تفعيل الكلاسيكيات وما دونها لجمهور افتراضي

ازداد الاعتماد في السنوات الأخيرة على ما يسمونه في هوليوود بـ«إعادة صنع». أي بجلب فيلم قديم من فترة زمنية معيّنة وإعادة إخراجه بسيناريو لا يختلف كثيرًا وبمخرج جديد وممثلين لم يظهروا في الفيلم السابق باستثناء ما يمكن إسناده من دور شرف لممثل كان لفت الأنظار سابقًا وأصبح ظله ملازمًا لذلك الفيلم.
وهناك كلمة أخرى يستخدمونها في هوليوود يعتقدون أنها تنتمي إلى روح الشباب وهي Reboot على أساس إعادة تفعيل إنتاج ما تمامًا كما يحدث عندما يلهث الكومبيوتر ويتوقف وتكتشف أنك بحاجة لأن تعيد تشغيله وتفعيله.
لكن سواء أكانت الكلمة المفضلة «إعادة صنع» أو «إعادة تفعيل» فإن الأساس واحد: هات الفيلم السابق إذا ما حقق نجاحًا ما وأعد إنتاجه وأطلقه لجمهورين: جمهور جديد لم يشاهد الفيلم القديم حتى ولو سمع به وجمهور قديم قد يحن لإعادة رؤية هذا الفيلم بمعالجة حديثة.
على هذا الأساس، ومنذ مطلع هذا القرن، ازداد الاعتماد على هذا اللون من الإنتاجات. شاهدنا قبل عامين فيلمًا بعنوان «حول ليلة البارحة» الذي هو إعادة فيلم بالعنوان ذاته تم صنعه سنة 1986 (بدوره مقتبس عن مسرحية).
شاهدنا سنة 2005 «رعب أميتيفيل» المقتبس عن فيلم بالعنوان ذاته من صنع 1979. الأمر ذاته مع فيلم «كاري»: أنجزه برايان دي بالما (عن رواية لستيفن كينغ) سنة 1976 واستلهمته هوليوود ثانية سنة 2002 ثم مرّة ثالثة سنة 2013.
و«ديزني» أعادت صنع نصف دزينة من أفلامها الكرتونية من بينها «سندريللا» و«كتاب الغابة» في العامين الماضيين، في حين سعت غريمتها «وورنر» لإعادة صنع «صدام التايتنز» سنة 2010 وهو الفيلم ذاته الذي أخرجه البريطاني دزموند ديفيز سنة 1981.
* عودة على بدء
القائمة طويلة تشمل أكثر من مائة فيلم، لكن ليس من الممكن إغفال بعض أهم ما ورد منها خلال العام الماضي مثلاً: «روكي» الذي لعب فيه سلفستر ستالون دور الملاكم الأبيض المدفوع لتسجيل بطولة في الملاكمة رغم عثرات الظروف، أصبح «كريد» مع مايكل ب. جوردان في دور الملاكم الأسود المدفوع لتسجيل بطولة في الملاكمة رغم عثرات الظروف! ستالون أخذ الدور المساند كمدرب. لكن فحوى العمل وتشابه خطوطه القصصية ما زال واحدًا.
«كريد» هو نوع من الإعادات التي تتوخى العودة إلى البداية مع بعض التمويه على عكس الأفلام السابقة. «الضباب» (2005) أو «آني» أو «طيران الفينكس» (2004) هي أفلام اعتمدت الحكايات ذاتها التي وردت في الأفلام التي تم تصنيعها من جديد، لكن «كريد» غيّر في البنية قليلاً بحيث هو إعادة صنع وإعادة تقديم وجزء لاحق لسلسلة «روكي» في وقت واحد.
سنلاحظ أن «ستار وورز: القوّة تستيقظ» ذهب أيضًا في هذا الاتجاه. هو من ناحية فيلم جديد ينتمي إلى السلسلة الشهيرة، لكنه في الجانب الآخر إعادة تفعيل للفيلم الأول بالخطوط القصصية ذاتها.
أما «طاردو الأشباح» (Ghostbusters) الذي تم إنتاجه سنة 1984 فتم تدبير حكاية جديدة نوعًا له وحذف معظم البطولات الرجالية وإعادة إطلاقه تحت عنوان «طاردات الأشباح» كون البطولة انتقلت إلى النساء.
أكثر وضوحًا هو «عالم جيروسيك» في العام الماضي الذي هو «عودة على بدء»، كما يُقال في لغة الأدب. الحكاية لا تختلف كثيرًا عن «جيروسيك بارك» (1993) من دون أن يعلن عن الفيلم أنه إعادة صنع. في الواقع فإنه من بعد الجزء الثالث التي هاجمت فيه الديناصورات مدينة سان فرانسيسكو وخربتها، فإن «عالم جيروسيك» لا يبدو معقولاً، بل نتوء في جدار.
لا يُخفى أن الغاية هي تجارية وليست احتفائية.
وكانت دومًا كذلك، فحين نتحدث عن أفلام يعاد صنعها، فإن هذه المدرسة تعود إلى عقود كثيرة سابقة. إلى أيام «جسر ووترلو» (1956) الذي كان إعادة صنع لفيلم بالعنوان ذاته سنة 1931 وإلى «الرجل الذي عرف أكثر مما يجب” (1956) الذي أخرجه ألفرد هيتشكوك عن فيلم سابق له هو أنجزه، بالعنوان نفسه، سنة 1934. لكن هذه الأفلام المعادة في الخمسينات والستينات والسبعينات تم تقديمها بالإصرار على نبش أعمال كلاسيكية غالبًا تدعو الحاجة إلى إعادة تقديمها متطوّرة. هوليوود في تلك العقود وقبلها كانت تنتج أضعاف ما تنتجه الآن ما يجعل هذه الإعادات مثل مكعبات السكر التي تذوب حال إسقاطها في الشاي المغلي.
الفارق اليوم هو أنها باتت تشكل (جنبًا إلى جنب مع الأجزاء اللاحقة المسماة بـSequels) غالبية الإنتاج.
* صرخة غير مسموعة
بما أن الغاية تجارية، فإن الغريب أن هوليوود لا تقرأ الإيرادات جيدًا وإلا لاكتشفت أن الإعادات لا تحقق نتائج مادية مهمّة. ها هو «بن حور» المأخوذ عن أفلام بزغت من عام 1907 يخفق في قطف أكثر من 11 مليون دولار في أسبوعه الأول وهو الذي تكلّف 100 مليون دولار غير الحملة الدعائية التي سبقته والمقدرة بـ70 مليون دولار.
لكن العجلة لا تبدو أنها ستتوقف.
ها هو «الرائعون السبعة» يفتتح قريبًا وهو المأخوذ عن فيلم الوسترن الشهير سنة 1960 المأخوذ بدوره عن فيلم أكيرا كوروساوا (الشهير أيضًا) سنة 1945. صوفيا كوبولا تنوي البدء بتصوير «المخدوعات» الذي كان الراحل دون سيغال أخرجه سنة 1971 من بطولة كلينت إيستوود. وهناك نحو 30 فيلمًا آخر سيعاد صنعها خلال العامين الحالي والمقبل من بينها الفيلم الموسيقي «ماري بوبنز» (من أعمال 1964) والتشويقي «ألعاب حرب» (1983) والأكشن الذي قام أرنولد شوارتزنيغر ببطولته سنة 1985 «كوماندو» والوسترن الآخر «الزمرة المتوحشة»، أحد روائع المخرج سام بكنباه (1969) والفيلم الحربي «كل شيء هادئ على الجبهة الغربية» (فيلم لويس مايلستون الوحيد الخالد، 1930).
هناك صرخة لا تسمعها هوليوود مصدرها المتيّمون بالكلاسيكيات ومفادها: أتركوا هذه الأفلام القديمة وشأنها واصنعوا جديدًا يضاهيها.