مذيعة «صدى البلد»: بعض الإعلام يتجاهل الواقع ويتعامل بالخيال

عزة مصطفى قالت لـ «الشرق الأوسط» إنها ترفض المنافسة على حلبة «الإثارة الصحافية»

مذيعة «صدى البلد»: بعض الإعلام يتجاهل الواقع ويتعامل بالخيال
TT

مذيعة «صدى البلد»: بعض الإعلام يتجاهل الواقع ويتعامل بالخيال

مذيعة «صدى البلد»: بعض الإعلام يتجاهل الواقع ويتعامل بالخيال

فوق الطاولة يوجد كل ما تتخيله من صحف ومجلات.. مصرية وعربية وأجنبية. وعلى شاشة الحاسوب عشرات المواقع الإخبارية؛ وكالات.. مقالات.. تحليلات. إنه عالم الإعلامية المصرية، عزة مصطفى. تطل كل مساء من مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة، على شاشة قناة «صدى البلد».
ليس من السهل أن تتحدث بتلقائية وتدير مداخلات عن كل شيء، على الهواء مباشرة، لمدة ساعة، أمام المشاهدين. لا بد أن تتشبع، أولا، ويوميا، بما يدور في العالم، محليا وإقليميا ودوليا. من أول سعر «البطاطا» إلى «احتلال الحوثيين صنعاء». ومن المشروعات الجديدة في قناة السويس، إلى ظاهرة تفجيرات الدواعش في أوروبا.
بالنسبة لأم وزوجة في مجتمع شرقي، فإن السؤال هو: وماذا عن البيت والمطبخ؟ وماذا عن الانشقاقات العائلية الصغيرة فيما يتعلق بتشجيع أندية كرة القدم؛ «أهلاوية»، أم «زملكاوية». من بين ذكرياتها وقراءاتها، تتوقف عزة مصطفى بين حين وآخر لتستعيد أيام الكرب.. أيام محاصرة المتطرفين مدينة الإنتاج التي تضم العشرات من استوديوهات القنوات التلفزيونية، وتهديدها بالقتل عن طريق إطلاق النار عليها.
بعد ذلك ظلت تنتظر على الهواء مباشرة لحظة إعلان بيان عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي. تأخر بيان وزير الدفاع آنذاك، عبد الفتاح السيسي. التسريبات قالت إنه سيكون في الساعة الرابعة، لكنه امتد إلى التاسعة. كان وقتا عصيبا؛ ثورة، ودولة في مفترق طرق.
في يومي إجازتها الأسبوعية تدخل المطبخ لتمارس هوايتها في صناعة أقراص الطعمية وأطباق الفول والكشري. حتى وهي تعجن بيديها خلطة الطعمية في البيت، تتابع ما تبثه محطات التلفزيون وتطالع الصحف اليومية الموجودة في كل زاوية.
وأجرت «الشرق الأوسط» حوارا مع الإذاعية التي تقدم برنامج «صالة التحرير»، تحدثت فيه عن تفاصيل حياتها اليومية وتجربتها في العمل مع التلفزيون «الرسمي» و«الخاص»، قائلة إنها ترفض المنافسة على حلبة «الإثارة الصحافية».
* متى بدأت الدخول في مجال الإعلام؟
- منذ زمن.. دعنا نقول إنني بدأت في التلفزيون المصري مذيعة ربط. وقدمت كل أنواع البرامج وقتها؛ ما بين المنوعات والصحافة والأخبار، بالإضافة إلى البرامج الثقافية وبرامج الأطفال أيضا. وقدمت حفلات لـ«ليالي التلفزيون» التي كانت مشهورة في ذلك الوقت.
* ومتى كان انتقالك لتلفزيون القطاع الخاص؟
- منذ عام 2011 بعد ثورة 25 يناير (كانون الثاني) وقبل الانتقال للقطاع الخاص كنت قد بدأت في عمل برامج مما يسمى «النوع الثقيل»، مثل البرامج الثقافية المتخصصة، ومنها برنامج «خاص جدا» وبرنامج «ضي الليل». في هذا الإطار قدمت برامج عن المسرح، وعن السينما، ثم انتقلت للقطاع الخاص مع قناة «صدى البلد»، منذ بداية انطلاقها، رغم أنه كانت أمامي عروض للعمل في قنوات أخرى، لكنني فضلت أن تكون البداية مع «صدى البلد».
* ولماذا الانتقال للقطاع الخاص؟ ما الاختلاف بينه وبين التلفزيون الحكومي؟
- مما أغراني في القطاع الخاص أن مساحة العمل فيه أكبر، حيث أعمل بشكل يومي، وهو أمر مختلف تماما. رغم أنني كنت أقدم ثلاثة برامج في التلفزيون المصري (الحكومي)، لكن الأمر مغاير في القطاع الخاص، حيث إنني أعمل فيه يوميا من خلال التواصل المباشر على الهواء مع الأحداث ومع الجمهور، ومع القضايا الاجتماعية والخدمية المختلفة. كما أن العمل على الهواء مباشرة يعطيك فرصة التواصل أكثر مع الناس ومعرفة مشكلاتهم يوما بيوم.
* وماذا عن مساحة الرأي والحرية. هل الأمر مختلف عن التلفزيون الحكومي؟
- مساحة الرأي والحرية كانت في كل الأماكن مختلفة، بعد ثورة 25 يناير، بما في ذلك التلفزيون المصري (الرسمي).
* كيف كانت بدايتك في «صدى البلد»؟
- بدأت ببرنامج اسمه «استوديو البلد». كان يعمل فيه كل مذيعي القناة. استمر هذا الأمر نحو سنتين. بعد ذلك استهوتني فكرة برنامج «صالة التحرير»، على اعتبار أن الصحافة فيها كل ما يخص الجمهور من الناحية السياسة والاجتماعية والمشكلات والجزء الخبري. المساحة واسعة.. تتحدث في القضايا داخليا وإقليميا ودوليا.. هذا بالإضافة إلى الاحتفاظ بميزة التواصل المباشر مع الجمهور.
* هل توجد محاذير معينة أو خطوط حمراء مفروضة عليك؟
- لم يحدث أن وصلتني أي إشارة من إدارة القناة بخصوص تعليمات معينة تخص التوجه في تناول الموضوعات. إدارة القناة إدارة حرة، وهي إدارة وطنية في المقام الأول. ولم يكن هناك أي إملاءات بخصوص التوجه نهائيا. ليس لدي محاذير ولا خطوط حمراء.. أنا «تركيبة» أقف ضد «الإثارة لمجرد الإثارة». أنا ضد الإهانة. لست مع التركيبة الشتَّامة. كما أنني ضد تخوين الناس على الإطلاق. أعمل بشكل موضوعي. وهذا قد يعجب البعض وقد لا يعجب البعض الآخر. وأنا سعيدة باحتفاظي بجمهور محترم.
* هل ترين أن التنافس الموجود على مستوى قنوات القطاع الخاص يؤثر بالسلب على العمل الإعلامي؟
- المنافسة التي أعرفها هي في طرح الموضوعات الجيدة التي تفيد المواطن. أنا أحب أن أنافس في هذه المنطقة. أي المنافسة التي تبني وليست المنافسة التي تهدم. إذا كانت المنافسة في مجال الإثارة (الصحافية) فأنا لا ألعب هذا الدور. ولا أحب هذا النوع من الإعلام. أميلُ بشكل كبير للمهنية والموضوعية. ولا أنافس في أي مجال بعيد عن المهنية.
* البرنامج يبدأ مساء ويستمر لمدة ساعة من السبت إلى الأربعاء، فكيف تبدأين يومك، وأنت مسؤولة عن أسرة وبيت وأولاد؟
- للأسف أنا قليلة النوم. أزعم أنني كائن ليلي. ومع ذلك أستيقظ في نحو الساعة التاسعة صباحا. لا بد أن أتابع كل ما يحدث على الصعيد الداخلي والإقليمي والدولي، من أجل أن أتناول الموضوعات التي سأتطرق إليها في البرنامج من أكثر من زاوية. أما فكرة القراءة خارج الأخبار فهي عنصر مهم جدا بالنسبة لي. أستمتع بالقراءة في كل المجالات، وتحديدا في الجانب الثقافي والسياسي. وأهتم بمذكرات الشخصيات العالمية، لأنها تتضمن جانبا من الصراحة إلى حد ما. كما أن الرياضة بالنسبة لي أساسية.
* ما الصحف التي تحرصين على وجودها على طاولة القراءة؟
- من دون مبالغة أنا قارئة لـ«الشرق الأوسط» ولا بد أن أطالع «الحياة»، والـ«واشنطن بوست» وموقع «روسيا اليوم»، وموقع «سياسة بوست»، ومحطة الـ«سي إن إن»، و«سكاي نيوز» وغيرها، إلى جانب وكالة الأنباء المصرية «أ.ش.أ»، بالإضافة طبعا إلى صحف «الأهرام» و«المصري اليوم». ولا تنس أن هناك كتابا لا بد أن أتابعهم في الصحف التي يكتبون فيها.. هذا مهم. الصحف العالمية أصبحت مهمة جدا كذلك. مع العلم أن هناك بعض وكالات الأنباء الدولية أصبحت تجنح نحو فقدان المصداقية خصوصا حين تتناول الشأن المصري في موضوعاتها التحليلية. أحب أيضا أن أطالع الصحافة التي تكتب ضد مصر، حتى أعرف موقف هؤلاء من مصر وصل إلى أي حد. لا تنس أيضا أن الإعلام مصالح.. إما مصالح دول أو مصالح أفراد. أذكر في كتاب «المثقفون المزيفون» كيف شرح فيه مؤلفه الفرنسي، باسكال بونيفاس، حالة الإعلام الغربي والأميركي، والإعلام الفرنسي بالدرجة الأولى، وارتباطه بالمصالح.
* بعد الانتهاء من مطالعة كل هذا الكم من الصحف والقنوات والمواقع، هل تتناولين الغداء في البيت، ثم تتوجهين إلى مدينة الإنتاج الإعلامي حيث مقر القناة لتقديم برنامجك، أو ماذا؟
- للأسف لا أتناول الغداء في البيت. أفتقد وجبة الغداء بسبب موعد العمل، وأعوضها يومي الخميس والجمعة (إجازة البرنامج). فترة الصبح من السبت إلى الأربعاء أظل ما بين شؤون البيت ومتابعة الأحداث. بعد ذلك أتوجه للعمل نحو الساعة الثالثة أو الثالثة والنصف. وأبدأ البرنامج في السادسة وينتهي الساعة السابعة. وأرجع إلى بيتي، ثم أذهب إما لمقابلة مجموعة من الأصدقاء أو أتوجه لممارسة الرياضة التي أفضلها ليلا، وهي المشي و«الجيم».. ثم أشرع في قراءة الكتب وقراءة تحليلات الموضوعات والأحداث، إلى أن أنام.
* في حياتك المهنية، ما الأمر الذي يشعرك بالحزن؟
- ما يحزنني أن هناك جزءا كبيرا من الإعلام بكل أنواعه، لا يقدر اللحظة التي تمر بها مصر. توجد أخطاء؟ نعم توجد. وتوجد سلبيات أيضا.. إلا أنه لا بد من أن نتذكر أن لدينا مشكلات قديمة كنا نلتزم الصمت حيالها، وحين نتعامل معها نتعامل معها كأنها وليدة اليوم. لا يوجد دور واضح للمجتمع المدني. ولا توجد حالة مجتمعية إيجابية للإعلام. وهذا لا يعني التستر على السلبيات، ولكن أيضا توجد دولة لا بد أن نقف معها، وأن نكون مدركين للمرحلة التي نمر بها، وللظروف التي تمر بها مصر. للأسف هذا الجزء يغيب أحيانا عن الإعلام. بعض الإعلام يتعامل مع مصر كما لو كانت سويسرا. شعاري أن نكون جزءا من الحل، وأرفض أن أكون جزءا من تصعيد المشكلة.
* وما الموقف الذي أسعدك؟
- إذا تحدثت عن هذا الأمر فلا بد أن أدخل إلى مرحلة ثورة 30 يونيو (حزيران) 2013. يوم إعلان عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، في 3 يوليو (تموز) من السنة نفسها.
* وأين كنت وقت الثورة؟
- يوم 30 يونيو ويوم 3 يوليو كنت في التلفزيون على الهواء مباشرة.
* هل يمكن أن تصفي مشاعرك في تلك اللحظات؟
- كنت أشعر بالقلق، خصوصا حين تأخر بيان يوم 3 يوليو. بدأت التسريبات تقول إن البيان سيلقيه وزير الدفاع وقتذاك (الرئيس الحالي) عبد الفتاح السيسي، في الساعة الرابعة عصرا، ثم قيل إنه سيكون في الساعة الخامسة. واستمر الانتظار إلى أن تم الإعلان عن البيان في الساعة التاسعة مساء. وطوال هذه المدة كنت على الهواء وكان القلق يتزايد. كنت أعلم أن المسألة ستستغرق وقتا.
* قبل ثورة 30 يونيو تعرضت مدينة الإنتاج الإعلامي للحصار من أنصار الجماعات المتشددة. كيف كان تعاملك مع هذه الأزمة التي كانت تعيشها المدينة، وأنت تترددين عليها بشكل شبه يومي؟
- تعاملت مع الأمر على أنني في مهمة ولا يصح أن أخاف، رغم أنني تعرضت للتهديد بالقتل وأنا أقدم برنامجي على الهواء مباشرة. كانت هذه حادثة شهيرة. اتصل شخص بالبرنامج على الهواء، وقال لي: سأضربك بالرشاش.



«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
TT

«حرب الإعلام» التضليلية... الهاجس الجديد للاتحاد الأوروبي

مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)
مقر المفوضية الأوروبية في بروكسل (غيتي)

«المعارضة الحقيقية هي وسائل الإعلام، ومواجهتها تقتضي إغراقها بالمعلومات المفبركة والمضللة».

هذا ما قاله ستيف بانون، كبير منظّري اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عندما كان مشرفاً على استراتيجية البيت الأبيض في بداية ولاية دونالد ترمب الأولى عام 2018.

يومذاك حدّد بانون المسار الذي سلكه ترمب للعودة إلى الرئاسة بعد حملة قادها المشرف الجديد على استراتيجيته، الملياردير إيلون ماسك، صاحب أكبر ثروة في العالم، الذي يقول لأتباعه على منصة «إكس» «X» (تويتر سابقاً): «أنتم اليوم الصحافة».

رصد نشاط بانون

في أوروبا ترصد مؤسسات الاتحاد وأجهزته منذ سنوات نشاط بانون ومراكز «البحوث» التي أنشأها في إيطاليا وبلجيكا والمجر، ودورها في صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في غالبية الدول الأعضاء، والذي بلغ ذروته في انتخابات البرلمان الأوروبي مطلع الصيف الماضي.

وتفيد تقارير متداولة بين المسؤولين الأوروبيين بأن هذه المراكز تنشط بشكل خاص على منصات التواصل الاجتماعي، وأن إيلون ماسك دخل أخيراً على خط تمويلها وتوجيه أنشطتها، وأن ثمة مخاوف من وجود صلات لهذه المراكز مع السلطات الروسية.

درع ضد التضليل

أمام هذه المخاوف تنشط المفوضية الأوروبية منذ أسابيع لوضع اللمسات الأخيرة على ما أسمته «الدرع ضد التضليل الإعلامي» الذي يضمّ حزمة من الأدوات، أبرزها شبكة من أجهزة التدقيق والتحقق الإلكترونية التي تعمل بجميع لغات الدول الأعضاء في الاتحاد، إلى جانب وحدات الإعلام والأجهزة الرقمية الاستراتيجية الموجودة، ومنها منصة «إي يو فس ديسانفو» EUvsDisinfo المتخصّصة التي انطلقت في أعقاب الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم وضمّها عام 2014. و«هي باتت عاجزة عن مواجهة الطوفان التضليلي» في أوروبا... على حد قول مسؤول رفيع في المفوضية.

الخبراء، في بروكسل، يقولون إن الاتحاد الأوروبي يواجه اليوم «موجة غير مسبوقة من التضليل الإعلامي» بلغت ذروتها إبان جائحة «كوفيد 19» عام 2020، ثم مع نشوب الحرب الروسية الواسعة النطاق ضد أوكرانيا في فبراير (شباط) 2022.

وإلى جانب الحملات الإعلامية المُضلِّلة، التي تشّنها منذ سنوات بعض الأحزاب والقوى السياسية داخلياً، تعرّضت الساحة الأوروبية لحملة شرسة ومتطورة جداً من أطراف خارجية، في طليعتها روسيا.

ومع أن استخدام التضليل الإعلامي سلاحاً في الحرب الهجينة ليس مُستجدّاً، فإن التطوّر المذهل الذي شهدته المنصّات الرقمية خلال السنوات الأخيرة وسّع دائرة نشاطه، وضاعف تداعياته على الصعيدين: الاجتماعي والسياسي.

الهدف تعميق الاستقطاب

وراهناً، تحذّر تقارير عدة وضعتها مؤسسات أوروبية من ازدياد الأنشطة التضليلية بهدف تعميق الاستقطاب وزعزعة الاستقرار في مجتمعات البلدان الأعضاء. وتركّز هذه الأنشطة، بشكل خاص، على إنكار وجود أزمة مناخية، والتحريض ضد المهاجرين والأقليات العرقية أو الدينية، وتحميلها زوراً العديد من المشاكل الأمنية.

وتلاحظ هذه التقارير أيضاً ارتفاعاً في كمية المعلومات المُضخَّمة بشأن أوكرانيا وعضويتها في حلف شمال الأطلسي «ناتو» أو انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن معلومات مضخمة حول مولدافيا والاستفتاء الذي أجري فيها حول الانضمام إلى الاتحاد، وشهد تدخلاً واسعاً من جانب روسيا والقوى الموالية لها.

ستيف بانون (آ ب)

التوسّع عالمياً

كذلك، تفيد مصادر الخبراء الأوروبيين بأن المعلومات المُضلِّلة لا تنتشر فحسب عبر وسائط التواصل الاجتماعي داخل الدول الأعضاء، بل باتت تصل إلى دائرة أوسع بكثير، وتشمل أميركا اللاتينية وأفريقيا، حيث تنفق الصين وروسيا موارد ضخمة خدمة لمصالحها وترسيخ نفوذها.

كلام فون دير لاين

وفي الكلمة التي ألقتها أخيراً أورسولا فون در لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، بمناسبة الإعلان عن مشروع «الدرع» الذي ينتظر أن يستلهم نموذج وكالة «فيجينوم» الفرنسية ورديفتها السويدية «وكالة الدفاع النفسي»، قالت فون دير لاين: «إن النظام الديمقراطي الأوروبي ومؤسساته يتعرّضون لهجوم غير مسبوق يقتضي منّا حشد الموارد اللازمة لتحصينه ودرء المخاطر التي تهدّده».

وكانت الوكالتان الفرنسية والسويدية قد رصدتا، في العام الماضي، حملات تضليلية شنتها روسيا بهدف تضخيم ظهور علامات مناهضة للسامية أو حرق نسخ من القرآن الكريم. ويقول مسؤول أوروبي يشرف على قسم مكافحة التضليل الإعلامي إن ثمة وعياً متزايداً حول خطورة هذا التضليل على الاستقرار الاجتماعي والسياسي، «لكنه ليس كافياً توفير أدوات الدفاع السيبراني لمواجهته، بل يجب أن تضمن الأجهزة والمؤسسات وجود إطار موثوق ودقيق لنشر المعلومات والتحقق من صحتها».

إيلون ماسك (رويترز)

حصيلة استطلاعات مقلقة

في هذه الأثناء، تفيد الاستطلاعات بأن ثلث السكان الأوروبيين «غالباً» ما يتعرضون لحملات تضليلية، خاصة في بلدان مثل اليونان والمجر وبلغاريا وإسبانيا وبولندا ورومانيا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتلفزيون. لكن المفوضية تركّز نشاطها حالياً على الحملات والتهديدات الخارجية، على اعتبار أن أجهزة الدول الأعضاء هي المعنية بمكافحة الأخطار الداخلية والسهر على ضمان استقلالية وسائل الإعلام، والكشف عن الجهات المالكة لها، منعاً لاستخدامها من أجل تحقيق أغراض سياسية.

وللعلم، كانت المفوضية الأوروبية قد نجحت، العام الماضي، في إقرار قانون يلزم المنصات الرقمية بسحب المضامين التي تشكّل تهديداً للأمن الوطني، مثل الإرهاب أو الابتزاز عن طريق نشر معلومات مضلِّلة. لكن المسؤولين في المفوضية الأوروبية يعترفون بأنهم يواجهون صعوبات في هذا المضمار؛ إذ يصعب وضع حدودٍ واضحة بين الرأي والمعلومات وحرية التعبير، وبالتالي، يضطرون للاتجاه نحو تشكيل لجان من الخبراء أو وضع برامج تتيح للجمهور والمستخدمين تبيان المعلومات المزوَّرة أو المضلِّلة.