تجار الأسلحة يغزون «الشبكات الاجتماعية».. وصفقات تُعقد في وضح النهار

لم يعد الحصول على الأسلحة أمرا صعبا في ظل وجود الشبكات الاجتماعية، التي تحولت بعض حساباتها إلى أوكار إلكترونية لتسويق وبيع هذه الأسلحة، إذ يبدو لافتا لزوار بعض مواقع التواصل الاجتماعي انتشار هذه الحسابات بصورة لافتة في الآونة الأخيرة، التي تعرض أنواعا مختلفة من الأسلحة وفق قاموس ضخم من الأسماء التي تحملها، وبحسب صناعة ومصدر السلاح، وهو ما يجعل هذه الحسابات تتحول إلى أشبه بـ«كتالوغ» يقدم للمستخدم إغراءات متعددة لاقتناء السلاح، مع خدمة التوصيل لمن أراد الدفع أكثر.
ويسيطر برنامج «انستغرام» على نصيب الأسد من رواج هذا النشاط، بالنظر إلى طبيعة البرنامج التي تساعد في عرض صورة السلاح والتعليق عليها بمواصفاته، والتواصل مع الزبائن خلال المحادثات العامة فيه، وهذا التطبيق المجاني الذي انطلق في أكتوبر (تشرين الأول) 2010 على متجر التطبيقات «ابستور» الخاص بـ«أبل»، يلقى رواجا كبيرا بين السعوديين، وفي مايو (أيار) من عام 2012 أعلنت إدارة «انستغرام» أنه في كل ثانية تتم إضافة 58 صورة جديدة، في حين تخطى التطبيق حاجز المليار صورة مرفوعة منذ افتتاحه.
ورصدت «الشرق الأوسط» عددا من الحسابات الإلكترونية التي اتخذت من برنامج «انستغرام» موقعا لها لترويج وبيع الأسلحة بصورة غير نظامية، إذ يقول أحدهم: «للبيع، سبورت كوب أسود، الموقع الرياض، السعر 2100 ريال»، واضعا رقم هاتفه الجوال للتواصل، في حين يقول آخر: «متوافر لدي ستوقر 2000 جديدة في بريدة، بـ9700 ريال»، وآخر يقول: «استرا كوب ربع بـ2000 ريال، أسود، الموقع في الشرقية ومن يريده يتصل علي».
ويفضل آخرون وضع مزاد لبيع الأسلحة عبر حساباتهم الإلكترونية، وهو ما يُعرف شعبيا بـ«السوم»، إذ يقول أحدهم: «مسدس برتا إيطالي عيار 7:65، نصف استعمال، للبيع على السوم»، ويبدو لافتا أن هذه الحسابات تلقى رواجا من قبل مستخدمي برنامج «انستغرام» الذين يتفاهمون مع البائعين حول الأسعار وطرق التسليم ويضعون أرقام هواتفهم الجوالة بصورة علنية، مما ينبئ بأنهم غير متوجسين من خطورة هذا النشاط أو ربما لا يدركون خطورة التعامل بهذه الأنشطة المشبوهة عبر الشبكات الاجتماعية.
وتواصلت «الشرق الأوسط» مع بعض هذه الحسابات للتأكد من جديتها ووجودها الفعلي في المدن السعودية التي يؤكد أصحابها سهولة تمكنهم من توزيع السلاح للراغبين منها وإليها، وهو ما تأكدت منه فعلا، حيث بدا أن الكثير من ممتهني بيع الأسلحة عبر الشبكات الاجتماعية يمارسون هذا النشاط منذ مدة، مما أضعف خوفهم من خطورة الإجراءات المتخذة في حقهم حال ضبطهم، بالنظر إلى كون النشاط الذي يمارسونه يُعد من الأنشطة المحظورة دوليا، بينما هم يمارسونه بأريحية لافتة.
أمام ذلك، حاولت «الشرق الأوسط» الاتصال باللواء منصور التركي، المتحدث الرسمي لوزارة الداخلية السعودية، الذي أحالنا إلى أحد أعضاء المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية، حيث أوضح أن تداول الأسلحة عبر الشبكات الاجتماعية أمر محظور، مشيرا إلى أن الوزارة سبق أن أصدرت بيانا تحذيريا بهذا الشأن، طالبا الرجوع إلى البيان على اعتبار أنه يكفي للرد حول ذلك.
من جهته، يعلق الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الحبيب، نائب مدير مركز الدراسات الاستراتيجية لشؤون تنمية المجتمع بجامعة الملك عبد العزيز وكاتب صحافي، على جوانب قصور الوعي الأمني لدى فئات المجتمع حول خطورة تداول وترويج الأنشطة المشبوهة، خاصة ما يتعلق بعرض وبيع الأسلحة عبر الشبكات الاجتماعية، قائلا: «إن هذه الممارسات المشبوهة تنقلنا أساسا إلى البنية الاجتماعية التي هي مجموعة من المعارف تشكلت من تراكمات لجزئيات معرفية قد يكمل بعضها بعضا وقد ينقض بعضها بعضا، فهي من نتاج خيارات الإنسان التي لا تعد ولا تحصى».
ويتابع الحبيب حديثه لـ«الشرق الأوسط»، قائلا: «يأتي في المقابل الأثر الكبير لوسائل الإعلام الجديد أو بمعنى آخر قنوات التواصل الاجتماعي في التأثير على هذه البنية الاجتماعية وعلى التنشئة الاجتماعية أيضا، وكما نلاحظ ونرى أن فئة الأطفال والشباب تعد الأكثر استخداما لتلك التقنيات الحديثة، والأكثر تأثرا بما تحتويه من مضامين إعلامية قد تكون مشبوهة للأسف».
ويرى الحبيب ضرورة «الوقوف على ما ترتب على أبعادها ومضامينها من تغيرات بهدف تشخيص واقع تأثير قنوات التواصل الاجتماعي على تلك الأبعاد، والوقوف على ما ترتب عليها من تغيرات سلبية من أجل إرشاد صانعي القرار والقائمين على السياسات التربوية والإعلامية والاجتماعية لحماية النشء والشباب واستثمار الجوانب الإيجابية لوسائل الإعلام الجديدة في عملية التنشئة، مع تفادي الجوانب السلبية لها».
ويتابع قائلا: «كما ينبغي التوسع في جانب التوعية، وكذلك إيجاد جهاز متكامل لرصد الجرائم الإلكترونية ومرتكبيها والمتعاملين معها وإحالتهم للعدالة، وكذلك تصحيح أوضاعهم بإعادتهم إلى الطريق السوي، والاستفادة من تجربة برنامج المناصحة الذي تبنته وزارة الداخلية بنجاح».
وكانت وزارة الداخلية قد سبق أن أكدت في بيان أصدرته في شهر سبتمبر (أيلول) لعام 2011 على ملاحقة المتاجرين بالأسلحة عبر الشبكة العنكبوتية، وإحالة المتورطين إلى جهات التحقيق لتطبيق الإجراءات النظامية بحقهم وفق النظام، وجاء التأكيد من قبل الوزارة بعد تزايد انتشار تجارة الأسلحة والعروض الترويجية للأسلحة بمختلف أنواعها، من خلال مواقع الإنترنت، وسهولة اقتناء سلاح وتسلمه بعد إبرام صفقة الشراء عبر مواقع إلكترونية.
وطبقا لنظام وزارة الداخلية فإن إجراءات استيراد وبيع الأسلحة النارية الفردية وأسلحة الصيد، تتمحور في تقديم المرخص له بيانا للأمن العام (قسم الأسلحة وإبطال المتفجرات) بأسماء الراغبين في شراء المسدسات النارية، وبعد توافر شروط رخصة حمل الأسلحة النارية يعاد البيان إلى المرخص له بالبيع لإكمال إجراءات الاستيراد، ويُزود الأمن العام بقائمة توضح معلومات الأسلحة لرفعها للجهة المختصة لفسحها، ثم تقوم الجهة المختصة باستكمال إجراءات الفسح ويزود الأمن العام بصورة منه لإبلاغ المرخص له.
تجدر الإشارة إلى أن عقوبات المتاجرين بالأسلحة تصل إلى السجن 30 سنة، وتغريمهم غرامة مالية قدرها 300 ألف ريال على كل من يثبت قيامه بأي مما يأتي:
استعمال الأسلحة الحربية أو الفردية أو ذخائرها أو قطع منها، أو صنعها أو تجميعها أو بيعها أو شرائها أو حيازتها، بقصد الإخلال بالأمن الداخلي. كما يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات وبغرامة لا تتجاوز 30 ألف ريال كل من ثبت قيامه بأي مما يأتي:
تهريب أسلحة صيد أو قطع منها أو ذخائرها إلى المملكة بقصد الاتجار، أيضا يعاقب بالسجن مدة لا تتجاوز ستة أشهر وبغرامة لا تزيد على ثلاثة آلاف ريال، كل من ثبت أن لديه معلومات عن عمليات متاجرة بالأسلحة دون ترخيص أو عن عمليات تهريب لها ولم يُعلم السلطات المختصة بذلك.