معركة «داعش» المقبلة في سوريا حول موارده المالية والنفطية

خبير: كسر الحدود يحتاج إلى تغاضٍ دولي وهذا لا ينطبق على الحالة اللبنانية

سوري من المعارضة في منطقة أغراز يبحث عن ألغام زرعها أتباع داعش (غيتي)
سوري من المعارضة في منطقة أغراز يبحث عن ألغام زرعها أتباع داعش (غيتي)
TT

معركة «داعش» المقبلة في سوريا حول موارده المالية والنفطية

سوري من المعارضة في منطقة أغراز يبحث عن ألغام زرعها أتباع داعش (غيتي)
سوري من المعارضة في منطقة أغراز يبحث عن ألغام زرعها أتباع داعش (غيتي)

ضاقت خيارات تنظيم داعش المتطرف إثر خسارته المنفذ الحدودي الوحيد على العالم، وبات محكومًا بالتراجع إلى نقاط امتداده في مناطق شرق سوريا الحدودية مع العراق، في حين يعد التنظيم محاصرا في المنطقة الحدودية بين لبنان وسوريا، وعاجزًا على التحرك فيها، ما يمنعه من اتخاذها منفذًا حدوديًا على العالم الخارجي.
ويتفق الخبراء على أن التنظيم الذي أمعن في تكريس العداوة مع مختلف الأطراف السورية والخارجية: «يفتقر إلى مشروع سياسي كان يمكن أن يجير له إنجازاته الميدانية في وقت سابق»، وهو ما يمهد لاندثاره، في حين يتواصل تراجعه، وسط ترجيحات بأن «يقاتل قتالاً شرسًا للدفاع عن مناطق يستفيد من مواردها ماليًا» في إشارة إلى مناطق شرق ووسط سوريا.
وإثر انتزاع «الجيش السوري الحر»، مدعومًا بقوات تركية، المناطق المحاذية للحدود السورية - التركية من تنظيم داعش، بات التنظيم يحتفظ بنقاط حدودية في سوريا مع العراق، حيث فتح الحدود على بعضها، إضافة إلى منطقة وجوده الضيقة في منطقة جرود رأس بعلبك الحدودية مع سوريا بشمال شرقي لبنان. غير أن تحركه محدود في تلك المنطقة، على ضوء الإجراءات الأمنية اللبنانية المشددة، والعمليات العسكرية الدائمة للجيش اللبناني في المنطقة.
وتقول مصادر لبنانية ميدانية لـ«الشرق الأوسط»، إن التنظيم الذي يسيطر على بعض الجبال في جرود رأس بعلبك: «لا يستطيع التقدم منها إلى داخل الأراضي اللبنانية.
أيضًا، على الجانب اللبناني من الحدود، يركز الجيش اللبناني مهامه العسكرية منذ فترة على «العمل الاستباقي»، الذي تمثل بقصف تحركات التنظيمات المتشددة في الجرود، قبل أن تتطور خلال الفترة الأخيرة إلى العمليات الهجومية على المواقع المتقدمة للمسلحين في المناطق الجردية الحدودية، مدفوعًا بدعم غربي، أبرزه من حكومة الولايات المتحدة الأميركية وحكومات أوروبية، لحفظ الأمن والاستقرار في لبنان. ودفعت الجهوزية الدائمة للجيش، قائده العماد جان قهوجي للقول في تصريحات صحافية خلال الشهر الماضي «كلما أبعدنا الإرهابيين عن الحدود تراجع خطر إقامة الإمارة».
الدعم الخارجي للبنان لمواجهة الإرهاب، توقف عنده أحمد الأيوبي، الخبير اللبناني في الجماعات الإسلامية، الذي قال لـ«الشرق الأوسط» إن «ثمة جبهة متماسكة في لبنان بفضل الجهود المحلية والدعم الخارجي»، وشدد على أن «كسر الحدود يحتاج إلى تغاض دولي، وهذا الأمر لا ينطبق على الحالة اللبنانية، حيث لم نلحظ إهمالاً دوليًا للأمن والاستقرار في لبنان». ويشير الأيوبي إلى أن إمكانيات تعويض «داعش» خسارته على الحدود التركية بمنفذ لبناني «باتت بالغة الصعوبة بفضل تراجع قدراته الميدانية التي خسرته الكثير من قدرات الاندفاع»، مؤكدًا أن «استحالة احتمال التعويض بلبنان تنطلق من حسابات ميدانية».
في غضون ذلك، يتواصل تراجع «داعش» في ريف محافظة حلب الشرقي. ومع أنه لا يقاتل في هذه المنطقة بالشراسة المعتادة التي أبداها في وقت سابق، فإن ذلك يعود إلى كون هذه المنطقة، وبعد خسارته الغرض من بقائه فيها «لم تعد ذات أهمية». إذ أن مقاتليه اليوم «يتجهون إلى آخر معاقله في مدينة الباب في شرق محافظة حلب، ومنها يتجه معظمهم إلى شرق سوريا، حيث يتوقع أن تندلع المواجهات الكبرى»، بحسب ما يقول مصدر سوري معارض لـ«الشرق الأوسط»، موضحًا أن دفاع التنظيم المتطرف عن منطقة شرق ووسط سوريا «ينطلق من جهوده لعدم خسارة موارده من النفط والغاز التي توفر له مصادر مالية يحتاجها».
رغم ذلك، لا يبدو أن هناك أفقًا للتنظيم الذي «انعدمت خياراته». ويقول القيادي في الجيش السوري الحر العميد أحمد رحال لـ«الشرق الأوسط» إن التنظيم «بات محاصرا بين سوريا والعراق، لذلك تراه يتهاوى أمام الضربات وينسحب تجنبًا للضربات»، مشيرًا إلى أن طرده «يتم بأقل خسارات ممكنة، مما يعني أن التنظيم الذي فقد قياديين كبارا كانوا يديرون معاركه، سيتم طرده من سوريا خلال أشهر». ويشكك رحال بأن يكون للتنظيم عقيدة قتالية تمكنه من الصمود «بدليل رحيل الكثير من عناصره الأجانب ومغادرتهم البلاد»، بينما «يقاتل السوريون والعراقيون الذين تورطوا في الانضمام إليه، أو أجبروا على ذلك». ويؤكد أن «داعش» يعاني «نزفًا ماديا، مما يجعله مستعدًا للتمسك بالقتال في الشدادي ودير الزور وشرق حمص» الغنية بالموارد النفطية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.