من غسل دماغ «جوجو»؟

من غسل دماغ «جوجو»؟
TT

من غسل دماغ «جوجو»؟

من غسل دماغ «جوجو»؟

«لقد غسلوا دماغه».. بحسرة قالها والد الطفل البريطاني الذي ظهر مؤخرا في تسجيل مصور لتنظيم داعش الإرهابي، وهو يعدم مع أربعة صبيان آخرين خمسة من الأسرى لدى التنظيم الإرهابي في سوريا.
إلى جانب الصبي البريطاني الذي عرف نفسه بأبي عبد الله البريطاني يظهر في الشريط أيضا صبي عرف بأنه أبو البراء التونسي وأبو إسحق المصري وأبو فؤاد الكردي ويوسف الأزبكي.
كلهم صبية ضمن مجموعة كبيرة من الأطفال الذين جندهم التنظيم المتطرف، وأعدهم لأبشع عملياته القذرة. أطفال بعضهم جاء من مناطق السبي والغزو، وبعضهم التحقوا مع عوائلهم طوعا لدار الخلافة المزعومة، كحال هذا الطفل، وهو ليس البريطاني أو الأوروبي الوحيد، فجمعية «كويليام فاونديشن» المعنية بمكافحة التطرف قالت: إن نحو 50 طفلا بريطاني المولد يعيشون في المناطق الخاضعة لـ«داعش»، وسبق أن عرض التنظيم أطفالا فرنسيين يشاهدون أو ينفذون عمليات عنف وإعدام.
والد الصبي البريطاني عبر عن صدمته، واتهم والدة الطفل ويدعى جوناثان ألاو جوجو، بتعريضه لعمليات غسيل دماغ، ونقلت وسائل الإعلام عن والد جوجو، قوله: «كان صبيا رائعا، مجرد طفل عادي، يحب مطاردة الحشرات والمشي في الحديقة، كان علي منعها من أخذه، لكن الأمر كان صعبا، تعرضه لغسيل دماغ أمر مثير للاشمئزاز».
«جوجو» هذا ولد في تشاتام في كينت، عام 2004، ووالدته سالي جونز التي انفصلت عن والده، وأصبحت واحدة من أكثر الإرهابيين المطلوبين في العالم، بعد فرارها إلى سوريا بصحبة ابنها الأصغر جوجو عام 2013، وإطلاقها تهديدات بتنفيذ هجمات إرهابية. وقبيل سفرها إلى سوريا اعتنقت جونز الإسلام، وتزوجت من متطرف يصغرها بـ25 عاما هو جنيد حسين الذي قضى في غارة أميركية، وغيرت اسم جوجو لحمزة، وبدلت اسمها إلى سكينة حسين، وفر الثلاثة إلى سوريا. حسرة الوالد البريطاني ليست غريبة علينا، نشاهدها كل يوم على وجوه آباء وأمهات يعتصر الأسى قلوبهم بعد أن اكتشفوا أن فلذات أكبادهم أصبحوا وقودا للتنظيم الإرهابي يخرجون على القانون، ويروعون الآمنين، ويفجرون المساجد، ويقتلون رجال الأمن، وينشرون الخراب في بلدانهم وبلدان الآخرين.
عبارة (غسيل الدماغ) هي الأخرى مألوفة لدينا، نسمعها من ذوي الإرهابيين الذين يصرخون بقهر أن أولادهم تعرضوا إلى غسيل دماغ، حولهم من شباب وادعين يعشقون الحياة إلى ذئاب متوحشة تفتك بالأبرياء وتنشر القتل والترويع أينما حلت أو نزلت.
من لديه القدرة والإمكانية والسلطة على عقول أولادنا لكي يغسلها هكذا ويجعلها متوحشة وحاقدة وكافرة بأوطانها وناقمة على الحياة والإنسان؟ من أي المصادر تتغذى حملات غسل الدماغ هذه؟ ولماذا أخفقنا في إيقافها أو الحد منها؟
في الخمسينات حين كان الصينيون يطبقون برنامج الإصلاح الفكري، كانوا يخضعون الأفراد المشكوك في ولائهم للشيوعية لبرنامج تأهيل نفسي يخلصهم كما يَرَوْن من الأفكار البرجوازية، وفي الحرب الكورية (1950 - 1953) أشيع أنه استخدم غسيل الدماغ كسلاح ضد الجنود الأميركيين الأسرى.. هذه تقنيات حرب تمارسها «داعش» التي استفادت جيدا من تجربة (الانكشارية) التي ابتدعها (أورخان غازي) ثاني سلاطين الإمبراطورية العثمانية، حيث كان جنوده يخطفون الأطفال من مناطق النزاع ليتم عزلهم، ثم تدريبهم وتربيتهم تربية عسكرية صارمة عمادها السمع والطاعة.
عمليات غسيل الدماغ تستلزم عزل الضحايا عن محيطهم وتعبئتهم نفسيا، لكن كيف يمكن لشباب يعيشون بيننا في عالم مفتوح أن يخضعوا لعمليات غسيل دماغ، إلا إذا اكتشفنا أن قوى التعبئة تعتمد ثقافة عزل آيديولوجي تجعل تأثيرها لا يقاوم.
لا يحتاج الأمر إلى عبقرية لكي نكتشف أننا نواجه دفقا ثقافيا من داخلنا يصنع بيئات حاضنة للنطرف.. نعرف شبابا تورطوا في عمليات تفجير وإرهاب وهم لم يخرجوا من بلادهم، كانوا تحت تأثير عمليات غسيل دماغ من نوع آخر أصبح بعضهم معاديا للدولة، وللمجتمع، وللتقدم، وللفن ولثقافة الحياة.. وصولا إلى تحول بعضهم إلى ذئاب بشرية تفتك بلا رحمة، فكيف جرى غسل أدمغتهم؟
هذا هو السؤال المهم، حتى لا نبقى نبكي على اللبن المسكوب ونشتكي طويلا من وجود قوى أجنبية حاقدة تقوم بتعبئة وتحريض وغسل دماغ أولادنا حتى يقوضوا أوطانهم بأيديهم. التحريض والتعبئة أولى أدوات هذا الغسيل القذر، ومثله خطابات المنابر التي تزرع الكراهية وتبث التفرقة والفتنة، وتمزق الوحدة الوطنية. ثم هناك الثقافة الأحادية التي لا تقدم للشباب بدائل ومناهج ولا تساعدهم على التفكير المنطقي النقدي الذي بالضرورة يمتلك وسائل المقاومة للهيمنة على العقل وتوجيهه.
لا يكفي أن نتحسر على هؤلاء الشباب الذين أصبحوا معاول لهدم أوطانهم، ولعبة بأيدي الدول المعادية، لا بد أن نعرف أن التحريض والكراهية والثقافة المغلقة والنظام التعليمي التلقيني ووسائل التواصل والإعلام التي لا تحترم العقل ولا تعتمد المنطق، كلها تدفع بالشباب لحواضن التطرف والإرهاب.. ثم نتساءل ببراءة: من غسل أدمغة أولادنا؟



مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
TT

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)
جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم مساء السبت، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

وبعد اختتام مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي أُقيم بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة، وذلك بمقر «بيت الفلسفة» بالإمارة، برعاية الشيخ محمد بن حمد الشرقي، ولي عهد الفجيرة؛ اجتمع أعضاء «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» في مقرّها بـ«بيت الفلسفة»، وأصدروا بياناً دعوا إلى تأسيس نواة «اتحاد الجمعيات الفلسفية العربية»، ومقرّه الفجيرة، وتشجيع الجمعيات على الانضمام إلى «الفيدرالية الدولية للفلسفة».

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وأكد البيان أهمية مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج العربي، مثل مشكلة الهوية وتعزيز الدراسات حولها.

ودعا للسعي إلى «الإضاءة على الفلسفة في العالم العربي وتمييزها من الفلسفة الغربية؛ لأنّ هدف بيت الفلسفة المركزي تعزيز الاعتراف بالآخر وقبوله».

كما دعا البيان إلى تعزيز دائرة عمل «حلقة الفجيرة الفلسفيّة»، بما يضمن تنوّع نشاطها وتوسّع تأثيرها؛ بدءاً بعقد جلسات وندوات شهريّة ودوريّة من بُعد وحضورياً، ومروراً بتعزيز المنشورات من موسوعات ومجلّات وكتب وغيرها، وانتهاء باختيار عاصمة عربيّة في كلّ سنة تكون مركزاً لعقد اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفيّة» بإشراف «بيت الفلسفة».

وأكد توسيع دائرة المشاركين خصوصاً من العالم الغربي؛ بحيث يُفعّل «بيت الفلسفة» دوره بوصفه جسراً للتواصل الحضاري بين العالمين العربي والغربي.

كما بيّن أهمية إصدار كتاب يجمع أعمال المؤتمرات السابقة. وبدءاً من العام المقبل سيعمد «بيت الفلسفة» إلى تعزيز الأبحاث المطوّلة في المؤتمر ونشرها في كتاب خاصّ.

ومؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة هو الأول من نوعه في العالم العربي، وتشارك فيه سنوياً نخبة من الفلاسفة البارزين من مختلف أنحاء العالم، ويحمل المؤتمر هذا العام عنوان: «النقد الفلسفي».

وتهدف دورة هذا العام التي بدأت يوم الخميس الماضي واختُتمت السبت، إلى دراسة مفهوم «النقد الفلسفي»، من خلال طرح مجموعة من التساؤلات والإشكاليات حوله، بدءاً بتعريف هذا النوع من النقد، وسبل تطبيقه في مجالات متنوعة؛ مثل: الفلسفة، والأدب، والعلوم.

وتناول المؤتمر العلاقة بين النقد الفلسفي وواقعنا المعيش في عصر الثورة «التكنوإلكترونية»، وأثر هذا النقد في تطوّر الفكر المعاصر.

وخلال مؤتمر هذا العام سعى المتحدثون إلى تقديم رؤى نقدية بنّاءة جديدة حول دور الفلسفة في العصر الحديث، ومناقشة مجموعة من الموضوعات المتنوعة، تشمل علاقة النقد الفلسفي بالتاريخ الفلسفي وتأثيره في النقد الأدبي والمعرفي والعلمي والتاريخي، ومفاهيم مثل «نقد النقد»، وتعليم التفكير النقدي، إلى جانب استكشاف جذور هذا النقد وربطه ببدايات التفلسف.

الشيخ محمد بن حمد الشرقي ولي عهد الفجيرة خلال رعايته مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة (بيت الفلسفة)

وعملت دورة المؤتمر لهذا العام على أن تصبح منصة غنيّة للمفكرين والفلاسفة لتبادل الأفكار، وتوسيع آفاق النقاش حول دور الفلسفة في تشكيل المستقبل.

وشملت دورة هذا العام من مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة عدداً من الندوات والمحاضرات وجلسات الحوار؛ حيث افتُتح اليوم الأول بكلمة للدكتور أحمد البرقاوي، عميد «بيت الفلسفة»، وكلمة للأمين العام للاتحاد الدولي للجمعيات الفلسفية.

وتضمّنت أجندة اليوم الأول أربع جلسات: ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتور أحمد البرقاوي، بعنوان: «ماهيّة النّقد الفلسفيّ»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الغذامي، بعنوان: «النقد الثقافي»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الهتلان.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور فتحي التريكي، بعنوان: «النقد في الفلسفة الشريدة»، ومحاضرة للدكتور محمد محجوب، بعنوان: «ماذا يُمكنني أن أنقد؟»، ومحاضرة ثالثة للدكتور أحمد ماضي، بعنوان: «الفلسفة العربية المعاصرة: قراءة نقدية»، وترأس الجلسة الدكتور حسن حماد.

أما الجلسة الثالثة فضمت محاضرة للدكتور مشهد العلّاف، بعنوان: «الإبستيمولوجيا ونقد المعرفة العلميّة»، ومحاضرة للدكتورة كريستينا بوساكوفا، بعنوان: «الخطاب النقدي لهاريس - نقد النقد»، ومحاضرة للدكتورة ستيلا فيلارميا، بعنوان: «فلسفة الولادة - محاولة نقدية»، وترأس الجلسة: الدكتور فيليب دورستيويتز.

كما ضمت الجلسة الرابعة محاضرة للدكتور علي الحسن، بعنوان: «نقد البنيوية للتاريخانيّة»، ومحاضرة للدكتور علي الكعبي، بعنوان: «تعليم الوعي النقدي»، وترأس الجلسة: الدكتور أنور مغيث.

كما ضمّت أجندة اليوم الأول جلسات للنقاش، وتوقيع كتاب «تجليات الفلسفة الكانطية في فكر نيتشه» للدكتور باسل الزين، وتوقيع كتاب «الفلسفة كما تتصورها اليونيسكو» للدكتور المهدي مستقيم.

جانب من الحضور (الشرق الأوسط)

وتكوّن برنامج اليوم الثاني للمؤتمر (الجمعة 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2024) من ثلاث جلسات، ضمت الجلسة الأولى محاضرة للدكتورة مريم الهاشمي، بعنوان: «الأساس الفلسفي للنقد الأدبيّ»، ومحاضرة للدكتور سليمان الضاهر، بعنوان: «النقد وبداية التفلسف»، وترأست الجلسة: الدكتورة دعاء خليل.

وضمت الجلسة الثانية محاضرة للدكتور عبد الله المطيري، بعنوان: «الإنصات بوصفه شرطاً أوّلياً للنّقد»، ومحاضرة للدكتور عبد الله الجسمي، بعنوان: «النقد والسؤال»، وترأس الجلسة الدكتور سليمان الضاهر.

وضمت الجلسة الثالثة محاضرة للدكتور إدوين إيتييبو، بعنوان: «الخطاب الفلسفي العربي والأفريقي ودوره في تجاوز المركزية الأوروبية»، ومحاضرة الدكتور جيم أي أوناه، بعنوان: «الوعي الغربي بفلسفة ابن رشد - مدخل فيمونولوجي»، ويرأس الجلسة: الدكتور مشهد العلاف.

وتكوّن برنامج اليوم الثالث والأخير للمؤتمر (السبت 23 نوفمبر 2024) من جلستين: تناولت الجلسة الأولى عرض نتائج دراسة حالة «أثر تعليم التفكير الفلسفي في طلاب الصف الخامس»، شارك فيها الدكتور عماد الزهراني، وشيخة الشرقي، وداليا التونسي.

وشهدت الجلسة الثانية اجتماع «حلقة الفجيرة الفلسفية» ورؤساء الجمعيات الفلسفية العربية.