ترحيب دولي باتفاق طرابلس مع مسلحي برقة بشأن تصدير النفط

في خطوة مفاجئة، أكدت شركة «لوفتهانزا» الألمانية للطيران أمس أنها والخطوط الجوية النمساوية التابعة لها علقتا رحلاتهما إلى ليبيا لأجل غير مسمى بعد حادث أمني بمطار طرابلس قبل أسبوعين، وذلك بالتزامن مع ترحيب غربي أمس بالاتفاق الذي أعلن عن التوصل إليه بين الحكومة المركزية الليبية والمحتجين المسلحين من إقليم برقة حول المنشآت النفطية، رغم تصريحات قوية لوزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، قال فيها إن جنوب ليبيا تحول إلى «وكر أفاع» للمتشددين الإسلاميين، وأن الطريقة الوحيدة للتعامل معه هي من خلال تحرك جماعي قوي من الدول المجاورة.
وقال متحدث باسم لوفتهانزا: «قررنا تعليق رحلاتنا إلى طرابلس إلى أجل غير مسمى لأسباب أمنية وتشغيلية»، بحسب وكالة «رويترز». وأوقفت الشركتان بالإضافة إلى شركتي «بريتش إيرويز» البريطانية و«أليتاليا» الإيطالية رحلاتها إلى ليبيا منذ نهاية مارس (آذار) الماضي، عقب انفجار قنبلة على المدرج الرئيس لمطار طرابلس الدولي. لكنهم تركوا الاختيار مفتوحا لاستئناف العمليات مجددا، قبل أن تعلن الشركة الألمانية أمس قرارها.
من جانبه، قال وزير الدفاع الفرنسي جان إيف لودريان، أمس، حول الوضع في جنوب ليبيا «شعورنا بالقلق يتنامى. إنه وكر أفاع يعود إليه الجهاديون للحصول على السلاح وتجنيد العناصر. إنها منطقة خطرة، والظروف ليست مواتية لإيجاد حل»، مشددا على أن الطريقة الوحيدة للتعامل مع الوضع هي من خلال تحرك جماعي قوي من الدول المجاورة.
وعلى مدى أشهر تعهدت دول غربية بتدريب قوات الأمن الليبية لحماية الحدود بشكل أفضل في ظل عزوف هذه الدول عن التدخل عسكريا. لكن لم يف بهذا التعهد سوى عدد قليل من الدول. وكان من المقرر أن تبدأ فرنسا تدريب ألف من ضباط الشرطة الليبية بنهاية شهر مارس (آذار) الماضي، لكن يبدو أن الخطة تأجلت. وقال لودريان «الرد الوحيد الممكن يكون من خلال التعاون القوي بين الدول المجاورة لضمان أمن الحدود، لأن مقومات الدولة غائبة في ليبيا. نحن على استعداد لتدريب أفراد الشرطة لكن لا يوجد متطوعون».
في غضون ذلك، ووسط شكوك بإمكانية صموده وتنفيذه، أعلنت حكومات فرنسا وألمانيا وإيطاليا وبريطانيا والولايات المتحدة ترحيبها بالاتفاق الذي أبرمته الحكومة الانتقالية في ليبيا مع المحتجين المسلحين من إقليم برقة لرفع الحصار المفروض على منافذ لتصدير النفط في شرق ليبيا، فيما نفى مسؤول ليبي لـ«الشرق الأوسط» وجود بنود سرية في الاتفاق المكون من ستة بنود والذي جرى إعلانه مساء أول من أمس.
وقالت الحكومة الانتقالية التي يترأسها عبد الله الثني، في بيان رسمي، إنه «في إطار قيامها بواجباتها، ومن أجل حقن دماء الليبيين وتجنيب الاقتصاد الوطني المزيد من الخسائر الناجمة عن قفل الموانئ النفطية خلال المدة الماضية، وفي سبيل المضي قُدما في بناء ليبيا الجديدة، فإنها قبلت الاتفاق المبرم بين الوسطاء ومقفلي الموانئ النفطية، والذي يجري بموجبه فك الحصار عن هذه الموانئ وعودتها للعمل بكامل طاقتها».
وقال مسؤول ليبي مطلع إن بيان الحكومة التي سبق أن نفت مشاركتها بشكل رسمي في المفاوضات السرية التي جرت في مدينة إجدابيا خلال الأيام الماضية مع أعضاء المكتبين السياسي والتنفيذي لإقليم برقة، يعكس عدم رغبة الثني في تبني اتفاق يعلم أنه قد لا يصمد كثيرا في المستقبل القريب أو يثير غضب واستياء الشارع الليبي. واعترف المسؤول، الذي طلب حجب هويته، بأن «الاتفاق تضمن بنودا لصالح تنفيذ مطالب المحتجين المسلحين في إقليم برقة»، لافتا إلى أن «المستقبل السياسي لرئيس الحكومة سيكون على المحك في حال فشل هذا الاتفاق أو انهياره».
وأعلن مساء أول من أمس عن إعادة افتتاح ميناءي الزويتينة والحريقة النفطيين، بحضور أحد أعضاء المؤتمر الوطني العام (البرلمان) ووزيرين في حكومة الثني، بالإضافة إلى إبراهيم الجضران رئيس ما يسمى بالمكتب السياسي لإقليم برقة، والنائب العام الليبي. واتفق الجانبان على أن يسلم ميناءا السدرة ورأس لانوف، وأي منشآت أخرى تباعا، بموجب إجراءات يتفق عليها خلال فترة تتراوح بين أسبوعين وأربعة أسابيع.
وأعلن وزير العدل الليبي صلاح الميرغني أن الاتفاق ينص على تشكيل لجنة جديدة للتحقيق في الادعاءات بأي تجاوزات مالية وإدارية في قطاع النفط منذ التحرير حتى الآن، تتكون من ستة خبراء من مختلف مناطق ليبيا، وكذلك سعي الحكومة لدى المؤتمر الوطني لإلغاء قرار رئيس المؤتمر الوطني العام رقم 42 والقاضي باستخدام القوة لتحرير الموانئ المغلقة، كونه لم تعد له حاجة.
كما نص الاتفاق على إصدار قرار من مجلس الوزراء الليبي بإعادة مقر جهاز حرس المنشآت النفطية إلى البريقة وإعادة هيكلته الإدارية، بالتزامن مع تسوية مستحقات أفراد حرس المنشآت النفطية (المنطقة الوسطى) في حساب كل فرد منهم وفق اللوائح، وكذلك الالتزام بدفع المستحقات المتعلقة بالإعاشة والمصروفات القانونية والمشروعة للجهاز.
واشترط الاتفاق عدم عودة المعتصمين أو تعطيل الموانئ بأي شكل، وبما يسمح بعودة العمل الطبيعي إليها، مشيرا إلى أنه عند إتمام تنفيذ هذا الاتفاق يسعى الوسطاء لدى مكتب النائب العام لإيقاف الملاحقات القانونية الخاصة بعملية غلق الموانئ ووقف التصدير الماضية والمذكورة تحديدا في المذكرات الصادرة ضد كل من خالد شقيق الجضران وأفراد حرس المنشآت النفطية ممن لهم علاقة بإقفال الموانئ النفطية.
وتجاهل الاتفاق الإشارة إلى نقاط جوهرية أخرى تتعلق بمطالب إقليم برقة المعلنة بتشكيل لجان من الأقاليم الليبية الثلاثة للإشراف على المبيعات النفطية وتقاسم عائداتها بحسب الكثافة السكانية والمساحة الجغرافية وتشكيل للجان لاستفتاء إقليم برقة على تطبيق النظام الفيدرالي.
وقال عبد اللطيف العلام، منسق ميناء الزويتينة النفطي، إن الميناء مستعد لاستقبال الناقلات لتحميل الخام فور صدور الأوامر من السلطات بعد الاتفاق، مشيرا إلى أن المرفأ مستعد لبدء التصدير حاليا أو في أي وقت، وأن فريقا من وحدة الصيانة بدأ العمل بالفعل لاستقبال أول ناقلة.
وهنأت حكومات خمس دول هي بريطانيا وإيطاليا وفرنسا وأميركا وألمانيا في بيان مشترك لها أمس البرلمان والحكومة في ليبيا بالتزامهما بالعمل معا من أجل حل هذه القضية التي أضرت كثيرا بالاقتصاد الليبي والشعب الليبي سلميا، وطالبوا جميع الأطراف المعنية بتنفيذ الاتفاق بشكل كامل وبأسرع وقت ممكن، وفقا للجدول الزمني المعد له.
واجتمعت الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي ودول من المنطقة في روما الشهر الماضي في محاولة لإيجاد سبل للتعامل مع الأزمة في ليبيا، لكن لم يسفر الاجتماع عن نتائج تذكر، وخلال أيام سقطت ليبيا مجددا في أتون الفوضى عندما أطيح برئيس الوزراء المقال علي زيدان.
وحث البيان جميع الفئات في أنحاء ليبيا على وقف تعطيل منشآت الطاقة في البلاد لتمكين الإنتاج والصادرات من العودة إلى المستويات الطبيعية، واستئناف التنمية الاقتصادية تحقيقا لمصلحة جميع الليبيين. وجددت الحكومات الخمس دعواتها العاجلة لتنظيم حوار وطني شفاف وشامل يتضمن التركيز بشكل خاص على المسائل الوطنية والإقليمية الأساسية التي تنطوي على موارد ليبيا، عادة لجنة صياغة الدستور التي ستبدأ أعمالها في وقت لاحق من هذا الشهر سيكون لها دور حاسم في صياغة الدستور الليبي الجديد، والذي بدوره سيضمن مستقبل الديمقراطية في ليبيا والحقوق الأساسية لمواطنيها.