معمارية محاصرة في حمص تتخيل مستقبلاً جديدًا للمدن السورية

تكشف بالصور أوجه الفشل في التصميم والعمارة التي قالت إنها مهدت الطريق لدمارها في النهاية

أعضاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتفقدون زقاقًا من السوق القديمة المدمرة بسبب المعارك في قلب مدينة حمص في 14 أغسطس الماضي كجزء من مشروع ترميم للبرنامج  (أ.ف.ب).. وفي الإطار المهندسة المعمارية مروة صابوني (نيويورك تايمز)
أعضاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتفقدون زقاقًا من السوق القديمة المدمرة بسبب المعارك في قلب مدينة حمص في 14 أغسطس الماضي كجزء من مشروع ترميم للبرنامج (أ.ف.ب).. وفي الإطار المهندسة المعمارية مروة صابوني (نيويورك تايمز)
TT

معمارية محاصرة في حمص تتخيل مستقبلاً جديدًا للمدن السورية

أعضاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتفقدون زقاقًا من السوق القديمة المدمرة بسبب المعارك في قلب مدينة حمص في 14 أغسطس الماضي كجزء من مشروع ترميم للبرنامج  (أ.ف.ب).. وفي الإطار المهندسة المعمارية مروة صابوني (نيويورك تايمز)
أعضاء برنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتفقدون زقاقًا من السوق القديمة المدمرة بسبب المعارك في قلب مدينة حمص في 14 أغسطس الماضي كجزء من مشروع ترميم للبرنامج (أ.ف.ب).. وفي الإطار المهندسة المعمارية مروة صابوني (نيويورك تايمز)

هل تساهم العمارة الحضرية في سوريا في تأجيج نار الحرب الأهلية التي مزقت البلد وتسببت في إزهاق أرواح مئات الآلاف من الناس؟ هذه نظرية مثيرة طرحتها مروة الصابوني، مهندسة معمارية شابة من حمص، قضت سنتين رهينة لشقتها مع زوجها وطفليها، فيما كان قلب المدينة التاريخية يتحول إلى أطلال.
في فيديو في موقع «تيد توك» (زاد عدد مرات مشاهدته الآن لأكثر من 500 ألف مشاهدة)، وفي كتاب صدر حديثا بعنوان «المعركة من أجل وطن»، تقوم مروة الصابوني بإجراء نوع من التشريح المعماري لمدينتها الأم، وتكشف بالصور أوجه الفشل في التصميم والعمارة التي قالت إنها مهدت الطريق لدمارها في النهاية.
قالت في مقابلة عبر «سكايب» من حمص، مع تذبذب التيار الكهربائي وسماع صوت طائرة مقاتلة تحلق في الأجواء: «لقد أجج هذا المكان الغضب، وأجج الانتقام. بالطبع لا أقول إن العمارة هي السبب الوحيد للحرب، لكنها ساهمت بطريقة حقيقية في تسريع وتيرتها وتأبيد النزاع».
وقد اجتذبت أفكار السيدة الصابوني، وأسلوبها الواضح والتلقائي في التعبير عنها مؤيدين مؤثرين. ووجه لها مسؤولو الأمم المتحدة دعوة للحديث في المؤتمرات، ومحاولة تخيل ما يمكن أن تبدو عليه سوريا بعد الحرب. ويصف الفيلسوف الإنجليزي المحافظ، روجر سكراتون، الذي وجه لها النصح على مدى عدة سنوات عبر البريد الإلكتروني، يصف الصابوني بأنها «توأم روح» فكرية وواحدة من أشجع الناس الذين عرفهم على الإطلاق.
أثناء القتال كان المستحيل لمروة الصابوني أن تسافر (حمص الآن تقع معظمها تحت سيطرة القوات الحكومية بعد التفاوض على انسحاب قوات المعارضة العام الماضي)، ومن ثم التقت محررها في دار نشر «ثايمس آند هيدسون»، لوكاس ديتريتش، عبر «سكايب».
قال ديتريتش إن «الذكاء الشديد» الذي تتمتع به الصابوني، تعايش مع شخصية شديدة التواضع والهدوء. وأضاف: «هكذا كانت، تتحدث من منطقة حرب عن قضايا صعبة حقا، وكانت على وجهها ابتسامة. كان هناك شيء يشبه البهجة في محياها. وقد سيطر على مخيلتنا بحق».
يسأل كتاب الصابوني كيف كان من الممكن أن تنهار المدن السورية ذات الإرث الثقافي المتنوع – التي تفاوتت في تسامحها مع الاختلافات الطائفية على مدار أجيال، فيما تسميه «كابوس من القتل الوحشي». ويعتبر حمص، دراسة الحالة بالنسبة لها، ثالث أكبر المدن السورية ومجسم صغير للبلد، بأغلبيتها السنية وأقلياتها المسيحية والعلوية.
في البلدة القديمة، عاشت هذه الجماعات في انسجام نسبي، وهي حالة عكستها العمارة المحلية وعززتها. احتلت الأماكن المقدسة والسكنية والتجارية فضاءات مشتركة. كانت المساجد والكنائس تقف بجوار بعضها البعض، فيما كانت السوق خلية للنشاط الاقتصادي أجبرت الجماعات المتناحرة على التعامل بعضها مع بعض. كانت البيوت الهاجعة المبينة بالبازلت المحلي جزءا لا يتجزأ من الصورة العامة للمدينة، وتتصل بعضها ببعض من خلال الأزقة المتعرجة التي كانت توفر الملاذ من حرارة الشمس.
كان هناك جانب إنساني لهذه المدن، جانب سخي فيها، بحسب ما تكتب الصابوني، مع ينابيع المياه والمقاعد و«الظل البارد للأشجار الذي كان ينشر البهجة طوال العام بأريجها وثمارها».
غير أنه بمرور الوقت، أفسحت هذه العمارة الكلاسيكية مكانها لمجموعة متعاقبة من الأفكار التي وردت إلى سوريا تحت شعار التقدم. وشمل هذا التخطيط الهندسي للشوارع، الموروث من عهد الاستعمار، الذي مزق العمارة التقليدية، ومجموعات المباني السكنية التي عزلت ساكنيها عن وسط المدينة. تقول الصابوني إن هذه الأخطاء ازدادت سوءا بفعل الفساد وسوء الإدارة ومشروعات التنمية منعدمة الرؤية من جانب الدولة السورية.
ومع نمو حمص والمدن الأخرى، انتشرت الأحياء المنعزلة على هامش المناطق الحضرية التي كانت مقسمة في كثير من الأحيان، وفقا لخطوط دينية وطبقية. وبحلول 2010. والحديث للصابوني، كان ما يقرب من نصف سكان سوريا يعيشون في «مساكن عشوائية»؛ مدن الصفيح التي كانت تجد نقصا في البنية التحتية ووسائل الراحة. كانت أول خطوط القتال في الحرب مرسومة على طول هذه المناطق المنفصلة.
ضاع كثير من الروح المعمارية للمدينة في القتال، الذي دمر السوق القديمة وألحق دمارا بالغا بمسجد خالد بن الوليد، وهو من المزارات المهمة. أفلتت أسرة الصابوني من أعمال العنف بأعجوبة. تعرض الاستوديو الذي كانت تتقاسمه مع زوجها للدمار، كانت الدبابات والقناصة يهددون حيّها، وهو ما كان يجعل الخروج لشراء الأطعمة لعبة خطرة.
وتتذكر أول هجوم بالهاون تشهده، الذي دوى مثل «كرة بولينغ عملاقة في البيت المجاور». تسببت القذيفة في تهشم نافذتها. وتقول: «نظرت إلى الخارج ورأيت طفلين كانا يلعبان كرة القدم في الشارع الترابي والناس الذين سبق وفقدوا متاجرهم وكانوا يحاولون كسب قوت يومهم ببيع الأشياء المختلفة على رصيف الشارع، رأيتهم جميعا يرقدون أمواتا.
في كتابها، تلاحظ الصابوني الغضب الغربي إزاء الاعتداءات على التراث المعماري السوري، وبخاصة الأماكن التي تدخل ضمن مواقع التراث العالمي لليونيسكو، مثل بقايا تدمر الرومانية وحصن الكرك الصليبي. لكنها تعترف كذلك بإحساسها ببعض التناقض بشأن الاهتمام الذي أثاره الدمار.
وتتساءل، لماذا يكون «خدش على عمود» في تدمر عملا مخزيا أكثر من الدمار الشامل للعمارة الحضرية في سوريا؟
تشترك مروة الصابوني مع سكروتون، الفيلسوف الإنجليزي الذي أصبح بمثابة الناصح لها، في تلك النظرة المعاكسة. فقد بدأت المراسلة بينهما منذ عدة سنوات عندما أرسلت له مروة رسالة إعجاب بعد قراءتها لكتابه الذي صدر عام 1979 تحت عنوان «جماليات المعمار»، ليرد عليها سكروتون في رسالة بعنوان «معركة من أجل الوطن». ففي مقابلة شخصية، قال سكروتون إنهم يشتركان في وجهات النظر بشأن ما تسبب فيه المعمار الغربي من دمار للمدن العربية. «شعرت دائما بالتعاطف مع وجهة النظر التي تقول إن المعمار الحديث جاء ككارثة حلت بالشرق الأوسط. فبمجرد أن تضع السكان في عمائر وأبراج على طراز معمار (غروبوس) ليعيشوا بمعزل بعضهم عن بعض في مثل هذا المناخ القاسي، فأنت تخلق وضعا قابلا للانفجار».
زينت مروة صابوني كتابها ليس بصور حمص الرائعة لمراحل ما قبل وبعد الحرب، فحسب، بل قدمت أيضا خططا ومقترحات لإعادة تعمير المدينة. من ضمن ما قدمته كان إعادة ترميم حي بابا عمرو، أحد أكثر المدن التي تضررت من الحرب الدائرة، قبل أن يفرض عليها حصار مرير قريب الشبه بحصار ستالينغراد.
في خطتها لإعادة بناء بابا عمرو، تقترح الخطة الرسمية للحكومة بناء أبراج ذات شقق سكنية منفصلة، لكن صابوني اقترحت بناء تجمعات ثلاثية الشكل يمكن أن تتسع للأمام مع الزيادة السكانية لتخلق جسورا طبيعية بين المنازل، وتوفر ظلا على غرار الأزقة المغطاة المعروفة بـ«السبات» المنتشرة في مدينة حمص القديمة.
اليوم وبعدما عاد الهدوء إلى أغلب أحياء حمص، تسعى الصابوني لاستعادة ولو جزء من حياتها الطبيعية. وقامت هي وزوجها غسان جانسيز بتحويل مرآب قديم للسيارات إلى متجر لبيع الكتب، حيث تعمل بالتدريس الجامعي، في حين يعمل زوجها ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي لإعادة تعمير السوق القديمة بحمص. لا تزال الحياة صعبة، فبعض المناطق في العاصمة لا تزال عصية على التعمير، ولا تزال رحى الحرب تدور في حلب وفي غيرها من المناطق في البلاد.
«إن لم تكن متضايقا من الحرب، فستتضايق من شح الخدمات والكهرباء والطعام ومن عدم وجود مدرسة تستقبل طفلك»، أنت هنا في صراع دائم بحسب صابوني. ووفق صابوني، يكمن جزء من الصراع في أن تشرح لجيرانها المتعبين أهمية المعمار لهم.
«التحدي الحقيقي يكمن في عدم مضايقة الناس الذين وصلوا إلى حافة الانفجار. كيف تجرؤ أن تحلم بخلق بيئة أفضل في حين أن أقصى أمنيات الناس هنا، هي سد فتحات في الجدار بأكياس بلاستيكية كي يستطيعوا النوم في الليل».
غالبية السوريين يقولون لها إنهم لا يتمنون سوى عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه في السابق. تتفهم صابوني تلك الرغبة، لكنها ترفضها. «لماذا لا نتمنى الأفضل، لماذا نستسلم لحال عدم الاستقرار التي انتهت بنا لما وصلنا إليه؟ هذا يعطيني الانطباع أننا لم نتعلم شيئا من كل ما حدث».
* خدمة «نيويورك تايمز»



تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
TT

تقارير حقوقية توثّق انتهاكات الحوثيين في 3 محافظات يمنية

تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)
تجمع لمسلحين حوثيين في صنعاء (إ.ب.أ)

سلطت أحدث التقارير الحقوقية في اليمن الضوءَ على آلاف الانتهاكات التي ارتكبتها الجماعة الحوثية ضد المدنيين في 3 محافظات، هي العاصمة المختطفة صنعاء، والجوف، والحديدة، بما شملته تلك الانتهاكات من أعمال القمع والقتل والخطف والتجنيد والإخضاع القسري للتعبئة.

وفي هذا السياق، رصد مكتب حقوق الإنسان في صنعاء (حكومي) ارتكاب جماعة الحوثيين نحو 2500 انتهاك ضد المدنيين في صنعاء، خلال عامين.

بقايا منازل فجرها الحوثيون في اليمن انتقاماً من ملاكها (إكس)

وتنوّعت الانتهاكات التي طالت المدنيين في صنعاء بين القتل والاعتداء الجسدي والاختطافات والإخفاء القسري والتعذيب ونهب الممتلكات العامة والخاصة وتجنيد الأطفال والانتهاكات ضد المرأة والتهجير القسري وممارسات التطييف والتعسف الوظيفي والاعتداء على المؤسسات القضائية وانتهاك الحريات العامة والخاصة ونهب الرواتب والتضييق على الناس في سُبل العيش.

وناشد التقرير كل الهيئات والمنظمات الفاعلة المعنية بحقوق الإنسان باتخاذ مواقف حازمة، والضغط على الجماعة الحوثية لإيقاف انتهاكاتها ضد اليمنيين في صنعاء وكل المناطق تحت سيطرتها، والإفراج الفوري عن المخفيين قسراً.

11500 انتهاك

على صعيد الانتهاكات الحوثية المتكررة ضد السكان في محافظة الجوف اليمنية، وثق مكتب حقوق الإنسان في المحافظة (حكومي) ارتكاب الجماعة 11500 حالة انتهاك سُجلت خلال عام ضد سكان المحافظة، شمل بعضها 16 حالة قتل، و12 إصابة.

ورصد التقرير 7 حالات نهب حوثي لممتلكات خاصة وتجارية، و17 حالة اعتقال، و20 حالة اعتداء على أراضٍ ومنازل، و80 حالة تجنيد للقاصرين، أعمار بعضهم أقل من 15 عاماً.

عناصر حوثيون يستقلون سيارة عسكرية في صنعاء (أ.ف.ب)

وتطرق المكتب الحقوقي إلى وجود انتهاكات حوثية أخرى، تشمل حرمان الطلبة من التعليم، وتعطيل المراكز الصحية وحرمان الموظفين من حقوقهم وسرقة المساعدات الإغاثية والتلاعب بالاحتياجات الأساسية للمواطنين، وحالات تهجير ونزوح قسري، إلى جانب ارتكاب الجماعة اعتداءات متكررة ضد المناوئين لها، وأبناء القبائل بمناطق عدة في الجوف.

ودعا التقرير جميع الهيئات والمنظمات المحلية والدولية المعنية بحقوق الإنسان إلى إدانة هذه الممارسات بحق المدنيين.

وطالب المكتب الحقوقي في تقريره بضرورة تحمُّل تلك الجهات مسؤولياتها في مناصرة مثل هذه القضايا لدى المحافل الدولية، مثل مجلس حقوق الإنسان العالمي، وهيئات حقوق الإنسان المختلفة، وحشد الجهود الكفيلة باتخاذ موقف حاسم تجاه جماعة الحوثي التي تواصل انتهاكاتها بمختلف المناطق الخاضعة لسيطرتها.

انتهاكات في الحديدة

ولم يكن المدنيون في مديرية الدريهمي بمحافظة الحديدة الساحلية بمنأى عن الاستهداف الحوثي، فقد كشف مكتب حقوق الإنسان التابع للحكومة الشرعية عن تكثيف الجماعة ارتكاب مئات الانتهاكات ضد المدنيين، شمل بعضها التجنيد القسري وزراعة الألغام، والتعبئة الطائفية، والخطف، والتعذيب.

ووثق المكتب الحقوقي 609 حالات تجنيد لمراهقين دون سن 18 عاماً في الدريهمي خلال عام، مضافاً إليها عملية تجنيد آخرين من مختلف الأعمار، قبل أن تقوم الجماعة بإخضاعهم على دفعات لدورات عسكرية وتعبئة طائفية، بغية زرع أفكار تخدم أجنداتها، مستغلة بذلك ظروفهم المادية والمعيشية المتدهورة.

الجماعة الحوثية تتعمد إرهاب السكان لإخضاعهم بالقوة (إ.ب.أ)

وأشار المكتب الحكومي إلى قيام الجماعة بزراعة ألغام فردية وبحرية وعبوات خداعية على امتداد الشريط الساحلي بالمديرية، وفي مزارع المواطنين، ومراعي الأغنام، وحتى داخل البحر. لافتاً إلى تسبب الألغام العشوائية في إنهاء حياة كثير من المدنيين وممتلكاتهم، مع تداعيات طويلة الأمد ستظل تؤثر على اليمن لعقود.

وكشف التقرير عن خطف الجماعة الحوثية عدداً من السكان، وانتزاعها اعترافات منهم تحت التعذيب، بهدف نشر الخوف والرعب في أوساطهم.

ودعا مكتب حقوق الإنسان في مديرية الدريهمي المجتمع الدولي إلى التدخل العاجل لإيقاف الانتهاكات التي أنهكت المديرية وسكانها، مؤكداً استمراره في متابعة وتوثيق جميع الجرائم التي تواصل ارتكابها الجماعة.