تخيل أنك لاعب كرة قدم، وليس فقط مجرد أي لاعب، وإنما واحد من اللاعبين الصفوة ممن وجدوا أنفسهم فجأة خارج دائرة الضوء والاهتمام، وتلقوا إخطارًا من رؤساءهم بأنهم أصبحوا فائضًا عن حاجة النادي الذي ينتمون إليه، وبدأوا يشجعونك على السعي للمشاركة داخل الملعب لكن في ناد آخر. تخيل أنك تنتمي إلى هذه الفئة من لاعبي كرة القدم. ماذا ستكون خطوتك التالية؟
لقد اعتاد جمهور كرة القدم مشاهدة استعراضات لقوة اللاعبين خلال عام 2016، تجلت في عبوس بعضهم، وتقدم بعضهم الآخر بطلبات للانتقال لناد آخر، وإصدار تصريحات صحافية فظة. ومع هذا، فإن الجانب الآخر من القصة، حيث تمارس الأندية قوتها ونفوذها، يتكرر أضعاف ذلك. هذا الصيف، تعرضت مجموعة من اللاعبين للنبذ، بداية من جو هارت حارس مرمى مانشستر سيتي الذي انتقل إلى فريق تورينو الإيطالي، الذي قضى ساعات في حديقة منزله الخلفية في التدريب، وصولاً إلى سايدو بيراهينومهاجم وست بروميتش ألبيون وإلى باستيان شفاينشتايغر الذي لا بد أنه يتساءل حول ما إذا كان بالفعل قد حمل كأس العالم وقبله منذ عامين فقط. سيسأل شفاينشتايغر هذا السؤال بعد أن أخبره مدرب مانشستر يونايتد أنه لا مكان له مع الفريق بعد الآن.
من جانبه، أوضح وكيل لاعبين لديه عملاء بالدوري الإنجليزي الممتاز لكنه فضل عدم ذكر اسمه، أنه «مهما بلغت مقاومة اللاعب، تظل الحقيقة أنه إذا رغب ناد في رحيل لاعب ما، فإن باستطاعته الزج به في محن عصيبة». ومن بين الوسائل التي تتبعها الأندية على هذا الصعيد بعض التكتيكات المعروفة منذ أمد بعيد مثل إجبار اللاعب على التدريب مع فريق الناشئين، وغالبًا ما يحدث هذا لدى قدوم مدرب جديد إلى النادي.
وعن هذا، قال وكيل اللاعبين: «إذا كانت هناك بداية حقبة جديدة داخل النادي ويشعر المدرب بالتردد حيال الالتزام بالاستعانة بلاعب ما، فإن هذا الأسلوب يعد من المؤشرات القوية التي تنبئ عن حقيقة نياته».
بعد ذلك، تصبح مهمة وكيل اللاعبين البحث عن بدائل وعرضهم على العميل، مع تركز الاهتمام على أمر واحد فحسب: المال. وقال الوكيل: «أي وكيل لاعبين بالمعنى الحقيقي سيجلس مع عميله ويطرح جميع الخيارات المتاحة لديه على الطاولة أمامه. إذا كان المبلغ المالي واحدًا والأمر برمته متعلق بكرة القدم، فإنه سيرغب في العمل. أما إذا لم تتواءم العروض، فإنه حينها سيواجه اختيارًا أصعب. إن قضاء عام من دون المشاركة بالملعب قد يضر بمسيرة أي لاعب المهنية على نحو بالغ. وبحلول وقت انتهاء تعاقدك، لن يكون باستطاعتك جني ذات القدر من المال».
ورغم هذه المخاطرة، فإن الوكيل يبقى على ثقة من معرفته أي من الخيارات سيستقر عليها غالبية اللاعبين لدى مواجهتهم احتمالية تقليص أجرهم. وقال: «اللاعب من يتخذ القرار. وبالتأكيد يفكر اللاعبون على نحو استراتيجي في مثل هذه المواقف، لكنهم في نهاية الأمر لن يرحلوا ليحصلوا على مبلغ أقل مقابل أن يشاركوا في الملعب»، وإذا كنت ترى أن هذا التوجه يفتقر إلى الجانب العاطفي بشدة رغم أن اللاعب من المفترض أنه يمارس رياضة يعشقها، مرحبًا بك إذن في كرة القدم الحديثة. ومع ذلك، ورغم أن اللاعبين قد يتخذون قراراتهم المهنية على نحو يخلو من العاطفة، فإن هذا لا يعني أنهم من داخلهم يشعرون أن الأرض تميد من تحتهم!
في هذا الصدد، أوضح بروفسور ديف كولينز، مدير «معهد التدريب والأداء» بجامعة وسط لانكشير، أن التأثيرات النفسية على اللاعبين الذين يجبرون على الرحيل من ناد ما ضد إرادتهم لا تختلف عن التداعيات النفسية للإصابة والاعتزال. يذكر أن كولينز سبق له ترأس قسم الأداء لدى «يو كيه أثيليتيكس»، وسبق أن عمل مع لاعبين أوليمبيين ومحترفي كرة قدم. وقال: «إنها صدمة مهنية، ففي يوم تكون ملء الأعين وفي اليوم التالي تفقد كل شيء، على الأقل من وجهة نظرك. تصور أنك كنت في علاقة عاطفية قوية وكنت تبدي إخلاصًا كبيرًا حيال شريكك، ثم تخيل أن يأتي هذا الآخر ليخبرك أن الأمر انتهى وأنه لم تعد لديه رغبة الاستمرار معك. ستشعر حينها فجأة أنك لم تعد محبوب الجماهير، وأن الناس من حولك لم يعودوا يتعرفون عليك ولا ينادون اسمك. وعندما يكون هذا الجزء من حياتك مهمًا بالنسبة لهويتك، ستكابد حينها صدمة شبيهة بألم فقدان حبيب».
واستطرد كولينز موضحًا أن دور الطبيب النفسي بالمجال الرياضي يكتسب أهمية متزايدة يومًا بعد آخر فيما يتعلق بمعاونة الرياضيين على التعافي من هذه العثرة. وقال: «إذا كنتً أعمل بنادٍ أو فريق ما، وصدر قرار بالاستغناء عن لاعب ما، سأعتبر أن جزءًا من مسؤوليتي يتمثل في رعاية هذا الشخص، وذلك لأنه من المهم على اللاعبين المنضمين حديثًا إلى ناد ما ضمان كيفية تعامل النادي مع الآخرين الراحلين عن صفوفه. وسيتمثل جزء من مهامي في إضفاء طابع عقلاني على المشاعر التي تعتمل في نفس اللاعب. لنفترض أنك في الـ45 وهجرتك زوجتك. ستخالجك الوساوس حينها حول أنك لن تعثر مجددًا قط على شخص مناسب لك، لكن هذه ليست نتيجة منطقية للحدث. وبالمثل، يظن اللاعب في مثل هذا الموقف أنه «كنت في نادي قمة، والآن أصبحت فائضًا عن حاجته، ما يعني أنني لست بارعًا بما يكفي، وهنا أيضًا، لا تشكل هذه نتيجة منطقية للحدث. وعليه، فإنه من المهم التعامل مع الأمر من منظور عقلاني».
وفي الوقت الذي يعمل الوكيل على إبرام اتفاق، فإن الطبيب النفسي يضطلع بدور محوري في تنظيم عملية خروج اللاعب من النادي. الملاحظ وجود فئة جديدة من المسؤولين بالحقل الرياضي يعملون مسؤولي اتصال مع اللاعب ويعملون على ضمان رفاهيته. كما أنهم يتولون مسؤولية الإشراف على الفترة الأخيرة للاعب مع النادي. وقال أحد مسؤولي الاتصال رفض كشف هويته: «نتحمل مسؤولية الاهتمام بلاعب ما مهما حدث. وعبر هذا، تبني علاقة ود مع اللاعب. ومن خلال هذه المهنة، يتعين عليك العمل كشخص عطوف يهتم بأمر الآخرين».
من بين الجوانب التي تحمل أهمية خاصة العقارات. وعليه، فإن اللاعب قد يكون بحاجة لمسؤول اتصال للتفاوض بشأن إنهاء عقد إيجار ما أو طرح منزل للبيع، أو تسلّم منزل جرى إخلاؤه حديثًا وعرضه للإيجار مجددًا. وقال مسؤول الاتصال: «عايشت أمثلة للاعبين رحلوا عن منازل مكتفين بالقول: (لا أرغب في أي من هذه الأشياء)». وأحيانا يقول البعض: «اشتريت هذا التلفاز، ولا أرغب في حمله معي إلى أوزبكستان مثلاً أو أي مكان آخر. في الواقع، قد يرحل البعض فحسب تاركين خلفهم كل شيء. يتركون منزلا ما إلى الأبد من دون أن يبدو على المنزل ما يوحي بوجود عيوب».
وتمضي دورة الحياة بالمجال الرياضي على هذا النحو، ذلك أنه مقابل كل جو هارت هناك كلوديو برافو. وعلى صعيد كرة القدم، لا مكان للعواطف. وأضاف مسؤول الاتصال: «أعمل على معاونتهم على الرحيل عن النادي والمدينة بأفضل صورة ممكنة، لكن يبقى هناك دومًا شعور بأنه (مات الملك، عاش الملك)».
عندما تصبح كرة القدم رياضة «خائنة» مجردة من العواطف
سماع اللاعب من ناديه أنه أصبح فائضًا عن حاجته مثل «الزوج الذي هجرته زوجته»
عندما تصبح كرة القدم رياضة «خائنة» مجردة من العواطف
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة