سائقو شاحنات مصريون يروون تجاربهم مع «بوابات الرعب» في ليبيا

(«الشرق الأوسط») تنشر تفاصيل القوافل المختطفة في إجدابيا

شاحنات مصرية في منطقة «البريقة» الليبية قبل فرارها من الخاطفين بمدينة إجدابيا («الشرق الأوسط»)
شاحنات مصرية في منطقة «البريقة» الليبية قبل فرارها من الخاطفين بمدينة إجدابيا («الشرق الأوسط»)
TT

سائقو شاحنات مصريون يروون تجاربهم مع «بوابات الرعب» في ليبيا

شاحنات مصرية في منطقة «البريقة» الليبية قبل فرارها من الخاطفين بمدينة إجدابيا («الشرق الأوسط»)
شاحنات مصرية في منطقة «البريقة» الليبية قبل فرارها من الخاطفين بمدينة إجدابيا («الشرق الأوسط»)

«قبل مدينة إجدابيا الليبية، أي ناحية منطقة البريقة، أصابنا الرعب وتوقفنا في مكاننا، لأننا علمنا أن مئات من زملائنا سائقي الشاحنات المصريين، جرى اختطافهم واحتجازهم بشاحناتهم. بحثنا عن طريق التفافية، بدأنا خوض المغامرة للرجوع إلى الأرض المصرية. كنا خائفين، لأن الخاطفين الليبيين إذا علموا بهروبنا سيفتحون علينا نيران المدفعية عيار 14.5، ونحترق في شاحناتنا ولن نعود لأولادنا أبدا».
يتحدث حميد، سائق الشاحنة المصري البالغ من العمر 27 سنة، وهو يصور اللحظة التي قرر فيها الهروب من الموت، مع 18 من زملائه بشاحناتهم، متخيلا احتمال الوقوع في التهلكة؛ التي قد تودي به وبهم إلى الموت أيضا، في بلد يعاني فوضى الميليشيات العسكرية وضعف السلطة المركزية، وغياب وجود خطوط فاصلة بين نقاط التفتيش التابعة لـ«قطاع الطرق» والأخرى التابعة للجهات الرسمية، كما يقول عبد الناصر، وهو سائق آخر من سائقي الشحنات التي فرت من ميليشيا إجدابيا، ويبلغ من العمر 33 سنة.
وتشهد ليبيا، الواقعة على الحدود المصرية الغربية، حالة من الفوضى منذ سقوط نظام العقيد الراحل معمر القذافي قبل نحو ثلاث سنوات. ويعتمد الألوف من التجار المصريين، منذ سنين، على السوق الليبية في تصدير المنتجات التي تتنوع بين المواد الغذائية والحديد والإسمنت والرخام وزيوت السيارات وغيرها. ولا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم هذه التجارة، لكن البعض يقدرها بمئات الملايين من الدولارات شهريا.
ويقول عبد المنعم حسين، الذي يدير مصنعا لمنتجات البطاطس بالمنطقة الصناعية في مدينة السادس من أكتوبر (غرب القاهرة)، إن الوضع الاقتصادي المتردي في مصر، منذ ثورة 25 يناير 2011، أجبره ومئات من أصحاب المصانع الآخرين، على تصدير منتجاتهم إلى ليبيا، بينما يضيف المهندس أحمد عبد الراضي، صاحب مصنع لتقطيع الرخام بجنوب القاهرة، أن السوق المصرية «راكدة، منذ الإطاحة بنظام الرئيس الأسبق حسني مبارك. واليوم السوق الليبية في حاجة لقوالب الرخام المصري، ولهذا نصدره لتجار في بلدات مثل بنغازي وطرابلس». ولا يلتفت حسين ولا عبد الراضي ولا غيرهم من أصحاب المصانع، إلى تحذير الحكومة المصرية من السفر إلى ليبيا، خاصة بعد حوادث خطف الشاحنات. ويقول عبد الراضي: «وما العمل! هل نغلق مصانعنا وننام؟».
وبينما كانت الرياح الباردة تهب من الشمال، أي من البحر المتوسط، على التلال الفاصلة بين الحدود المصرية - الليبية، يروي عدد من السائقين المصريين الفارين من الاختطاف في إجدابيا، مسيرة مئات الشاحنات المصرية التي كانت محملة بآلاف الأطنان من رقائق البطاطس والعدس والأرز، إضافة إلى الرخام والإسمنت وغيرها، بعد أن توجهت منذ مطلع الشهر الماضي إلى ليبيا وتعرض معظمها للاختطاف هناك منذ منتصف الأسبوع الماضي، رغم أن السلطات الليبية تقول إن عدد تلك الشاحنات لا يزيد على خمسين، وجرى الإفراج عنها مطلع هذا الأسبوع.
لكن السائق حميد، وهو من مدينة مرسى مطروح المصرية القريبة من ليبيا، وثلاثة من السائقين الآخرين، ممن فروا من خاطفيهم، والتقتهم «الشرق الأوسط» على الحدود، يقولون إن عدد الشاحنات المختطفة في محيط منطقة إجدابيا يزيد على هذا الرقم بكثير. ويقول مسؤول أمني في محافظة مطروح الحدودية إن العدد ربما يصل إلى 500 شاحنة.
ويضيف السائق جمعة البالغ من العمر 45 سنة، وهو من محافظة البحيرة (شمال غربي القاهرة)، إن المئات من سائقي الشاحنات وقعوا في فخ الخاطفين الذين يطالبون بالإفراج عن ذويهم المحبوسين بمصر في قضايا جنائية تخص تهريب أسلحة ومخدرات وغيرها. وتمكن جمعة وحميد وعبد الناصر، و15 من زملائهم الآخرين، من الفرار من الخاطفين. ويقول جمعة، الذي يعول أسرة مكونة من أربعة أطفال، إن القصة التي تخص اختطاف الشاحنات المصرية، بدأت فصولها منذ مطلع الشهر الماضي، حين اجتازت تلك الشاحنات الحدود من معبر السلوم البري، وتوقفت داخل ليبيا أمام الكثير من بوابات التفتيش الرسمية وغير الرسمية، إلى أن اعترضها مسلحون مدججون بالرشاشات الثقيلة وهددوا بحرقها وتمزيق جوازات سفر السائقين إذا لم تفرج السلطات المصرية عن ثلاثة ليبيين محبوسين لديها، بعد إدانتهم في قضايا تهريب أسلحة ومخدرات.
وتعكس قصص جمعة وزميليه حميد وعبد الناصر، وسائقين آخرين، هشاشة الدولة الليبية ومراحل الخطر والابتزاز التي يضطر قادة شاحنات التصدير المصرية للمرور بها قبل الوصول بالحمولة إلى وجهتها في العمق الليبي. وبدأت فصول القصة من المناطق الصناعية الواقعة حول مدينة القاهرة. وغالبية سائقي الشاحنات لا يعرف بعضهم بعضا، لكنهم، ومنذ بداية الرحلة، أخذوا في تجميع أنفسهم للسير في قافلة واحدة، وذلك حين كانوا يلتقون على الطريق الدولي الصحراوي الذي يربط القاهرة بالحدود المصرية - الليبية عبر طريق وادي النطرون الشهير. وكانت القافلة التي انضم إليها كل من حميد وجمعة وعبد الناصر تضم ستين شاحنة محملة بكراتين رقائق البطاطس.
وكان حميد يعمل في نقل الحديد الخردة داخل مصر، من ميناء الإسكندرية إلى مصنع للحديد في مدينة السادات، لكن توقف الأعمال في مصر المضطربة منذ ثلاث سنوات، دفعه للالتحاق بأسطول شحن البضائع لليبيا التي تسعى لإعمار ما خربته ثمانية أشهر من الحرب بين «الثوار الذين كانوا مدعومين بالقصف الجوي من حلف الناتو، ونظام القذافي».
ويقول حميد: «كنا 60 شاحنة محملة (رقائق بطاطس) من مصنع بمدينة السادس من أكتوبر، من بيننا 20 شاحنة تمتلكها شخصيات من محافظة مطروح، وباقي الشاحنات تعود لملاك من محافظات مصرية أخرى، منها دمياط والبحيرة والإسكندرية والقاهرة والجيزة». ويضيف: «خرجنا يوم الجمعة 14 مارس (آذار) الماضي، وعبرنا الطريق الدولي المصري غربا، واسترحنا في مدينة سيدي عبد الرحمن قرب منطقة العلمين المعروفة. أكلنا وشربنا الشاي، وانتظرنا إلى أن انضمت لنا شاحنات أخرى محملة بمواد بناء، ثم استأنفنا الرحلة إلى أن وصلنا معبر السلوم البري الساعة العاشرة ليلا»، لتبدأ فصول المأساة.
ويقول المهندس عبد الراضي، صاحب مصنع لتقطيع الرخام، إنه تعاقد على بيع ثلاثة آلاف طن من الرخام لرجل أعمال ليبي من طرابلس. وهو يعترف بأن الألوف من سائقي الشاحنات المصريين يعملون في ظروف عصيبة بين جانبي الحدود، ليس من بينها احتمال تعرضهم للخطف والقتل فقط داخل ليبيا، ولكنه يشير إلى عشرات التفاصيل التي يقول إنها تبين إلى أي حد تتعرض هذه الفئة للابتزاز والتعسف والإذلال بعد نحو ثلاث سنوات من ثورات الربيع العربي التي كانت تهدف، من بين ما تهدف إليه، إلى صون «الكرامة الإنسانية». ويضيف: «حين نشير على السائقين بتأجيل العمل حتى تستقر الأمور في ليبيا، يغضبون، لأنه لا توجد أعمال أخرى يمكن أن تكفل لهم الحياة. كما أن تأخير عقود التصدير يسبب لنا خسائر لا تحتمل».
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يدخل فيها معظم سائقي الشاحنات المصريين إلى ليبيا، فبعضهم كان ينقل البضائع إلى هناك في عهد القذافي، كما أن البعض الآخر عمل لفترة في نقل المؤن الغذائية لضحايا الاقتتال الليبي في صيف 2011، مثل حميد وجمعة وعبد الناصر.
ويواصل السائق حميد، الذي يعول طفلين إضافة لوالده ووالدته، ويقود شاحنة بمقطورة، قائلا: «صعدنا هضبة السلوم الوعرة، لنبدأ بعد ذلك بالدخول لمنفذ إمساعد البري في الجانب الليبي. ومن أمام قرص الشمس الأحمر، كان يقف نحو 15 من عناصر ميليشيات مسلحة لا تخضع لسيطرة الدولة. يقفون على عدد من بوابات المنفذ. كل بوابة تطلب أموالا، معظمها من دون أي مبرر». ويضيف: «أول مبلغ تطلبه بوابة الحدود الليبية كانت قيمته 50 دينارا (الدولار يساوي نحو ثلاثة دنانير ليبية) نظير رسوم دخول البضاعة عن كل شاحنة. قيمة هذه الرسوم كانت في عهد القذافي 150 دينارا، لكنها كانت تقع على نفقة المستورد الليبي لا المورد المصري كما يحدث حاليا».
ويتابع قائلا إن «ورقة تحصيل الأموال كانت أيام القذافي مختومة من الجهات الرسمية في الدولة، أما الآن فإن الخمسين دينارا يأخذها منك عناصر الميليشيات مقابل وصل عادي ليس عليه أي تواقيع أو أختام رسمية أو إشارة إلى الجهة التي ستذهب إليها هذه الأموال». ويضيف أن بوابة معبر إمساعد، توجد جوارها بوابة أخرى تقف عليها عناصر مدججة بالأسلحة النارية والقضبان الحديدية والعصي. ويطلب من كل شاحنة أن تسدد خمسة دنانير أخرى، دون أي مسمى، وإذا لم تسدد يجري تحطيم زجاج قمرة الشاحنة كأقل عقوبة.
ويتدخل السائق جمعة، الذي ينتمي إلى قبيلة بمصر لها امتداد داخل بنغازي، مواصلا تفاصيل بداية دخول الشاحنات لليبيا، قائلا: «ليست هذه هي المرة الأولى. طبعا، أعرف المخاطر التي كانت تنتظرني. كانت التفاصيل الصغيرة تشغلني عن التفكير في احتمال اختطافي أو قتلي كما حدث لمصريين آخرين من قبل. كنت أفكر في عدد بوابات الميليشيات التي ستطلب مني أموالا، وما إذا كان ما معي يكفي أم لا».
ويضيف أن كل مدخل مدينة ليبية وكل مفترق طرق، توجد بوابات تسيطر عليها عناصر من الميليشيات، وتفرض رسوما بأسماء مختلفة.. «مرحلة ختم الأوراق والحصول على تأشيرة الدخول في منفذ إمساعد، وتسديد 101 دينار مقابل هذا العمل، وسداد ملغ آخر نظير تحليل دم وفيروسات لكل سائق، وهذا أمر طبيعي، لكن غير الطبيعي أن تجبر على سداد خمسة دنانير أخرى لاسترداد جواز السفر، ثم تمر على بوابة رابعة فتسدد 15 دينارا بلا أي اسم، وفي بوابة أخرى من بوابات إمساعد، تسدد خمسة دنانير إضافية دون أي مبرر أيضا».
ويقول جمعة إن الشاحنات تدخل بعد ذلك مرحلة «وزن البضاعة»، وتسدد 30 دينارا. وبعد ذلك، تنتظر وصول موظفي وزارة الصحة لأخذ عينات من المواد الغذائية المحملة على الشاحنات، وإرسال تلك العينات إلى العاصمة طرابلس، على بعد نحو 1600 كيلومتر، لإجراء تحليل عليها. وهذا الأمر يستغرق نحو أربعة أيام على الأقل.
وإذا جاءت النتيجة بأن البضاعة سليمة، فهذا يعني بداية السير في واحدة من أخطر الطرق الصحراوية بليبيا. وتصل هذه الطريق بين مدينة طبرق، وبالتحديد من منطقة الزيتون، إلى مدينة إجدابيا، ويبلغ طولها أكثر من 400 كيلومتر، ولا يوجد عليها تغطية لشبكات الهواتف الجوالة، وتاه فيها مصريون من قبل حتى قضوا نحبهم في الصحراء. وتنقسم هذه الطريق إلى قسمين متساويين. القسم الأول يطلق عليه «طريق الوتر» أو «الميتين (المائتين)»، لأنه يبعد 200 كيلومتر عن أول مفرق يؤدي بك إلى طريق الساحل. وفي هذا المفرق توجد بوابة أخرى تديرها ميليشيات مسلحة، لا بد أن تسدد لها مبلغا موحدا قدره 20 دينارا عن كل شاحنة تحت اسم «قيمة مخالفات المرور».
ويقول جمعة إن هذه المخالفات «افتراضية»، لأنك تسددها لميليشيا قبلية ترتدي ملابس عسكرية متباينة، حتى لو كنت تسير على سرعة 40 كيلومترا في الساعة. ويضيف: «نعطي جندي الميليشيا العشرين دينارا فيعطينا إيصالا غير مختوم وغير معلوم من الجهة التي يتبعها.. ما عرفناه من بعض الليبيين أن كل قبيلة تتناوب على عملية جمع أموال المخالفات المرورية هذه لعدة أيام، أو حين تكون في حاجة للأموال».
ثم بعد ذلك، أي على بعد 200 كيلومتر أخرى، تصل إلى أول بوابة خاصة بمدينة إجدابيا التي جرت فيها عملية الاختطاف، وهي مقر لزعيم فيدرالية «إقليم برقة» المعلنة من جانب واحد، ويدعى إبراهيم الجضران، الذي أصبح اسمه مشهورا بسبب سيطرة ميليشياته على أربعة موانئ نفطية ومحاولته الفاشلة بيع كمية من النفط قيمتها نحو 30 مليون دولار.
وأبلغ مسؤول في مكتب الجضران «الشرق الأوسط»، عبر الهاتف، أن رجاله لا علاقة لهم بعمليات خطف السائقين المصريين، سواء التي جرت الأسبوع الماضي أو غيرها من وقائع سابقة، وهو ما يؤكده السائق حميد أيضا، الذي يعود ليلتقط خيط رحلة القافلة التي كانت تضم 60 شاحنة تسير خلف قوافل أخرى تضم مئات الشاحنات، قائلا: «أما في مدخل إجدابيا، فتبدأ بوابة جديدة فحص البضائع، وإجراء تحاليل للمواد الغذائية مجددا، ثم يخضع السائقون لتحليل دم فيروسات مرة أخرى.. نفس ما تعرضنا له في بوابة إمساعد. الغريب أنه، في كل مرة، يجري ختم التحاليل بأنني خال من الفيروسات، قبل خروج نتيجة التحليل من المعمل. لكن يبدو أن المهم هو سداد القيمة المالية لهذا العمل، وهي 20 دينارا عن كل سائق».
ويواصل حميد قائلا: «ثم تمضي الشاحنات حتى نصل إلى رأس لانوف، أي بعد إجدابيا بنحو 330 كيلومترا. وهناك تبدأ تحليلات جديدة للدم والفيروسات مقابل 40 دينارا عن كل سائق. ثم تصل إلى مدينة سرت بعد نحو 300 كيلومتر أخرى، وتخضع هناك لتحليلات مماثلة بما قيمته 20 دينارا.. حين تقول للواقفين على مثل هذه البوابات الواقعة على مداخل المدن، إنك سبق أن خضعت لتحاليل في بوابات سابقة، يجيبك بأن كل واحد برأسه.. أي كل بوابة لها تحليلاتها وإجراءاتها».
وتستمر قافلة الشاحنات بعد ذلك في المضي قدما حتى تصل إلى مصراتة. ويقول السائق حميد: «كان هذا يوم الجمعة 28 مارس (آذار) الماضي. أخذ القائمون على بوابة المدينة جوازات السفر من السائقين. وهم هنا لا يعترفون أيضا لا بتحاليل البضاعة ولا بتحاليل الدم والفيروسات التي أجريت على السائقين في ثلاث بوابات سابقة. وتسدد رسوما مالية تتراوح بين 20 دينارا وخمسين دينارا، وتظل تنتظر لمدة يومين آخرين حتى تصل نتائج التحاليل من طرابلس، قبل أن يجري السماح لنا بالاستمرار في المضي إلى وجهتنا».
ويضيف حميد: «بعد مصراتة، بدأت كل مجموعة سائقين تتوجه إلى المدينة التي ستفرغ فيها شحنتها.. البعض توجه إلى طرابلس، غربا، على بعد 200 كيلومتر.. كانت وجهتي مدينة زليتن (قرب مصراتة)، وجمعة وآخرون توجهوا إلى مدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس)، والبعض توجه إلى مدينة زوارة (120 كلم غرب طرابلس) قرب الحدود الليبية - التونسية. شاحنات محملة برخام وإسمنت ومخللات وبراميل تستخدم كخزانات مياه، ومواد غذائية معظمها من البقوليات، إضافة لنحو ست شاحنات كانت محملة بزيوت سيارات».
ويعود جمعة للحديث قائلا: «أنزلنا البضاعة في مخازن الزاوية. وهناك وجدنا أن عشرات الشاحنات المصرية سبقتنا وأفرغت حمولتها من الإسمنت والرخام، لأن الزاوية كان فيها دمار كبير من أيام الحرب مع القذافي. المهم اتفقنا كسائقين لشاحنات رقائق البطاطس، وكان عددها عشرين، على أن كل من ينتهي من إنزال حمولته يرجع وينتظرنا في بوابة مصراتة، حتى نتجمع انطلاقا لرحلة العودة لمصر، لأن معظم الشاحنات الأخرى كانت قد سبقتنا في رحلة الرجوع، ولم نكن نعلم أنها ستتعرض للاختطاف».
تقابلنا على مشارف مصراتة بعد صلاة الفجر. وعلمنا أن اثنين من زملائنا العشرين سبقونا في طريق العودة إلى الشرق. وعبرنا الطريق من بن جواد والبريقة، لكن، وفي الساعة 11 صباحا، وبينما نتناول طعام الإفطار على قارعة الطريق، جاءنا خبر أن هناك مئات السائقين من زملائنا جرى احتجازهم في مدينة إجدابيا التي سنمر بها بعد قليل. وبدأ الخوف والقلق يدب فيما بيننا، بعد أن علمنا أيضا أن السائقين الاثنين اللذين سبقانا، جرى توقيفهما واحتجازهما من قبل المسلحين هناك».
ويضيف جمعة: «على الفور، قمنا بإجراء اتصالات بقادة قبيلة نعرفها بمنطقة بوعطني في بنغازي، من أجل أن يساعدونا على العودة إلى مصر دون مشاكل. فطلبوا منا أن ننتظر في منطقة آمنة بعيدا عن إجدابيا، وقالوا لنا إن الخاطفين يتبعون قبيلة أخرى، ولا سلطان لها عليهم، لأنهم كونوا ميليشيا ويعملون في تجارة السلاح والمخدرات عبر الحدود، وأن ثلاثة من أبنائها حوكموا بعد القبض عليهم من جانب السلطات بمصر على الحدود».
ومن جانبه، يقول السائق عبد الناصر، وهو من محافظة دمياط بدلتا مصر، ولديه خمسة أطفال: «مكثنا في مكاننا بالقرب من البريقة ثلاثة أيام، نفكر في مصيرنا. كنت أقول: ما لي أنا بمصير ليبيين محبوسين بمصر. أنا مجرد سائق أسعى لكسب قوت أولادي. وظللنا هكذا معلقين في الفراغ أكثر من 72 ساعة، حتى قارب الطعام والماء ورصيد الهواتف الجوالة على النفاد. ولم يتبق مع كل منا إلا بضعة دنانير»، إلى أن جاء يوم الثلاثاء الماضي (الأول من أبريل (نيسان))، حيث وصلنا خبر من أصدقائنا في بنغازي يفيد بأن الخاطفين يصرون على ألا يطلقوا سراح سائقي الشاحنات ولا شاحناتهم، بعد أن وصل عددهم إلى 470 شاحنة، بعضها كان في طريق العودة لمصر، والبعض الآخر كان ما زال في طريقه لتفريغ حمولته في طرابلس وغيرها من المدن.
ويتابع قائلا: «علمنا أن الخاطفين سبق أن اختطفوا سائقين مصريين من قبل، من أجل الإفراج عن ثلاثة من أتباعهم محبوسين بمصر. وأن عملية الخطف الجديدة هي الرابعة، وأنه في المرات السابقة جرى إطلاق سراح السائقين بعد وعود مصرية بالإفراج عن المحبوسين الليبيين، إلا أن الخاطفين يقولون إن الوعود لم تتحقق». ووفقا لروايات سائقين ممن أطلق سراحهم، فإن الخاطفين يملكون سيارات دفع رباعي عليها مدافع من عيار 14.5 المضادة للطيران المنخفض، ومدججون بأسلحة متنوعة أخرى.
ويقول عبد الناصر إنه شاهد مجموعة الخاطفين في بوابة من بوابات إجدابيا حين كان في طريقه مع زملائه إلى مصراتة، ولذلك أصيب بالذعر حين فكر، مع باقي السائقين المتوقفين في البريقة، في أنه ليس أمامهم إلا مواصلة السير نحو الشرق: «وهو ما يعني الوقوع في أيدي الخاطفين.. وإذا مكثنا مكاننا في صحراء البريقة فسنموت من الجوع والعطش.. فقدنا الأمل، ثم بدأنا نبحث عن خطة للهروب حين عثرنا على طريق صحراوية وعرة تلتف من وراء مدينة إجدابيا وتتجه للطريق الواصلة لبنغازي، لكن فوجئنا بوجود ثلاث بوابات لا نعرف إن كانت تابعة للدولة أم للميليشيات».
ويتدخل حميد في الحديث قائلا: «اقتربنا من البوابة الأولى التي توجد بعد إجدابيا مباشرة. فتحوا لنا الطريق وقالوا لنا إنه ليست لهم علاقة بالخاطفين، فحمدنا الله، ثم بعد 40 كيلومترا اقتربنا من البوابة الثانية، ووفقنا الله في أن المسؤولين عنها كانوا أيضا ضد الخطف، لكنهم لا يملكون القدرة على التعامل مع الخاطفين، وفتحوا لنا الطريق، لنصل إلى البوابة الثالثة التي وضعت العراقيل أمامنا وأعادت الخوف واليأس لقلوبنا».
ويتابع حميد: «هذه البوابة الواقعة على مدخل مدنية بنغازي اسمها بوابة (سلوق). وطلب رجال مسلحون من كل شاحنة سداد 100 دينار كشرط لمواصل العبور شرقا، بينما لم تكن قد تبقت معنا أي أموال تذكر.. وما بين المفاوضات والرعب تمكنا من تخفيض المبلغ إلى 40 دينارا فقط.. ثم اضطر كل منا إلى سداد خمسة دنانير إضافية من أجل استعادة جوازات السفر من البوابة نفسها. ثم طرنا مثل الريح حتى وصلنا إلى الأراضي المصرية.
وتقول السلطات المصرية إنها تدخلت مع الجانب الليبي لإطلاق سراح جميع السائقين المختطفين، وإن الشاحنات بدأت العودة إلى البلاد تباعا دون ذكر لعدد محدد لهذه الشاحنات، بينما يوضح مسؤول في منفذ السلوم البري إنه جرى، خلال عملية الاختطاف إغلاق المنفذ الحدودي لمدة يومين، من أجل الضغط على الخاطفين، إلا أن الأمر لم يحقق المراد.
ومن جانبه، يقول المتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية، السفير بدر عبد العاطي، إن جميع الجهات المصرية المعنية تعمل بشكل متواصل وتنسيق كامل لضمان سلامة المواطنين المصريين حال تعرضهم لأي أخطار في الخارج، وإن جهود وزارة الخارجية بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية المعنية «تكللت بالنجاح بعد الإفراج عن الشاحنات التي جرى احتجازها على طريق إجدابيا الدولي»، لكنه حذر في الوقت نفسه المواطنين المصريين من السفر إلى ليبيا «إلا في حالات الضرورة القصوى على أن يكون السفر من خلال الطيران، بعد الحصول على تأشيرة دخول صالحة صادرة من السفارة الليبية في القاهرة، وليس بالطريق البري».
لكن أصحاب المصانع في القاهرة ومدن أخرى، مثل حسين صاحب مصنع البطاطس، والمهندس عبد الراضي صاحب مصنع الرخام، أجروا اتصالات مع رجال أعمال آخرين يعتمدون على السوق الليبية، ومع نقابات للسائقين، للتنسيق على حلول جديدة تضمن استمرار التصدير لليبيا وتجنب الاختطاف في الوقت نفسه، ومن بين هذه الحلول، الاكتفاء بتوصيل البضائع إلى المدن الليبية التي تقع قبل مدينة إجدابيا، خاصة بنغازي التي تعد ثاني أكبر مدينة في البلاد، على أن يتولى المستوردون الليبيون من المدن الواقعة في الغرب تسلم بضائعهم من بنغازي بواسطة شاحنات ليبية.



المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
TT

المعارضة الصومالية تجتمع في غوبالاند وسط توترات مع الحكومة

الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)
الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود خلال لقاء سابق مع قيادة «الملتقى الصومالي للإنقاذ» الذي يضم قوى سياسية معارضة (وكالة الأنباء الصومالية)

تجتمع المعارضة الصومالية في ولاية غوبالاند التي تشهد خلافات حادة مع الحكومة الفيدرالية بمقديشو، وسط توترات سياسية متصاعدة حول الانتخابات المباشرة واستكمال الدستور.

هذا الاجتماع، الذي يستمر من 17 إلى 20 ديسمبر (كانون الأول)، يراه خبير في الشأن الأفريقي والصومال تحدث لـ«الشرق الأوسط» أقرب إلى «محطة سياسية ذات تأثير محدود، ما لم يتمكن من تجاوز الانقسامات الداخلية والتوترات مع الحكومة وتقديم خطاب وطني جامع يستجيب لتطلعات الشارع الصومالي في الاستقرار والأمن والديمقراطية».

وتحتضن مدينة كيسمايو، العاصمة المؤقتة لولاية غوبالاند، الوفود المشاركة في مؤتمر المعارضة؛ فيما استقبل الأمين العام لمنتدى الإنقاذ الصومالي المعارض، محمد آدم كوفي، وزير الداخلية في غوبالاند، محمد إبراهيم أوغلي، وعدداً من المسؤولين بإدارة الولاية، بحسب ما نقله الموقع الإخباري «الصومال الجديد».

وأوضح أوغلي في تصريحات إعلامية، الثلاثاء، أن المؤتمر سيركز على وضع اللمسات الأخيرة على هيكل مجلس مستقبل الصومال وتحليل الوضع السياسي الذي تمر به البلاد.

وقال كوفي في تصريحات وقتها إن مؤتمر كيسمايو سيناقش قضايا مهمة في ظل المرحلة السياسية الصعبة التي تمر بها البلاد.

وتستضيف الولاية هذا المؤتمر، الذي لم تعلق عليه مقديشو، بعد نحو 10 أيام من إعلان رئيس برلمان غوبالاند، عبدي محمد عبد الرحمن، أن غوبالاند انتقلت من ولاية إقليمية إلى دولة، في تصعيد للتوتر السياسي القائم بينها وبين الحكومة الفيدرالية التي تصف الإدارة الحاكمة حالياً في غوبالاند بأنها غير شرعية بعد إجرائها انتخابات أحادية الجانب في نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 أعادت رئيسها أحمد مدوبي الذي يحكم غوبالاند منذ عام 2012 إلى السلطة.

توتر واحتقان

ويرى الخبير في الشؤون الأفريقية، علي محمود كلني، أن المؤتمر ينعقد في توقيت بالغ الحساسية، وسط احتقان سياسي متصاعد وخلافات مزمنة بين الحكومة الفيدرالية في مقديشو وبعض الإدارات الإقليمية.

وتأتي أعمال المؤتمر، بحسب كلني، في ظل قطيعة طويلة بين إدارة غوبالاند والحكومة الفيدرالية؛ وهي قطيعة هيمنت على المشهد السياسي طوال معظم فترة رئاسة حسن شيخ محمود، مشيراً إلى أن العلاقة بين الرئيس الفيدرالي ورئيس غوبالاند أحمد محمد إسلام (مدوبي) اتسمت بتوتر حاد وصل في بعض المراحل إلى مستوى المواجهة السياسية المفتوحة، ما أفقد أي مسعى للتنسيق أو الشراكة معناها العملي.

وعن التحديات التي تواجه مخرجات المؤتمر، لفت كلني إلى التباين الواضح في مواقف القوى المشاركة في المؤتمر، سواء بشأن شكل نظام الحكم، أو آليات إدارة الدولة، أو مستقبل العملية الديمقراطية في البلاد، مشيراً إلى أن هذا التباين يقلّص فرص الخروج برؤية سياسية موحدة، ويجعل من الصعب تحويل المؤتمر إلى منصة ضغط فعالة في مواجهة الحكومة الفيدرالية.

وتأتي تلك التحركات المعارضة، بينما يشتد منذ عام الجدل بشأن الانتخابات الرئاسية المباشرة المرتقبة عام 2026، بعد 57 عاماً من آخر اقتراع أُجري عام 1968، بديلاً عن نظيرتها غير المباشرة في عام 2000، التي اعتمدت بشكل رئيسي على المحاصصة القبلية في ولايات البلاد الخمس، وجرى العمل بها بعد «انقلابات وحروب أهلية»، وفي ظل سيطرة أربع عشائر كبرى هي: هوية، ودارود، ورحنوين، ودِر.

وعلى مدى عام تقريباً، تصاعدت الأزمة السياسية على نحو لافت، وكانت العودة لاستكمال الدستور المؤقت الذي يعود إلى 2012 هي الشرارة الأبرز لتفاقم الخلافات بين الحكومة الفيدرالية وولايتي بونتلاند وغوبالاند من جانب، و«منتدى الإنقاذ الصومالي» من جانب آخر.

هل من مخرجات ملموسة؟

كانت الخلافات بين الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود والمعارضة قد اشتدت بعد تأسيسه حزب «العدالة والتضامن» في 13 مايو الماضي، وتسميته مرشحاً للحزب في الانتخابات المباشرة المقبلة، وسط تحركات للمعارضة وتشكيل تحالفات.

وفي ضوء هذه المعطيات والخلافات المتصاعدة، يرى خبير الشؤون الأفريقية كلني أن تأثير مؤتمر كيسمايو سيظل محدوداً على مشروع الانتخابات المباشرة الذي تعمل حكومة حسن شيخ محمود على الإعداد له.

وتبقى القيمة السياسية للمؤتمر مرهونة بما قد يصدر عنه من مخرجات ملموسة، وبمدى قدرة المشاركين على توحيد مواقفهم حيال القضايا الوطنية الكبرى، وفي مقدمتها استكمال جهود تحرير البلاد من الجماعات المسلحة، ومسار الانتخابات العامة وإعادة تصميمها على أسس توافقية، وإدارة الخلافات السياسية القائمة والسعي إلى مواءمتها ضمن إطار وطني جامع.

وفي النهاية، يؤكد كلني أن التحدي الحقيقي لا يكمن في عقد المؤتمرات بحد ذاتها، بل في القدرة على تحويلها إلى أدوات فاعلة لإنتاج حلول سياسية قابلة للحياة.


مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
TT

مصر تدعم «سلام الكونغو» وتبدي استعدادها لمساندة مسار التسوية

لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)
لقاء بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس جمهورية الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي في أكتوبر الماضي (الرئاسة المصرية)

أكد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دعم بلاده لاستقرار جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد التوقيع على اتفاقيات سلام تهدف إلى إنهاء التوتر القائم في منطقة «شرق الكونغو»، معرباً عن استعداد بلاده لبذل «كل جهد ممكن لمساندة مسار التسوية».

وتلقى السيسي اتصالاً هاتفياً، الأربعاء، من نظيره الكونغولي فيليكس تشيسكيدي، تناول مجمل العلاقات الثنائية بين البلدين وتطرق إلى مستجدات الأوضاع في شرق الكونغو الديمقراطية، وفق بيان صادر عن المتحدث باسم الرئاسة المصرية.

ورحب السيسي خلال الاتصال بالتوقيع على اتفاق «الدوحة للسلام» الشامل بين حكومة الكونغو الديمقراطية وتحالف نهر الكونغو (حركة 23 مارس)، كما أعرب عن دعم مصر الكامل لاتفاق السلام الموقع في واشنطن ديسمبر (كانون الأول) الحالي، مؤكداً أنه يمثل خطوة بالغة الأهمية نحو إنهاء حالة التوتر وتعزيز الأمن والاستقرار في منطقة البحيرات العظمى.

وأكد الرئيس المصري «استعداد بلاده لبذل كل جهد ممكن، بما في ذلك توفير المحافل اللازمة للأطراف المعنية، دعماً لمسار تسوية النزاع»، وفقاً لبيان الرئاسة المصرية.

الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مراسم توقيع «اتفاق السلام» مع رئيسي رواندا بول كاغامي والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي (أ.ف.ب)

من جانبه، نقل البيان المصري عن الرئيس الكونغولي «تقديره لمساندة مصر لجهود السلام والاستقرار في بلاده وفي المنطقة، واتفق الرئيسان على ضرورة تكثيف الجهود لتذليل أي عقبات قد تواجه تنفيذ اتفاقيات السلام».

ووقع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، ورئيسا رواندا بول كاغامي، والكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي، في واشنطن مطلع الشهر الحالي، اتفاقاً يعزز فرص السلام والتعاون الاقتصادي بتلك المنطقة الأفريقية التي تخوض نزاعاً منذ عقود.

ويشهد شرق الكونغو، الغني بالموارد الطبيعية والمجاور لرواندا، نزاعات مسلحة متواصلة منذ نحو ثلاثة عقود. وتصاعدت حدة العنف بين يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط) الماضيين، بعدما سيطرت حركة «23 مارس»، بدعم من كيغالي، على مدينتَي غوما وبوكافو الرئيسيتين.

ويعد الاتفاق بين رواندا والكونغو الديمقراطية في واشنطن هو الأحدث ضمن سلسلة تفاهمات بإطار أُبرمت في يونيو (حزيران) الماضي بواشنطن، إضافة إلى إطار عمل الدوحة لاتفاقية سلام شاملة، الذي وقعته كينشاسا وحركة «23 مارس» في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) في قطر، استكمالاً لاتفاق في 19 يوليو (تموز) الماضي.

وأشار المتحدث باسم الرئاسة المصرية إلى أن الرئيسين اتفقا خلال اتصال، الأربعاء، على أهمية تعزيز التشاور والتعاون الثنائي في القضايا ذات الاهتمام المشترك، بما يسهم في تحقيق الاستقرار والسلام والتنمية في جمهورية الكونغو الديمقراطية.

وأكد السيسي تطلعه لاستضافه نظيره الكونغولي لمواصلة تعزيز التعاون بين البلدين، فيما ثمَّن تشيسكيدي الزخم الذي تشهده العلاقات مع مصر، مُعبراً عن تقديره للدعم الذي تقدمه لبلاده في مختلف القطاعات.

وفي مطلع هذا الأسبوع، قالت الخارجية المصرية إنها «تتابع بقلق بالغ التطورات المتسارعة في شرق جمهورية الكونغو الديمقراطية، وما تشهده بعض المناطق من تدهور في الأوضاع الإنسانية الذي يفرض تحديات عاجلة على المدنيين»، مؤكدة دعمها المستمر لوحدة وسلامة وسيادة الأراضي الكونغولية.

وشددت مصر، وفق بيان للخارجية، السبت، على أهمية التهدئة ووقف أي تصعيد ميداني بما يسهم في خلق بيئة مواتية للحوار واستعادة الاستقرار؛ مؤكدة الالتزام باتفاق واشنطن للسلام بوصفه إطاراً أساسياً لبناء الثقة وتخفيف التوتر.

كما أكدت مصر ضرورة وقف الأعمال العدائية وتسهيل وصول المساعدات الإنسانية، مشددة على الحاجة إلى دعم الجهود الإقليمية والدولية الرامية إلى تحسين الوضع الإنساني ومنع مزيد من التدهور.


«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
TT

«الوحدة» الليبية تعد بتعديل وزاري قريب

صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل
صورة وزعتها البعثة الأممية لاختتام افتتاح الحوار المهيكل

استبقت حكومة الوحدة الليبية المؤقتة نتائج الحوار الأممي المهيكل بالتأكيد على «أولوية الاستفتاء على الدستور»، معلنة إجراء تعديلات وزارية قريبة، تزامناً مع تأكيد عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، دعم فرنسا للانتخابات.

وقالت حكومة الوحدة المؤقتة، التي رحبت بانطلاق الحوار المهيكل، إنها ستُعلن خلال الأيام القريبة المقبلة عن تعديلات حكومية إصلاحية، تشمل سدّ الشواغر الوزارية، وتهدف إلى رفع مستوى الكفاءة، وتعزيز الأداء المؤسسي، وتوسيع دائرة التوافق بما يدعم متطلبات المرحلة المقبلة.

وأكدت «الوحدة» في بيان لها، مساء الثلاثاء، أن جوهر المرحلة لا يرتبط بتعدد المسارات أو تسمياتها، بقدر ما ينصرف إلى تحقيق الهدف الوطني، المتمثل في إجراء الانتخابات، بوصفها الاستحقاق الذي ينتظره الليبيون لتجديد الشرعية، ووضع حد لحالة عدم اليقين السياسي، مشدّدةً على أن توجهها الأساسي يتمثل في الاستفتاء على مشروع الدستور أولاً، ومؤكدة أنها تتعاطى بإيجابية مع الاختراق، الذي طرأ على حالة الجمود السابقة، وعبّر عن ذلك شخصيات فاعلة، الأمر الذي يفضي إلى الذهاب المباشر نحو الانتخابات التي أصبحت اليوم محل إقرار من مختلف الأطراف، بعد أن ظلت لفترة موضع نقاش، بما يعكس تحولاً واضحاً في مقاربة الحل السياسي.

وعدّت «الوحدة» أن استمرار الخلاف حول القوانين الانتخابية، إن لم يُحسم، فإنه يكرّس الحاجة إلى الاحتكام إلى أسس دستورية واضحة، تُبنى عليها العملية الانتخابية، وتضمن قابليتها للتطبيق، وهو ما أكدت عليه المفوضية العليا للانتخابات بإعلان جاهزيتها متى توفرت هذه الأطر القانونية السليمة.

كما جدّدت الحكومة التزامها بدعم كل ما من شأنه الدفع نحو الانتخابات ضمن مسار وطني مسؤول، يحفظ وحدة الدولة، ويعكس الإرادة الشعبية، ويجنب البلاد الدخول في مراحل انتقالية إضافية.

في سياق ذلك، أوضح وزير الدولة للاتصال بحكومة الوحدة، وليد اللافي، أن التعديلات الوزارية المرتقبة ستركز على اختيار وزراء أكفاء، وتراعي المناطق الجغرافية دون استثناء، مشيراً إلى أنها ستشمل وزارات سيادية وخدمية، وتمثيلاً أكبر للشباب.

في غضون ذلك، أظهر تقرير أممي تفضيلاً واسعاً بين الليبيين لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المؤجلة. وطبقاً للتقرير، الذي نشرته بعثة الأمم المتحدة في ساعة متأخرة من مساء الثلاثاء، حول نتائج المشاورات العامة للحوار المهيكل، فقد أكد 86 في المائة ممن شاركوا في استطلاع عبر الإنترنت جاهزيتهم للتصويت فوراً، فيما أكد أكثر من 70في المائة أن مشاركتهم تؤثر فعلياً.

ووصف التقرير الأزمة الجوهرية في ليبيا، بأنها أزمة سياسية ناجمة، عما وصفه بانقسام مؤسسي وجهوي عميق، وسلطات متنافسة، وغياب سلطة تنفيذية واحدة ذات شرعية وطنية، ما ينعكس سلباً على الاقتصاد والأمن والحوكمة.

وعدّ انتشار السلاح عقبة أساسية أمام الانتخابات والسلام الدائم، وحدّد الأولويات الأساسية في القطاع الأمني بنزع سلاح التشكيلات المسلحة، وإعادة إدماجها، وإنشاء جيش ومؤسسات أمنية موحدة، مع تأكيد السيطرة المدنية، وتحقيق أمن مرتكز على الحقوق وفي خدمة المواطن.

كما تحدث التقرير عن «سلطة سياسية شرعية واحدة، تسيطر فعلياً على الجيش والأمن»، بالإضافة إلى «أطر قانونية ومعايير مهنية واضحة تُطبق بعدالة، وحوافز مالية وضوابط مشفوعة بعقوبات لتشجيع الاندماج والالتزام».

وكانت البعثة الأممية قد أصدرت وثيقة «الإطار المرجعي» الرسمي للحوار، الذي يحدد منصة شاملة تضم 120 إلى 124 مشاركاً ليبياً، يمثلون تنوعاً جغرافياً واجتماعياً، مع نسبة لا تقل عن 35 في المائة للنساء، بالإضافة إلى مشاركة الشباب وذوي الإعاقة.

ويركز الحوار على أربعة مسارات رئيسية هي: الحوكمة، والاقتصاد، والأمن، والمصالحة الوطنية وحقوق الإنسان، مع دمج حقوق المرأة بوصفه موضوعاً مشتركاً.

ويعتمد على مبادئ الملكية الليبية، والشمول، والشفافية، وبناء التوافق، ويستمر لمدة 4 إلى 6 أشهر، بهدف إصدار توصيات توافقية ملموسة لمعالجة جذور النزاع، وتهيئة الانتخابات.

اجتماع صالح ورئيسة الجمعية الوطنية الفرنسية (مجلس النواب)

وتعهد أعضاء الحوار المهيكل، وفقاً لمدونة قواعد السلوك، التي أصدرتها البعثة الأممية أيضاً بوضع المصلحة الوطنية أولاً، والنزاهة، ورفض الضغوط أو المزايا المادية، واحترام الآراء، وتجنب التمييز أو المضايقة، والحفاظ على سرية المداولات.

في المقابل، أكد رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، الذي بدأ زيارة مفاجئة إلى العاصمة الفرنسية باريس، لم يسبق الإعلان عنها، في لقائه، مساء الثلاثاء، مع رئيس الجمعية الوطنية الفرنسية يائيل بيفيه، أن حل الأزمة الليبية يتطلب تضافر الجهود الدولية لمساعدة الشعب الليبي في التعبير عن إرادته الحرة في انتخابات رئاسية وبرلمانية نزيهة، وحذّر من أن قيام البعثة الأممية بفتح مسارات إضافية «سيعقد هذا المسار، ولن يكون لها أثر فعلي إيجابي على ملف التسوية السياسية».

ونقل صالح عن يائيل التزام فرنسا بدعم ومساندة الشعب الليبي في تحقيق رغبته في بناء دولة ديمقراطية مستقرة.

وكان صالح نقل عن رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي، جيرارد لاروشيه، في اجتماعهما تأييده لمقترحاته بشأن حل الأزمة الليبية من خلال الوقوف مع الشعب الليبي، وحقه في اختيار رئيسه وبرلمانه عن طريق الانتخابات المباشرة، لافتاً إلى قيام مجلس النواب بواجباته كاملة في إصدار قانوني انتخاب الرئيس ومجلس الأمة، وتقديم لجنة (6 + 6) المشتركة مع مجلس الدولة، نتائج أعمالها، التي قال وفقاً لعبد الله بليحق، الناطق باسم صالح، إنها نالت رضا مختلف الأطراف، ودعم مجلس الأمن الدولي.

كما أكد صالح، خلال لقائه مع بول سولير، المبعوث الخاص للرئيس الفرنسي، دعم فرنسا لمجلس النواب الليبي ومساعيه لتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المتزامنة، مشيداً بمخرجات لجنة (6 + 6) بوصفها خطوة توافقية مهمة بشأن القوانين الانتخابية، مشيراً إلى ضرورة استمرار اللجنة في مهامها.