحها بنسبة 21 في المائة، وحققت أرباحاً بقيمة 827 مليون ريال خلال الربع الثالث 2024، مقابل تسجيلها لأرباح بـ1.05 مليار ريال في الربع المماثل من العام السابق.

وفي المقابل، حققت «اللجين»، أعلى نسبة نمو بين الشركات الرابحة، وقفزت أرباحها بنسبة 1936 في المائة، بعد أن سجلت صافي أرباح بلغ 45.8 مليون ريال في الربع الثالث لعام 2024، مقابل أرباح بلغت 2.25 مليون ريال في العام السابق.

مصنع تابع لشركة كيميائيات الميثانول (كيمانول) (موقع الشركة)

توقعات استمرار التحسن

وفي تعليق على نتائج شركات القطاع، توقع المستشار المالي في «المتداول العربي» محمد الميموني خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن تستمر حالة التحسن في أرباح شركات قطاع البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، بفعل حالة ترقب التحسن في الاقتصاد الصيني الذي يعد من أهم وأكبر المستهلكين لمنتجات شركات البتروكيميكال، والاستقرار المتوقع في الأوضاع الجيوسياسية، مضيفاً أن تلك العوامل ستعمل على بدء انفراج في أسعار منتجات البتروكيميكال، وتجاوزها للمرحلة الماضية في تدني وانخفاض أسعارها. وقال «لا أتوقع أن يكون هناك مزيد من التراجع، ومن المتوقع أن يبدأ الاستقرار في أسعار منتجات البتروكيميائيات خلال الربعين المقبلين، وهو مرهون بتحسن أسعار النفط، وتحسن الطلب على المنتجات».

وأشار الميموني إلى أن أسباب تراجع أرباح بعض شركات القطاع أو استمرار خسائرها يعود إلى انخفاض متوسط أسعار مبيعات منتجات البتروكيميكال نتيجة لاتجاه السوق والأسعار نحو الانخفاض بالإضافة إلى فترة الصيانة الدورية لعدد من مصانع شركات القطاع، وكذلك ارتفاع تكلفة وقود الديزل في الفترة منذ بداية يناير (كانون الثاني) 2024 وارتفاع تكلفة الشحن بسبب الاضطرابات الجيوسياسية التي أثرت على مسار الشحن من خلال مسار البحر الأحمر، وارتفاع تكاليف التمويل، ورغم اتجاه أسعار الفائدة نحو الانخفاض منذ سبتمبر (أيلول) الماضي، فإنه لم ينعكس بشكل جيد على وضع نتائج شركات البتروكيميكال حتى الآن، مجدِّداً توقعه بتحسن النتائج المالية لشركات القطاع خلال الربعين المقبلين.

تحسن الكفاءة التشغيلية

من جهته، قال المحلل المالي طارق العتيق، خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» إن شركات القطاع أظهرت منذ بداية السنة تحسناً في الكفاءة التشغيلية لجميع عملياتها وأدائها، وارتفاع في أعداد الكميات المنتجة والمبيعة، وتكيّف شركات القطاع مع تغير ظروف السوق. وقابل ذلك تحسّن ظروف السوق وزيادة الطلب على المنتجات البتروكيماوية، وتحسّن الهوامش الربحية ومتوسط الأسعار لبعض منتجات البتروكيميائيات الرئيسة.

وعّد العتيق تسجيل 8 شركات من أصل 11 شركة تعمل في القطاع، أرباحاً صافية خلال الربع الثالث، أنه مؤشر مهم على تحسن عمليات وأداء شركات القطاع، ومواكبتها لتغير الطلب واحتياج السوق، مضيفاً أن القطاع حساس جداً في التأثر بالظروف الخارجية المحيطة بالسوق وأبرزها: تذبذب أسعار النفط، والظروف والنمو الاقتصادي في الدول المستهلكة لمنتجات البتروكيميائيات وأهمها السوق الصينية، والأحداث الجيوسياسية في المنطقة وتأثيرها على حركة النقل والخدمات اللوجستية، لافتاً إلى أن تلك الظروف تؤثر في الطلب والتكاليف التشغيلية لمنتجات البتروكيميائيات، إلا أنها قد تتجه في الفترة الراهنة باتجاه إيجابي نحو تحسن السوق والطلب على منتجات البتروكيميائيات.