من فينيسيا إلى تورنتو.. مهرجان حافل بأفلام تحكي أحداثاً حقيقية

«الشرق الأوسط»: في مهرجان فينيسيا السينمائي : يعرض 4 أعمال عن شخصيات سياسية

من «جاكي» مع نتالي بورتمن في دور زوجة كندي - «سنودن» إخراج أوليفر ستون
من «جاكي» مع نتالي بورتمن في دور زوجة كندي - «سنودن» إخراج أوليفر ستون
TT

من فينيسيا إلى تورنتو.. مهرجان حافل بأفلام تحكي أحداثاً حقيقية

من «جاكي» مع نتالي بورتمن في دور زوجة كندي - «سنودن» إخراج أوليفر ستون
من «جاكي» مع نتالي بورتمن في دور زوجة كندي - «سنودن» إخراج أوليفر ستون

وحدهم الذين يعتبرون مهرجان تورنتو أقرب إلى سوق كبيرة من الأفلام ويتحيّزون ضده على هذا الأساس، لا يعرفون قيمته بالنسبة للعالم ومنتجيه ومخرجيه. هؤلاء يعتبرونه المحطة الأولى التي سيتوقف على قطار العروض السينمائية المميّزة في موسم الجوائز المنطلق من مطلع هذا الشهر وحتى منتصف فبراير.
فنيسيا يطوي صفحته الثالثة والسبعين يوم غد العاشر من الشهر. تولياريد انتهى قبل ثلاثة أيام وتورنتو بدأ يوم أمس. بين الثلاثة تتوزع عروض أكثر 400 فيلم نصفها تقريبًا عروض برميير أولى إما دوليًا أو أميركيًا.
لكن تورنتو، بالنسبة لبعض النقاد العرب، لا يستطيع، وهو في دورته الجديدة بعد أكثر من ثلاثين سنة على إطلاقه، أن يقنعهم بأنه مهرجان كبير بأفلام فنية وجيدة وجادة كحال أي مهرجان آخر. لكن هل ترى تورنتو يهتم وهو محط إعجاب مئات السينمائيين الذين ينتقلون إليه كل سنة؟ لو كان دون الأهمية التي يحتلها اليوم هل واكب، في السنوات العشرين الأخيرة على الأقل، نجاحات متوالية؟
بعض هذه الأسئلة أجبنا عنها سابقًا ومردود عليها بأن التحفظ حيال فيلم ما أو مخرج ما أو مهرجان معيّن يعود إلى اعتبار منقوص لما هي السينما عليه. لذلك لا بد من القفز إلى بعض الأفلام المعروضة في نسخته لهذا العام التي تستمر حتى الثامن عشر، والتي تتوزع في تظاهرات تسودها أفلام بالغة التنوّع.

كندي وجونسون

أحد أهم اللافت للاهتمام وعلى نحو واضح هو كثرة الأفلام التي تتناول أحداثًا حقيقية أو سير حياة. ليس فقط بين الأفلام التسجيلية وغير الروائية عمومًا، بل بين الأفلام الروائية أيضًا. ليست المرّة الأولى، لكن بوجود أكثر من خمسة عشر فيلمًا روائيًا يبرر الاهتمام الذي قد يبديه الناقد وهو يجوب بين جديد هذا المهرجان.
فيما يمكن اعتباره الجانب الأكثر بروزًا بين هذه الأفلام، تتقدّم أفلام ذات حكايات شخصيات وأحداث سياسية. من بينها فيلمان يتعاملان وشخصيتي جون ف. كندي وليندون ب. جونسون، الرئيسان المتواليان في ستينات القرن الماضي.
في «جاكي» لبابلو لاران تحتل نتالي بورتمن البطولة. تؤدي دور زوجة الرئيس الأميركي الراحل في الفترة التي تم فيها اغتياله. يركز الفيلم عليها لكنه يتناول شذرات من حياتها معه، وكثيرًا من المشاهد المؤلّفة، عمليًا، ولو استندت إلى حقائق حول وقع الاغتيال عليها (وهو الذي حدث في دالاس سنة 1963). ليس فقط من حيث إنها كانت في السيارة ذاتها عندما قام أوزوولد بإطلاق النار من بندقية قنص فأصاب الرئيس في رأسه، بل تبعات ذلك على صعيد المسرح السياسي في البيت الأبيض.
LBG (الأحرف الأولى من ليندون ب. جونسون) هو موضوع فيلم آخر مخصص عنه يعرضه تورنتو جنبًا إلى جنب «كاكي». المخرج هو روب راينر والبطولة لوودي هارلسون في هذا الدور والفيلم هو دراما ترسم خطوطًا سوداء على نائب الرئيس جونسون الذي قفز إلى كرسي الرئاسة إثر اغتيال جون ف. كندي ومن ثم إلى محاولة بعثرة جهود كندي السياسية وإنجازاته خصوصًا الاجتماعية وما يتعلق بالتفرقة العنصرية.
الفيلم الثالث في هذا الاتجاه، «سنودن» يدور حول شخصية إدوارد سنودن كما يقوم به جوزف غوردن - ليفيت ومن منطلق يدين الحكومة الأميركية والإف بي آي ويمنح الموظف الذي كشف تجسس وكالات الأمن الأميركية على المواطنين صفة بطولية تناقض النعت الرسمي بأنه خائن لوطنه.
الفيلم للمخرج أوليفر ستون الذي سبق له أن طرح في أفلام روائية وتسجيلية شخصيات حقيقية، لكنه لم يعاملها بوضوح في كل المرّات. حافظ أحيانًا على خط رجعة يجنّبه مغبة حدوث انقسام بين مشاهديه.
فيلم آخر عن شخصية رئيس أميركي نجده في طيات فيلم أميركي آخر هو «باري» من إخراج الهندي فيكرام غاندي ويدور حول الحقبة الشابة من حياة الرئيس باراك أوباما. هذا كان أيضًا موضوع فيلم تسجيلي انطلق للعروض التجارية المحدودة أخيرا بعنوان «أميركا حسب» (Obama‪›‬s America).

هندي يبحث عن جذوره

المحيط العالمي يستأثر باهتمام بعض هذه الأفلام. وأحدها هو «الرحلة هي الوجهة» عن حياة المصوّر دان إلدون (يؤديه وجه جديد اسمه بن شنتزر) الذي قضى على أيدي صوماليين عندما قصد تغطية المجاعة التي وقعت في التسعينات. المخرجة برونوَن هيوز تعود بهذا الفيلم إلى السينما بعد 13 سنة من الغياب.
وفي «أسد» نتابع القصّة الحقيقية لشاب هندي عاش في أستراليا منذ أن كان في الخامسة من عمره بعدما تبناه والدان من هناك. عندما أصبح شابًا استخدم «غوغل» لتعقب القرية التي نشأ فيها والوصول إلى حقيقة والديه. الدور من بطولة دف باتل، الممثل الذي صنع اسمه انطلاقًا من بطولته لفيلم «مليونير العشوائيات» سنة 2008.
وفي حين لا يوجد فيلم روائي عن الحرب في سوريا أو العراق أو ليبيا، يقدم المخرجان فيليب نات وميكي يمين فيلما تسجيليًا من إنتاج ألماني عنوانه «نادي السيرف الغزاوي» ويدور حول شباب غزاويين يتنفسون شيئًا من الحرية المفقودة (بظروف الداخل والخارج) عبر رياضة السيرف.
ليست كل الأفلام التي تدور حول شخصيات حقيقية وأحداث واقعة سياسية. خذ مثلاً الفيلم الفرنسي «150 ملغ» لإيمانويل بركو الذي يسرد حكاية الممرضة التي اكتشفت علاقة بين ارتفاع نسبة الموتى في المستشفى الذي تعمل فيه وعقار جديد تم تداوله في فرنسا، إلى أن أثبتت الممرضة تلك العلاقة فتوقف إنتاجه.
على صعيد أخف وأكثر مرحًا هناك «مولد تنين» الذي يدور حول سنوات التمارين التي خاضها الممثل بروس لي وجعلت منه نجمًا عالميًا كبيرًا إلى أن قضى وهو ما زال في ذروة عطائه. هذا الفيلم الروائي (يقوم به الصيني فيليب نَغ) من صنع كندي - صيني أخرجه جورج نولفي الذي عرض في تورنتو سنة 2011 فيلمه الروائي «مكتب التعديل» مع مات دامون وإميلي بلنت.



أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
TT

أغنييشكا هولاند: لا أُجمّل الأحداث ولا أكذب

أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)
أغنييشكا هولاند (مهرجان ڤينيسيا)

بعد أكثر من سنة على عرضه في مهرجاني «ڤينيسيا» و«تورونتو»، وصل فيلم المخرجة البولندية أغنييشكا هولاند «حدود خضراء» إلى عروض خاصّة في متحف (MoMA) في نيويورك. «لا يهم»، تقول: «على الأفلام التي تعني لنا شيئاً أن تشقّ طريقاً للعروض ولو على مدى سنة أو أكثر».

فيلمها الأخير «حدود خضراء» نال 24 جائزة صغيرة وكبيرة واجتاز حدود نحو 30 دولة حول العالم. ترك تأثيراً قوياً منذ افتتاحه في المهرجان الإيطالي، حيث نال جائزةَ لجنة التحكيم الخاصة وفوقها 8 جوائز فرعية.

مردّ ذلك التأثير يعود إلى أن الفيلم (بالأبيض والأسود) تحدّث عن مهاجرين سوريين (ومهاجرة من أفغانستان) علِقوا على الحدود بين بروسيا وبولندا، وكلّ حرس حدود كان يسلبهم شيئاً ومن ثمّ يعيدهم إلى حيث أتوا. الحالة لفتت نظر جمعية بولندية أرادت مساعدة هؤلاء الذين تناقص عددهم بعدما اختفى بعضهم وسُجن آخرون. الدراما كما قدّمتها هولاند (75 سنة حالياً) نابعة من مواقف ونماذج حقيقية وأحداثٍ وقعت عالجتها المخرجة بأسلوب تقريري غير محايد.

نقطة حياة: «حدود خضراء» (مترو فيلمز)

لحظات إنسانية

> حال مشاهدتي لفيلم «حدود خضراء» في «مهرجان ڤينيسيا» خطر لي أنه يلتقي مع أفلام سابقة لكِ تناولت قضايا مهمّة وحادّة مثل «يوروبا، يوروبا» و«الحديقة السّرية» و«أثر» (Spoor) الذي عُرض في «برلين». كيف تُصنّفين أفلامك؟ وكيف تختارين قضاياها؟

- أفلامي السابقة تنوّعت كثيراً في موضوعاتها باستثناء أنني قصدت دوماً تناول ما اعتقدت أنه أجدى للمعالجة. والأفلام التي ذكرتها هي بالنسبة لي من بين أهم ما أخرجته. اخترتها لجانبها الإنساني أو، أُصحّح، لقضاياها الإنسانية. اخترتها لأن الأحداث وقعت في لحظات تاريخية ليست فقط مهمّة، بل هي لحظاتٌ بدت فيها الإنسانية بمنحدرٍ. هناك كثيرٌ ممّا يحدث في هذا العالم، وما حدث سابقاً يشكّل صدمة لي ولملايين الناس والفيلم هو صلتي مع هذه الأحداث. رأيي فيها.

«حدود خضراء» الفرار صوب المجهول (مترو فيلمز)

> «حدودٌ خضراء» هو واحد من أفلام أوروبية تناولت موضوع المهاجرين، لكن القليل منها انتقد السّلطات على النحو الذي ورد في فيلمك.

- أنا لست في وارد تجميل الأحداث. ولا أريد الكذب على المشاهد وأقول له إن ما تعرّض له مهاجرون مساكين على الحدود التي لجأوا إليها بحثاً عن الأمان غير صحيح، أو أنه حدث في شكل محصور. ومهنتي هذه استخدمها لقول الحقيقة، ولأفيد المشاهد بما أصوّره ولا يمكنني الكذّب عليه أو خداعه. ما شاهدته أنتَ على الشّاشة حصل وربما لا يزال يحصل في دول أوروبية أخرى.

نحو المجهول

> كيف كان رد فعل الجمهور البولندي حيال فيلمك؟

- إنها تجربة مهمّة جداً بالنسبة لي. سابقاً كان هناك حذرٌ من قبول ما أقدّمه لهم من حكايات. كثيرون قالوا إن هذا لا يمكن أن يحدث. نحن في أوروبا والعالم تغيّر عمّا كان عليه. والآن، مع هذا الفيلم، وجدتُ أن غالبية النّقاد وقراء «السوشيال ميديا» يوافقون على أن هذا يحدث. هناك من يأسف وهناك من يستنكر.

> نقدُك لحرس الحدود البولندي والبروسي في هذا الفيلم يؤكّد أن المعاملة العنصرية لا تزال حاضرة وربما نشطة. اليمين في أوروبا يجد أن طرد اللاجئين الشرعيين أو غير الشرعيين بات أولوية. صحيح؟

- نعم صحيح، لكن الاكتفاء بالقول إنه موقف عنصريّ ليس دقيقاً. نعم العنصرية موجودة ولطالما كانت، وعانت منها شعوب كثيرة في كل مكان، ولكن العنصرية هنا هي نتاج رفض بعضهم لقاء غريبٍ على أرض واحدة، هذا رفض للإنسانية التي تجمعنا. للأسف معظمنا لا يستطيع أن يمدّ يده إلى الآخر في معاملة متساوية. الحروب تقع وتزيد من انفصال البشر عن بعضهم بعضاً. ثم لديك هذا العالم الذي يسير بخطوات سريعة نحو المجهول في كل مجالاته.

> هل تقصدين بذلك التقدم العلمي؟

- بالتأكيد، لكني لست واثقة من أنه تقدّمَ حقاً. الذكاء الاصطناعي؟ هذا وحده قد يذهب بما بقي من ضوابط أخلاقية ومجتمعية. أعتقد أن التأثير الأول لذلك أننا نعيش في زمن نعجِز عن فهم تغيّراته، والنتيجة أننا بتنا نهرب إلى حيث نعتقده ملجأً آمناً لنا. نهرب من التّحديات ونصبح أكثر تقوقعاً معتقدين أن ذلك خير وسيلة للدفاع عن مجتمعاتنا.

ضحايا

> عمَدتِ في «حدود خضراء» إلى تقسيم الفيلم إلى فصول. هذا ليس جديداً لكنه يطرح هنا وضعاً مختلفاً لأننا ننتقل من وضع ماثلٍ ومن ثَمّ نعود إليه لنجده ما زال على حاله. ما الذي حاولتِ تحقيقه من خلال ذلك؟

- هذه ملاحظة مهمّة. في الواقع هناك قصصٌ عدة في هذا الفيلم، وكل شخصية تقريباً هي قصّة قابلة للتطوّر أو التوقف. وهناك 3 فرقاء هم الضحايا والمسعفون ورجال السُّلطة. بعضُ هذا الأسلوب المطروح في الفيلم مشتقٌ من العمل الذي مارسته للتلفزيون وهو يختلف عن أسلوب السّرد السينمائي، وقد اعتمدت عليه هنا لأنني وجدته مناسباً لفيلمٍ يريد تقديم الأحداث في شكلٍ ليس بعيداً عن التقريرية.

> هناك أيضاً حربٌ أوروبية دائرة على حدود بولندا في أوكرانيا. هل يختلف الوضع فيما لو كان أبطال فيلمك أوكرانيين هاربين؟

- نعم. يختلف لأنّ الرموز السياسية للوضع مختلفة. البولنديون يشعرون بالعاطفة حيال الأوكرانيين. السلطات لديها أوامر بحسن المعاملة. لكن هذا لم يكن متوفراً وليس متوفراً الآن للاجئين غير أوروبيين.