الإعلام الروسي يصف التدخل التركي بأنه الخطة «ب» الأميركية لسوريا

كان آخر من يعلم بترتيبات «درع الفرات» وحذر من تأثيرها على العلاقة مع موسكو

لقطة من صحيفة روسية عن الخطة «ب» الأميركية لسوريا
لقطة من صحيفة روسية عن الخطة «ب» الأميركية لسوريا
TT

الإعلام الروسي يصف التدخل التركي بأنه الخطة «ب» الأميركية لسوريا

لقطة من صحيفة روسية عن الخطة «ب» الأميركية لسوريا
لقطة من صحيفة روسية عن الخطة «ب» الأميركية لسوريا

يبدو أن الإعلام الروسي كان «آخر من يعلم» بعملية «درع الفرات» التركية في سوريا، والترتيبات التي سبقتها، بما في ذلك إبلاغ أنقرة موسكو بنيتها تنفيذ تلك العملية، كي تقوم موسكو من جانبها بإبلاغ النظام السوري بذلك. إذ رأت غالبية الصحف الروسية في العملية التركية أمرًا مفاجئًا وغير متوقع، لا سيما على ضوء حديث يدور حول تغيرات في الموقف التركي من الأزمة السورية بعد التقارب مع موسكو، دون أن تدرك تلك الصحف أن العملية تجري بعلم روسيا التي تسيطر منظومتها الدفاعية الجوية «إس - 400» على الأجواء السورية، الأمر الذي فرض على أنقرة بكل الأحوال إبلاغ روسيا بما تنوي القيام به. وفي تناولها لدخول القوات التركية إلى الأراضي السورية رأت صحيفة «كوميرسانت» أن «علاقات موسكو وأنقرة تتعرض لاختبار جديد. حيث أطلق الجيش التركي بدعم من التحالف الدولي الذي تتزعمه الولايات المتحدة عملية عسكرية داخل الأراضي السورية دون تنسيق مسبق مع دمشق». وحذرت الصحيفة من أن «العملية التركية في سوريا التي تجري دون تنسيق مع موسكو تهدد بتعقيد عملية تطبيع علاقات التعاون الثنائي بين البلدين، وفق ما سبق أن اتفق عليه الرئيسان بوتين وإردوغان خلال محادثاتهما في بطرسبرغ». والأمر لم يقتصر على «اختبار للعلاقات الروسية - التركية»، بل تسبب بتصدع الصفوف داخل التحالف الدولي ضد الإرهاب، وفق ما تقول «كوميرسانت،» موضحة أن «الولايات المتحدة وبعد ترحيب أولي بالعملية التركية في سوريا، أعلنت عن رفضها لمواصلة القوات التركية الهجمات ضد الأكراد»، وهذا الخلاف حول الموضوع الكردي يهدد بتفكك التحالف الدولي في سوريا. وتعيد الصحيفة الروسية إلى الأذهان كيف تغير الموقف الأميركي بسرعة، بين ترحيب أعلن عنه جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، الذي تزامن بدء العملية التركية في سوريا مع وصوله في زيارة إلى أنقرة، وكيف تغير الوضع بعد ذلك حين سجل الموقف الأميركي تراجعًا في دعمه العملية التركية، بسبب توجيه القوات التركية ضربات لمعاقل الأكراد المدعومين أميركيًا، وفي مقدمتهم قوات حزب الاتحاد الديمقراطي بزعامة صالح مسلم. وانطلاقًا من عرضها تلك التباينات والخلافات بين واشنطن وأنقرة تستخلص صحيفة «كوميرسانت» أن «ما يجري يدل على أن عملية (درع الفرات) بشكلها الحالي لم تحصل على تأييد نائب الرئيس الأميركي خلال زيارته أنقرة».
من جانبها، توقفت صحيفة «نيزافيسمايا غازيتا» كذلك عند الموقفين الروسي والأميركي من عملية «درع الفرات»، وعرضت وجهات نظر عدد من الخبراء وبعض القراءات لتلك العملية التي تصف ما يقوم به الرئيس التركي، بأنه مجرد «تنفيذ للخطة (ب) الأميركية في سوريا». وفي تقرير موسع نشرته حول دخول القوات التركية إلى الأراضي السورية مدعومة بغطاء جوي من قوات التحالف الدولي ضد الإرهاب، قالت الصحيفة إن «موسكو تشعر بالقلق إزاء النشاط التركي في شمال سوريا، بينما أعربت واشنطن عن تأييدها للتدخل التركي في النزاع السوري». وتستشهد «نيزافيسمايا غازيتا» بتصريحات جوش آرنست المتحدث الرسمي باسم البيت الأبيض، حين وصف العملية التركية في سوريا بأنها
«تقدم ملموس»، ممهدة بذلك لعرض وجهة نظر يتداولها خبراء روس مفادها أن «العملية التي بدأت في سوريا بمبادرة من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، التي تهدف إلى إغلاق الحدود بوجه الإرهابيين مع سوريا، تشهد تصعيدًا، وتشارك الدبابات التركية مع مقاتلي الجيش السوري الحر في الهجمات بدعم من المقاتلات الأميركية، وفي هذا كله ما يشير إلى أن القوات التركية ومعها الجيش السوري الحر يشكلان القوة البرية الرئيسية الضاربة في العملية الأميركية ضد (داعش)»، حسب الصحيفة الروسية، التي تستطرد في عرض وجهة النظر تلك، وتقول إن «هذا الوضع ليس سوى بداية تنفيذ للخطة (ب) التي تحدث عنها الرئيس الأميركي أكثر من مرة، مطالبًا بتنحي الرئيس السوري على الفور عن السلطة».
أما صحيفة «آر بي كا» فتعود وتتوقف من جديد عند الموقف الروسي من عملية «درع الفرات»، والثمن الذي قد تطلبه موسكو من أنقرة مقابل «موقف خجول» أبدته الخارجية الروسية من تلك العملية. في هذا الشأن تقول الصحيفة إن «العملية العسكرية التركية في سوريا أشعلت موجة جديدة من المواجهات المسلحة غرب سوريا. ومقابل تعزيز الدور التركي في المنطقة (إقليميًا) قد تطلب موسكو من السلطات التركية تغيير موقفها بشأن مصير الأسد». من جانب آخر ترى الصحيفة أن العملية العسكرية التركية في سوريا ستؤثر على موازين القوى ميدانيًا، وتشير بهذا الصدد إلى انسحاب إرهابيي «داعش» من منبج وتوجههم نحو مناطق أخرى، حيث تمكنوا من السيطرة على بعض المواقع والحواجز التي كانت تحت سيطرة القوات الحكومية قرب حمص. في هذه الأثناء تبدو «القوات الحكومية غير مستعدة للتضحية بمقاتليها في التصدي لـ(داعش) في المناطق الشرقية، ويركز الجيش جهوده على المعارك في حلب»، هذا في الوقت الذي أعلنت القوات التركية أن وجهتها التالية ستكون مدينة الباب في محافظة حلب، حسب «آر بي كا».
أخيرًا، وفي تناولها للعملية التركية في سوريا ترى صحيفة «إزفستيا» أن الأهداف الحقيقية التي تسعى تركيا إلى تحقيقها من خلال عمليتها في سوريا تختلف كليًا عن تلك المعلنة. وتقول الصحيفة إن «تركيا قد أعلنت عن مجموعة أهداف لعملية (درع الفرات)، منها دعم المعارضة السورية المعتدلة في التصدي لـ(داعش)، والتصدي للتهديد من جانب الإرهابيين والمجموعات الكردية السورية»، إلا أن الهدف الحقيقي الذي تسعى أنقرة إلى تحقيقه، وفق ما تنقل الصحيفة عن المستشرق الروسي ستانيسلاف إيفانوف، هو «الحفاظ على منطقة عازلة من جرابلس وحتى عزاز»، ويرى إيفانوف أن «تركيا وبغية الحفاظ على تلك المنطقة العازلة تقول للعالم إنها تقوم بقصف مواقع جماعة (داعش) الإرهابية، إلا أنهم في الواقع يقومون في الوقت ذاته بتوجيه ضربات لمواقع الأكراد السوريين، والهدف من تلك الضربات الاستعراضية الاحتفاظ بالسيطرة على ذلك القاطع من الحدود، وتوفير إمكانية لتزويد مجموعات المعارضة السورية المدعومة من جانب تركيا بالسلاح، لا سيما المجموعات المقاتلة في حلب».



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.