فكر الكسم في ندوة أردنية

بديع الكسم
بديع الكسم
TT

فكر الكسم في ندوة أردنية

بديع الكسم
بديع الكسم

يرى الباحث أسامة بركات في محاضرة أن المفكر السوري بديع الكسم، انتزع اعترافا مبكرا بأصالة وعمق نتاجه الفلسفي، مستشهدا بقول المفكر جوزيف بوخنسكي، الذي قال مرة بعدما قرأ أعمال الكسم: «الآن نستطيع القول: إن العرب قد عادوا إلى الإسهام في العمل الفلسفي».
وقال بركات في محاضرة نظمتها الجمعية الفلسفية الأردنية أخيرا في «منتدى الفكر الاشتراكي»، إن «المفكر الكسم حدد معنى الفلسفة ولغتها وبحث في الحقيقة الفلسفية، والنزعة الإنسانية وخصائص التفكير الحر، وفلسفة الجمال ودور الفلسفة في توحيد الفكر وإنجاز ثورة ثقافية وإنسانية، إضافة للكثير من البحوث حول بعض الفلاسفة كهيغل وغيره». ويرى الكسم، بحسب المحاضر، أن الأديان ليست سوى أداة ترسم للإنسان الخطوط الرئيسية لمسار حياته، وعليه هو أن يستلهم منها تفاصيل بناء المنظومة القيمية إما بالعقل أو بالعاطفة أو بالتجربة أو بها كلها.
وتابع: «إن الكسم يرى في فلسفة القومية العربية عقيدة اجتماعية سياسية ترتكز لمبادئ الحقوق الطبيعية للإنسان ولرابطة المحبة الإنسانية، وتهدف في أولى أولوياتها للإصلاح الاجتماعي والارتقاء الأخلاقي العربي، ولما كانت القومية العربية تعبر عن ضمير الإنسان العربي المتيقظ وتتضمن دعوه حضارية لترقي المجتمع العربي والإنساني، فهذا سبب كاف ليبادر المجتمع الإنساني بدعم هذه الدعوة، كما أن هذه الدعوة تستلزم نضالا قويا أخلاقيا وهذا النضال أو الكفاح الأخلاقي هو بعينه نشاط فلسفي تشترك فيه كل مكونات الأمة».
ولد بديع بن محمد عطا الله الكسم، عام 1924 في مدينة دمشق، لأسرة اشتهرت بالعلم، فقد كان أبوه مفتيا للديار الشامية عام 1917 حتى وفاته عام 1938. ثم حصل على الشهادة الثانوية عام 1942 وعلى الإجازة الجامعية والماجستير في عام 1949 من جامعة القاهرة ونال شهادة الدكتوراه من جامعة جنيف بسويسرا 1950 عن أطروحة سماها «فكرة البرهان في الفلسفة».
ونشر منذ الوقت عشرات المقالات والأبحاث الفلسفية منها «العاطفة القومية»، و«الإنسانية الصحيحة في القومية الصحيحة»، و«التربية الجمالية»، و«الشرق والغرب في فلسفة رينيه جينون - الحقيقة الفلسفية»، و«طاغور في ذكراه المئوية»، و«ازدواج الدلالة في الثقافة العربية»، و«الثورة الثقافية».



ممداني... نسخة نيويوركية من بطل رواية الفرنسي ويلبيك؟

زهران ممداني
زهران ممداني
TT

ممداني... نسخة نيويوركية من بطل رواية الفرنسي ويلبيك؟

زهران ممداني
زهران ممداني

لا أعلم إن كان عمدة مدينة نيويورك المنتخب حديثاً، زهران ممداني، قد قرأ رواية ميشيل ويلبيك «استسلام». لكن فوز زهران ممداني، المهاجر من أوغندا، ابن أب مسلم ذي أصول هندية وأم هندوسية، والمتزوج من فنانة سورية، يُذكرني حتماً بمحمد بن عباس، الشخصية المحورية في رواية ويلبيك. يصفه المؤلف بأنه ابن مهاجر تونسي وزعيم حزب إسلامي، والذي، في رواية ويلبيك، يفوز في الانتخابات الرئاسية الفرنسية لعام 2022.

هل «الأميركي» زهران ممداني هو النسخة النيويوركية من «الفرنسي» محمد بن عباس في رواية ميشيل ويلبيك؟ أم أنه تجسيد لجملة مارتن لوثر كينغ المعروفة «لدي حلم»؟

نُشرت رواية «استسلام» عام 2015، وأثارت جدلاً واسعاً. كان ذلك قبل ثلاث سنوات من حصول زهران ممداني على الجنسية الأميركية. بطل الرواية، فرنسوا، رجل فرنسي أبيض أعزب في الأربعينات من عمره، يعمل أستاذاً في جامعة السوربون، متخصصاً في أعمال الكاتب جوريس كارل هويسمانز من القرن التاسع عشر. يُقسّم فرنسوا وقته بين التدريس في الجامعة، وتسخين الطعام، وعلاقات غرامية عابرة مع طالبات في برجه العاجي بالدائرة الثالثة بباريس. تبدو الديمقراطية سليمة؛ إذ يُفترض أن تُجرى الانتخابات دون تدخل خارجي.

في مستقبل ويلبيك الروائي القريب، سيطر حزبان على المشهد السياسي الفرنسي التقليدي منذ الحرب العالمية الثانية، لكن هذين الحزبين، يسار الوسط ويمين الوسط، فقدا مصداقيتهما. كانا سيُهمّشان، وستكون القوة السياسية الوحيدة التي ستحظى بفرصة في الانتخابات الرئاسية المقبلة هي الجبهة الوطنية اليمينية. لمنع ذلك؛ اتفقت الأحزاب الرئيسية المترنحة على مرشح مضاد: محمد بن عباس، وهو إسلامي يُفترض أنه معتدل، يكسب، بسلوكه اللطيف كمهاجر تونسي يدير متجر بقالة في ضواحي باريس، أصوات الناخبين الفرنسيين غير المسلمين.

يُصوّر ويلبيك السياسي المسلم، الذي يتخفى في زيّ المواطن العادي للانتخابات، مخرباً متعمداً للهياكل القائمة، شخصاً يعرف تماماً مدى سهولة إغواء النخب الحاكمة، ويريد الإطاحة بالحكومة الفرنسية. وكما هو متوقع في الأدب، تحت شعار «أي شيء إلا الجبهة الوطنية»، تُشكّل الأحزاب الرئيسية جبهة جمهورية واسعة لدعم المرشح المسلم، ويفوز.

يمكن تفسير صعود محمد بن عباس، شخصية ويلبيك، بأنه رد فعل على صعود سياسات اليمين المتطرف التخريبية وفشل المحافظين الليبراليين والاشتراكيين، الذين انشغلوا بالحفاظ على سلطتهم أكثر من حماية الجمهورية.

تُظهر أحداث نيويورك كيف أن النظام الحزبي الأميركي يقترب بشكل متزايد من النظام الأوروبي. لقد كان نظام الحزبين في أميركا ناجحاً حتى الآن، لكنه الآن يخرج عن السيطرة. من جهة، نرى زهران ممداني، أبرز الديمقراطيين في أميركا، وهو خريج جامعة كولومبيا البالغ من العمر 34 عاماً، وابن مهاجر مسلم، يكره إسرائيل وينادي بمطالب اجتماعية راديكالية، مثل مجانية وسائل النقل أو تدخل الحكومة في سوق الإسكان. ومن جهة أخرى، نرى دونالد ترمب، السياسي الأكثر نفوذاً في العالم. ثوري في مواجهة رجعي.

لولا دعم الشباب، ومجتمع الميم، واليهود (رغم كراهية ممداني لإسرائيل)، وأهمهم الملياردير اليهودي جورج سوروس، خصم ترمب الصريح والداعم السابق لأبحاث والد ممداني العلمية، لما فاز زهران ممداني. فلا عجب إذن أن يكون ابن سوروس، ألكسندر سوروس، من أوائل المهنئين لرئيس البلدية المنتخب حديثاً بفوزه.

نيويورك، مدينة الحرية والرأسمالية والفن، تنتخب مسلماً من أصل أفريقي متزوجاً من عربية عمدةً لها. مشهد رمزي يُعلن ظاهرياً انتصاراً للتنوع والانفتاح، لكنه في جوهره يعكس تحولاً أعمق في جميع المجتمعات التي اجتاحتها موجة التطرف. في هذا الصدد، لا يختلف فوز ممداني عن فوز محمد بن عباس الخيالي في رواية ويلبيك، حيث يهيمن الخوف من الإرهاب، وفشل الأحزاب السياسية السائدة، والتطرف على فرنسا.

لا يُمكن تفسير انتصار ممداني على أنه انتصار للإسلام على الغرب أو تعبير عن نضج النظام الديمقراطي. في رواية ويلبيك، تُمثل فرنسا نموذجاً لدولة تخلت عن تاريخها، ونبذت مجدها، وأنكرت هويتها. مثقفوها نخبويون، انتهازيون، ومتحيزون جنسياً، مدفوعون بالجشع والرذيلة، وهدفهم الأساسي هو الحفاظ على امتيازاتهم. يُصوَّر الإسلام على أنه دين معتدل، يُقنع أوروبا، دون عنف، بالخضوع له طواعية. ويحدث هذا في وقت ينتشر فيه العداء للإسلام، وتتزايد فيه الحوادث المعادية للمسلمين في جميع أنحاء أوروبا والعالم. يصور ويلبيك تدهور المجتمع الفرنسي، وفساد الخيال السياسي، وتنامي الهواجس الوطنية، التي بلغت ذروتها باعتناق فرنسوا الإسلام. يفعل ذلك لأسباب انتهازية واضحة، بالدرجة الأولى لأنه يضمن له العودة إلى جامعة السوربون، وامتيازات شقة جميلة، ومتعة ثلاث زوجات: اثنتان صغيرتان للاستخدام الشخصي، وثالثة أكبر سناً تُعنى بالطبخ.

يمكن تفسير صعود محمد بن عباس، شخصية ويلبيك، بأنه رد فعل على سياسات اليمين المتطرف وفشل الليبراليين والاشتراكيين

في أميركا، هناك عدد لا يُحصى من الكتب الأكثر مبيعاً التي ترسم صورة قاتمة للمستقبل - بكوارث، وهجمات إلكترونية، ونهاية العالم، أو وجود زعيم نازي في السلطة، مثل رواية فيليب روث «المؤامرة ضد أميركا». الروايات الشعبية التي تصور صعوداً للسلطة من قبل الإسلام نادرة. ربما لأن الواقعية السياسية لفريق دونالد ترمب الجمهوري تفوق كل تصور؟

يجب فهم انتخاب زهران ممداني في سياق الديناميكية الجدلية التي تُميّز السياسة الأميركية اليوم. فالتطرف، بطبيعته، يُولّد نقيضه دائماً. وكلما اشتدّ خطاب الكراهية لدى أحد الطرفين، تشكّلت حركة مضادة تسعى إلى استعادة التوازن.

يُعدّ دونالد ترمب، بنبرته العدائية واحتضانه العلني للقوميين البيض اليمينيين، مسؤولاً بشكل غير مباشر عن صعود زهران ممداني وحركته التقدمية (الاجتماعية) الديمقراطية في أكبر مدينة في الولايات المتحدة ومركزها المالي. فكل خطاب ألقاه ترمب ضد المهاجرين والمسلمين، وكل تصريح تحريضيّ زاد من تأجيج الانقسام المجتمعي، أشعل شرارة حركة مضادة، وجذب الناس إلى صناديق الاقتراع بحثاً عن بدائل جذرية لكسر هيمنة الخطاب العنصري.

في رواية ويلبيك، ينتصر الأصل على المكان، مُضفياً عليه طابعاً جديداً. فهل ينجح عمدة نيويورك الجديد، في هذه المدينة المنقسمة على أسس الأصل والمصالح المالية، في تحويل انتصاره، على طريقة حنه أرندت، إلى نهضة للأطراف المتصارعة، ليُرسي شعوراً ثالثاً جديداً بالانتماء - شعوراً بالانتماء إلى المكان، لا إلى الأصل؟ في الوقت الحالي، لا يسعنا إلا أن نحلم به ونواصل مراقبة الواقع الأميركي، الذي يفوق كل تصور، وهو يتكشف أمامنا.


البحث عن «عوليس» مجدداً

البحث عن «عوليس» مجدداً
TT

البحث عن «عوليس» مجدداً

البحث عن «عوليس» مجدداً

في كتابه «لم يُعثر عليه» يترك الكاتب المصري محمد فرج لدى قارئه انطباعاً مبكراً بمصير رحلته البحثية مع بطله، حيث يأتي عنوانه مُشبعاً باليأس، ويشي من جهة أخرى برحلة اقتفاء طويلة يصفها في العنوان الفرعي للكتاب بأنها «وقائع تمشية بجوار عوليس... بحثاً عن دكتور طه»، فتبدو القراءة من اللحظة الأولى محمولة بين رحلة ووصول، وتتبع دؤوب لما تعرّض له صاحبها من إحباط وخذلان.

يستهل الكاتب سردية كتابه، الصادر أخيراً عن دار «ديوان» للنشر بالقاهرة، بمشهد ذاتي في قلب القاهرة، حيث المشي لا يخلو من تقاطعات مرورية وذهنية تصاحبه وهو في طريقه إلى صحيفة أسبوعية، باحثاً عن حوار قديم منشور في أرشيفها مع الدكتور طه محمود طه، مترجم الكاتب الآيرلندي الأشهر جيمس جويس (1882- 1941) إلى العربية، والذي يُهدي إليه كتابه. يشارك الكاتب قارئه رحلته الشغوفة بتحري خطى الدكتور طه الذي قضى ما يزيد على العشرين عاماً في ترجمة رواية جيمس جويس الأشهر «عوليس»، التي صدرت عام 1982، وسبع سنوات في إعداد مدخل لعالم مؤلفها بعنوان «موسوعة جيمس جويس»، وأعوام أخرى لترجمة «فينيجانز ويك» التي وُصفت بأصعب رواية في تاريخ الرواية العالمية.

رحلة موازية

لا تخلو تلك الرحلة الدؤوبة من المفارقات الدرامية، فبعد أن ينجز طه ترجمة «عوليس»، عبر كل هذه السنوات يُعلن ناشر جيمس جويس الإنجليزي عن ورود أخطاء فادحة في النسخة المتداولة لـ«عوليس» تضم ما يزيد على خمسة آلاف خطأ مطبعي، لتصدر طبعة جديدة منقحة لرواية جويس في لغتها الإنجليزية؛ ما دفع طه محمود إلى قضاء ثلاث سنوات أخرى لتنقيح الترجمة العربية لـ«عوليس»، لتصدر عام 1994 في طبعة ثانية عن «الدار العربية للنشر والتوزيع».

يبدو سؤال: «لماذا طه محمود طه تحديداً؟» بديهياً في مطلع قراءة الكتاب، وهي البؤرة التي تتسع وتتشكّل عبر رحلة الكاتب بين الأرشيفات، والحوارات التي أجريت مع طه، أو مقالات مجايليه، ولقاءات مع أسرته ومُتخصصين في الأدب والترجمة، كأن الإجابة نفسها فعلُ بحث موازٍ لرحلة المترجم الراحل الذي نذر حياته لترجمة جيمس جويس، أحد أبرز كتّاب تيار الوعي في التاريخ، غير أنه خرج من محرابه بخذلان في حياته، وتناسٍ بعد رحيله.

يجعل محمد فرج من بطل جويس «عوليس»، وبطله «طه محمود» ثنائياً متداخلاً، فيقول: واصفاً هذا التداخل بأنه «أشبه بالدخول لمعبد كبير، أو هكذا سيُهيأ للداخل في البداية؛ إذ بعد فترة سيتحول هذا المعبد متحفاً ثم مدينة ملاهٍ ثم ساحة نقاش فلسفي في جامعة منسية ثم ماخوراً كبيراً، ثم ما شئت».

في موضع آخر يصف الكاتب هذه التركيبة الثنائية بـ«متاهة جويس/ طه» منتبهاً لتتبع أسلوبية طه في ترجمة نص بصعوبة «عوليس»، التي تقع فيما يزيد على 700 صفحة، ويتوقّف كذلك عند تقاطعات من سيرة الكاتب الآيرلندي مع عالم بطل روايته «عوليس» ليوبولد بلوم، وكذلك عند انطباعات قراءة هذا العمل، حيث «عوليس رواية لا تعطي قارئها كل شيء في أول مرة، لكن أيضاً في كل مرة تمنح مفاتيحَ تُمكّن المتجول في أنحائها من مزيد من الفهم»، فهي رواية تنهض على الذهني والداخل الإنساني بشكل جوهري.

صعب المراس

يقع كتاب «لم يُعثر عليه» في 317 صفحة تضم 16 فصلاً مشرباً بنَفَس أدبي، مستعرضاً الصعوبات التي واجهها بطله المُترجم الراحل وإخلاصه في ترجمة جويس «صعب المراس» حيث يشير خبراء في الترجمة بأنه «مستعصٍ بالأساس في لغته الأصلية»، بينما قام طه بالتماهي مع جويس في أسلوبه الذي تراوح بين المعاصرة ولغة القرون الوسطى، فتعامل بمرونة مع مستويات العربية بالتبعية، ولم يخجل من استعمال العامية المصري - كما يرى المؤلف - لمجاراة نص جويس، واستعمال أغاني أطفال مصرية لخلق الحالة نفسها التي رغب جويس في خلقها، كما تختلف مستويات الفصحى نفسها ما بين فصحى متداولة وأخرى غارقة في القدم لمجاراة لغة جويس المراوغة.

ألعاب جويس

ينقل الكاتب عن طه محمود طه (1929 - 2002) في أحد حواراته في مجلة «البيان» الكويتية حول مشكلات الترجمة، يقول فيه: «كنت أقف أمام اللفظ الواحد أياماً عدة، وبعد ما أعجز عن العثور عليه في القواميس، أعود لأدرك أن جويس قد نحته من لفظين من لغتين مختلفتين، أو أنه جاء به من العامية المستعملة في أزقة دبلن؛ فكان عليّ أن أترجم اللفظ المنحوت بلفظ عربي منحوت أيضاً، وكنت أشعر بأن جويس يقدم لي اللفظ ويقول متحدياً: انحت مثل هذا إذا استطعت، ومن هنا جاءت صعوبة الترجمة وصعوبة القراءة التي تحتاج أساساً إلى ثروة لغوية عربية. ضخمة»، وهو ما تُعقّب عليه في موضع آخر بالكتاب الباحثة في ترجمات جويس للعربية؛ الدكتورة منى كريم، أستاذة الأدب العربي بجامعة بريستون الأميركية، فترى أنه كان هناك «حماس كبير لترجمة طه محمود طه لجويس وفي الوقت نفسه تحامل كبير ضدها؛ لأنه كان خلاقاً في تراكيب الكلمات في محاولة منه لموازاة ألعاب جويس اللغوية».

ولا تقف حدود الغُبن الذي يرصده الكتاب عند حجب جائزة الدولة التقديرية عن طه محمود طه، واكتشاف أن اللجنة المكلفة منح الجائزة لم تقرأ الترجمة، وكذلك عدم الإدراك لأهمية «موسوعة جيمس جويس» لطه وكيف فتحت المجال لقراءة «عوليس» الصعبة، وأيضاً محاولاته المخلصة واجتهاداته في الترجمة، وأنها «لن تكون مديحاً فقط، لكن قراءات ونقداً ودراسة».

على ضوء ذلك، يطرح الكتاب رؤية نقدية لأوضاع الأرشيفات المتهالكة في المؤسسات الصحافية والثقافية، ويمر على عدد من الأسماء التي تقاطعات مع طه محمود طه، منهم الناشر المصري حسني سليمان الذي رحل عن عالمنا أخيراً، ويستحضر أمام بطل كتابه بعض إحباطاته في طريق عثوره عليه في تاريخ الأدب والترجمة؛ ويخاطبه بقوله: «أحاول رسم صورة لك، من ملامح متناثرة على وشك الزوال».


عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
TT

عازفو «الأوركسترا» يتوجون الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية»

مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)
مجلس أمناء مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية والفائزين بالدورة الـ19 للجائزة (الشرق الأوسط)

وسط حضور شخصيات أدبية وثقافية وإعلامية، من الإمارات والعالم العربي؛ كرّمت مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية، مساء الخميس، الفائزين بـ«جائزة سلطان العويس الثقافية» للدورة الـ19، خلال حفل أقيم في دبي، شهد أداءً موسيقياً ساهراً لأوركسترا «أكاديمية الفجيرة للفنون الجميلة»، شارك فيه 45 مغنياً وعازفاً، قدّموا ألواناً من الموسيقى العربية الأصلية.

وتحدث في الحفل الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء المؤسسة، مؤكداً أن تكريم الفائزين في هذه الدورة يأتي «تقديراً لعطائهم وجهودهم، واعتزازاً بإسهامهم في صياغة الوعي الجمالي والفكري والثقافي لأمتنا».

ووصفَ الفائزين بـ«جائزة العويس الثقافية» بأنهم «منارات الفكر والإبداع في عالمنا العربي، يضيفون إلى تراثنا الغني مزيداً من العمق والتجدد، ويغذّون مسيرة الإبداع العربي بما يفتح آفاقاً جديدة للفكر والمعرفة».

الدكتور أنور قرقاش رئيس مجلس أمناء «مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية» أثناء إلقاء كلمته في حفل تكريم الفائزين (الشرق الأوسط)

وقال قرقاش: «يسرّنا أن نرحّب بكم جميعاً في الإمارات العربية المتحدة، أرض اللقاء والانفتاح، التي تؤمن بقدرة العرب على النهوض والتطور والنجاح، وترى في الإبداع والثقافة جسراً للتواصل الإنساني وبناء المستقبل».

وأضاف: «هذه الجائزة تُجسّد تقديراً مستحقاً لجهودهم المتميّزة في ميادين الأدب والفكر والعلوم، ودافعاً لمواصلة العطاء والتميّز».

وزاد رئيس مجلس الأمناء: «لقد كان عام 2025 عاماً مميزاً في مسيرة المؤسسة، إذ احتفلنا بمئوية الشاعر سلطان بن علي العويس - رحمه الله - من خلال سلسلة من الفعاليات الثقافية التي امتدّ صداها عربياً وعالمياً، احتفاءً برمزٍ جعل من الكلمة جسراً للتنوير، ومن الشعر رسالةً للإنسان والحياة».

وتابع: «لقد كان سلطان بن علي العويس نموذجاً للمثقف العربي الأصيل الذي عبّر بصدق عن اعتزازه بالأدب العربي، وآمن بأن الثقافة هي زاد الأمة وضميرها، فأسّس هذا الوقف الحضاري تكريماً للكلمة المبدعة والعقل المستنير، ليكون منارة تُنير دروب الفكر والإبداع العربي لأجيال متعاقبة».

وأضاف قرقاش: «في هذه الأمسية التي نحتفي فيها بالفائزين ونثمّن إسهاماتهم الثرية في إثراء المشهد الثقافي العربي، نؤكد على التزام مؤسسة سلطان بن علي العويس الثقافية بدورها في دعم الإبداع، وتكريم رموزه، وصون القيم الثقافية التي تُعلي من شأن الفكر والكلمة والإنسان».

وأكّد: «إن الأدب والثقافة والفكر ليسوا ترفاً، بل ضرورة إنسانية وحضارية، بهم تُبنى القيم، وتترسّخ الهوية، ويتعمّق الوعي. فهم المرآة التي تعكس تطور المجتمعات، والبوصلة التي توجه الإنسان نحو الخير والجمال والمعرفة. وفي زمنٍ تتسارع فيه التحولات، يبقى دور الثقافة راسخاً في الحفاظ على التوازن الإنساني، وصون الذاكرة، وإلهام المستقبل».

كلمة المكرمين

وفاز بـ«جائزة العويس الثقافية»، في دورتها الـ19، كل من الشاعر العراقي حميد سعيد بجائزة «الشعر»، والروائية العراقية إنعام كجه جي بجائزة «القصة والرواية والمسرحية»، والناقد المغربي حميد لحمداني بجائزة «الدراسات الأدبية والنقد»، والمفكر التونسي عبد الجليل التميمي بجائزة «الدراسات الإنسانية المستقبلية».

وألقت الروائية والصحافية العراقية إنعام كجه جي كلمة الفائزين، قالت فيها: «أودّ التعبير عن الشكر والاعتزاز بهذه اللفتة النبيلة والكريمة. نبيلة لأنها تحمل اسم أديب شاعر ولد في هذه البلاد الطيبة. وتعرفون جميعاً منزلة الشعر لدى العرب. وكريمة لأنها تأتي من رجل اجتهد طوال حياته لكي يخدم اقتصاد بلاده، وأن يؤسس ما يسمح له برعاية العديد من المشاريع التربوية والثقافية، بعطاء جزل».

تقرير التحكيم

وتحدث الكاتب الإماراتي علي عبيد العامري عن لجنة التحكيم، معتبراً أن لجنة تحكيم الجائزة قرّرت فوز هذه المجموعة من الأدباء والمفكرين العرب، وذلك لتميزهم، كل في مجاله، ولأعمالهم التي أسهمت في تطور الأدب والثقافة في العالم العربي.

وأضاف أن لجنة التحكيم قررت منح «جائزة الشعر» للشاعر العراقي حميد سعيد لما تتمتع به تجربته الشعرية من تماسك واطلاع واسع على التراث العربي والإنساني من جهة، ووعي عميق بحداثة القصيدة العربية في مراحلها الفنية والتاريخية المترابطة من جهة أخرى، فقصيدته تغترف مادتها وجمالياتها من حياة محتشدة بالألم والأمل والوعي بتحديات العصر، وصولاً إلى قصيدة مؤثرة ومقلقة تتماهى مع تطلعات الأمة إلى حياة أكثر جمالاً وعدلاً.

الفائزون بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

كما قرّرت اللجنة منح جائزة «القصة والرواية والمسرحية» للروائية إنعام كجه جي، لما تميزت به كتابتها الأدبية من قدرة على المزج بين الجانبين التوثيقي والأدبي. فقد برزت في أعمالها موضوعات الهوية، والمنفى، والاغتراب، والتشظي النفسي، والحنين الذي يعيد اكتشاف الماضي ويطرحه برؤية نقدية جديدة، وهو ما عبّرت عنه شخصيات عاشت على أطراف التاريخ، ولم تجد من يروي حكاياتها، ومنها نساء واقعات في قلب الحياة، يحضرن في منجزها الأدبي بقوتهن، وضعفهن، ونجاحاتهن، وانكساراتهن، وبكل ما يلقين من تناقضات وتحديات.

وقرّرت اللّجنة منح جائزة حقل «الدراسات الأدبية والنقد» للنّاقد المغربي حميد لحمداني؛ لما يتمتع به منجزه النّقدي من أصالة منهجيّة، وتراكم معرفي، واستمراريّة نقديّة لمشروع ضخم ومتراكم، بدأ تقريباً في سبعينات القرن العشرين، ولا يزال مستمرّاً في تحقيق التّثاقف المعرفي بين النقد العربي والغربي، حيث تنفتح تجربته على المنجز الغربي بوعي يتمثّل معطياته، ويعيد إنتاجه في سياق معرفي جديد، من خلال تقديم المنهج ومراجعته ونقده، والاشتغال على النقد التطبيقي.

وقررت اللجنة منح جائزة «الدراسات الإنسانية والمستقبلية» للمؤرخ التونسي عبد الجليل التميمي، وهو أحد أبرز المؤرخين العرب المعاصرين، وتمثل أعماله البحث التاريخي كما جرى تطويره في الفكر المعاصر، إضافة إلى تنوع مجال اهتمامه التاريخي، حيث انصبّت أعماله على دراسة تاريخ الموريسكيين في الأندلس، وتاريخ الولايات العربية في العهد العثماني، وتاريخ تونس المعاصر، وتعدّ أعماله نموذجاً للتوثيق التاريخي المستند إلى القواعد الجديدة في الكتابة التاريخية.

جانب من الحضور في حفل تكريم الفائزين بجائزة سلطان بن علي العويس الثقافية (الشرق الأوسط)

يذكر أن هذه الدورة من الجائزة تحتلّ أهمية خاصة، كونها تتزامن مع مئوية الشاعر سلطان بن علي العويس، وتم فيها رفع قيمة الجائزة لكل فائز إلى 150 ألف دولار.

وتهدف «جائزة العويس الثقافية» إلى تكريم المبدعين الذين حصلوا عليها في مختلف الحقول الثقافية والعلمية، وتُساهم في تشجيع الإبداع والابتكار في العالم العربي، وتعزيز دور الثقافة في التنمية والتقدم.