افتقار «الكوماندوز النسائي» للخبرة أنقذ باريس مرتين من عمليات تخريبية

أسماؤهن: إيناس، وسارة، وآمال، وأورنيلا وربما هناك أخريات من المرجح أن يكشف التحقيق الذي تقوم به الأجهزة الأمنية الفرنسية عن هوياتهن. هؤلاء يشكلن «الكوماندوز النسائي الإرهابي» الذي حاول ارتكاب عمل إرهابي من نوع جديد في باريس عن طريق ركن سيارة مملوءة بقوارير الغاز قرب كاتدرائية نوتردام وهي الكنيسة الرئيسية الواقعة في قلب العاصمة الفرنسية والتي تشهد ازدحاما بشريا طيلة أيام السنة. والكوماندوز نفسه كان يخطط، وفق ما رشح عن الأجهزة الأمنية وما أفاد به المدعي العام للشؤون الإرهابية في فرنسا فرنسوا مولينس لتفجير محطة للقطارات في باريس أو في الضواحي. وتفيد معلومات متوافرة أن المكان المستهدف كان المحطة المعروفة باسم «محطة ليون» التي تنطلق منها القطارات باتجاه الجنوب والجنوب الشرقي الفرنسي وصولا إلى مرسيليا ونيس ومرورا بمدينة ليون.
المرجح أن ما قد يكون أنقذ العاصمة الفرنسية من عملية إرهابية إضافية كانت ستوقع كثيرا من الضحايا في حال حصولها، أمران: الأول أن «الكوماندوز النسائي» يتشكل، لحسن الحظ، من «هاويات». ذلك أن إيناس مدني البالغة من العمر، 19 عاما، وصديقتها أورنيلا اللتين ركنتا سيارة البيجو 607 إلى جانب الكاتدرائية لم تنجحا في إشعال قوارير الغاز، التي كان يفترض بها أن تشعل أسطوانات الغاز وتتسبب في الانفجار الكبير. ولدى تفتيش السيارة، عثر المحققون الفرنسيون على جزء من سيجارة أشعلت وعلى غطاء يظن أن الفتاتين أرادتا إشعاله أولا لتفجير الأسطوانات الخمس الممتلئة. وبما أنهما لم تنجحا في ذلك، فقد تخليتا عن مشروعهما ولاذتا بالفرار تاركتين وراءهما السيارة من غير لوحة معدنية. والحال أن الشرطة تعرفت سريعا على صاحب السيارة الذي هو والد إيناس مدني، وهو معروف لديها بسبب تشدده الديني. وكانت إيناس التي كانت تسكن في وسط فرنسا قد «اختفت» مع السيارة منذ عدة أيام.
أما الأمر الثاني الذي أنقذ العاصمة والذي يدل على أن الكوماندوز النسائي كان يفتقر للخبرة فقوامه أن الأجهزة الأمنية كانت قد أخضعت هاتف سارة الجوال لعملية تنصت الأمر الذي سمح لها بالتعرف على وجود خطة للهجوم على محطة القطارات، وتحديدا يوم الخميس الماضي. وهذه المعلومة دفعت الشرطة إلى تشديد الرقابة على المحطات كلها في باريس والضواحي وعمدت إلى استباق التنفيذ من خلال القبض على النساء الأربع.
الواقع أن سارة ليست وافدة جديدة على عالم التشدد والإرهاب. وإذا كانت إيناس قد بايعت «داعش» وسعت لتنفيذ عملية إرهابية بطلب من هذا التنظيم لفشلها في الوصول إلى «ميادين التطرف» في سوريا والعراق، فإن سارة فعلت ذلك وذهبت إلى تركيا حيث قبض عليها وأعيدت إلى فرنسا في ربيع العام الماضي. ورغم أن اسمها موجود على لائحة الأشخاص الخطرين الموضوعة أسماؤهم تحت الملف «S»، فقد أخلي سبيلها وأصبحت تباعا خطيبة الإرهابي العروسي عبد الله، قاتل ضابط الشرطة وزوجته اللذين ذبحا في شهر يونيو (حزيران) الماضي في مدينة مانيانفيل، شمال العاصمة. وبعد مقتله، ارتبطت بعلاقة مع عادل كرميش الذي ذبح كاهن كنيسة سان إتيان دو روفريه «قريبا من مدينة روان» في شهر يوليو (تموز) الماضي.
وبعد مقتل الثاني، أصبحت خطيبة محمد لمين عبروز، الذي ألقي القبض عليه الخميس الماضي. وهذا الأخير هو شقيق أحد الذين مدوا يد المساعدة للعروسي عبد الله وهو يرتع في السجن.
عندما عمدت الشرطة للقبض على إيناس مدني في شارع من مدينة بوسي سان أنطوان في منطقة أيسون الواقعة جنوبي باريس، عثر في حقيبة يدها على رسالة قرأ المدعي العام مولينس فقرات منها في مؤتمره الصحافي أول من أمس. وجاء في المبايعة المكتوبة بخط اليد أنها تقوم بهذه العملية «استجابة لدعوة أبو محمد العدناني، حيث قالت: «أنا أهاجمكم في عقر داركم لإثارة الهلع في قلوبكم». وبحسب مولينس، فإن «الكوماندوز النسائي الإرهابي» كان يتحرك بتوجيه من الخارج وتحديدا من «داعش». وبحسب ما تسرب عن الأجهزة الأمنية، فإن «مشغل» الإرهابيات هو أحد كوادر «داعش» واسمه رشيد قاسم وهو كان شغل آخرين قاموا بعمليات إرهابية في فرنسا في الأشهر الماضية وبينها عملية قتل الشرطيين وذبح الكاهن.
عند حصول عملية إرهابية في الأشهر الماضية «240 قتيلا خلال 20 شهرا ومئات الجرحى»، كانت الانتقادات تنصب من اليمين واليمن المتطرف على فشل السلطة والأجهزة الأمنية في حماية الفرنسيين. وكان كبار المسؤولين «رئيسا الجمهورية والحكومة ووزير الداخلية» يؤكدون أن التدابير كافة قد اتخذت وأن البلاد تعيش في ظل حالة الطوارئ منذ خريف عام 2015.
أمس، لم يخف الوزير برنار كازنوف فرحه بسبب تعطيل الخلية النسائية وتحاشي عمليات إرهابية جديدة لا بل ذهب أبعد من ذلك ليظهر أن الشرطة والدرك والمخابرات الداخلية والقضاء تقوم بواجباتها. وبحسب الأرقام التي كشف عنها كازنوف، فإن أجهزة الداخلية ألقت القبض على 293 شخصا مرتبطين بخلايا إرهابية في الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي ما يعني تفكيك كثير من الخلايا وتلافي عشرات الهجمات الإرهابية. بيد أن كازنوف سارع إلى القول إن هذا الإنجاز «لا يعني قدرتنا على تحاشي كل المحاولات» خصوصا أن الساعين لمثل هذه الأعمال يستخدمون، على حد قوله، وسائل جديدة للإفلات من الرقابة واللجوء إلى الرسائل المشفرة والأدوات الإرهابية غير المستخدمة سابقا في الإشارة مثلا إلى استخدام شاحنة في عملية كورنيش مدينة نيس (85 قتيلا) أو استخدام أسطوانات الغاز في محاولة الاعتداء الأخيرة. وخلص وزير الداخلية إلى أن «درجة الصفر» من المخاطر الإرهابية غير موجودة. وسبق لرئيس الجمهورية فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة مانويل فالس أن دعيا الفرنسيين لليقظة وتوقع حصول أعمال إرهابية جديدة.
ويرى مراقبون أن «داعش» آخذ، عن طريق البدء باستخدام الفتيات والنساء لتنفيذ عمليات إرهابية، وآخذ في تحقيق «نقلة استراتيجية» في عملياته الخارجية التي لا تتوافق مع الدور المناط بالنساء في «أرض الخلافة». وإذا كان صحيحا أن الأجهزة الأمنية نجحت في الأشهر الأخيرة في استباق محاولات سعت إليها فتيات في فرنسا كن عازمات على القيام بأفعال من النوع الإرهابي بسبب عجزهن عن السفر إلى سوريا والعراق، إلا أنها المرة الأولى التي تعرف فيها فرنسا على ظاهرة الكوماندوز النسائي الإرهابي وفق تسمية مولينس.
في الأسابيع الأخيرة، انشغل الفرنسيون والفرنسيات عن موضوع الإرهاب بمعركة «البوركيني» التي لم تنته بعد فصوله. لكن توقيف الكوماندوز المذكور أعاد إلى الواجهة التهديدات الإرهابية ولكنها هذه المرة بصيغة المؤنث.