حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

لديها معسكرات تدريب في إريتريا وتمويلها من «القرصنة»

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
TT

حركة «الشباب».. حلم السيطرة على شرق أفريقيا

مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)
مقاتلو الحركة يخضعون لدورات تدريبية يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير («الشرق الأوسط»)

وسط سيل من أسماء التنظيمات والحركات الإرهابية، تسعى حركة «شباب المجاهدين الصومالية»، للسيطرة على شرق أفريقيا عبر تمددها في الصومال وكينيا وتنزانيا، ولاستقطاب المزيد من المقاتلين لتوسيع دائرة عناصرها الإرهابية. وقال خبراء ومراقبون معنيون بشأن الحركات الإسلامية إنه «برغم بزوغ نجم الحركة قبل 9 أعوام؛ إلا أنها تنتهج نفس نهج «داعش» الإرهابي في السعي لتجنيد الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي»، مؤكدين أن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
تقرير مصري في السياق ذاته، أكد أن «للحركة معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، وتعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية». التقرير نفسه حذر من امتلاك الحركة أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ، وتظهر إعلاميا من خلال جناحها مؤسسة «الكتائب»، وتقوم بنشر حصاد عمليات الحركة شهريا. الخبراء من جانبهم، أكدوا أيضا أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، وتتشكل من مجلس الشورى، والجناح الدعوي، وجناح الحسبة، والجهاز العسكري».
يعود تأسيس حركة «الشباب الصومالية» إلى عام 2004، غير أن كثافة نشاطها وتداول اسمها في الإعلام يعود إلى عام 2007، وقد ظلت الحركة توصف في البداية بأنها الجناح العسكري للمحاكم الإسلامية، خصوصا في فترة استيلاء المحاكم على أكثرية أراضي جنوب الصومال في النصف الثاني من عام 2006.
غير أن هزيمة المحاكم أمام مسلحي الحكومة الصومالية المؤقتة المدعومة من طرف الجيش الإثيوبي وانسحاب قيادتها خارج الصومال، وتحالفها مع المعارضة الصومالية في مؤتمر «أسمرا» سبتمبر (أيلول) عام 2007، كانت سببا وراء انشقاق حركة الشباب الصومالية عن المحاكم، متهمة إياها بالتحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله.
وعن آيديولوجيا الحركة قال التقرير المصري، توصف حركة «الشباب الصومالية» بأنها حركة جهادية متمردة، وتزعم أنها تسعى إلى إقامة «الدولة الإسلامية – المزعزمة»، وقد أعلنت مرارا ولاءها لتنظيم القاعدة الإرهابي.
والمراقبون أكدوا أن الحركة عضو في التنظيمات الجهادية العالمية التي يوجد فيها مسلحون ليس في الصومال فقط؛ بل من دول عربية وإسلامية أخرى شتى. وعلى غرار ما يفعله تنظيم داعش الإرهابي تستغل حركة «الشباب الصومالية» شبكة الإنترنت لنشر رسائلها وبياناتها وتسجيلاتها على مواقع التواصل الاجتماعي «فيسبوك وتويتر»؛ بهدف الترويج لأفكار الحركة واستقطاب أكبر عدد ممكن من الشباب للانضمام إلى صفوفها، وهو ما نجحت فيه الحركة جزئيا، ولولا ضعف الإمكانات الإلكترونية في أغلب دول القارة الأفريقية، لكان نتائج هذا الترويج أفضل من «داعش» – بحسب المراقبون.
من جانبهم، قال الخبراء إن الزعيم الحالي للحركة هو أحمد ديري أبو عبيدة، الذي خلف أحمد عبدي غودني الذي تزعم الحركة من 2008 إلى 2014، الشهير بالشيخ مختار عبد الرحمن أبو الزبير، قبل أن يلقى مصرعه في غارة أميركية سبتمبر 2014 جنوب الصومال.
وأكد الخبراء، أنه في عهد غودني وصلت الحركة إلى ذروة قوتها، حيث سيطرت على ثلاثة أرباع العاصمة مقديشو، وكادت تقضي على الحكومة الصومالية برئاسة شيخ شريف أحمد والمدعومة غربيا وأفريقيا، لولا انسحابها المفاجئ من العاصمة إثر ظهور خلافات بينه وبين المتحدث السابق باسم الحركة الشيخ مختار علي روبو أبو منصور، الذي انسحب بمعظم قواته من العاصمة، وانعزل عن الحركة إلى الآن ويعمل بشكل مستقل، وهو أكثر اعتدالا من القادة الآخرين.
وسبق أن نشرت الحركة صورا لمقاتليها أثناء تجمعهم في ساحة كبيرة يحملون السلاح، متوعدين من وصفوهم بـ«الطواغيت» بالتنكيل والذبح، كما نشروا صورا أثناء إقامة «الحد بالقتل» على ضابطين وصفوهما بـ«المرتدين».
الحركة التي تنتشر في مدينة «جنالي» جنوب الصومال، خططت للهجوم على شرق كينيا والسيطرة عليها، حيث نفذت في ديسمبر (كانون الأول) الماضي هجوما موسعا في منطقة «ماجينقو»، بعدما نصب مقاتلوها كمينا لقافلة من الجيش الكيني في المنطقة الواقعة في مقاطعة لامو الساحلية في كينيا، حيث قتل أكثر من عشرة جنود كينيين وإصابة عدد آخر، وتدمير سيارتين عسكريتين.
وشنت الحركة هجمات كبيرة، أبرزها الهجوم على مركز «ويست جيت» التجاري في العاصمة نيروبي عام 2013؛ مما أسفر عن مقتل 67 شخصا، ويعتبر الهجوم الأكثر دموية على جامعة «جاريسا»، حيث قتل فيها قرابة 200 شخص، وقد نفذت هذه الجماعة عمليات إرهابية عدة وتفجيرات انتحارية بعد أن تم إدراجها على قائمة المنظمات الإرهابية عام 2008، أهمها مقتل وزير الداخلية الصومالي السابق عمر حاشي أدن في يونيو (حزيران) 2009.
ويرى مراقبون، أنه بعد القضاء على «المحاكم الإسلامية»، أصبحت حركة الشباب أقوى الفصائل الإسلامية المسلحة في الصومال، ويقدر عدد عناصرها بين 3 آلاف و7 آلاف عنصر.
وقال التقرير المصري: يعتقد أن لها معسكرات تدريب في إريتريا يخضع مقاتلوها فيها لدورات تدريبية، يكتسبون خلالها مهارات قتال الشوارع والتفخيخ والتفجير، واستخدام الأسلحة الفردية والمدفعية. كما يتبع عناصر حركة «الشباب المجاهدين الصومالية» أساليب مشابهة لأساليب تنظيم القاعدة، من حيث العبوات الناسفة على الطرق، أو السيارات المفخخة، والعمليات الانتحارية، والقصف المدفعي.
وأضاف التقرير، أنه رغم تضييق الخناق على حركة الشباب المجاهدين الصومالية من قبل جهات عدة، مثل القوات التابعة للاتحاد الأفريقي «أميصوم» والقوات الكينية والصومالية والأوغندية؛ فإن الحركة تسعى بين الحين والآخر إلى إيجاد موقع لها على خريطة الإرهاب في أفريقيا، ولا سيما في شرق القارة، وهو الأمر الذي يتطلب مزيدًا من الجهود لمكافحتها والقضاء على طموحاتها ومساعيها.
وعن علاقة الحركة بالتنظيمات الإرهابية الأخرى، قال التقرير المصري، عُرفت حركة الشباب بولائها لتنظيم القاعدة منذ ظهورها على ساحة الجماعات الإرهابية، وهو ما أعلنته الحركة في أكثر من مناسبة؛ لكن مع ظهور «داعش» وجدت الحركة نفسها أمام تحد كبير بين الثبات على ولائها لـ«القاعدة» وبين إعلانها البيعة لـ«داعش» على غرار ما فعلته جماعات وتنظيمات أخرى مثل «بوكو حرام» النيجيرية التي بايعت «داعش»، ويقول الخبراء «هنا نشب الخلاف داخل الحركة بين مؤيد لمبايعة (داعش) ومعارض لذلك؛ الأمر الذي انتهي بظهور بعض الخلايا التي انشقت عن الحركة وبايعت (داعش)، كان أبرزها جماعة «جاهبا إيست أفريكا» التي بايعت أبو بكر البغدادي - زعيم التنظيم المزعوم».
وعن تطور العمليات التفجيرية للتنظيم بما يشبه «داعش»، قال الدكتور علي محمد الأزهري، عضو هيئة التدريس بجامعة الأزهر، «قد بدا شكل التنظيم من الداخل موافقا لشكل تنظيم داعش، وبدا التنافس الجهادي؛ حيث تشهد الساحة الأفريقية مؤخرا حالة من التنافس الجهادي بين التنظيمات القاعدية، وعلى رأسها (شباب المجاهدين)، وبين التنظيمات الداعشية وعلى رأسها (بوكو حرام)، والعلاقة بين التنظيمات الجهادية علاقة تنافسية صراعية وليست علاقة تعاونية تكاملية، وقد بدأت (المظلة القاعدية) تتراجع لصالح (داعش)»، لافتا إلى أنه في الوقت الذي تتراجع فيه قوة حركة «شباب المجاهدين»، تزداد يوما بعد يوم قوة «بوكو حرام»؛ وهذا تقريبا ما دفع الحركة إلى القيام بعمليات كبيرة، في محاولة لإثبات أن لديها القدرة على تحقيق إنجازات خارج حدود بلادها، تجعلها تنظيما (عابرا للحدود)، قادرا على خلق حالة من التوازن الجهادي في المنطقة.
في غضون ذلك، وعن الدعم المادي للحركة، أكد التقرير المصري أنها تعتمد في جزء من تمويلها على عمليات القرصنة، وخطف بواخر مع طواقمها من المياه الإقليمية الصومالية، أو المياه الدولية المقابلة للسواحل الصومالية وتستبدلها بمبالغ مالية ضخمة، ومما يظهر حجم التمويل الذي تعتمد عليه الحركة امتلاكها أسلحة ثقيلة تصل لحد قذائف الهاون والصواريخ أحيانا، وأيضا ظهورها على ساحة الإعلام الإلكتروني من خلال مؤسسة «الكتائب» الجناح الإعلامي للحركة التي تقوم بنشر البيانات الصادرة عن الحركة، وكذا حصاد عمليات الحركة شهريا عبر مواقع متعددة، مما يشير إلى قوة الحركة رغم جهود المكافحة المبذولة من قبل قوات الجيش الصومالي وقوات الاتحاد الأفريقي؛ إلا أنها لا تزال قادرة على المقاومة والظهور بين الحين والآخر من خلال عمليات تتنوع بين أهداف عسكرية صومالية.
وكان أول ظهور علني لاسم حركة «الشباب المجاهدين» إبان سيطرة اتحاد المحاكم الإسلامية على العاصمة مقديشو ومعظم مناطق وسط وجنوب الصومال، وكان للشباب المجاهدين نفوذ قوي في المحاكم الإسلامية، حيث كان معظم الميليشيات المسلحة التابعة للمحاكم الإسلامية تحت قيادات عسكرية من الشباب المجاهدين، وقال الدكتور محمد، إنه عقب هزيمة المحاكم الإسلامية أمام جيش الحكومة الصومالية المؤقتة والتي تدعم من طرف الجيش الإثيوبي، انسحبت قيادتها خارج الصومال، وانشقت جماعة أخرى أطلقت على نفسها حركة «الشباب الصومالية»، وكان قائدها عبد الله سودي ووجهت له تهم عدة، من أبرزها التحالف مع العلمانيين والتخلي عن الجهاد في سبيل الله، وكان بين أهدافها المعلنة محاربة ما أسمته «الاحتلال الإثيوبي».
وأكد التقرير المصري، أن جماعات التطرف والإرهاب في العالم باتت تمثل خطرا داهما على اختلاف مواقعها وتفاوت موازين القوى فيما بينها، وليس من المقبول أن ينصب التركيز حول تنظيم بعينه مهما بلغت خطورته مثل «داعش»؛ بل ينبغي أن تكون المواجهة شاملة لكل التنظيمات، وهي في الأساس مواجهة فكر قبل أن تكون مواجهة عسكرية؛ إذ الأمر ليس قاصرا على عدد من الجماعات والتنظيمات التي إذا تم القضاء عليها فسيكون العالم قد تخلص من هذا الوباء اللعين؛ بل إن الأزمة في حقيقتها هي أزمة فكر وليست مجرد أعمال إجرامية يقوم بها مجموعة ممن فقدوا صوابهم؛ الأمر الذي يحتم أن تتم المواجهة في الأساس على معالجة الفكر وليس ما ينتج منه.
وطالب التقرير المصري بمعالجة هذا الفكر، ليس فقط لدى المنضمين إلى تلك الجماعات؛ بل يعمل أيضا على تحصين الشباب من أن تصيبهم لعنة هذه الأفكار؛ فما هؤلاء الشباب المنضم لهذه الجماعات إلا فريسة أفكار خبيثة زينت لهم قتل الأبرياء، وصورته على أنه جهاد في سبيل الله، وأن الموت من أجله شهادة ينالون بها جنة الله ونعيمه المقيم.
وعن شكل التنظيم، قال الدكتور محمد «يتكون من مجلس الشورى وهو يقوم بالدور نفسه الذي كان يقوم بها اتحاد المحاكم الإسلامية إلى حد كبير، ورئيسه أمير الحركة، والجناح الدعوي ومهمته نشر تعاليم الدين الإسلامي الصحيحة؛ لكنه في الأساس يستخدم لاستقطاب عناصر وتجنيد شباب ومقاتلين جدد، وجناح الحسبة وهي نوع من الشرطة الدينية المسؤولة على ضمان احترام التعاليم والأحكام والأعراف الإسلامية، والجهاز العسكري، وهو المسؤول عن التدريب ومعسكرات التدريب والتسليح والتخطيط والتنفيذ ضد الأهداف النوعية المحددة للحركة داخل وخارج الصومال».
وعن طرق تجنيد الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قال محمد «عن طريق الإغراءات المالية؛ نظرا لضيق الأحوال المادية للشباب، فنجد أن هؤلاء يغرون الشباب بالمقابل المادي ويكون بالعملة الصعبة الدولار أو اليورو، فيضطر الشباب الذي انغمس في البطالة للقبول، خصوصا الدول الفقيرة، والإغراءات الجنسية فيما يتعلق بسبي النساء لاعتبارهم أن جميع من ينكر عليهم أفعالهم كفار يجب عليهم قتلهم وسبي نسائهم، وأيضا نكاح الجهاد عندهم، فضلا عن وهم الشهادة فينعقون بهذا في آذان الشباب من سيموت منكم سيكون شهيدا، ومن المعلوم أن الشهادة هي غاية الجميع، فينزح الشباب إليهم».
مضيفا: أن «الحركة تحرم وتحظر لعب كرة القدم أو مشاهدتها، وتمنع النغمات الموسيقية ومشاهدة الأفلام السينمائية، كما قامت بإعدام أو جلد أو بتر أطراف الكثيرين عبر جيش الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي استحدثته لهذا الغرض».



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».