بوادر توتر بين جنوب السودان وإثيوبيا على خلفية اتهامات بدعم مشار

مسؤول رفيع من جوبا يبدأ زيارة لأديس أبابا لبحث القضايا الخلافية

بوادر توتر بين جنوب السودان وإثيوبيا على خلفية اتهامات بدعم مشار
TT

بوادر توتر بين جنوب السودان وإثيوبيا على خلفية اتهامات بدعم مشار

بوادر توتر بين جنوب السودان وإثيوبيا على خلفية اتهامات بدعم مشار

كشفت مصادر قريبة من حكومة جنوب السودان عن وجود خلافات عميقة بين جوبا، وحكومة أديس أبابا، بعد اتهامات مبطنة للسلطات الإثيوبية بالتورط في تدريب قوات الحماية التابعة للنائب الأول السابق الدكتور رياك مشار.
ونشرت صحف صادرة باللغة الإنجليزية في جوبا صورا لبطاقات عليها علم الدولة الإثيوبية، قالت: إنها وجدت في مقر مشار عقب المعارك الأخيرة التي دارت في العاصمة وعلى إثرها خرج مشار من العاصمة جوبا ليظهر لاحقا في العاصمة السودانية الخرطوم التي ما زال يقيم فيها. وعلقت الخطوط الإثيوبية رحلاتها إلى جوبا منذ أكثر من شهر، في وقت بدأ النائب الأول للرئيس تعبان دينق قاي زيارة إلى أديس أبابا أمس لإجراء محادثات مع القيادات في الدولة الجارة، بشأن القضايا الخلافية.
وبدأت بوادر توتر بين دولتي جنوب السودان وإثيوبيا في أعقاب المعارك الأخيرة التي شهدتها جوبا بين قوات الرئاسة التابعة للرئيس سلفا كير ونائبه الأول رياك مشار في يوليو (تموز) الماضي، مما دفعت الأخير للخروج من جوبا إلى أن وصل حدود بلاده مع الكونغو وتم نقله عبر بعثة الأمم المتحدة التي تعمل هناك ومن ثم إلى الخرطوم. وقالت مصادر مطلعة ومقربة من حكومة جنوب السودان «الشرق الأوسط» إن هنالك اتهامات مبطنة من جوبا إلى دولة إثيوبيا حول تورط الأخيرة في تدريب قوات الحماية التابعة للنائب الأول السابق لرئيس جنوب السودان الدكتور رياك مشار.
وأضافت أن هذه القوات نالت تدريبًا عاليًا وأظهرت ذلك خلال المواجهات التي اندلعت في جوبا في يوليو الماضي، وأشارت إلى أن قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار لديها تمتد إلى داخل إثيوبيا، وذكرت المصادر أن بعض الصحف تحصلت على بطاقات قالت: إنها تتبع لأفراد الحراسة الخاصة بقوات الحماية التابعة لمشار، ولكنها تحمل شعار دولة إثيوبيا رغم أنهم من قبيلة النوير التي ينتمي إليها مشار.
وأفادت المصادر أن حكومة جنوب السودان لم توجه اتهاماتها بشكل علني ولكنها سربت تلك المعلومات التي أصبحت متداولة في جوبا، وقالت: إن السلطات الإثيوبية قامت بتعليق رحلات طيران خطوطها إلى جنوب السودان وإن عددا من الفنادق التي يملكها إثيوبيون قد أغلقت خوفًا من أن يتعرضوا للاعتداءات، وتوجد جالية إثيوبية كبيرة في جوبا وعدد من مدن البلاد وتتخوف من الاستهداف.
وستتركز مناقشات مسؤول جنوب السودان على القضايا المشتركة بين البلدين وتنفيذ اتفاقية السلام. وتعد زيارة النائب الأول تعبان دينق قاي هي الثالثة من نوعها لدول الجوار منذ تعيينه في المنصب في يوليو الماضي عقب فرار سلفه رياك مشار من جوبا، حيث بدأ أول زيارة إلى نيروبي وبعدها الخرطوم ثم الآن في أديس أبابا، ووفقًا لوزير النفط عضو الوفد ايزيكيل لول قاتكواث فإن زيارة قاي تهدف إلى مناقشة قضايا استراتيجية بين جوبا وأديس أبابا والمتعلقة بالأمن، الحدود، التجارة والطرق وتحسين وتطوير العلاقات بينهما، وقال: «نحن ننظر إلى أن إثيوبيا دولة جارة وحليف استراتيجي ووقفت معنا منذ أيام حرب التحرير في العام 1983»، حيث خاضت الحركة الشعبية حرب العصابات ضد الحكومات السودانية والتي انتهت باتفاقية السلام الشامل العام 2005، مشيرًا إلى أن الطرفين سيناقشان قضايا استقرار الإقليم وبحث كيفية تحقيق السلام في البلدان التي تشهد نزاعات في المنطقة.
من جهة أخرى دعا الأمين العام السابق لحزب الحركة الشعبية لتحرير السودان الحاكم باقان أموم مجلس الأمن الدولي التحضير لخطة بديلة في حال تراجعت حكومة الرئيس سلفا كير ميارديت عما اتفقت عليه مع وفد مجلس الأمن الدولي الذي زار جوبا الأسبوع الماضي وبحث تفاصيل قراره بنشر قوات إقليمية قوامها (4000) جندي من قوات حفظ السلام لحماية المدنيين وعمال الإغاثة الإنسانية والمنشآت الحيوية في جوبا.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟