خبير أميركي في شؤون الإرهاب: إيران تفتح سفاراتها في أميركا اللاتينية كمراكز استخبارات

جوزيف هوماير لـ «الشرق الأوسط»: طهران تسعى إلى الصراعات بالوكالة لتتمكن من تعزيز نفوذها حول العالم

جوزيف هوماير ضابط استخبارات سابق وخبير في شؤون مكافحة الإرهاب
جوزيف هوماير ضابط استخبارات سابق وخبير في شؤون مكافحة الإرهاب
TT

خبير أميركي في شؤون الإرهاب: إيران تفتح سفاراتها في أميركا اللاتينية كمراكز استخبارات

جوزيف هوماير ضابط استخبارات سابق وخبير في شؤون مكافحة الإرهاب
جوزيف هوماير ضابط استخبارات سابق وخبير في شؤون مكافحة الإرهاب

تزامنا مع الزيارة التي يقوم بها وزير خارجية النظام الإيراني إلى أميركا الجنوبية، يقول محللون في الشؤون الأمنية ومحاربة الإرهاب إن توطيد العلاقات مع إيران هو امتداد لتقوية شوكة الميليشيات التي تسمى «حزب الله» الإرهابية في القارة. وخلال مقابلة أجرتها معه «الشرق الأوسط»، يشرح جوزيف هوماير، الخبير الاميركي في شؤون مكافحة الإرهاب وضابط الاستخبارات السابق في وحدات المارينز، والمدير التنفيذي لـ«مركز مجتمع آمن حر»، (ذي سنتر فور إيه سكيور آند فري سوسايتي)، حقيقة نشاطات ما يسمى «حزب الله» اللبناني داخل أميركا اللاتينية، وكيف تفتح ايران سفاراتها هناك كمراكز استخبارات.
* كيف يعمل ما يسمى «حزب الله» داخل أميركا اللاتينية؟
- داخل القارة، يعمل «حزب الله» على مستويين: غير قانوني، وقانوني.
أولاً: على المستوى غير القانوني، يعمل «حزب الله» عبر مجموعة متنوعة من شركات الواجهة والنشاطات التجارية غير القانونية التي تستغل في غسل الأموال ونقل المخدرات من أميركا اللاتينية إلى أفريقيا والشرق الأوسط. وكشفت «عملية تيتان»، قضية استمرت عامين وعكف عليها عملاء من كولومبيا والولايات المتحدة، النقاب عام 2008 عن شبكة تهريب كوكايين بكميات تقدر بعدة أطنان وقيم تصل إلى عدة ملايين من الدولارات، ما أسفر عن إلقاء القبض على 130 فردًا، بينهم أحد الأعضاء البارزين بجماعة «حزب الله». ومؤخرًا، توصلت إدارة مكافحة المخدرات بالولايات المتحدة لأدلة على تورط مزيد من الأفراد والكيانات المرتبطة بنشاطات «حزب الله» التجارية وشبكته المصرفية من خلال ما عرف باسم «مشروع كاسندرا». وبذلك يتضح أن «حزب الله» متورط بشدة في شبكات اتجار غير قانونية (اتجار بالبشر والأسلحة والمخدرات) داخل أميركا اللاتينية.
ثانيًا: على المستوى القانوني، يوجد «حزب الله» داخل مجموعة متنوعة من المجتمعات الإسلامية بمختلف أرجاء المنطقة، خاصة الجاليات السورية واللبنانية، حيث نجح في ترسيخ وجوده عبر مراكز عربية وإسلامية. وعبر مثل هذه المجتمعات، يعملون على جمع أموال من أجل الكتلة الرئيسة من «حزب الله» في الوطن الأم لبنان وبناء شبكات لوجيستية للخلايا النائمة المتمركزة على نحو استراتيجي بمختلف أرجاء المنطقة. كما تكشف هذه التجمعات سبل الاتصال والتعاون بين «حزب الله» وإيران داخل أميركا اللاتينية.
* متى بدأ وجود «حزب الله» في أميركا اللاتينية؟
- يعود تاريخ وجود «حزب الله» بأميركا اللاتينية إلى تأسيسه مطلع ثمانينات القرن الماضي، وتركز بادئ الأمر بـ«منطقة الحدود الثلاثية» والمدن المجاورة لها داخل ما يعرف بـ«المخروط الجنوبي». وعلى مدار الوقت، اتسعت دائرة وجود الجماعة اللبنانية باستمرار باتجاه الشمال لتصل إلى أميركا الوسطى ومنطقة الكاريبي، والآن داخل المكسيك أيضًا. وبذلك يتضح أن وجود «حزب الله» في أميركا اللاتينية يعود إلى 30 عامًا ماضية.
* ما الدول التي يتركز فيها التنظيم؟
- هناك وجود لـ«حزب الله» في جميع دول أميركا اللاتينية. في الواقع، من الأسهل تحديد الدول التي لا توجد بها هذه الجماعة، وليس العكس. وحتى الأسماء التي قد ترد بقائمة الدول التي لا يوجد بها «حزب الله»، فإن هذا قد يكون ناجما عن عدم معرفتنا بحقيقة وجود الجماعة هناك، وليس بالضرورة لأن «حزب الله» ليس له وجود بالفعل داخلها. بوجه عام، أعتقد أن منطقة شمال الكاريبي (جمهورية الدومينيكان وبورتوريكو وهايتي.. إلخ) لا تضم وجودًا قويًا لـ«حزب الله»، رغم وجود الجماعة في كوبا. أما الوجود الأقوى للجماعة اللبنانية فيتركز في فنزويلا وبنما وكولومبيا والبرازيل، مع وجود لافت بـ«منطقة الحدود الثلاثية»، خاصة باراغواي.
* كيف يعمل الإرهاب الإيراني في أميركا اللاتينية؟
- ترعى إيران الإرهاب بأميركا اللاتينية من خلال الدعم الذي توليه لـ«حزب الله» وجماعات إرهابية أخرى من خلال سفاراتها المتعددة بمختلف أرجاء المنطقة. والملاحظ أن السفارات الإيرانية بأميركا اللاتينية تعمل بصفتها مراكز استخباراتية أكثر عن كونها كيانات دبلوماسية، مما يوفر القيادة والسيطرة بالنسبة لبعض شبكات «حزب الله» بالمنطقة.
ويعتبر تفجير «الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية» في بوينس آيرس عام 1994 المثال الأبرز لكيفية عمل هذه الشبكة، وكيف تنسق طهران و«حزب الله» جهودهما لشن هجمات إرهابية. وما يمكننا تعلمه من دراسة هذا الهجوم أن طهران تستغل العلاقات الثقافية والتجارية مع دول أميركا اللاتينية في تمرير عملاء استخبارات وآخرين يتبعون الحرس الثوري، بغية تعزيز شبكات «حزب الله» داخل القارة وتوفير مزيد من الدعم اللوجيستي والمالي لها.
على سبيل المثال، تعمد إيران حتى يومنا هذا إلى استغلال واحدة من أهم صلاتها التجارية بدول القارة - تجارة اللحم البقري - لتعزيز وجودها بعدة دول، خصوصا البرازيل، الأمر الذي ظل قائمًا بالنسبة للأرجنتين حتى تفجير «الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية» عام 1994. من خلال إقرار تجارة اللحوم «الحلال» بأميركا اللاتينية، نجحت طهران في بناء غطاء مثالي لعملائها السريين.
أما في البرازيل، فقد أجرت السلطات تحقيقًا موسعًا حول شبكة النشاطات التجارية المرتبطة باللحوم «الحلال» تلك، وخلصت إلى وجود «قنصلية» إيرانية وهمية مسجلة رسميًا في ساو باولو، لكنها في حقيقة الأمر لا تقدم أي خدمات قنصلية. واللافت أنه جرى تسجيل هذه القنصلية على نفس عناوين كثير من الشركات الإيرانية المعنية بإصدار شهادات «الحلال» بالنسبة للحوم، الأمر الذي يدفع للاعتقاد بأن نفس الشبكات الثقافية - التجارية - الدبلوماسية التي جرى استغلالها داخل الأرجنتين قبل هجوم «الجمعية التعاونية اليهودية الأرجنتينية»، ناشطة في الوقت الراهن داخل البرازيل. ومن المعتقد أن ثمة نشاطات مشابهة تجري في كولومبيا وبيرو.
* هل تدعم بعض دول أميركا اللاتينية هذا الإرهاب؟ ولماذا؟ وما هي؟
- في الواقع، تتمتع طهران بوجود كبير في الدول المنتمية لما يطلق عليه «التحالف البوليفاري للدول الأميركية»، وتعرف اختصارًا باسم «ألبا»، (كوبا وفنزويلا وبوليفيا ونيكاراغوا وإكوادور والسلفادور وبعض دول الكاريبي). وتوفر هذه الدول دعمًا رسميًا للشبكات الإيرانية، والمقصود هنا الشبكات الرسمية والأخرى غير الرسمية. والملاحظ أن أكثر من 75 في المائة من الاتفاقات الثنائية التي وقعتها إيران مع دول من أميركا اللاتينية تنحصر في هذه الدول على وجه التحديد، وشهدت 3 دول منها افتتاح سفارات إيرانية جديدة بها خلال العقد الماضي.
وبالعودة إلى الإرهاب، نجد أن هذه الدول لديها شبكات خاصة بها تعمل بالوكالة (مثل «كوكاليروس» في بوليفيا، و«كولكتيفوس» في فنزويلا.. إلخ) استفادت من خبرة إيران بهذا المجال. على سبيل المثال، ساعدت ميليشيات «الباسيج» في تدريب عناصر من جماعة «كولكتيفوس» الفنزويلية على الاتصالات السرية قبل إقدامها على قمع حركات الطلاب عام 2014. في المقابل، تقدم الدول التابعة لمجموعة «ألبا» كثيرا من المميزات لإيران، على رأسها خدمات الهجرة. وهنا تظهر فنزويلا من جديد كحالة تستحق الدراسة. بين عامي 2008 و2012، أجرينا داخل «مركز مجتمع آمن حر» بحثًا خلصنا من خلاله إلى تلقي 137 شخصًا على الأقل من إيران والعراق ولبنان وسوريا والأردن جوازات سفر مزورة أو شهادات ميلاد أو فيزات من فنزويلا. ويعني ذلك أن دول «ألبا» تلك خلقت ما يشبه خط الأنابيب بمجالي الاستخبارات والهجرة لتوفير غطاء لبعض عملاء طهران و«حزب الله» كي يتمكنوا من التحرك بحرية بمختلف أرجاء المنطقة.
فيما وراء السياحة، أقامت دول «ألبا» علاقات عسكرية مع إيران. بالنسبة لفنزويلا، تشارك إيران في مشروعات عسكرية استراتيجية مهمة مع الصناعة العسكرية داخل فنزويلا. وفي بوليفيا، عاونت إيران في تمويل مدرسة الدفاع الإقليمي التابعة لـ«ألبا» في وارنيز، قرب سانتا كروز. في إكوادور، أنشأت إيران شبكة مصرفية مرتبطة على نحو وثيق بالمصرف المركزي هناك. وفي نيكاراغوا، تملك إيران حضورا قويا داخل الدوائر العسكرية، في الوقت الذي ترتبط فيه بكوبا بأقدم علاقاتها على مستوى أميركا اللاتينية مع الأخوين كاسترو. وأعتقد أن الوجود الإيراني بأميركا اللاتينية انتقل لما وراء دعم الإرهاب (وإن كان هذا لا يزال مصدر قلق) ودخل مرحلة جديدة من التعاون العسكري وشبه العسكري.
* هل ينبغي أن تقلق الدول غير الأعضاء في «ألبا» من العلاقات بين إيران ودول «ألبا»؟
- نعم، لكن ليس فقط لمجرد وجود علاقات بين إيران و«ألبا»، وإنما كذلك لأن إيران ركزت على الدول غير الأعضاء في «ألبا» بوصفها أهدافا رئيسة أمامها على مدار السنوات الأخيرة. والواضح أن المكسيك والبرازيل والأرجنتين، بالنظر لكونها الدول صاحبة إجمالي الناتج المحلي الأكبر بالمنطقة، فستمثل أي منها مكافأة جيوسياسية كبيرة بالنسبة لإيران على مستوى أميركا اللاتينية، مما دعا إيران لتركيز أنظارها عليها. علاوة على ذلك، تركز اهتمام إيران أيضًا على كولومبيا وتشيلي وبيرو لكونها أعضاء بـ«التحالف الهادي».
من ناحية أخرى، يمكن القول إن علاقات إيران بدول «ألبا» شكلت عاملاً كبيرًا وراء قدرتها على توسيع نطاق وجودها الإقليمي. والواضح أن طهران بمقدورها بسهولة استغلال روابطها مع «ألبا» لتحويل الأخيرة لقوة تعمل بالوكالة من أجل تعزيز مصالحها. ولذا، فإن النشاطات الإيرانية داخل فنزويلا قد تسبب قلقًا بالغًا لكولومبيا التي تعاني بالفعل من توترات على الحدود مع فنزويلا. في بوليفيا، من شأن النشاطات الإيرانية تأجيج التوترات مع تشيلي حول إمكانية الدخول إلى المحيط. ومن خلال مثل هذه النوعية من الصراعات بالوكالة تتمكن إيران من تعزيز نفوذها بالمنطقة. ولا يختلف هذا الوضع عما تفعله في الشرق الأوسط، حيث تعمد إلى تقويض حكومات العراق وتركيا وسوريا والبحرين، ثم استغلال هذه الحكومات في تعزيز مصالحها الاستراتيجية. ويعتبر استغلال طهران لشبكات تعمل بالوكالة داخل اليمن مثالاً آخر على أسلوب مختلف للسيطرة على السكان داخل بلد ما، الأمر الذي أصبحت طهران متخصصة فيه. وعبر الأساليب ذاتها، تمكنت إيران من تحقيق نجاح بالغ في أميركا اللاتينية، في وقت لا تدرك فيه غالبية الحكومات الإقليمية حتى حقيقة أنها تعمل لخدمة إيران. الواضح أنه من خلال توطيد علاقاتها بدول أميركا اللاتينية تكسب إيران مزيدًا من الشرعية العالمية، مما يمنحها قدرة أكبر على اختراق وتقويض الدول المستهدفة بمختلف أرجاء العالم. وقد وفر لها الاتفاق النووي الأخير مثل هذا الغطاء من الشرعية، وهي تعمل على استغلاله الآن داخل أميركا اللاتينية من خلال جولة وزير خارجيتها جواد ظريف بالقارة. كما أنها أثبتت بالفعل قدرتها على ذلك داخل الشرق الأوسط.
* كيف تتعاون عصابات الاتجار بالمخدرات مع «حزب الله»؟ وما النشاطات الأخرى التي تقوم بها الجماعة داخل أميركا اللاتينية؟
- تعتمد عصابات الاتجار بالمخدرات على «حزب الله» في نقل منتجاتها عبر أفريقيا إلى داخل أوروبا والشرق الأوسط. ورغم أن مثل هذه الترتيبات لا تتعلق حصريًا بـ«حزب الله»، فإن الجماعة اللبنانية نجحت في الهيمنة على طرق بعينها تعتبر ضرورية أمام عصابات المخدرات للدخول إلى الأسواق الشرقية. كما أنشأ «حزب الله» نشاطًا تجاريًا مبهرًا وشبكة مصرفية بإمكانها غسل كميات هائلة من الأموال، الأمر الذي يمثل أهمية كبيرة لعصابات المخدرات.
* هل يحظى «حزب الله» بالحماية من جانب بعض دول أميركا اللاتينية، وهل يمكن أن يستغل هذه الحماية في تعزيز قدراته ومهاجمة دول أخرى؟
- نعم، وإن كان من غير الواضح لأي مدى يمكن ذلك. بيد أن الواضح أن فنزويلا قدمت دعمًا على مستوى الدولة إلى الجماعة اللبنانية على صعيدي الهجرة والصرافة، لكن من غير الواضح ماهية المجالات الأخرى. ومن الواضح أيضًا أن «حزب الله» أنشأ «مناطق آمنة» بمناطق مثل جزر مارغاريتاو ومدينة بوليفار في فنزويلا. من ناحيتها، نفت الحكومة الفنزويلية مرارًا هذه الادعاءات، لكن بمرور الوقت تكشفت أدلة على دعم فنزويلا لـ«حزب الله». ويكمن العنصر الأهم، من وجهة نظري، في خدمات الهجرة التي توفرها الحكومة الفنزويلية إلى «حزب الله» وإيران. والمعروف أنه بالنسبة لأي تنظيم إرهابي أو كيان استخباراتي أجنبي، فإن التمتع بالقدرة على تغيير أو إخفاء الهوية عبر غطاء قانوني من دولة صديقة يعد بمثابة حلم بعيد المنال. وقد وفرت فنزويلا بالفعل هذا الحلم إلى «حزب الله» وإيران. وتعد بوليفيا دولة أخرى لافتة للانتباه على هذا الصعيد، لكن من غير الواضح بعد إلى أي مدى. ولم تتكشف حتى الآن أدلة علانية على دعم بوليفيا لـ«حزب الله».



قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
TT

قلق أميركي من سعي إيران لإعادة حضورها العسكري في سوريا

عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)
عناصر من الميليشيات الإيرانية في سوريا (المرصد السوري لحقوق الإنسان)

تخشى الولايات المتحدة من محاولات إيران لاستعادة حضورها العسكري في سوريا، بما في ذلك خط إمداد «حزب الله»، رغم سحبها الكبير لقواتها من الأراضي السورية بعد انهيار نظام الأسد، الشهر الماضي، في ضربة لاستراتيجيتها الإقليمية، وفقاً لمسؤولين غربيين وإقليميين.

وقال مسؤول أميركي رفيع لصحيفة «وول ستريت جورنال» إن الانسحاب الإيراني من سوريا يمثل نهاية لجهود طهران الإقليمية لنشر النفوذ وشن حروب بالوكالة ضد أميركا وإسرائيل، حيث فر أعضاء في «فيلق القدس»، وتم تفكيك الميليشيات.

وأنفقت إيران مليارات الدولارات لدعم الأسد خلال الحرب، وأرسلت قوات من «الحرس الثوري» إلى سوريا؛ لمساعدة حليفها على البقاء في السلطة.

بدأت إيران بسحب قواتها بعد انهيار الجيش السوري في أواخر العام الماضي، في ظل ضربات إسرائيلية متواصلة، وكانت غاضبة من الأسد الذي ظل غائباً خلال صراعها مع إسرائيل.

وامتدت شبكة إيران في سوريا من الشرق لنقل الأسلحة والمقاتلين إلى حدود لبنان لتسليح «حزب الله».

وقال مسؤولون غربيون وعرب إن معظم المقاتلين المدعومين من إيران في شرق سوريا، بينهم ضباط من «الحرس الثوري»، فروا إلى القائم بالعراق، بينما هرب بعض الإيرانيين المقيمين في دمشق إلى طهران، ومقاتلو «حزب الله» عبروا إلى لبنان.

وقالت باربرا ليف، المسؤولة عن شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية الأميركية، عن مغادرة القوات الإيرانية من سوريا: «إلى حد كبير، نعم... إنه أمر استثنائي».

الرئيس السوري بشار الأسد في لقاء مع وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته لسوريا في 2 ديسمبر 2024 (د.ب.أ)

وقالت ليف إن سوريا أصبحت الآن أرضاً معادية لإيران، وأضافت: «هذا لا يعني أنهم لن يحاولوا العودة، لكن الأوضاع هناك معادية للغاية».

وهاجم المرشد الإيراني، علي خامنئي، الأسبوع الماضي، الانتقادات لحضور إيران الإقليمي، قائلاً: «بعض الأشخاص بسبب افتقارهم للفهم وقلة الوعي والتحليل الصحيح للقضايا يقولون إن الدماء التي أريقت في سبيل الدفاع عن الأضرحة قد ذهبت هدراً». وأضاف: «هذا التصور خطأ كبير؛ لأنه لولا قتال الجنرال سليماني ومدافعي الأضرحة لما بقي أثر من المراقد المقدسة، سواء السيدة زينب أو حتى كربلاء والنجف».

وقال دبلوماسيون غربيون إن العسكريين الإيرانيين وحلفاءهم أُجبروا على ترك كمية كبيرة من المعدات والذخائر العسكرية في أثناء هروبهم، وجرى تدميرها لاحقاً بواسطة إسرائيل، أو تم الاستيلاء عليها من قبل «هيئة تحرير الشام» وجماعات أخرى.

وقال مسؤول سابق في «البنتاغون» إن انهيار نظام الأسد قلل من تأثير إيران في المنطقة، وقدرتها على دعم الجماعات المسلحة لتحقيق أهدافها الإقليمية.

في الأيام الأخيرة، أفادت تقارير بأن إيران حاولت زيادة شحنات النقود إلى «حزب الله» في لبنان، وتم تأخير وتفتيش رحلة دبلوماسية إيرانية لدى وصولها إلى بيروت.

صورة نشرها موقع البرلمان الإيراني من سلامي خلال جلسة مغلقة حول سوريا ديسمبر الماضي

ويعتقد المسؤولون الأميركيون أن إيران ستسعى لإعادة الجسر البري، ولكن من غير المحتمل أن تسمح الحكومة السورية الجديدة لـ«الحرس الثوري» الإيراني بتجديد وجوده العسكري بسبب دعمه للأسد.

وفي نهاية ديسمبر (كانون الأول)، توقع خامنئي ظهور «قوة شريفة في سوريا»، قائلاً إن «الشباب الشجعان والغيارى في سوريا سيقومون بطرد إسرائيل».

ویخشی المسؤولون الأمیركيون من أن إيران قد تحاول إعادة نفوذها في سوريا على المدى الطويل، عبر تفعيل الشبكات القديمة، واستغلال عدم الاستقرار في البلد.

قال أندرو تابيلر، المدير السابق لسوريا في مجلس الأمن القومي: «هذا فشل كارثي لإيران. حجم الكارثة سيعتمد على ما إذا كانت سوريا ستظل موحدة»، وأضاف: «قد تجد إيران طريقاٌ للعودة بفضل الانقسامات الطائفية التي لا تزال غير محلولة في ظل النظام الجديد».