التضخم في بريطانيا يستقر في أغسطس رغم ضغوط الانفصال

استقر معدل التضخم في بريطانيا على غير المتوقع في أغسطس (آب) بما يبقي على احتمال إقدام بنك إنجلترا المركزي على خفض أسعار الفائدة مجددا، رغم الزيادة الكبيرة في تكاليف المواد الخام عقب التصويت لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي في استفتاء يونيو (حزيران).
وقال مكتب الإحصاءات الوطنية أمس الثلاثاء إن المعدل السنوي لتضخم أسعار المستهلكين استقر دون تغيير عند 0.6 في المائة في أغسطس مقارنة مع توقعات خبراء اقتصاديين بارتفاعه إلى 0.7 في المائة.
وبدد انخفاض أسعار الملابس والفنادق والنبيذ أثر صعود أسعار الوقود والأغذية وتذاكر الطيران، وقال مايك بريستوود الخبير بمكتب الإحصاءات الوطنية: «تكاليف المواد الخام ارتفعت للشهر الثاني على التوالي، وهو ما يرجع لأسباب منها انخفاض قيمة الجنيه الإسترليني وإن لم تكن هناك مؤشرات تُذكر على تأثر أسعار المستهلكين بذلك حتى الآن».
وكان بنك إنجلترا المركزي قال الشهر الماضي إن هبوط الإسترليني 10 في المائة أمام الدولار واليورو بعد الاستفتاء على عضوية بريطانيا في الاتحاد الأوروبي سيفرض على الأرجح ضغوطا تصاعدية على الأسعار على مدى عدة سنوات وسيدفع التضخم إلى تجاوز المستوى المستهدف البالغ اثنين في المائة.
وهبط الإسترليني 1 في المائة لأدنى مستوى في أسبوعين، في جلسة تداول أمس الثلاثاء بعد بيانات التضخم، ومع عودة المستثمرين للتركيز على الضرر الذي قد يلحق بالاقتصاد من جراء مفاوضات بريطانيا للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وكان الإسترليني في صعود حتى يوم الثلاثاء قبل الماضي، عندما بلغ أعلى مستوى في سبعة أسابيع عند 1.3445 دولار لتتجاوز مكاسبه الخمسة في المائة، منذ سجل أدنى سعر في ثلاثة عقود في يوليو (تموز) عقب الاستفتاء، مع تقليص المستثمرين مراكزهم المدينة في العملة، لكن الإسترليني فقد نحو اثنين في المائة منذ ذلك الحين مع ترك بنك إنجلترا المركزي الباب مفتوحا لمزيد من التيسير النقدي وعودة مفاوضات الخروج البريطاني إلى عناوين الأخبار، إثر عودة البرلمان البريطاني من عطلته.
ونزل الإسترليني بعد بيانات التضخم ليسجل 1.3190 دولار بانخفاض 1.1 في المائة عن الإغلاق السابق وعند أدنى مستوياته منذ أول سبتمبر (أيلول)، وهبطت العملة 1.1 في المائة أيضا أمام اليورو لتسجل أقل سعر في أسبوعين عند 85.21 بنس.
لكن البنك المركزي قال إن معظم صناع السياسات ما زالوا يتوقعون خفض الفائدة مجددا في وقت لاحق هذا العام لكن ليس من المتوقع اتخاذ إجراء جديد في اجتماع لجنة السياسة النقدية هذا الأسبوع.
وقال بنك إنجلترا المركزي إنه سيبدأ شراء ما قيمته عشرة مليارات جنيه إسترليني (13.3 مليار دولار) من سندات الشركات في 27 سبتمبر، ضمن إجراءات التحفيز الاقتصادي التي أعلنها الشهر الماضي.
وقال البنك إنه ينوي البدء بطرح ثلاثة عطاءات أسبوعيا وإن المشتريات ستستغرق 18 شهرا، وأوضح أن السندات ينبغي أن تصدر عن شركات لها مساهمة كبيرة في الاقتصاد البريطاني ولا تعمل بقطاع الخدمات المالية.
وكان مسح لمديري المشتريات نُشرت نتائجه في وقت سابق هذا الشهر أظهر أن الشركات العاملة في قطاع الخدمات ترفع الأسعار بأسرع وتيرة منذ أوائل 2014 بينما كشف المصنعون عن أكبر زيادة في تكاليف المُدخلات في خمس سنوات.
وأظهرت بيانات أسعار المنتجين من معهد الإحصاءات الوطنية أمس الثلاثاء أن تكاليف مدخلات المصنعين زادت 7.6 في المائة، مقارنة مع مستواها قبل عام في أكبر زيادة لها منذ ديسمبر (كانون الأول) 2011.
وكان لقرار البريطانيين الخروج من الاتحاد الأوروبي تأثيرات متفاوتة، وأحيانا متعارضة، على المؤشرات الاقتصادية البريطانية، وتوقع النائب الليبرالي الأوروبي غي فرهوفشتات الذي كُلف بإدارة مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي باسم البرلمان الأوروبي، أمس الثلاثاء في ستراسبورغ، التوصل إلى اتفاق بهذا الشأن «بحلول العام 2019».
وقال فرهوفشتات في مؤتمر صحافي في ستراسبورغ حيث عقد النواب جلسة عامة: «على المملكة المتحدة تفعيل المادة 50 (لإبلاغ قرارها رسميا مغادرة الاتحاد)، في أسرع وقت ممكن لنتمكن من إنجاز المفاوضات بحلول 2019، لأنني لا يمكنني أن أتصور أننا سنبدأ دورة تشريعية جديدة بلا اتفاق»، ومن المُقرر أن تُجرى الانتخابات الأوروبية المقبلة في 2019.
وذكر رئيس كتلة الليبراليين الذي يدعو إلى الوحدة الأوروبية، أن «موقف البرلمان كان دائما أنه إذا رغبت بريطانيا في البقاء في السوق الواحدة، فعليها القبول بحرية تنقل مواطنينا أيضا»، وأكد أنه بالنسبة للبرلمان، فإن حريات التنقل الأربع - الأشخاص والممتلكات ورؤوس الأموال والخدمات - «لا يمكن فصلها عن بعضها في الاتحاد».
وينتظر الأوروبيون مبادرة الحكومة البريطانية التي يفترض أن تبلغهم بتفعيل المادة 50 أو بند الانسحاب الطوعي والأحادي من الاتحاد الأوروبي في معاهدة لشبونة، الذي لم يُستخدم من قبل، ويفترض ألا تبدأ هذه الإجراءات قبل مطلع العام 2017 كما قالت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي.
ولم يتسبب الاستفتاء في انقسام الاتحاد الأوروبي فقط، بل قالت منظمة أوكسفام أمس الثلاثاء إن تصويت بريطانيا بالخروج من الاتحاد الأوروبي أظهر «خطوط تقسيم قوية وواضحة «في المجتمع، ناتجة عن عقود من مستويات الظلم الاقتصادي المرتفعة».
وأضافت المنظمة: «استفتاء بريطانيا كان مثالا واضحا لمدى استقطاب مجتمعنا، حيث أعرب ملايين الناخبين عن إحباطهم من عدم حصولهم على فرص سياسية واقتصادية».
وأشارت المنظمة في بيان قبل نشر التقرير بشأن عدم المساواة في بريطانيا إلى أن 1 في المائة من أغنى أغنياء بريطانيا تبلغ ثروتهم مُجمعة أكثر 20 مرة من 20 في المائة من الأكثر فقرا في العالم «في ظل انفصال بين الذين يملكون الأموال والذين لا يملكونها»، وأضافت المنظمة إلى أن التقرير، الذي يستند على بحث كلية الاقتصاد بلندن، سوف يوضح كيف أصبحت بريطانيا «متزايدة الانقسام».
وقال ريتشارد أور، مدير برنامج المملكة المتحدة في المنظمة «المملكة المتحدة تُعد من أغنى دول العالم، ولكنها دولة مُقسمة إلى أغنياء وفقراء». وأضاف: «على الرغم من ارتفاع مرتبات المسؤولين التنفيذيين، يعيش واحد من بين كل 5 بريطانيين تحت خط الفقر، ويواجه صعوبة في دفع الفواتير وتوفير الطعام».