الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

«الشرق الأوسط» في لقاء مع أحد قياديي «أحرار الشام»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
TT

الشعار: أتمنى من «فتح الشام» تصرفًا يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع «القاعدة»

إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})
إياد الشعار عضو قيادة «جبهة أحرار الشام» ({الشرق الأوسط})

كيف تتعامل المعارضة مع الخسارة في حلب؟ كيف أثّر تغيير «جبهة النصرة» اسمها وتشكيل جماعة جديدة باسم «جبهة فتح الشام»، على تنظيم «أحرار الشام» وعلى الفصائل السورية الأخرى؟ وإلى أي مدى تقترب «الجبهة» الجديدة من الخطاب الراديكالي لـ«أحرار الشام» وكيف ينظر «أحرار الشام» إلى مستقبل سوريا؟
للحصول على إجابات لهذه الأسئلة التقت «الشرق الأوسط» إياد الشعار، عضو قيادة «أحرار الشام».
التقت «الشرق الأوسط» أخيرا خلال رحلة إلى الشمال السوري إياد الشعار، عضو قيادة «جبهة أحرار الشام»، وجاء هذا اللقاء متزامنًا- تقريبًا- مع إعلان «جبهة النصرة» وقف علاقتها مع تنظيم القاعدة، وتشكيل فصيل جديد اختير له اسم «جبهة فتح الشام». وبدأ الحوار مع الشعار، بكلامه عن الواقع العسكري، فقال «إن الدعم الذي حظينا به بعد معركة حلب مع السلاح الذي سيطرنا عليه يمكن أن يعطينا مجالا لمدة ستة أشهر. فالغنائم أمنت لنا كميِّة مهمة من الأسلحة». وشرح أن معركة حلب فجّرت بمبادرة من الثوار من دون دعم خارجي، بحيث دخلت الفصائل معركة حلب مستخدمة ما كان لديها من سلاح، رغم أن الدعم الخارجي لها بقي قليلا جدًا مقارنة مع مستوى المعركة. كذلك، مع أن حلفاء النظام كانوا أقوى دعمًا وأنهم – كما قال – يؤمنون له الدعم يوميا. وتابع أن فصائل المعارضة فوجئت لدى اقتحامها كلية المدفعية في حلب بالكميات الضخمة للسلاح الذي يملكه النظام فيها.
ثم شرح الشعار الوضع حاليًا في حلب في أعقاب فرض فصائل المعارضة حصارًا مؤقتًا، وتحدث عن الاستنتاجات المستخلصة من المواجهات السابقة، فقال إن معركة حلب «أضحت الآن تكتيكية أكثر من كونها مرتبطة بالسلاح؛ إذ سمح الهجوم المباغت والإصرار على التقدّم بسقوط المواقع التابعة للنظام بسرعة هائلة. وقد نتج من هذا الأمر تغيير في تكتيك الثوار مع عمليات انغماسية، حيث عشر من كل فصيل يتسللون في صفوف العدو يسبقهم قصف بالمدفعية. علما بأن كمية المدفعية المصنعة في سوريا التي نملكها أثبتت جدارتها». ثم شرح أن الفصائل المعارضة المقاتلة في حلب تستعين في المعارك التي تخوضها بسيارات مفخخة من دون سائق طورتها بقدراتها وخبراتها الذاتية، وكشف عن أن لديها أيضًا طائرات من دون طيار، و«ستصبح مستقبلاً جهات مصنعة للسلاح من الدرجة الأولى»، حسب تعبيره.
* الفكر السياسي والحلفاء
وفي ظل المتغيرات السياسية المتسارعة، المحيطة بالأزمة السورية، ولا سيما على صعيد التقارب والتنسيق بين تركيا وروسيا، قال الشعار إن الفصائل المقاتلة، وبالذات «أحرار الشام» لا تشعر بتغير في التعامل معها، بل بالعكس «الأتراك بالنسبة إلينا حليف وشريك، وتركيا أكثر دولة أبدت اهتماما بنا». وأردف القول: إن تحسن العلاقات التركية الروسية يؤمّن لفصائل المعارضة السورية تواصلاً مباشرا مع موسكو، مشيرًا إلى أن هذا التحسن سيمكّن الثوار من إيصال رسائل للروس من خلال الحكومة التركية، وحسب رأيه، هذا أمر «يصب بالطبع لمصلحتنا. ففي النهاية إن مصلحة روسيا ليست مع بشار الأسد».
وحول مستقبل توحيد الفصائل المقاتلة في جبهات الشمال السوري، وهل هناك من مبادرات لتوحيد صفوف الثوار لتحسين الفاعلية العسكرية على أرض المعركة، أوضح الشعار أن كل «الفصائل القوية اتفقت على تأسيس هيئة عسكرية موحدة، وعلى رأس هذه الفصائل «أحرار الشام» و«جيش الإسلام» و«الفيلق» و«الزنكي» و«الجيش السوري الحر»، مضيفًا أنه يتصور أنه سيكون إطلاق مبادرات في هذا الصدد خلال هذه السنة.
على صعيد آخر، بما يخص «تعايش» هذه الفصائل المقاتلة مع «الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية» المظلة السياسية الرئيسية لقوى المعارضة، قال الشعار «في النهاية ميدانيًا عوض أن يكون لديك 400 فصيل، ولكل منها رأي سياسي مختلف عن الآخر، تصبح الآراء موحدة ما بين الفصائل الكبيرة». وأردف، أنه على الصعيد السياسي يتوقع ائتلافًا يُعترف به دوليًا، وكذلك هيئة تنسيق للمفاوضات. وتابع أنه بالنسبة لـ«الهيئة»، فإن وجود هيئة عسكرية موَّحدة «سيكون مصدر قوة؛ ما يضعنا في مصدر القرار ويعطي الفصائل العسكرية على الأرض صوتا موحّدا. أما إذا بقينا منقسمين فسيتم التعامل معنا كمجرّد عصابات مسلّحة».
* العسكر والسياسة
ولكن في ظل المعطيات الحالية، ثمة علامات استفهام كبيرة توضع على «جبهة فتح الشام» التي يظهر أنها مرفوضة روسيًا وأميركيًا. وهنا يقول إياد الشعار معلقًا «لا تتقبل أميركا ولا روسيا، إلى حد الآن (جبهة فتح الشام)، وأنا أتمنى هنا أن يكون لـ(فتح الشام) تصرف يؤكد فك ارتباطها بالكامل مع تنظيم القاعدة الأم، ولو أني شخصيًا مقتنع بأن الانفصال عن (القاعدة) حقيقي».
في هذا السياق، وردًا على سؤالنا عن التضحيات التي يقدّر أن «فتح الشام» ستكون مستعدة لتقديمها توصلاً إلى حل سياسي؟ أجاب «سبق أن تسلمت المكتب العسكري في (أحرار الشام) وثقافتي العسكرية تؤمن بأن للعسكر قرارا سياسيا. وأنا أرى أن الحل في سوريا في النهاية سيكون حلاً سياسيا. فالعمل السياسي هو الذي يضع الرؤية للدولة والحكم. غير أننا مع ذلك لن نتنازل عن مبادئ وثوابت الدولة، أي الإسلام، وعن عدم بقاء بشار الأسد أو أركان نظامه، حتى ولو لمرحلة انتقالية. وكل ما يختلف عن ذلك يعتمد على المصالح. لكن ما أستطيع أن أؤكده أن المعركة لن تنتهي سريعًا».
ولكن بعيدًا عن النظريات، كان لا بد من التطرق إلى الواقع، وبالأخص، في سياق ما يتردد عن وجود خطط لتقسيم سوريا. وهنا قال القيادي في «أحرار الشام» شارحًا «حاليا باتت غرف العمليات موحّدة، ويبقى الأقوى بينها غرفة عمليات (فتح الشام) التي ينضوي تحتها (أحرار الشام) و(فتح الشام) و(الفيلق) وكل (الجيش الحر) باستثناء تنظيم (جند الأقصى) الذي أخرجناه. ذلك يعني أنه أصبح لنا هيئة عمليات موحدة، وهذا يقصِّر من طول المعركة، كما أن الغرب متخبط بالنسبة إلى سوريا. وبالنسبة إلى موضوع التقسيم، الذي يثار في شمال سوريا بالذات أساس كيان كردي، أقول إن الأكراد هم جزء من النسيج السياسي السوري، ولدينا أكراد في فصائل الجيش السوري الحر».
* «النصرة» و«القاعدة»
من جانب آخر، ما زالت قضية ما حصل مع «جبهة النصرة» وولادة تنظيم «جبهة فتح الشام» تأكيدًا للانفصال عن «القاعدة»، قال إياد الشعار إن «هناك شخصيات في الثورة السورية عملت على التواصل مع (جبهة النصرة) لإقناعها بأن الارتباط بـ(القاعدة) سبب لنا أزمات كثيرة». وأردف أنه يوجد تيار كبير في «النصرة» يتفهم أهمية فك الارتباط مع «أبو محمد الجولاني»، وإن جاء القرار متأخرا فإنه يبقى لمصلحة الثورة، والآن في الثورة السورية لا يرتبط أي فصيل بالخارج. ثم أضاف تعليقًا على تشكيك متابعين كثيرين بحقيقة فك ارتباط «النصرة» بـ«القاعدة»، قائلا: «يعتبر كثيرون أن آيديولوجية (النصرة) تصطدم مع مبادئ الثورة ولا تسمح بانفصال حقيقي عن (القاعدة). لكن تجربة (النصرة) هذه لم تنسحب على تنظيمات أخرى تضم من يعتبرون خطوة كهذه بمثابة الكفر. لكنني متأكد من أن التيار الشامي (داخل «النصرة») لا يتبنى فكر (القاعدة) بقتال العدو البعيد، والدليل على ذلك أن اثورة السورية لم تضرب في الخارج. ولذلك؛ علينا أن ندعم فك الارتباط؛ لأنه في حال أفشله الغرب سيؤدي ذلك إلى تعاطف ثوار (الجيش الحر) مع (فتح الشام). وأكرر أنه يجب إفشال التيار المتطرف، علما بأن أكثر من 11 قائدا في (جبهة النصرة) تركوا التنظيم بعد فك الارتباط».
وسألنا الشعار، مشيرين إلى اتهام بعض الباحثين «جبهة النصرة» بقتل أكثر من 13 شخصية من «أحرار الشام»، كيف يمكن أن يؤثر ذلك في علاقة «أحرار الشام» بـ«فتح الشام»؟ فكانت الإجابة قاطعة؛ إذ قال «ليس لدينا إثباتات عن هذا الموضوع. جرت بيننا اشتباكات فردية، ولكن لا توجد خلافات آيديولوجية حقيقية. وإذا حصلت خلافات فسببها التيار المتشدد».
واستطرادًا، وحول ما إذا كان فك الارتباط بـ«القاعدة» يعني – وفق منظور «أحرار الشام» – اقتراب «فتح الشام» من طبيعة الفكر القتالي المحلي التي تختلف عن القتال عالميًا كحال «القاعدة»، قال إياد الشعار «إن 90 في المائة من (فتح الشام) هم من السوريين. وطبيعة الشعب غير مؤدلجة، ولا تؤمن بالقتال العالمي أو بالقتال بهدف القتال. نحن شعب مدني. لذلك؛ أعتقد أن على (فتح الشام) الإثبات أنها تنتمي إلى الشعب السوري».
* مقاتلو الخارج
هنا، فرض نفسه التساؤل عن موقع المقاتلين «المهاجرين»، أي الذين جاؤوا إلى الأراضي السوري من الخارج. وأجاب قيادي «أحرار الشام» موضحًا «يقسم المهاجرون قسمين: القسم الأكبر منهم يحمل فكر الدواعش، ولقد التحق فعلاً بتنظيم داعش، وأما الباقون، وعددهم قليل فتزوّج غالبيتهم من سوريات وبدأ يتشرب الفكر السوري ويتأقلم مع البيئة السورية».



2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
TT

2020... موجة إرهابية جديدة تجتاح العالم

رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)
رجال الشرطة البريطانية بجانب سيارة مخصصة لكشف المتفجرات في برادفورد بعد اعتقال رجل للاشتباه بحيازته قنابل أول من أمس (إ.ب.أ)

مبكراً جداً بدأت العمليات الإرهابية في العام الجديد 2020، وربما استغلت الخلايا الإرهابية القائمة والنائمة حالة الارتباك الحادثة في الشرق الأوسط والخليج العربي وشمال أفريقيا، لا سيما أزمة المواجهة الإيرانية - الأميركية الأخيرة، وما يحدث على سطح البحر الأبيض المتوسط من أزمات، مثل المحاولات التركية لإرسال قوات عسكرية إلى ليبيا... نقول استغلت تلك الجماعات المشهد، وها هي آخذة في النمو السيئ السمعة مرة جديدة، وإن كانت كالعادة الأيادي التركية والقطرية وراءها وتدعمها لأهداف لا تخلو عن أعين الناظر المحقق المدقق في المشهد الآني: ماذا عن تلك العمليات؟ وما دلالاتها في الحال والاستقبال وتجاذباتها وتقاطعاتها مع الدعم التركي والقطري الذي لا يتوقف؟

المتابع لشأن الإرهاب حول العالم يمكنه -بسهولة ويسر- رصد الاعتداء الإرهابي الذي حدث على قاعدة عسكرية في مالي، وكذا تعرض مسجد في باكستان لعمل هجومي من جماعات متطرفة، وصولاً إلى مهاجمة معسكر للجيش في نيجيريا.
إرهاب 2020 إذن به مسحات جديدة من التعرض لدور العبادة الإسلامية، الأمر الذي أودى بحياة 12 شخصاً، وهو أمر وصفته الحواضن الإسلامية الشرعية في المنطقة بأنه عمل إجرامي آثم يخالف دين الإسلام، بل يخالف كل الأديان التي دعت إلى حماية دور العبادة وحرمتها والدفاع عنها، وهو ما يؤكد أيضاً أن الإرهاب لا يرعى حرمة دين أو وطن، كما أنه يهدف إلى زعزعة استقرار البلاد، والإضرار بالعباد في كل مكان وزمان.
ولعل التفجير الإرهابي الثاني في هذا الحديث هو ما يقودنا إلى قصة الساعة، وما يجري لتحويل أفريقيا إلى موقع وموضع لحاضنة إرهابية، حكماً ستكون الأكبر والأخطر من تجربة دولة الخلافة المزعومة في العراق وسوريا، المعروفة بـ«داعش».
وجرى ذلك العمل الإرهابي على أراضي جمهورية مالي التي باتت يوماً تلو الآخر تتحول إلى بؤرة إرهابية كبرى، لا سيما جراء تنوع وتعدد الجماعات الإرهابية القائمة على أرضها. فقد تم استهداف قاعدة عسكرية نهار الخميس التاسع من يناير (كانون الثاني) الحالي، وأسفر عن إصابة 20 شخصاً، بينهم 18 من قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وقد وقع التفجير في منطقة تساليت بإقليم كيدال، شمال جمهورية مالي.
هل كانت تلك العملية الأولى من نوعها في مالي؟
بالقطع الأمر ليس كذلك، ففي أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، أعلن تنظيم داعش في منطقة الصحراء الكبرى مسؤوليته عن الهجمات الإرهابية التي وقعت هناك، وأودت بحياة 53 جندياً مالياً ومدنياً واحداً، وفق حصيلة رسمية، و70 جندياً، وفق الحصيلة التي أعلن عنها التنظيم الإرهابي الذي تبنى أيضاً هجوماً في المنطقة نفسها، قتل فيه جندي فرنسي.
وكان واضحاً من بيان «داعش» أن مالي تحولت إلى مركز متقدم على صعيد عمليات الإرهاب، إذ أعلن التنظيم، في بيان له عبر تطبيق «تلغرام»، أن من يطلق عليهم «جنوده» استهدفوا رتل آليات للقوات الفرنسية بالقرب من قرية انديليمان، بمنطقة ميناكا، شمال شرقي مالي، بتفجير عبوة ناسفة. كما أعلن التنظيم في بيان منفصل أن مقاتليه «هاجموا قاعدة عسكرية يتمركز فيها جنود من الجيش المالي».
ولا يستهدف إرهابيو «داعش» وبقية الجماعات الإرهابية في تلك المنطقة القوات الفرنسية فحسب. ففي وقت سابق من سبتمبر (أيلول) من العام الماضي أيضاً، تم استهداف ثكنات عسكرية في بولكيسي، قتل فيها 40 جندياً مالياً، وفق الحصيلة الحكومية، وإن كانت هناك حصيلة أخرى غير رسمية تشير إلى أن الخسائر أكبر من ذلك بكثير.
ويخشى المراقبون من أن يكون الإرهاب قد جعل من مالي قاعدة متقدمة له، رغم الرفض والتنديد الشعبيين هناك بتلك الجماعات المارقة التي أضحت تتمركز على الشريط الحدودي بين النيجر ومالي وبوركينا فاسو، الأمر الذي وصفه الإمام محمود ديكو بأنه «نزف تعيشه مالي، ولا يمكن أن يستمر طويلاً». وقد سبق أن دعا ديكو إلى ضرورة فتح حوار وطني يشارك فيه جميع الماليين لتوحيد الصفوف في وجه الإرهاب، وهو الذي سبق أن تفاوض مع الإرهابيين للإفراج عن رهائن، من ضمنهم جنود ماليون.
ولعل المراقبين لشأن هذه الجمهورية الأفريقية التي باتت مصدر خوف وقلق لبقية القارة الأفريقية يتساءلون عن السبب الرئيسي الذي جعل منها خلفية للإرهاب الأممي، يخشى معها أن تمثل مع النيجر والصومال وكينيا مربع قوة ونفوذاً غير تقليدي يستنهض أوهام ما أطلق عليه الخلافة في فكر «الدواعش»، وغيرهم من جماعات التكفير، لا التفكير.
البداية في واقع الحال تنطلق من التركيبة الديموغرافية لهذا البلد، فهي مليئة بالأعراق التي تكاد عند نقطة بعينها تضحى متقاتلة، ففيها مجموعة الماندي التي تشكل نحو 50 في المائة من إجمالي السكان، والطوارق والعرب الذين يشكلون نحو 10 في المائة، والفولتايك الذين يشكلون 12 في المائة، والسنغاري بنسبة 6 في المائة، والبول الذين يشكلون 17 في المائة، بالإضافة إلى مجموعات عرقية أخرى تشكل ما نسبته 5 في المائة.
ويمكن القطع بأن الجماعات الأصولية المختلفة قد أجادت العزف السيئ على مسألة الأعراق المالية المختلفة، وجعلت منها نقطة انطلاق لتقسيم المجتمع المالي، وتجزئته عبر تنويع وتعدد الانتماءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى وقوع 270 هجوماً إرهابياً في جمهورية مالي خلال الأشهر الثلاثة الماضية، والعهدة هنا على التقرير الأممي الصادر عن الأمم المتحدة الذي أشار إليه الأمين العام أنطونيو غوتيريش، مؤكداً أن حصيلة تلك الهجمات قد بلغت 200 قتيل من المدنيين، و96 مصاباً، إضافة إلى اختطاف 90 آخرين، لافتاً إلى أن 85 في المائة من الهجمات المميتة وقعت في منطقة موبتى، حيث قتل خلالها 193 من القوات المسلحة، وجرح 126.
وفي هذا الإطار، كان من الطبيعي أن تشهد مالي حالة من حالات انعدام الأمن، بعد أن سيطرت جماعات مرتبطة بتنظيم «القاعدة» على مناطق واسعة من شمال مالي، قبل أن يتدخل الفرنسيون والأفارقة لطرد هذه الجماعات من المدن الكبرى، وإن كانت الأخيرة تشن حرب عصابات منذ ذلك الوقت كبدت الفرنسيين والأفارقة والجيش المالي خسارة كبيرة.
ولم تكن مالي بطبيعتها المهترئة اجتماعياً لتغيب عن أعين الدواعش الذين دخلوا على الخط عام 2015، عندما أعلن المدعو أبو الوليد الصحراوي الانشقاق عن جماعة «المرابطون»، وتشكيل تنظيم جديد بايع تنظيم داعش، سماه «تنظيم داعش في الصحراء الكبرى».
وخذ إليك، على سبيل المثال، بعضاً من تلك الجماعات التي باتت تغطي ثلثي الجهورية المالية منذ عام 2012، وفي المقدمة منها «جماعة التوحيد والجهاد». وقد كان حصان طروادة بالنسبة إليها، وما تسبب في انتشارها في البلاد، حالة الفوضى والارتباك التي أعقبت الانقلاب العسكري الذي حدث في 22 مارس (آذار) 2012. فقد برزت على السطح في هذا التوقيت، وتمكنت من احتلال شمال مالي. ويرى محللو شؤون الإرهاب الدولي في القارة الأفريقية أنه أحد أكثر التنظيمات رعباً، لكونه مسلحاً وممولاً بشكل جيد، فضلاً عن قيامه بتكثيف عملياته الإرهابية منذ ظهوره، وتمركزه في الهضبة الصحراوية الشاسعة الممتدة في منطقة تساليت، وفرض سيطرته بلا منازع على عدد من القرى في تلك المنطقة.
ولم تكن جماعة «التوحيد والجهاد» بعيدة بحال من الأحوال عن تنظيم القاعدة، غير أنها انفصلت عنها وانتشرت في بلاد المغرب الإسلامي، تحت دعوة نشر فكر «الجهاد» في غرب أفريقيا، بدلاً من الاكتفاء فقط بمنطقة الغرب أو منطقة الساحل.
ويمكن للمرء أن يعدد أسماء كثيرة من التنظيمات الإرهابية على الأراضي المالية، مثل جماعة أنصار الدين، وهذه لها جذور عميقة في المجتمع المالي، ولذلك تضم ما بين 5 آلاف و10 آلاف عضو مزودين بأسلحة متقدمة.
وعطفاً على ذلك، يلاحظ المراقبون جماعات أصولية، وإن كانت أقل قوة من حيث العدة والعتاد، إلا أنها أخطر من جانب الأساس العقائدي، مما يجعل فرص ارتقائها أكبر وأوسع.
ومع تصاعد عمليات الإرهاب في مالي، وما حولها من دول جميعها مرتبطة بعقد واحد من الأصوليات الخبيثة، يبقى البحث عمن يزخمها ويساندها أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة.
أما الجواب فهو يسير. ففي 25 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أعلنت الإدارة العامة للأمن الوطني في النيجر عن القبض على مجموعة إرهابية تتكون من 3 أشخاص، يحمل 2 منهم الجنسية التركية، بالإضافة إلى متعاون محلي من مواطني النيجر.
ويضحي من الطبيعي القول إن اعتقال أتراك في النيجر يفتح ملف الإرهاب التركي - القطري في العمق الأفريقي، ويثير من جديد قضية نقل الإرهابيين إلى طرابلس دعماً للميليشيات الموالية لقطر وتركيا في ليبيا، في مواجهة الجيش الوطني الليبي.
ويوماً تلو الآخر، يثبت للعالم أن هناك أكثر من ستار تختبئ تركيا من وراءه، وبتمويل قطري لا يغيب عن الأعين، في محاولة متجددة لا تنقطع من أجل إعادة إنتاج مشروع الخلافة الوهمي، حتى إن كلف ذلك أكثر من دولة أفريقية أمنها وأمانها.
ومن عينة الستر التي تختبئ تركيا وراءها: «الهلال الأحمر التركي»، و«الوكالة التركية للتعاون والتنسيق». أما قطر، فمنذ أمد بعيد تستخدم جمعية «قطر الخيرية» ستاراً لاستقطاب الإرهابيين والمرتزقة لدعم الميليشيات في طرابلس.
ومؤخراً، كان موقع «انفيستجتيف بروجكت» الأميركي المتخصص في إلقاء الضوء على القضايا الإرهابية يكشف عن العلاقة التي تربط بين المثلث الجهنمي الإخواني بأذرعه المختلفة، لا سيما في الولايات المتحدة الأميركية، وجمعيات تركيا الخفية التي تعمل تحت ستار الأعمال الخيرية، والرابط الأكبر المتمثل في الدعم المالي القطري لهما، وهي قصة يضيق المسطح المتاح للكتابة عن سردها وعرضها، وإن كانت باختصار تبين أن العمق الأفريقي هو مكمن خطر الإرهاب العالمي في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين.
ومؤخراً، تتحدث واشنطن عن انسحاب قواتها المسلحة من القارة الأفريقية، بذريعة التفرغ لملاقاة روسيا والصين حول العالم، وتالياً ترفض ألمانيا المشاركة بجنود في القوة الأوروبية التي تقودها فرنسا في الساحل الغربي الأفريقي لمواجهة خطر الإرهاب... فهل يعني ذلك أن هناك فصلاً جديداً من فصول نماء الإرهاب الدولي في ظل غض الطرف عنه؟!
آفة حارتنا النسيان. والذين لدغوا من ثعبان الإرهاب من قبل يبدو أنهم لم يتعلموا الدرس بعد.