بعد منتصف ليل 2 سبتمبر (أيلول) عام 1666، شبت نار صغيرة في مخبز توماس فراينور في شارع بودنغ لين بوسط لندن، وهو الخباز الخاص بالملك ريتشارد الثاني. النار انتشرت في بدايتها بهدوء تخفى بساعات الفجر الأولى، ودفعت بعد ذلك بفعل رياح قوية. وسرعان ما انتشرت ألسنة النيران ملتهمة في طريقها البيوت المتلاصقة المبنية من الخشب، وتسارعت قوتها وشراستها فأتت على مزيد من البيوت والمحال والكنائس والمباني الحكومية، وإن كانت لم تصل لحي ويستمنستر حيث تسكن الطبقة الحاكمة. عمدة لندن في ذلك الوقت استيقظ من نومه لتفقد الحريق قبل انتشاره وخروجه من بودنغ لين، وبالفعل ذهب للموقع لتفقد الحريق ومضى عائدا لمنزله وفراشه قائلا إن الأمر بسيط ويمكن السيطرة عليه.
لندن كانت تعاني في تلك الأيام من انتشار مرض الطاعون، وبدا للبعض أن النار ستطهر المدينة من المرض، ولكن النار أيضا حولت 70 ألفًا من سكان المدينة لمشردين من دون مأوى، وهو رقم هائل بكل المقاييس، ويزداد هولاً إذا عرفنا أن تعداد السكان وقتها كان 80 ألفًا.
حريق لندن العظيم دمر ثلث المدينة، ودمر مباني شهيرة، منها كنيسة سانت بول والجيلد هول (مقر النقابات الحرفية) والبورصة الملكية (رويال إكستشانج)، كما اكتسح في طريقه 13200 منزل، و87 كنيسة. الكارثة أدت لإعادة بناء المدينة على نسق أكثر تنظيما وأمنا، حيث استخدم الطوب والحجر في البناء بدلا من الأخشاب، تفاديا لكارثة مشابهة. كما أعيد بناء كثير من المباني الشهيرة مثل كنيسة «سانت بول» بتصميمات للمعماري الشهير كريستوفر رين، الذي لا تزال لندن تحفل بتصميماته المعمارية، واستغرقت عملية إعادة البناء نحو 40 عاما.
بعد 350 عاما، تحيي لندن ذكرى الحريق الذي دمر المدينة القديمة، وتقيم مجموعة من الاحتفالات تحت عنوان «لندن تحترق» تختمها بإعادة تمثيل الحريق، ولكن على مجسم من الخشب يمثل بيوتا ومباني مصنوعة من الخشب، مثل التي كانت موجودة في عام 1666، وهو ما يشير له المصمم بأنه محاولة فنية لإعادة تكوين ملامح مدينة لندن في عصر عودة الملكية (ريستوريشن). المجسم الخشبي وطوله 120 مترا هو من تصميم الأميركي ديفيد بست، وسيوضع على قارب ضخم يجوب نهر التايمز حيث ستضرم فيه النيران يوم غد الأحد، ويعلق المصمم: «نحتاج فقط أن يكون الطقس رائقا لصالحنا».
ومن خلال بث مباشر على التلفزيون والإنترنت، سيتابع الملايين الاحتفال الذي أطلق عليه اسم «راقبها وهي تحترق». في نفس الوقت سيغطي قبة كنيسة سانت بول فيلم يصور ألسنة النيران الحية إشارة إلى الضرر الذي تعرضت له الكنيسة الشهيرة.
المجسم الخشبي يتكون من 190 مبنى مصغرا، يضم الكنائس والمصانع التي شكلت خريطة لندن في القرن السابع عشر.
التحضير لاحتفالية «لندن تحترق» استغرق شهورا من العمل، اشترك فيه متطوعون من مناطق مختلفة من العاصمة، وضمت الاحتفالية عددا من المعارض والجولات السياحية في المنطقة، التي شهدت بداية الحريق، والنصب التذكاري الذي أقيم لتخليد الضحايا في منطقة «تمبل».
ومن الفعاليات أيضا يقام معرض في الكلية الملكية للأطباء يعرض وصفات طبية وعقارات لمعالجة الحروق كانت تستخدم في ذلك الوقت، أما مكونات تلك المراهم والوصفات فتبدو غريبة لنا الآن ولكنها تعكس تطور الطب منذ القرن السابع عشر، فبعض الوصفات ضمت روث الخيل الذي تغذى على الحشائش فقط. ووصفات أخرى دخلت فيها فضلات الدجاج والبصل ومزيج من دهن الضأن والزبد.
من جانبه خصص موقع «متحف لندن» صفحة متخصصة تحمل معلومات ورسومات تاريخية للندن قبل الحريق وبعده، ويصور الموقع بطريقة تفاعلية وعلى رسم لمباني المدينة تطور الحريق منذ بدايته وحتى توقفه بعد 4 أيام، بعد أن قامت السلطات بإخلاء رقعة ضخمة من الأرض من المباني بهدمها حتى لا تجد النار مزيدا من الوقود. وضم المتحف في مجموعته عددا ضخما من القطع التي تسرد تاريخ المدينة، ومنها بالطبع القطع التي تصور جوانب من حياة المدينة خلال الحريق، منها قطعة زجاج تغير شكلها بعد أن أسالتها النيران، والقطعة عثر عليها الأثريون على بعد أمتار من مكان انطلاق الحريق.
وأطلقت هيئة البريد الملكية أمس 3 طوابع صممت على هيئة قصص الكارتون، تروي فيما بينها أهم أحداث الحريق، وأصدرت هيئة النقد قطعة نقدية تذكارية تحمل نقشا يمثل الحريق.
بعد 350 عامًا على حريق لندن الكبير.. المدينة تشعل النيران مرة أخرى
فعاليات فنية وجولات تاريخية وإحراق مجسم خشبي للمدينة كما بدت في القرن السابع عشر
بعد 350 عامًا على حريق لندن الكبير.. المدينة تشعل النيران مرة أخرى
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة