رواية الفرنسي كلود سيمون «الدعوة» بالعربية

غلاف الرواية
غلاف الرواية
TT

رواية الفرنسي كلود سيمون «الدعوة» بالعربية

غلاف الرواية
غلاف الرواية

صدرت مؤخرًا عن دار «نينوى للنشر والتوزيع» بدمشق الترجمة العربية لرواية «الدعوة» لمؤلفها الفرنسي (كلود سيمون) والحاصل على جائزة نوبل لعام 1985 وقام بترجمتها للعربية عن الفرنسية (كامل عويد العامري) ففي مدخل الرواية كتب المترجم: «نرى أن كلود سيمون الذي يعتبر واحدًا من أبرز كتّاب الرواية الجديدة الفرنسية، وبعد عام من نيله جائزة نوبل أي في عام 1986 وتحديدًا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) منه زار الاتحاد السوفياتي بدعوة من الكاتب القرقيزي جنكيز إيتماتوف للمشاركة في المنتدى الدولي لرجال الفكر والرأي المتناظرين، وكانت هذه الزيارة حافزًا لكتابة نص قصير هذه الرواية (الدعوة) التي نشرها في العام التالي للزيارة 1987».
الدعوة عمل مختلف تمامًا عن أعمال كلود سيمون الروائية الأخرى وهي تسير في خط سردي متقطع، إلا أنها وحسب المترجم تبدو معبرة عن وجهة نظر نقدية وساخرة من القادة السوفيات آنذاك. واستخدم سيمون أسلوبًا بالكتابة مختلفًا، حيث اعتمد على (اسم الفاعل) في نسيج هذه الرواية، دامجًا صفحات طويلة من الوصف باستخدام اسم الفاعل أو اسم المفعول. ومع الانسيابية والتراتبية في تفاصيلها وأحداثها وحبكتها سيتساءل القارئ: هل هي رواية قصيرة أم هي قصة طويلة أم هي تحقيق صحافي ميداني؟ سيمون يشابك الكلمات أو يفرقها بدقة وهوس مراقب روائي، فيدخلنا من الصفحات الأولى بتفاصيل الاستقبال الذي يجرى لكبار الشخصيات، ويصف لنا السيارات الفارهة ذات الزجاج الخلفي المزود بستائر معتمة والتي لا تكترث للإشارات الضوئية رغم أنها لا تسير بسرعة مفرطة، يصف سيمون الأشخاص المجتمعين القادمين من مناطق مختلفة ومنهم ممثل جسّد في أحد الأفلام دور نيرون والزوج الثاني لأجمل فتاة في العالم.. وبأسلوبه الساخر الواقعي يخبرنا عن شخص من المدعوين لفت الانتباه أكثر من الجميع، حيث له (رأس مصارع نوبي) وكأنه مسبوك في قالب من البرونز. ثم يصف الصالة ذات الأبعاد المناسبة كتلك المخصصة لأحد مستشاري الإدارة، ويصف أيضاَ صحون المعجنات وقناني المياه المعدنية التي لا يمكن الاستغناء عنها والتي ينطوي وجودها في هذا الديكور على شيء من السخرية.
ويتابع تفاصيل ومفردات وأحداث وتوصيفات دقيقة لما حصل ويحصل في مثل هذه الدعوات، حيث مقصورة الشرف في القاعة التي كان قد جلس عليها أباطرة وإمبراطورات، ورجل بشاربين (يقصد ستالين دون أن يسميه) يشبهان شارب أحد الأشقياء، وابتسامة عطوفة تشبه ابتسامة لص، وسفّاح كان قد أمر بإعدام بمحاكمة أو بغير محاكمة رجال ونساء وأطفال وشيوخ بالمئات. ويتناول بعد ذلك المدعوين الخمسة عشر وهم في الاجتماع الاستثنائي جالسين على مقاعد عميقة مرتبة على شكل حدوة حصان. إنه مؤتمر إذن.. يرأسه ذلك الرجل عريض المنكبين ذو الوجه الجبلي والشعر الكث.
وينهي سيمون روايته بزيارة الضريح الذي وصل إليه مع المدعوين الخمسة عشر، الذي يحرسه جنود بقفازات بيضاء، خطواتهم محسوبة بدقة متناهية، ولكن وجوههم هادئة مطمئنة بشفاه مطبقة.. إنه مكان استثنائي بلاطه من المرمر، وحائطه العالي من القرميد الأحمر ذي المتاريس الفلورنسية المتخيلة على شكل أجنحة حمامة.



«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً
TT

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

«قلق السرد»... فلسطين روائياً

صدر في الشارقة عن الدائرة الثقافية كتاب نقدي جديد للروائي والناقد السوري نبيل سليمان، هو «قلق السرد»، وبذلك يبلغ عدد مؤلفات نبيل سليمان الروائية والنقدية ستين كتاباً. وفي مقدمة الكتاب الجديد نقرأ:

«يتعلق قلق السرد بالشكل، وليس فقط بالمحتوى أو المضمون. والرواية - إذن – قد تورثنا القلق بفعل وفضل الشكل، وليس فقط بمادتها الحكائية أو أحداثها أو حمولتها من الأزمات والأحوال النفسية أو من التاريخ. وهنا يتوحد الحديث عن قلق السرد بتوتره، ومن تجلياته: الجمل القصيرة، الإيقاع اللاهث، علامات الاعتراض والمقاطعة. ولا ننس انثيال السرد في هيئة سبيكة لغوية، تخلو من علامات الترقيم، وتتكسّر فيها أية علامات أو مؤشرات أو حواجز تنظم السرد. ومن الأمثلة البديعة لذلك في غُرر الحداثة الروائية الرائدة أذكّر برواية (نجمة أغسطس – 1974) لصنع الله إبراهيم، ورواية (ألف ليلة وليلتان – 1977) لهاني الراهب (1939 – 2000).

يثير العجائبي والغرائبي والخارق، يثير الفانتاستيك من قلق السرد ما يثير. وقد يورث ذلك قلقاً في البناء الروائي، فهل مثل هذا القلق مذمّة بالضرورة؟ وماذا أيضاً عن القلق اللغوي الذي يعانق تعدد اللغات الروائية: هل هو ضرورة أو مذمّة؟».

يحاول هذا الكتاب تشغيل الأسئلة والأفكار السابقة في قراءة مائة وست وأربعين رواية، فيبدأ باستكشاف ما في الجغرافيا الروائية من مولّدات القلق السردي، بعامة، قبل أن يخصص القول في روايات توزعت فضاءاتها وتشظت وتفاعلت من العراق والهند والصين إلى بيروت. ولئن كان ذلك يميل بالقول إلى المحمول السردي، فلعل الفصل التالي يميل، على العكس، بالقول إلى الشكل؛ إذ يتقرى فعل الموسيقى والنحت، فعل الفنون في السرد الروائي. وهذا ما سيتعمق ويتواصل في الفصلين التاليين. ففي فصل «في الفن الروائي»، يمضي تقصّي قلق السرد إلى ما للصوفية في الرواية، وإلى الكتابة المشتركة للرواية، فإلى ما بين الشعر والرواية، فإلى شكل النوفيللا. وفي الفصل الذي يلي يتحدد القول بما بين السيرة والرواية من استبطانٍ لقلق التجنّس بهما، وهذا من قلق السرد في الصميم.

من الكتاب:

«لأن لقلق الهوية الفلسطينية شأناً خاصاً، أفردتُ له فصلاً خاصاً لتجلياته في قلق السرد الروائي الفلسطيني. وبذا، بقي لأهجاس مجتمعاتنا المعاصرة فصل أخير، يتعدد في تعبيراته الروائية قلق السرد بين العبودية والضحك والهزيمة والمياه والمرأة المشبوحة بين عالمين والمفصل الزمني الحاد المتمثل في رأس السنة، كل سنة.

ولعل من المهم أن أشير إلى أن تحديد روايات بعينها لكل فصل، لا يعني أنْ ليس فيها ما يخاطب فصلاً آخر. فهذه رواية (يصحو الحرير) مثلاً تنادي الفصل الأول بفضائها المترامي بين مدن الجزائر ووهران وبشار وندرومة وإستانبول والشام (دمشق) وإسكندرون. لكن شخصية الفنانة التشكيلية حروف الزين، وهي الشخصية المحورية، مالت بالرواية إلى فصل (في الفن الروائي). ومثلها رواية (تصحيح وضع) التي يترامى فضاؤها بين ديترويت والرياض والدمام وأبوظبي ودبي وعدن. فقد مال ما في الرواية من أهجاس المجتمعات... إلى الفصل الأخير (أهجاس المجتمعات الروائية). وكذا الأمر في روايات (ملك اللصوص) و(كتيبة سوداء) و(فاكهة للغربان) حيث رجحت كفّة التاريخ على كفّة الجغرافيا، إن صح التعبير. أما روايتا (سماء القدس السابعة) و(قناع بلون السماء) فما لهما من الامتياز الفني ينادي فصل (في الفن الروائي)، وإن كان قلق الهوية الفلسطينية فيهما قد رجح كفّة فصل (فلسطين روائياً)».