التحول التركي حيال سوريا يتحرك في محيط يشهد تغيرات خطيرة

القادة الغربيون يميلون إلى أن الحاجة لإنهاء الحرب تفوق التخلص الفوري من الأسد

جنود أتراك عائدون لتركيا بعد مشاركتهم بمعركة «درع الفرات» التي شنتها القوات التركية على جرابلس قرب الحدود السورية لتحرير المنطقة من «داعش» بمساعدة الجيش السوري الحر (إ.ب.أ)
جنود أتراك عائدون لتركيا بعد مشاركتهم بمعركة «درع الفرات» التي شنتها القوات التركية على جرابلس قرب الحدود السورية لتحرير المنطقة من «داعش» بمساعدة الجيش السوري الحر (إ.ب.أ)
TT

التحول التركي حيال سوريا يتحرك في محيط يشهد تغيرات خطيرة

جنود أتراك عائدون لتركيا بعد مشاركتهم بمعركة «درع الفرات» التي شنتها القوات التركية على جرابلس قرب الحدود السورية لتحرير المنطقة من «داعش» بمساعدة الجيش السوري الحر (إ.ب.أ)
جنود أتراك عائدون لتركيا بعد مشاركتهم بمعركة «درع الفرات» التي شنتها القوات التركية على جرابلس قرب الحدود السورية لتحرير المنطقة من «داعش» بمساعدة الجيش السوري الحر (إ.ب.أ)

بعد خمس سنوات من اشتعال أعمال القتال التي عصفت بسوريا، تحولت البلاد إلى كارثة إنسانية تزعزع استقرار المنطقة، بل والعالم بأسره. ودائمًا ما تمثل هدف معارضي بشار الأسد في دفعه إلى خارج السلطة، لكنهم افتقروا إلى السبل التي تمكنهم من ذلك. الآن، قد تلوح في الأفق نقطة تحول كبرى في مسار الصراع السوري مع تلميح واحدة من كبرى القوى الداعمة للمعارضة السورية، تركيا، إمكانية اضطلاع الأسد، رغم وحشيته في الحرب، بدور في فترة انتقالية لم تحدد بعد.
وجاء البيان الصادر عن وزير الخارجية التركي بن علي يلدريم، متداخلاً: فمن ناحية، ذكر أن «الأسد لا يبدو الشخص القادر على توحيد صفوف السوريين»، وفي المقابل ذكر أنه: «قد تعقد محادثات (مع الأسد) حول فترة انتقالية».
حتى الآن، بدت الجارة الشمالية لسوريا عاقدة العزم على رحيل الأسد عن السلطة، ووفرت الملاذ وخطوط الإمدادات لمجموعة متنوعة من جماعات المعارضة السورية المسلحة، وغضت الطرف عن استخدام أراضيها من قبل جهاديين من تنظيم «داعش» في قتالهم ضد الأسد.
في الواقع، لدى تركيا الكثير من الأسباب التي تدفعها لتوفير هذا الدعم بالغ الأهمية للمعارضة المسلحة، ذلك أنه رغم كونها دولة غير عربية، فإن غالبية سكانها ينتمون إلى السُنة، مثلما الحال مع غالبية الجماعات المعارضة المسلحة. وبالتالي، من الطبيعي أنها لن ترضى عن هيمنة الطائفة العلوية التي يتبعها الأسد على مقاليد الحكم في سوريا، وهي طائفة تنتمي إلى المذهب الشيعي من الإسلام وتشكل جزءًا من محور إقليمي يضم جماعة «حزب الله» اللبنانية وإيران. كما أن جذور حكومة رجب طيب إردوغان إسلامية، بينما يتمسك الأسد بالعلمانية الشديدة. إضافة لذلك، فإن تركيا عضو بحلف «الناتو»، الذي حتى الآن ساند جهود الغرب لإنهاء النظام الاستبدادي القمعي في دمشق.
والواضح أن إردوغان بطبيعته لا يميل للتراجع بسهولة، لكن الواضح كذلك أنه يتحرك الآن في محيط يشهد تغيرات خطيرة.
من جانبهم، ظهر الأكراد السوريون باعتبارهم القوة الرئيسة التي تقاتل «داعش»، الأمر الذي وفر لهم قدرًا كبيرًا من الاستقلال الذاتي داخل الجيب الذي يتركزون به شمال البلاد، على الحدود مع تركيا. وبدوره، أدى تنامي قوة الأكراد في سوريا إلى بث مزيد من الجرأة في صفوف الأقلية الكردية داخل تركيا، الأمر الذي يشكل تطورًا مثيرًا للقلق بالنسبة لأنقرة، التي لطالما حاولت كبح جماح الأكراد وطموحاتهم.
ومع ذلك، وبعد التعرض لسلسلة من الهجمات ضد المدنيين جرى إلقاء اللوم على «داعش»، تتعهد أنقرة الآن بمحاربة المتطرفين بقوة أكبر. ومن شأن ذلك خلق تحالف ضمني بالغ الحساسية بين تركيا والأكراد - وكذلك إيران وسوريا والتحالف الذي تقود الولايات المتحدة. والمؤكد أن الكثير من الأطراف ستعمل جاهدة على ضمان استمرار هذا الوضع لأقصر فترة ممكنة. علاوة على ذلك، تشعر أنقرة بالضجر حيال الاستمرار في استقبال لاجئين سوريين، والذين تجاوزت أعدادهم الآن 2 مليون نسمة. وقد يكون الأمر الأهم الحملة القمعية التي شنها إردوغان في أعقاب محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في يوليو (تموز)، وهي حملة لاقت انتقادات واسعة من الغرب، ما دفعه للاقتراب أكثر من سوريا. جدير بالذكر أن اجتماعًا وديًا عقد منذ أسبوعين مع فلاديمير بوتين، الراعي المخلص للأسد، لتنطلق بذلك مرحلة تقارب بين البلدين، ويبدو أن المزيد لا يزال بالطريق.
من ناحيته، قال المحلل المعني بشؤون الشرق الأوسط، أيهم كامل، إن الموقف التركي حيال الأسد أصبح أكثر مرونة على نحو كبير، في الوقت الذي تضطلع روسيا بدور أنشط. ويبدو أن قصف القوات السورية غير المسبوق لمواقع قوات كردية مدعومة من واشنطن مؤخرًا، رمى لأن يظهر أمام أنقرة أن الأسد الشريك الوحيد الجاد والذي باستطاعته الإبقاء على الأكراد السوريين قيد السيطرة والاحتواء.
وأضاف كامل: «أعتقد أن هذا بداية رقصة يبدي خلالها كلا الطرفين ليس استعدادهما فحسب، وإنما كذلك قدرتهما على إيجاد مساحات من المصالح المشتركة تتعلق باحتواء الأكراد. إننا نشهد عملية مساومة ومحاولة التوصل إلى تسوية تخرج منها جميع الأطراف فائزة».
ومع وجود هذا العدد الكبير من الدول العربية في حالة تفكك أو مهمشة بسبب حركات تمرد داخلها، تجد تركيا نفسها مهيأة لممارسة نفوذ أكبر على مستوى المنطقة، رغم استمرار مشاعر السخط الكامنة داخل المنطقة حيال الحكم الاستعماري الفظ الذي مارسته الإمبراطورية العثمانية. إلا أن نجاح الانفتاح التركي الجديد على الأسد يتطلب إقرار أطراف أخرى فاعلة لهذا الانفتاح، خاصة التيار الرئيس من الجماعات المسلحة السورية والقوى الغربية المحورية.
بالنسبة للغرب، فإن فكرة التحول المرتب نحو الديمقراطية لاقت قبولاً كبيرًا عام 2011، عندما كان «الربيع العربي» لا يزال بالمهد والآمال المثالية في أوجها. إلا أن هذا الوضع تبدل مع سلسلة الإخفاقات التي شهدتها أرجاء المنطقة.
والملاحظ أن الحرب السورية على وجه الخصوص خلفت تداعيات كارثية عبر نطاق واسع: سقط نصف مليون قتيل، وتعرض نصف سكان البلاد للتشريد، وتدفق ملايين اللاجئين ليس على تركيا ودول مجاورة فحسب، وإنما أيضًا أوروبا، ما أجج مشاعر كراهية الأجانب وفاقم مشكلات اقتصادية. كما أن هذا الوضع خلق تحالفات قضت مضجع واشنطن: ذلك أن إيران سمحت لروسيا مؤخرًا بشن هجمات جوية من داخل أراضيها لدعم الأسد. من جانبها، استخدمت الحكومة السورية شتى أنواع الأسلحة غير التمييزية داخل المناطق المدنية في خضم سعيها للبقاء، منها الطائرات الحربية، والبراميل المتفجرة، وأساليب الحصار والتجويع التي أسفرت عن مقتل عشرات الآلاف.
ومع ذلك، فإن الغرب خوفًا من السقوط في مستنقع شرق أوسطي آخر، ظل مترددًا وامتنع عن إعلان منطقة حظر جوي شمال سوريا، وكذلك عن مهاجمة قوات الأسد بعد إدانته باستخدام أسلحة كيماوية، بجانب تردده إزاء إمداد المعارضة بأسلحة ثقيلة ودعمها بقوة. ومن جانبه، رأى بوتين، الذي بدا دعمه للأسد قويًا واستراتيجيًا وناجحًا مقارنة بموقف الغرب المراوغ، في هذا المشهد فرصة سانحة لجني مكاسب.
وبالنظر إلى الوضع من هذه الزاوية، قد يخلص القادة الغربيون في هدوء إلى أن الحاجة لإنهاء الحرب تفوق الحاجة للتخلص الفوري من الأسد.
*خدمة نيويورك تايمز



«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
TT

«المعاقون» في صنعاء... فئة منسيّة تحت مقصلة الحرمان

معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)
معاقون في صنعاء أخضعهم الحوثيون للمشاركة في فعالية طائفية (فيسبوك)

تتفاقم معاناة الآلاف من ذوي الإعاقة في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء، في ظل انهيار شبه كامل لمنظومة الرعاية الاجتماعية، واتهامات مباشرة للجماعة الحوثية بتحويل الموارد المخصصة لهذه الفئة إلى قنوات تخدم مشروعها العسكري والآيديولوجي.

ومع استمرار انقطاع البرامج الحكومية والدعم الدولي، يجد المعاقون أنفسهم أمام واقع قاسٍ تتضاعف فيه الاحتياجات وتتراجع فيه فرص العلاج والرعاية.

مصادر محلية أكدت لـ«الشرق الأوسط» أن الجماعة الحوثية كثفت خلال الأسابيع الأخيرة من ممارساتها التي تستهدف ذوي الإعاقة في صنعاء ومدن أخرى تحت سيطرتها، سواء عبر استغلالهم في فعاليات ومناسبات سياسية، أو من خلال إجبار عشرات الأطفال على حضور دورات تعبئة فكرية تستند إلى خطاب طائفي، في مخالفة صريحة لأبسط قواعد الرعاية الإنسانية.

وتشير المصادر إلى أن ما تبقى من المراكز والمنشآت المتخصصة التي كانت تقدم خدمات طبية وتأهيلية للمعاقين، تحوّل إلى أماكن شبه مهجورة بعد إغلاقات تعسفية ووقف شبه تام للبرامج الفنية والدعم الخارجي، نتيجة استحواذ الجماعة على المخصصات والموارد المالية.

مبنى «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع للحوثيين في صنعاء (إكس)

وكشف سكان في صنعاء أن مئات المعاقين فقدوا مصادر دخلهم المحدودة. ومع غياب برامج الدعم، اضطرت كثير من الأسر إلى إرسال أبنائها من ذوي الإعاقة إلى شوارع المدينة، بحثاً عن أي مساعدة تساهم في تغطية احتياجاتهم الغذائية أو تكاليف العلاج باهظة الثمن.

وتؤكد أسرة تقيم في ضواحي صنعاء أن اثنين من أبنائها من ذوي الإعاقة لم يعودا قادرين على تلقي جلسات العلاج الطبيعي أو الحصول على أجهزة طبية مساعدة، مثل الأطراف الصناعية أو السماعات، بعد ارتفاع أسعارها وغياب الدعم المخصص لهم من «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» الخاضع لسيطرة الحوثيين.

وتضيف الأسرة أن الصندوق ـ الذي كان يعد المتنفس الوحيد لهذه الفئة ـ توقف عن تقديم معظم خدماته التعليمية والتأهيلية، مما أدى إلى حرمان مئات الأطفال من ذوي الإعاقة من حقهم في التعليم المتخصص.

ضحايا بلا رعاية

تقدّر مصادر يمنية حقوقية أن عدد ذوي الإعاقة في صنعاء وبقية مناطق سيطرة الحوثيين يتجاوز 4.5 مليون معاق، بينهم مصابون بإعاقات خلقية، وآخرون نتيجة الحرب التي أشعلتها الجماعة منذ انقلابها. وتؤكد التقديرات أن أكثر من 70 في المائة منهم محرومون من الحصول على أهم الاحتياجات الأساسية، وعلى رأسها الكراسي المتحركة، والأجهزة التعويضية، وجلسات العلاج الطبيعي، وبرامج التأهيل المهني.

جانب من زيارة قيادات حوثية لـ«صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» في صنعاء (إعلام حوثي)

وأكد عاملون في «صندوق رعاية وتأهيل المعاقين» بصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن هناك تراجعاً حاداً في الخدمات المقدمة، مشيرين إلى أن الصندوق يستقبل شهرياً نحو 800 حالة جديدة، معظمها تحتاج إلى رعاية طويلة المدى لا يستطيع الصندوق تلبيتها حالياً. وقالوا إن سيطرة الحوثيين على موارد الصندوق وقراراته أدت إلى إيقاف عشرات المراكز وتجميد برامج التأهيل، إضافة إلى تحويل جزء كبير من الدعم لصالح الجرحى والمقاتلين العائدين من الجبهات.

وأشار العاملون إلى أن المساعدات النقدية والأجهزة التعويضية تُمنح بشكل شبه حصري لعناصر الجماعة وجرحاها، في الوقت الذي يُترك فيه آلاف المعاقين المدنيين لمواجهة مصيرهم دون أي دعم.

تعبئة فكرية

وسط هذا الانهيار الإنساني، تواصل الجماعة الحوثية إخضاع عشرات الأطفال من ذوي الإعاقة في صنعاء لدورات فكرية وتعبوية تحت اسم «دورات توعوية»؛ إذ أفادت مصادر مطلعة بأن الجماعة جمعت خلال الأيام الماضية أطفالاً ومراهقين من تسعة مراكز وجمعيات متخصصة، تتراوح أعمارهم بين 10 و18 عاماً، وأخضعتهم لمحاضرات تهدف إلى غرس أفكارها العقائدية.

وتقول المصادر إن هذه هي المرة الثالثة منذ مطلع العام التي يتم فيها إخضاع قاصرين معاقين لمثل هذه الأنشطة، في خطوة أثارت سخطاً واسعاً بين أسر الضحايا، الذين اعتبروا ذلك استغلالاً فجاً لفئة يُفترض حمايتها وتمكينها بدلاً من تجييرها لصالح مشروع سياسي.

ويأتي ذلك بعد زيارة مفاجئة للقيادي الحوثي محمد مفتاح، القائم بأعمال رئيس حكومة الانقلاب، إلى مقر الصندوق، وهي زيارة رأى فيها مراقبون محاولة لشرعنة ممارسات الجماعة لا أكثر.

فتيات معاقات لدى مشاركتهن في برنامج تعبوي نظمه الحوثيون في صنعاء (فيسبوك)

ويحذر مختصون اجتماعيون في صنعاء من أن استمرار الإهمال وغياب برامج الدعم قد يدفعان بمزيد من ذوي الإعاقة إلى دوامة الفقر المدقع، ويعمق من معاناتهم الصحية والإنسانية. ويتهمون الجماعة الحوثية بأنها حولت هذه الفئة من مواطنين يحتاجون إلى رعاية إلى وسيلة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي.

ويطالب المختصون المؤسسات الدولية والمانحين بضرورة إعادة تفعيل برامج الدعم والتأهيل وضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها بعيداً عن تدخّلات الحوثيين، داعين إلى وضع آلية رقابة مستقلة على البرامج الموجهة لذوي الإعاقة.

ويؤكد المختصون أن إنقاذ هذه الفئة يتطلب جهوداً عاجلة، خصوصاً في ظل الانهيار المتواصل للخدمات الصحية وارتفاع تكاليف العلاج وتوقف التمويل المحلي والدولي عن معظم المراكز.


العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
TT

العليمي يُحذّر من تقويض وحدة القرار السيادي للدولة

جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)
جنود على متن حافلة عسكرية في عدن يرفعون إشارة النصر في ذكرى استقلال جنوب اليمن (أ.ف.ب)

حذّر رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني، رشاد محمد العليمي، من أن أي إجراءات أحادية أو صراعات جانبية داخل المناطق المحررة من شأنها أن تقوّض وحدة القرار السيادي للدولة، وتمنح الجماعة الحوثية المدعومة من إيران فرصة لمراكمة المكاسب على حساب الاستقرار الوطني.

وجاءت تصريحات رئيس مجلس القيادة اليمني قبل مغادرته العاصمة المؤقتة عدن، الجمعة، متوجهاً إلى السعودية لإجراء مشاورات رفيعة مع شركاء إقليميين ودوليين، في ظل تطورات حساسة تشهدها المحافظات الشرقية، وعلى رأسها حضرموت.

وأكّد العليمي في تصريحات رسمية التزام المجلس والحكومة بنهج الشراكة الوطنية، والمسؤولية الجماعية في استكمال مهام المرحلة الانتقالية، بموجب مرجعياتها المتفق عليها، وفي المقدمة إعلان نقل السلطة، واتفاق الرياض.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني رشاد العليمي (إعلام حكومي)

كما أكّد مسؤولية الدولة وحدها عن حماية مؤسساتها الوطنية، وصون مصالح المواطنين، والحفاظ على وحدة القرار السيادي، ورفض أي إجراءات أحادية من شأنها منازعة الحكومة، والسلطات المحلية صلاحياتها الحصرية، والإضرار بالأمن والاستقرار، وتعميق المعاناة الإنسانية، أو تقويض فرص التعافي الاقتصادي، والثقة المتنامية مع المجتمع الدولي.

وقال رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني: «إن معركة استعادة مؤسسات الدولة، وإنهاء انقلاب الميليشيات الحوثية الإرهابية، وتنفيذ برنامج الإصلاحات الاقتصادية، ستظل في صدارة الأولويات الوطنية». وحذّر من أن أي انشغال بصراعات جانبية، لا يخدم سوى المشروع الإيراني، وأدواته التخريبية، ومضاعفة معاناة اليمنيين، وفق ما نقلته عنه وكالة «سبأ» الرسمية.

تغليب مصلحة حضرموت

وأشاد العليمي في تصريحاته بجهود السعودية التي قادت إلى التوصل لاتفاق التهدئة الأخير في محافظة حضرموت (شرق)، مؤكداً أهمية الالتزام الكامل ببنود الاتفاق، والبناء على هذه الجهود الحميدة، وتغليب مصلحة حضرموت وأبنائها، بوصفها ركيزة أساسية للاستقرار في اليمن، والمنطقة.

كما جدد دعمه الكامل لقيادة السلطة المحلية والشخصيات والوجاهات القبلية في قيادة مساعي الوساطة، والتسريع بإعادة الأوضاع إلى سابق عهدها، وتمكين أبناء حضرموت من إدارة شؤونهم المحلية، إنفاذاً لتعهدات مجلس القيادة، وخطته لتطبيع الأوضاع في المحافظة.

مظاهرة في صنعاء حيث العاصمة اليمنية المختطفة دعا إليها زعيم الجماعة الحوثية (أ.ب)

ووجّه العليمي في هذا السياق، قيادة السلطة المحلية في محافظة حضرموت، والجهات المعنية في الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني، والأضرار التي طالت المواطنين، والممتلكات العامة والخاصة، خصوصاً في مديريات الوادي والصحراء، واتخاذ ما يلزم لجبر الضرر، وعدم إفلات المتورطين من العقاب.

كما دعا رئيس مجلس القيادة اليمني جميع المكونات الوطنية إلى نبذ الخلافات، والتحلي بأعلى درجات المسؤولية، وتوحيد الصف في مواجهة التحديات، وإسناد الحكومة للوفاء بالتزاماتها الحتمية، وجعل مصلحة المواطنين، وكرامتهم الإنسانية، فوق كل اعتبار.


تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
TT

تصعيد جديد بين مصر وإسرائيل «لن يصل إلى صدام»

الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)
الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

عدَّت مصر التصريحات الإسرائيلية الأخيرة عن فتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني لخروج سكان قطاع غزة فقط، دون الدخول، عودة لمخطط التهجير المرفوض لديها.

ووسط صخب الانتقادات المصرية الحادة لإسرائيل، أفادت تقارير عبرية بحدوث تأهب إسرائيلي على الحدود مع سيناء، وهو ما يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، «تصعيداً إسرائيلياً جديداً وفقاعة إعلامية بلا أي صدى».

وذكرت قناة «آي نيوز 24» الإسرائيلية، الخميس، أن خلافاً دبلوماسياً حاداً اندلع بين إسرائيل ومصر بعد إعلان الأولى نيتها فتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة لإخراج الفلسطينيين من غزة باتجاه مصر.

وأضافت أن الموقف المصري الذي نفى ذلك أثار ردود فعل حادة في الأوساط الإسرائيلية، حيث علّق مصدر إسرائيلي بلهجة غير معتادة قائلاً: «إسرائيل ستفتح المعابر لخروج الغزيين. إذا لم يرغب المصريون باستقبالهم فهذه مشكلتهم». وقال مصدر أمني إسرائيلي: «رغم بيان المصريين، تستعد إسرائيل لفتح المعبر كما خطط له».

شاحنة بترول مصرية في طريقها إلى قطاع غزة (الهلال الأحمر المصري)

واندلعت شرارة التصعيد الجديد بعد أن قال مكتب منسق أنشطة الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية، في بيان، الأربعاء: «بموجب اتفاق وقف إطلاق النار، وبتوجيه من المستوى السياسي، سيفتح معبر رفح خلال الأيام المقبلة حصرياً لخروج سكان قطاع غزة إلى مصر بالتنسيق مع القاهرة».

وعلى الفور، نقلت هيئة الاستعلامات المصرية عن مصدر مصري مسؤول نفيه ذلك، مؤكداً أنه «إذا تم التوافق على فتح معبر رفح، فسيكون العبور منه في الاتجاهين للدخول والخروج من القطاع، طبقاً لما ورد بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب للسلام».

وقالت مصادر مصرية لقناة «القاهرة الإخبارية» إن مصر تؤكد التزامها بمقررات اتفاق وقف إطلاق النار، «بما فيها تشغيل معبر رفح في الاتجاهين، لاستقبال الجرحى والمصابين من غزة، وعودة الفلسطينيين إلى القطاع»، وحذرت من أن «فتح معبر رفح في اتجاه واحد يكرس عملية تهجير الفلسطينيين».

«خطة تهجير مرفوضة»

وقال ضياء رشوان، رئيس الهيئة العامة للاستعلامات، في تصريحات، مساء الأربعاء، إن «الجانب الإسرائيلي يحاول تحميل مصر الخطة الإسرائيلية بشأن التهجير المرفوضة والمدانة مبدئياً من مصر ودول العالم كله، إما بالضغط على الفلسطينيين للخروج قسراً، وإما بتدمير غزة لجعلها غير صالحة للحياة فيخرجون طوعاً»، مؤكداً أن «التهجير سواء كان قسرياً أو طوعياً خط أحمر بالنسبة لمصر».

وفي سبتمبر (أيلول) الماضي، أكد رشوان أن بلاده «لن تشارك في مؤامرات تهجير الفلسطينيين»، وذلك رداً على تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن استعداده لفتح معبر رفح من الجانب الفلسطيني الخاضع لسيطرة إسرائيل بهدف إخراج الفلسطينيين.

وكان من المقرر فتح معبر رفح في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ضمن المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار الذي بدأ سريانه في العاشر من الشهر، غير أن إسرائيل أبقته مغلقاً في كلا الاتجاهين منذ دخول الاتفاق حيز التنفيذ، قائلة إن على «حماس» الالتزام بإعادة جميع الرهائن الذين لا يزالون في غزة، الأحياء منهم والأموات.

وأعادت «حماس» جميع الرهائن الأحياء، وعددهم 20، مقابل نحو ألفي معتقل فلسطيني وسجين مدان، لكن لا يزال هناك رفات رهينة واحدة في غزة.

جانب من الحدود المصرية - الإسرائيلية (رويترز)

ويرى رئيس المجلس المصري للشؤون الخارجية وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي التصعيد الإسرائيلي «مجرد ضغوط وفرقعة إعلامية ومناوشات متكررة لا تحمل قيمة وليس لها مستقبل، في ضوء معرفتهم الجيدة بالموقف الصارم لمصر برفض تهجير الفلسطينيين خارج البلاد، وأن ذلك لن يحدث تحت أي ثمن»، مضيفاً: «ما تسعى له إسرائيل ضد خطة ترمب، ولن يؤدي لتغيير المواقف المصرية».

فيما يرى عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية مساعد وزير الخارجية الأسبق رخا أحمد حسن أن ما تثيره إسرائيل «دون داع» يعد أموراً «استفزازية»، يحاول نتنياهو من خلالها الهروب من أزماته الداخلية والتزاماته بشأن اتفاق غزة الذي يشترط فتح المعبر من الاتجاهين للدخول والخروج، مشيراً إلى وجود أعداد كبيرة من الفلسطينيين تريد العودة، «ولن يكون للإسرائيليين حجة لعدم تنفيذ الاتفاق بعد تسلم آخر جثة».

واستطرد: «موقف مصر حاسم ولا تراجع فيه، حفاظاً على الأمن القومي المصري، وحقوق القضية الفلسطينية».

تأهب على الحدود

بالتزامن مع ذلك، كشفت صحيفة «معاريف»، الخميس، عن أن الجيش الإسرائيلي يعزز استعداداته على حدود مصر والأردن تحسباً لأي تطورات أمنية، لافتة إلى أن الجيش يتعامل مع سيناريوهات قد تتحول فيها التهديدات التكتيكية إلى تحديات استراتيجية.

وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن رئيس الأركان إيال زامير قام، مساء الأربعاء، بزيارة ميدانية للواء 80 على الحدود مع مصر، مشيراً إلى «وجود تحديات في الحدود مع مصر والأردن».

وتوترت العلاقات المصرية - الإسرائيلية منذ اندلاع حرب غزة قبل أكثر من عامين، لا سيما مع رفض مصر احتلال إسرائيل محور فيلادليفيا والجانب الفلسطيني من معبر رفح الحدوديين، وإصرارها على عدم السماح بتهجير الفلسطينيين إليها، وكذلك مع تلويح إسرائيلي مستمر بتعطيل اتفاقية للغاز مع مصر.

وقال العرابي: «تلك الإجراءات الإسرائيلية هي والعدم سواء، وإسرائيل تعلم أنها لا تملك قوة التصعيد، ولا فتح جبهة جديدة؛ لأن الداخل الإسرائيلي سيكون بالأساس ضد أي تصعيد مع مصر، وبالتالي الصدام مستبعد».

وأشار إلى أن هذا النهج متكرر منذ بداية حرب غزة «لتشتيت الاهتمامات والأولويات، وبات لعبة معروفة ولا جدوى منها، وليس أمام إسرائيل سوى تنفيذ الاتفاق، ونسيان أي خطط لتنفيذ التهجير المرفوض مصرياً وعربياً وأوروبياً ودولياً».

واستبعد حسن حدوث أي صدام بين مصر وإسرائيل؛ «لاعتبارات عديدة متعلقة باستقرار المنطقة»، معتبراً التأهب الإسرائيلي على الحدود «مجرد مناوشات لا قيمة لها».