نقص السيولة يفاقم معاناة اليمنيين خلال العيد

عشرات الآلاف لم يتسلموا رواتب أغسطس.. ودعوات لإنهاء سيطرة الميليشيات على «البنك المركزي»

نقص السيولة يفاقم معاناة اليمنيين خلال العيد
TT

نقص السيولة يفاقم معاناة اليمنيين خلال العيد

نقص السيولة يفاقم معاناة اليمنيين خلال العيد

فاقمت أزمة نقص السيولة النقدية في البنوك ومكاتب البريد، معاناة سكان المحافظات اليمنية، ومنها تلك الواقعة في جنوب وشرق البلاد، والتي جرى تحريرها من قبضة الانقلابيين، مضيفة أعباء أخرى على كاهل الأهالي الذين يعيشون أصلاً ظروفًا سيئة، نتيجة انقطاعات الكهرباء المتكررة في فترة حَر مصحوبة برطوبة عالية.
وزادت معاناة الأهالي مع قدوم عيد الأضحى الذي حل الاثنين الماضي، فيما لم تتمكن آلاف العائلات من توفير متطلباته من أضحية وملابس للأطفال وغيرها من الأمور المعتادة في مثل هذه المناسبة، التي اعتاد اليمنيون استقبالها بمظاهر الفرحة والبهجة.
وقال المهندس رفقي قاسم لـ«الشرق الأوسط»: «أنا واحد ممن لم يتسلموا معاشهم الشهري التقاعدي لشهرين متتاليين. هناك آخرون للأسف لم يتسن لهم تسلم مرتباتهم لأشهر عدة». وأوضح قاسم أن «المعاناة تزداد يوما بعد يوم»، مضيفًا أن «أكثر من 60 ألف متقاعد لم يحصلوا على مرتباتهم، وهذا العدد يخص فقط المتقاعدين العسكريين والمدنيين في عدن ولحج وأبين، من دون احتساب الموظفين العاملين الذين لم يتمكنوا من تسلم مرتبهم الشهري الزهيد لأسباب مختلفة».
ودعا قاسم الجهات المختصة للقيام بتنظيم المسألة مستقبلا، لافتا إلى أن السكان في محافظة عدن، بكل فئاتهم العمرية والمهنية: «لم يسبق لهم رؤية مثل هذه التجربة المريرة الناجمة عن الأنظمة المسيرة لنظام البريد». وشدد على ضرورة أن يتابع محافظو المحافظات، الجهات المسؤولة عن هذه الوضعية التي تسببت في حرمان شريحة واسعة معتمدة كليا على المرتب الشهري.
بدوره، تحدث الإعلامي أحمد يسلم، عن معاناة نحو 30 ألفا و400 متقاعد وموظف في محافظة أبين الواقعة على بعد 80 كيلومترا شرق عدن، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»، إن العيد أهل على سكان أبين وهم في حالة إحباط وتذمر. وكشف عن أن فئات مجتمعية صدمت حين علمت أنه ليس بمقدورها تسلم مرتب شهر أغسطس (آب)، أي أنهم لن يتمكنوا من مواجهة متطلبات العيد من أضحية وملابس للصغار وغيرها. وقال إن «الوضعية الراهنة لا تحتمل، وينبغي إيجاد حل لعجز البنك المركزي الذي تسيطر عليه الميليشيات الانقلابية»، لافتا إلى أن أزمة السيولة بقدر ما تسببت بحرمان شريحة كبيرة من مرتباتها بقدر ما انعكست على حركة الأسواق التجارية وأسعار أضاحي العيد التي تدهورت أسعارها، حيث إن معظم سكان محافظة أبين مزارعون ومربون للمواشي. وأضاف يسلم أن ما لاحظه في هذا العيد هو «انكسار خاطر الأطفال» الذين حُرم معظمهم من فرحة شراء ملابس جديدة، مبينا أن جولة سريعة قضاها في شوارع مدينة جعار في محافظة أبين كانت كافية لأن يحكم على قتامة الصورة وغياب البهجة وفرحة استقبال العيد.
من جانبه، قال الدكتور سالم القميري، من محافظة المهرة في شرق اليمن، لـ«الشرق الأوسط»، إن شرائح كثيرة من سكان المهرة، سواء العسكريون أو المدنيون، لم يستلموا مرتبهم لشهر أغسطس، مما أثر سلبًا على طريقة استقبالهم للعيد، مشيرًا إلى أن جميع موظفي مديرية حوف لم يحصلوا على مرتباتهم التي اعتادوا تسلمها في مختلف الظروف، بينهم موظفو مطار الغيضة عاصمة المحافظة، ومؤسسة الاتصالات، إلى جانب كل أفراد الجيش والأمن. وأشار إلى أن حرمان نحو 1500 موظف ومتقاعد من مرتباتهم كانت له تبعات سلبية على أسرهم ومجتمعهم المحلي، وبخاصة مع وجود معاناة كبيرة سببها الحرب وتوقف الأعمال والاستثمارات، يضاف إليها ارتفاع جنوني لأسعار السلع والمواد في محافظة المهرة المتاخمة لسلطنة عمان.
كذلك، قال العميد عباس الشاعري، إننا «نشعر بالأسى والحزن لما آلت إليه الأوضاع في بلادنا وما ترتب عن ذلك من معاناة قاسية يتجرعها المواطن من جراء ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة، أضف إلى ذلك تأخر المرتبات الشهرية والتلاعب بها». وأضاف: «لقد أصبح المواطن اليمني وبالذات الموظف بين مطرقة الشرعية وسندان الحوثيين وصالح». ودعا الشاعري المجتمع الدولي إلى التدخل لرفع معاناة اليمنيين وإنهاء الصراع الدائر في البلاد، وإيجاد حل يرضي الأطراف المتصارعة في أقرب وقت ممكن، والحيلولة دون دخول البلاد في فوضى عارمة ومزيد من الإرهاب والتطرف والطائفية، تنتج عنها حرب أهلية طويلة الأمد.
وفي الضالع بجنوب البلاد، قال سامي البرطي، مدير عام الهيئة العامة للبريد في المحافظة، لـ«الشرق الأوسط»، إنه تم دفع رواتب للمتقاعدين ومنسوبي وزارة الدفاع والداخلية بلغت نحو مليون دولار (239 مليونا و719 ألفا و960 ريالا يمنيا). وأكد أن إجمالي ما تم صرفه قبل عطلة عيد الأضحى لموظفي الجهاز الحكومي العاملين بلغ نحو مليون و600 ألف دولار (402 مليون و71 ألفا و702 ريال يمني)، لافتا إلى أن المبلغ المتبقي الذي لم يتسن لمكتب البريد صرفه نظرا لأزمة السيولة يبلغ نحو 800 ألف دولار (172 مليونا و935 ألفا و166 ريالا يمنيا)، مؤكدا استكمال صرفها بعد إجازة العيد، إذا توفرت سيولة لدى البنوك اليمنية.



نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
TT

نزيف بشري للجماعة الحوثية رغم توقف المعارك

مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)
مقبرة أنشأتها الجماعة الحوثية لقتلاها في صنعاء (أ.ف.ب)

شيّعت الجماعة الحوثية خلال الأسبوع الماضي أكثر من 15 قتيلاً من قيادييها العسكريين والأمنيين من دون إعلان ملابسات سقوطهم. ورغم توقف المعارك العسكرية مع القوات الحكومية اليمنية في مختلف الجبهات؛ فإن النزيف البشري المستمر لقياداتها وعناصرها يثير التساؤلات عن أسبابه، بالتزامن مع مقتل العديد من القادة في خلافات شخصية واعتداءات على السكان.

ولقي قيادي بارز في صفوف الجماعة مصرعه، الأحد، في محافظة الجوف شمال شرقي العاصمة صنعاء في كمين نصبه مسلحون محليون انتقاماً لمقتل أحد أقاربهم، وذلك بعد أيام من مقتل قيادي آخر في صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة، في خلاف قضائي.

وذكرت مصادر قبلية في محافظة الجوف أن القيادي الحوثي البارز المُكنى أبو كمال الجبلي لقي مصرعه على يد أحد المسلحين القبليين، ثأراً لمقتل أحد أقاربه الذي قُتل في عملية مداهمة على أحد أحياء قبيلة آل نوف، التي ينتمي إليها المسلح، نفذها القيادي الحوثي منذ أشهر، بغرض إجبار الأهالي على دفع إتاوات.

من فعالية تشييع أحد قتلى الجماعة الحوثية في محافظة حجة دون الإعلان عن سبب مقتله (إعلام حوثي)

ويتهم سكان الجوف القيادي القتيل بممارسات خطيرة نتج عنها مقتل عدد من أهالي المحافظة والمسافرين وسائقي الشاحنات في طرقاتها الصحراوية واختطاف وتعذيب العديد منهم، حيث يتهمونه بأنه كان «يقود مسلحين تابعين للجماعة لمزاولة أعمال فرض الجبايات على المركبات المقبلة من المحافظات التي تسيطر عليها الحكومة، وتضمنت ممارساته الاختطاف والتعذيب والابتزاز وطلب الفدية من أقارب المختطفين أو جهات أعمالهم».

وتقول المصادر إن الجبلي كان يعدّ مطلوباً من القوات الحكومية اليمنية نتيجة ممارساته، في حين كانت عدة قبائل تتوعد بالانتقام منه لما تسبب فيه من تضييق عليها.

وشهدت محافظة الجوف مطلع هذا الشهر اغتيال قيادي في الجماعة، يُكنى أبو علي، مع أحد مرافقيه، في سوق شعبي بعد هجوم مسلحين قبليين عليه، انتقاماً لأحد أقاربهم الذي قُتِل قبل ذلك في حادثة يُتهم أبو علي بالوقوف خلفها.

في الآونة الأخيرة تتجنب الجماعة الحوثية نشر صور فعاليات تشييع قتلاها في العاصمة صنعاء (إعلام حوثي)

وتلفت مصادر محلية في المحافظة إلى أن المسلحين الذين اغتالوا أبو علي يوالون الجماعة الحوثية التي لم تتخذ إجراءات بحقهم، مرجحة أن تكون عملية الاغتيال جزءاً من أعمال تصفية الحسابات داخلياً.

قتل داخل السجن

وفي العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها الجماعة الحوثية منذ أكثر من 10 سنوات، كشفت مصادر محلية مطلعة عن مقتل القيادي الحوثي البارز عبد الله الحسني، داخل أحد السجون التابعة للجماعة على يد أحد السكان المسلحين الذي اقتحم السجن الذي يديره الحسني بعد خلاف معه.

وتشير المصادر إلى أن الحسني استغل نفوذه للإفراج عن سجين كان محتجزاً على ذمة خلاف ينظره قضاة حوثيون، مع المتهم بقتل الحسني بعد مشادة بينهما إثر الإفراج عن السجين.

وكان الحسني يشغل منصب مساعد قائد ما يسمى بـ«الأمن المركزي» التابع للجماعة الحوثية التي ألقت القبض على قاتله، ويرجح أن تجري معاقبته قريباً.

وأعلنت الجماعة، السبت الماضي، تشييع سبعة من قياداتها دفعة واحدة، إلى جانب ثمانية آخرين جرى تشييعهم في أيام متفرقة خلال أسبوع، وقالت إنهم جميعاً قتلوا خلال اشتباكات مسلحة مع القوات الحكومية، دون الإشارة إلى أماكن مقتلهم، وتجنبت نشر صور لفعاليات التشييع الجماعية.

جانب من سور أكبر المستشفيات في العاصمة صنعاء وقد حولته الجماعة الحوثية معرضاً لصور قتلاها (الشرق الأوسط)

ويزيد عدد القادة الذين أعلنت الجماعة الحوثية عن تشييعهم خلال الشهر الجاري عن 25 قيادياً، في الوقت الذي تشهد مختلف جبهات المواجهة بينها وبين القوات الحكومية هدوءاً مستمراً منذ أكثر من عامين ونصف.

ورعت الأمم المتحدة هدنة بين الطرفين في أبريل (نيسان) من العام قبل الماضي، ورغم أنها انتهت بعد ستة أشهر بسبب رفض الجماعة الحوثية تمديدها؛ فإن الهدوء استمر في مختلف مناطق التماس طوال الأشهر الماضية، سوى بعض الاشتباكات المحدودة على فترات متقطعة دون حدوث أي تقدم لطرف على حساب الآخر.

قتلى بلا حرب

وأقدمت الجماعة الحوثية، أخيراً، على تحويل جدران سور مستشفى الثورة العام بصنعاء، وهو أكبر مستشفيات البلاد، إلى معرض لصور قتلاها في الحرب، ومنعت المرور من جوار السور للحفاظ على الصور من الطمس، في إجراء أثار حفيظة وتذمر السكان.

وتسبب المعرض في التضييق على مرور المشاة والسيارات، وحدوث زحام غير معتاد بجوار المستشفى، ويشكو المرضى من صعوبة وصولهم إلى المستشفى منذ افتتاح المعرض.

ويتوقع مراقبون لأحوال الجماعة الحوثية أن يكون هذا العدد الكبير من القيادات التي يجري تشييعها راجعاً إلى عدة عوامل، منها مقتل عدد منهم في أعمال الجباية وفرض النفوذ داخل مناطق سيطرة الجماعة، حيث يضطر العديد من السكان إلى مواجهة تلك الأعمال بالسلاح، ولا يكاد يمرّ أسبوع دون حدوث مثل هذه المواجهات.

ترجيحات سقوط عدد كبير من القادة الحوثيين بغارات الطيران الأميركي والبريطاني (رويترز)

ويرجح أن يكون عدد من هؤلاء القادة سقطوا بقصف الطيران الحربي للولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا اللتين شكلتا منذ قرابة عام تحالفاً عسكرياً للرد على استهداف الجماعة الحوثية للسفن التجارية وطرق الملاحة في البحر الأحمر، وتنفذان منذ ذلك الحين غارات جوية متقطعة على مواقع الجماعة.

كما تذهب بعض الترجيحات إلى تصاعد أعمال تصفية الحسابات ضمن صراع وتنافس الأجنحة الحوثية على النفوذ والثروات المنهوبة والفساد، خصوصاً مع توقف المعارك العسكرية، ما يغري عدداً كبيراً من القيادات العسكرية الميدانية بالالتفات إلى ممارسات نظيرتها داخل مناطق السيطرة والمكاسب الشخصية التي تحققها من خلال سيطرتها على أجهزة ومؤسسات الدولة.

وبدأت الجماعة الحوثية خلال الأسابيع الماضية إجراءات دمج وتقليص عدد من مؤسسات وأجهزة الدولة الخاضعة لسيطرتها، في مساعِ لمزيد من النفوذ والسيطرة عليها، والتخفيف من التزاماتها تجاه السكان بحسب المراقبين.