«البوركيني».. والتطرف اللاديني

أمام تحدي تجديد العلمانية وتجاوز فكر اليمين الفرنسي

أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
TT

«البوركيني».. والتطرف اللاديني

أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)
أمرأة ترتدي البوركيني المثير للجدل على شاطئ البحر في مدينة مرسيليا بجنوب فرنسا (رويترز)

ظهرت قضية «البوركيني» في فرنسا بعد منع 30 بلدية للباس البحر الذي ترتديه النساء المسلمات. أثار المنع جدلاً واسعًا على مستوى البلاد وفي وسائل الإعلام العالمية، كما جدّد الجدل الدائر في فرنسا حول العلمانية والحرية الدينية. كذلك صاحب النقاش الدائر حول خطوة البلديات، توسّع مخيف من طرف الشرطة في التضييق على المسلمات القاصدات البحر، ووصل التضييق لتحرير محاضر لنساء محجبات فقط واتهامهن بتهم غريبة من مثل إزعاج الناس. ومن الأشرطة التي توثق لهذا السلوك الفيديو المصوّر يوم الثلاثاء 23 أغسطس (آب) من طرف فايزة بن محمد، المتحدثة باسم «اتحاد مسلمي الجنوب» وأمينته العامة.
من واقع أن الجدل المثار حول «البوركيني» في فرنسا كانت له أسس قانونية، وجاء مدعومًا من طرف قرار لمحكمة إدارية بجنوب فرنسا بمدينة كان، استدعت الضجة الإعلامية، ومعها شدة الجدل السياسي والحقوقي الداخلي، تدخلا مباشرا من مجلس الدولة الفرنسي.
وعلى عكس قرار البلديات التي يسيطر على معظمها اليمين الفرنسي المناهض للإسلام، قرر مجلس الدولة يوم 26 أغسطس 2016 لا قانونية قرار منع «البوركيني»، ورفض مزاعم محكمة مدينة كان التي اعتبرته مسا بالنظام العام. وأبعد من ذلك، اعتبرت الفتوى القانونية لمجلس الدولة «القرار البلدي مساسا خطيرا بالحريات الأساسية» وهي حرية التنقل وحرية المعتقد والحرية الشخصية. وهذا رأي قانوني يعيد للأذهان ما أثير في إسبانيا عام 2010، حين صوتت 30 مدينة في إقليم قطالونية (كتالونيا) على قرار يقضي بمنع ارتداء «البرقع» في الإدارات العامة، لكنّ قرار المحكمة العليا رفض هذا المنع، واعتبره معاديا للحرية الدينية. وفي حين رأى كثيرون من المثقفين الفرنسيين قرار مجلس الدولة الأخير أنه «إنقاذ لسمعة العلمانية الفرنسية والحرية الفردية» باعتبار الفضاء العام مكانا للحرية وممارسة المعتقد، رآه آخرون «مكسبًا جديدًا للمسلمين وعودة غير علمانية للدين في المجتمع الفرنسي. وتراجعًا عن المسار الذي دشنته سياسة حظر ارتداء الحجاب في المدارس والإدارات العامة في العام 2004؛ ومنع النقاب في الأماكن العامة عام 2010»، وبالتالي، فهم يرون أن تدخل مجلس الدولة الأخير من شأنه عرقلة مسيرة سيطرة الدولة على الدين السائدة في فرنسا التي رسمها قانون جمهوري بتاريخ 9 ديسمبر (كانون الأول) 1905 فصل بين الدولة والدين.
ثم إن هذا القرار، قد لا يتوافق مع المزاج العام الفرنسي الذي يوجّهه الإعلام في زمن انتشار «الإسلاموفوبيا» (العداء للمسلمين والخوف منهم) في فرنسا عبر الأوساط الإعلامية والثقافية والإدارية وبعض الأجهزة الأمنية. ويبدو أن العداء للدين ورموز الدين الإسلامي، خاصة، أصبح له جذور اجتماعية صلبة، فحسب استطلاع رأي أجرته جريدة «لوفيغارو» اليمينية أياما قليلة قبل قرار مجلس الدولة، فيما يتعلق بوجهة نظر الفرنسيين الخاصة حول «البوركيني»، أجاب 76 في المائة من المصوّتين بـ«نعم» على سؤال «هل ترى أن ارتداء (البوركيني) يمكن أن يشكل خطرا على النظام العام؟».
نظرة تاريخية
من الناحية التاريخية والسوسيولوجية، فإن الميل المجتمعي في فرنسا لاستبعاد الدين، خاصة الأديان الأجنبية مثل الإسلام، يبدو طبيعيا لاعتبار أساسي، أوضحه فيلسوفا العلمانية الفرنسيان جون بيبيرو ومارسيل غوشي. إذ يرى هذا الأخير، أن «الشكل التفاعلي الذي نسميه اليوم بعلمانية الدولة ظاهرة خاصة بالغرب. وعلى وجه الخصوص، هو قلق يشغل بال فرنسا، التي أنتجت النسق العلماني وطبّقته في مستعمراتها». ورفض الدولة لكل انقياد تجاه الكنيسة في معناه العام هو العلمانية، ومصطلح العلمانية laïcité هو اختراع وحالة فرنسية خاصة بتعبير جون بيبيرو jean Baubéro.
ولئن كانت اختيارات الأفراد، أو الفرد، اختيارات دينية كما هو الحال في قضية لباس البحر «البوركيني»، فكيف يتحرك الفرد داخل الاجتماع البشري الذي يعيش فيه؟
الجواب على مثل هذا السؤال، تطبعه صرامة العلمانية الفرنسية بطابعها السوسيو-تاريخي الذي جسده قرار المنع من 30 بلدية. إن الموظف داخل أجهزة الدولة، والمصطاف في البحر، أو غيره يلزمه المبدأ العلماني بالحياد تجاه المعتقدات الأخرى جميعا، والانتماءات الوسيطة الأخرى كافة. والحقيقة أن فكرة الحيادية المتبناة من طرف العلمانية مثالية (طوباوية) لاعتبارين:
الأول، اعتبار معرفي، يرجع بنا إلى صراع الكنيسة والحركة العلمانية حول التعليم ومؤسسات المعرفة، والسلطة. فالسلطة المعرفية في حالة قيام الدولة العلمانية هي القاعدة الخلفية لدوام المرجعية الوضعية. ذلك أن المؤسسة التعليمية ستكون بالضرورة أشد المدافعين والناشرين للعلمانية من خلال التنشئة السياسية، والثقافة السياسية المبثوثة وسط المناهج التعليمية. فإذا كانت الدولة الدينية تعني الحكم باسم الله، فإن الدولة العلمانية تعني الحكم باسم السلطة المعرفية الوضعية المادية.
والثاني، يتعلق بالحياد المطلوب، فهو في العلمانية الفرنسية حياد تجاه المعتقدات الأخرى جميعًا، والانتماءات الوسيطة الأخرى كافة. وبهذه الحمولة يفقد الحياد معناه أصلاً، لأنه من جهة حياد وفق رؤية وفلسفة للحياة هي العلمانية. ومن جهة أخرى صعب التحقق خاصة عند وجود مرجعيات أخرى غير المرجعية العلمانية، عند الفرد أو الجماعة مثل المرجعية الإسلامية في حالة لباس المسلمات في البحر.
إن الحياد هنا يعني بالضرورة الدفاع عن التصوّر المنطلق منه، أضف إلى أنه، من الناحية العملية، فإن العلمانية تتحوّل إلى معول لهدم الحرية لتضمن هذا الحياد المثالي. إن التفاعلات الاجتماعية تعطي للسياسي أهمية كبيرة، وبالتالي، فمنع الحجاب بقرار قضائي أو قانوني، كما يقع في فرنسا مثلا، يحوّل الدفاع عن العلمانية إلى حركة مرتدّة عن حقوق الإنسان، ويظهرها كتصوّر متطهِّر، ومرجعية فوق بشرية، بل ديانة منافسة للديانات المعلومة.
ثم إن التطور التاريخي للعلمانية، ووجود الدين في الفضاء العام، تطوّر سار عبر مسارين خاصين: ففي أوروبا الغربية حافظت الكثير من البلدان على الوصل مع هوية الدين. في حين أن بعض البلدان كانت تخضع لنظام فردي شمولي، كما هو الحال أوروبا الشرقية سابقًا. وعلى الجانب الآخر، تعمل أنظمة ديمقراطية طويلة في معظمها على ضمان الحرية الدينية في دساتيرها، ومع ذلك تحظر العلمانية والدين في كثير من الأحيان، بشكل ضمني في الحاضر والممارسات الاجتماعية. وهو ما يفسر كون «عدد من الدول الأوروبية لا تزال تعاني من دين الدولة، وفق ليليان فوييه Liliane Voyé في دراسة قيمة حول الدين والسياسة بأوروبا». أكثر من ذلك فإن الواقع السوسيولوجي وفق الباحث في علم الاجتماع السياسي إيف لامبير Yves Lambert يؤكد أن هناك «حالة دينية تقبع داخل العَلمانية وتتكيف باستمرار مع الفضاء العام».
ولأن المسار المجتمعي الفرنسي والأوروبي يتغير دينيًا وعرقيًا، فإن الفيلسوف غي هارشر Guy Haarscher يؤكد أننا في حاجة إلى الاختلاف مع العلمانية الكلاسيكية. فالجوهر العلماني ما يزال صامدًا داخل المجتمع الفرنسي، وهذا ما يجعل النظرة الراديكالية حيال الدين ورموزه مثل «البوركيني» توافق المفهوم التقليدي للعلمانية الذي يحصر الدين في المجال الشخصي بعيدا عن المدرسة. فالحجاب ما هو إلا «غطاء للرأس»، بينما التوافق مع الحداثة يجعلنا نقبل بالتعددية، والدول الديمقراطية تستطيع أن تبقى في الجوهر علمانية. غير أن «العلمانية الفرنسية ليست محمية من طرف القانون الدولي».
وبشكل أكثر وثوقية ووضوحًا - كما يقول هارشر - «ليس هناك نص في الدول الديمقراطية يفرض فصلا دقيقا بين الدين والدولة». هنالك وزارات تهم الشأن الديني... ويتضح الأمر أكثر إذا نظرنا إلى الفصل بين الدولة والدين في بريطانيا والدنمارك واليونان وإسبانيا، حيث يبرز الطابع الديني في المدرسة والأسرة والمجتمع، فأطروحة كوي تغوص للبحث عن الأساس المرجعي للدولة.
في ظل الدولة المعاصرة، نلاحظ غياب العلمانية في غالبية دول العالم، ذلك أن «المنطلقات العامة لا تكترث لا للحقيقة العلمانية ولا للإرادة الجماعية للمؤمنين، بل يبحث عنها في الفضاء الحر الذي تفتحه الحريات العامة وخاصة حريات (العلمانية)».
وكما ذهب غي هارشر، يؤكد جون بوبيرو أن «العلمانية الفرنسية ليست النموذج الوحيد، بل هناك النموذج البلجيكي الذي كوّن عائلة من المفاهيم، وله نمطه الخاص في ظل تعددية الأديان، وفرنسا نفسها تعيش هذه الحالة، لهذا فإن النقاش المستمر في الدائرة الأنجلوساكسونية حول العلمانية يجب أن يؤخذ به في الدائرة الفرنسية، لتجاوز المشاكل التي تطرحها العلمانية من الزاوية السوسيولوجية».
أما مارسيل غوشي في كتابه «الدين في الديمقراطية» (ص 98)، فيرى «أننا أمام تحول تاريخي كبير في علاقة المجتمع والدولة. إذ راهنت العَلمانية على حصر الدين في النطاق الخاص الفردي، غير أنها فشلت، وفي «هذا الإطار يجب فهم السياق الذي وضع فيه إعادة تعريف العلمانية الذي يجري حاليا».
فهل يسمح قرار مجلس الدولة الفرنسي يوم 26 أغسطس 2016 بتغيير مسار الاختيار العلماني لفرنسا بتغيير قانون 1905 ليستجيب للتغيرات الطارئة على المجتمع الفرنسي؟
وهل تستطيع فعلا العلمانية الفرنسية الصارمة أن تحافظ على الحقوق والحريات في زمن الإسلاموفوبيا والإرهاب العابر للحدود؟
وكيف ستتعامل الطبقة الفرنسية المولعة باستغلال قضايا الهجرة والمسلمين في المعارك السياسية والانتخابية مع مثل هذه المستجدات القانونية، في زمن الصعوبات الاقتصادية، وتزايد مطالب الشباب الاجتماعية، وإصلاح التعليم بفرنسا؟
* جامعة محمد الخامس - الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».