بعد 8 أسابيع من القلق.. اقتصاد أوروبا «يثبت» أنه أقوى من «البريكست»

المؤشرات تؤكد تجاوز صدمة الانفصال البريطاني.. والقادة يعربون عن ثقتهم

أظهر مسح جديد استقرار وتيرة نمو أنشطة قطاع الأعمال الخاص بمنطقة اليورو في أغسطس (رويترز)
أظهر مسح جديد استقرار وتيرة نمو أنشطة قطاع الأعمال الخاص بمنطقة اليورو في أغسطس (رويترز)
TT

بعد 8 أسابيع من القلق.. اقتصاد أوروبا «يثبت» أنه أقوى من «البريكست»

أظهر مسح جديد استقرار وتيرة نمو أنشطة قطاع الأعمال الخاص بمنطقة اليورو في أغسطس (رويترز)
أظهر مسح جديد استقرار وتيرة نمو أنشطة قطاع الأعمال الخاص بمنطقة اليورو في أغسطس (رويترز)

بعد موجة كبيرة من الخوف على الاقتصاد العالمي خلال نحو 8 أسابيع منذ إجراء الاستفتاء البريطاني على الانفصال عن الاتحاد الأوروبي (البريكست)، تتوالى التقارير المبنية على أرقام إحصائية «صلبة» وليس على قراءات أو توقعات، التي تؤكد يوما بعد يوم أن الاقتصاد العالمي على وجه العموم، والأوروبي على وجه الخصوص، نجح في تخطي محنة الانفصال البريطاني دون مزيد من الأزمات الكبرى التي تضاف إلى كاهله المثقل بـ«ركود تجاري» و«هبوط نفطي» و«اضطراب نقدي»؛ إضافة إلى التوترات التي تستبق دائما الانتخابات في الدول الكبرى، التي تؤثر بشكل كبير على مستقبل الاقتصاد.
ويترقب العالم نهاية العام الحالي نتائج معركة الانتخابات الأميركية، إضافة إلى انتخابات أوروبية مهمة في هذا العام والعام المقبل، ربما تغير من التركيبة الحالية للدول الكبرى مع توقعات صعود اليمين السياسي، وهو ما سيؤثر على سلاسة حركات التجارة والاتفاقات الاقتصادية - المضطربة بالأساس حاليا - بشكل واسع.
وكان الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي أحد أكبر المؤرقات التي أصابت العالم، خشية أن يؤدي إلى اضطراب كبير في نتائج الاقتصاد الأوروبي، أو يدفع إلى تفكك كامل للاتحاد، من شأنه أن يضاعف من مشكلات العالم الاقتصادية.
ويحتل الاتحاد الأوروبي – لكونه وحدة اقتصادية كبرى - المرتبة الأولى على مستوى العالم من حيث إجمالي الناتج المحلي، في لائحة البنك الدولي لعام 2015 بأكثر من 18.460 تريليون دولار، ولائحة الأمم المتحدة لعام 2015 بأكثر من 18.518 تريليون دولار.. في حين يأتي في المركز الثاني خلف الولايات المتحدة الأميركية في لائحة صندوق النقد الدولي لعام 2016. بإجمالي يبلغ 16.477 تريليون دولار.
وتختلف النتائج في لوائح البنك والصندوق والأمم المتحدة نظرا لتباين مصادر المعلومات أو طريقة احتساب الأرقام والنتائج بين كل مؤسسة وأخرى.. لكن الخوف على تضرر أحد أكبر اقتصادين على مستوى العالم، إضافة إلى فترة التغيير المبني على عوامل انتخابية التي تمر بها أميركا، شكلا معا ذعرا أقوى من مجرد هواجس على مستقبل الاقتصاد العالمي، خصوصا أن الاقتصاد الثالث عالميا؛ الصين، تمر هي الأخرى بفترة اضطراب تاريخية.
* مؤشرات مستقرة في أغلبها
وأمس، أظهر مسح نشرت نتائجه استقرار وتيرة نمو أنشطة قطاع الأعمال الخاص بمنطقة اليورو في أغسطس (آب)، ورغم أن النتائج بدت عند مستوى ضعيف نسبيا، ورغم استمرار القلق حول أن شهر سبتمبر (أيلول) ربما يكون أكثر صعوبة على المصانع؛ نتيجة تعثر نمو الطلبيات الجديدة، فإن حالة امتصاص الأزمة في حد ذاتها تعد عاملا مبشرا في رأي كثير من المراقبين الاقتصاديين، حيث كان كثيرون ينتظرون ظهور مثل هذه التقارير المبنية على «أرقام صلبة» من أرض الواقع للاطمئنان على مستقبل الاقتصاد الأوروبي والعالمي.
وتشير أغلب النتائج حتى الآن إلى أن التبعات الاقتصادية لاختيار مواطني بريطانيا الانفصال عن الاتحاد الأوروبي تقتصر بشكل واسع على المملكة المتحدة نفسها، ولم تمتد لشركائها التجاريين الرئيسيين.
وقال كريس ويليامسون، كبير الاقتصاديين لدى مؤسسة «ماركت» البحثية: «سيكون تحرك الأمور في الاتجاه الإيجابي أمرا مشجعا للغاية لواضعي السياسات. الأوضاع في المنطقة تنم عن تفاؤل حذر في مواجهة تهديد الانفصال البريطاني»، بحسب بيان صادر عن ماركت، أمس.
وارتفع مؤشر «ماركت المجمع لمديري المشتريات» لأعلى مستوى في سبعة أشهر، إلى 53.3 من 53.2 في يوليو (تموز) الماضي. وتشير القراءة فوق 50 نقطة إلى نمو، في حين تشير القراءات أقل من 50 إلى انكماش. وتوقع اقتصاديون في استطلاع للرأي أجرته «رويترز» خلال الفترة الماضية انخفاضا طفيفا، يصل بالمؤشر إلى 53.1 نقطة.
وسجل نمو الطلبيات الجديدة أقل مستوى منذ أوائل عام 2015، ونزل إلى 51.5 نقطة من 52.2. مما يشير إلى احتمال تراجع مؤشر مديري المشتريات الرئيسي الخاص بقطاع الصناعات التحويلية الشهر المقبل.
كما تراجع مؤشر مديري خدمات المشتريات «التصنيعي» لمنطقة اليورو إلى نسبة معدلة موسميا 51.8 هذا الشهر من القراءة النهائية، من 52.0 في يوليو، وهو أدنى مستوى في ثلاثة أشهر. وكان المحللون يتوقعون أن يبقى المؤشر ثابتا عند 52.0 في أغسطس.
وأشار ماركت في التقرير إلى أن القراءة المركبة كانت فقط «قليلا فوق المتوسط الذي شهدته على مدار العام حتى الآن، مما يشير إلى أن النمو في الربع الثالث من المرجح أن يكون مماثلا لتلك النتائج التي شوهدت في النصف الأول من العام».
ويرى المحللون أن تلك النتائج، رغم كونها ليست «إيجابية» بشكل كبير، فإنها تشير بشكل واضح إلى «استقرار واسع»، وهو أمر مهم عقب الاستفتاء، الذي كان من المتوقع أن يتبعه اضطراب كبير في الاقتصاد الأوروبي.
ويقول كريس ويليامسون إن مؤشر «فلاش لمديري المشتريات لشهر أغسطس يشير إلى أن منطقة اليورو لا تزال على مسار النمو المطرد في الربع الثالث، مع عدم وجود علامات على الانتعاش التي تخرج عن مسارها بسبب حالة عدم اليقين من خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي»، موضحا أن البيانات أشارت إلى أن اقتصاد منطقة اليورو ينمو بمعدل ربع سنوي يقترب من 0.3 في المائة في الربع الثالث، أو بمعدل سنوي قدره 1.2 في المائة. مستنتجا أنه «على الرغم من المرونة التي يتمتع بها مؤشر مديري المشتريات في أغسطس، سيضيف ذلك الاعتقاد أن البنك المركزي الأوروبي سوف لا يرى أي حاجة لإجراء مزيد من التحفيز المباشر، وضعف الوتيرة الشاملة للتوسع والاتجاهات المخيبة للآمال في التوظيف، وتفاؤل الشركات والأسعار التي تقترح أن جميع صانعي السياسة سيبقون الباب مفتوحا لإجراء مزيد من التحفيز في وقت لاحق من هذا العام».
* علامات إيجابية في بريطانيا أيضا
وعلى الصعيد البريطاني، أظهر مسح أن طلبيات التصدير في قطاع الصناعات التحويلية البريطاني ارتفعت إلى أعلى مستوى في عامين في أغسطس بفضل انخفاض الجنيه الإسترليني نتيجة التصويت؛ غير أن ضعف العملة البريطانية رفع توقعات الأسعار لأعلى مستوى فيما يزيد على عام.
وأظهر المسح الذي أجراه اتحاد الصناعة البريطاني أن مؤشرا يقيس طلبيات المصانع كلها نزل قليلا إلى «سالب 5» في أغسطس، من مستوى «سالب 4» في يوليو، لكن طلبيات التصدير تحسنت إلى «سالب 6» من «سالب 22»؛ وهو أعلى مستوى منذ أغسطس 2014.
كما ارتفع مؤشر يقيس توقعات الإنتاج في الأشهر الثلاثة المقبلة إلى «زائد 11»، من «زائد 6» في يوليو، في الوقت الذي سجل فيه الجنيه الإسترليني هبوطا حادا بعد التصويت. وجاء في المسح أن متوسط الأسعار - التي يتوقع المنتجون طلبها على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة - ارتفع إلى «زائد8» في أغسطس، من «زائد5» في يوليو، وهو أعلى مستوى منذ فبراير (شباط) 2015.
* اطمئنان القادة
وعلى مستوى زعماء أوروبا، تبدو نبرة الاطمئنان واضحة في التصريحات الأخيرة، التي تؤكد قدرة القارة الأوروبية على تجاوز تبعات الانفصال. إذ قال رئيس الوزراء الإيطالي، ماتيو رينزي، الاثنين، في مؤتمر صحافي مشترك مع المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند، إن أوروبا «لم تنته» بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وعقد القادة الأوروبيون الثلاثة مؤتمرهم الصحافي على متن السفينة الحربية الإيطالية غاريبالدي قبالة جزيرة فينتوتوني الإيطالية. حيث أكد رينزي قائلا: «كثيرون اعتقدوا بعد البريكست أن أوروبا انتهت، هذا الأمر غير صحيح»؛ مطالبا باتخاذ تدابير قوية من أجل تحقيق نمو اقتصادي للاتحاد الأوروبي.
ويسعى القادة الثلاثة لإيجاد السبل التي تتيح تعزيز تماسك الاتحاد الأوروبي بعد الاستفتاء البريطاني.
من جانبه، قال الرئيس الفرنسي هولاند إن الخطر المحدق بأوروبا اليوم «يكمن في التفتت والتقسيم والأنانية»، مشيرا إلى أن أولويات بلاده تتركز في تعزيز الأمن والدفاع والاهتمام بالشبيبة. في حين أشارت المستشارة الألمانية ميركل إلى أن أزمة الهجرة ستكون أحد مواضيع البحث خلال عشاء العمل مع هولاند ورينزي.
لكن المستشارة الألمانية التزمت الحذر إزاء مطالبة رينزي بمزيد من الاستثمارات وبالليونة فيما يتعلق بالموازنة وتنديده بالتقشف، دون أن توصد الباب أمام تلك المطالب. قائلة: «أعتقد أن ميثاق الاستقرار (في الموازنة الأوروبية) يتضمن فعلا كثيرا من الليونة التي بإمكاننا استخدامها بشكل ذكي»، وأعادت مسؤولية اتخاذ قرار بهذا الصدد إلى المفوضية الأوروبية. داعية دول الاتحاد الأوروبي إلى المضي قدما في مجال التكنولوجيا الجديدة.



مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
TT

مصر تقر زيادة حصتها في صندوق النقد 50 %

معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)
معبد الأقصر جنوب مصر مضاء ليلاً (أ.ف.ب)

نشرت الجريدة الرسمية في مصر قرار الرئيس عبد الفتاح السيسي، بشأن الموافقة على زيادة حصة البلاد في صندوق النقد الدولي بنسبة 50 في المائة. كما نص القرار على أن الزيادة في الحصة لن تصبح سارية إلا بعد استيفاء شروط التصديق، رابطاً ذلك بموافقة جميع الدول الأعضاء في الصندوق على زيادة حصصهم.

وحسب مراقبين، تهدف زيادة الحصة إلى تعزيز الموارد المتاحة لصندوق النقد لدعم السياسات الاقتصادية والمالية للدول الأعضاء. كما أنها تزيد من القوة التصويتية لمصر في الصندوق.

ويرتبط القرار بالمراجعة العامة الـ16 للحصص، التي تشمل زيادات في حصص الدول الأعضاء، والتي تعتمد على الموافقة الكتابية للدول المشاركة والالتزام بالشروط المالية المحددة. علماً أن نحو 97 في المائة من الدول الأعضاء توافق على الزيادة.

كان مجلس النواب قد وافق في جلسة عامة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، على زيادة حصة مصر في الصندوق بنسبة 50 في المائة. ومن المقرر أن تقوم مصر بإتمام الإجراءات المالية اللازمة لدفع الزيادة في حصتها، والتي ستتم في إطار الزمان المحدد في القرار، حسبما أوضح مسؤولون مصريون.

وأعلن صندوق النقد الشهر الماضي التوصل إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع مصر بشأن المراجعة الرابعة لاتفاق تسهيل الصندوق الممدد الذي يستمر 46 شهراً، وهو ما قد يتيح صرف شريحة جديدة تبلغ 1.2 مليار دولار. وقال وزير المالية المصري أحمد كوجك، قبل أيام إن مصر ستحصل على الشريحة هذا الشهر، نافياً طلب مصر توسيع القرض البالغة قيمته 8 مليارات دولار مرة أخرى.

وفي تصريحات إعلامية، أعرب كوجك عن قلقه من حجم الدين الخارجي الذي يتخطى 152 مليار دولار، وأكد تعهد الحكومة بخفضه بما يعادل نحو ملياري دولار سنوياً مع السداد بأكثر من قيمة الاقتراض.

في سياق منفصل، أفادت بيانات من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر بأن التضخم السنوي لأسعار المستهلكين في المدن المصرية تراجع إلى 24.1 في المائة في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، من 25.5 في المائة في نوفمبر (تشرين الثاني). وهذا هو أدنى مستوى في عامين، ويتماشى ذلك مع ما خلص إليه استطلاع رأي أجرته «رويترز»، وذلك في ظل استمرار تراجع أسعار المواد الغذائية.

وعلى أساس شهري، ارتفعت الأسعار في المدن المصرية 0.2 في المائة، مقارنةً مع 0.5 في المائة في نوفمبر. وانخفضت أسعار المواد الغذائية بنسبة 1.5 في المائة في ديسمبر بعد انخفاضها بنسبة 2.8 في المائة في نوفمبر، مما جعلها أعلى بنسبة 20.3 في المائة مما كانت عليه قبل عام.

وارتفع التضخم في أغسطس (آب) وسبتمبر (أيلول) وأكتوبر (تشرين الأول)، لكنه انخفض في نوفمبر وظل أقل بكثير من أعلى مستوى له على الإطلاق عند 38 في المائة الذي سجله في سبتمبر 2023.

وساعد النمو السريع في المعروض النقدي لمصر على زيادة التضخم. وأظهرت بيانات البنك المركزي أن المعروض النقدي (ن2) نما 29.06 في المائة في العام المنتهي في آخر نوفمبر، وهو ما يقل قليلاً عن أعلى مستوى على الإطلاق البالغ 29.59 في المائة المسجل في العام المنتهي بنهاية سبتمبر.

وبدأ التضخم في الارتفاع بشكل كبير عام 2022 عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وهو ما دفع المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية. وسجل التضخم ذروته عند 38 في المائة في سبتمبر 2023، وكان أدنى مستوى له منذ ذلك الحين عندما سجل 21.27 في المائة في ديسمبر 2022.

ووقَّعت مصر في مارس (آذار) الماضي على حزمة دعم مالي مع صندوق النقد الدولي بهدف مساعدتها على تقليص عجز الميزانية وتبني سياسة نقدية أقل تأجيجاً للتضخم، لكنَّ الحزمة تُلزم الحكومة بخفض الدعم على بعض السلع المحلية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع أسعارها.

ومعدلات التضخم من أهم النقاط التي تراعيها لجنة السياسات النقدية بالبنك المركزي المصري عندما تجتمع لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة.

وتتوقع اللجنة استمرار هذا الاتجاه، إذ قالت في محضر آخر اجتماعاتها في 2024: «تشير التوقعات إلى أن التضخم سيتراجع بشكل ملحوظ بدءاً من الربع الأول من عام 2025، مع تحقق الأثر التراكمي لقرارات التشديد النقدي والأثر الإيجابي لفترة الأساس، وسوف يقترب من تسجيل أرقام أحادية بحلول النصف الثاني من عام 2026».

كانت اللجنة قد ثبَّتت أسعار الفائدة في اجتماعاتها الستة الأحدث، إذ لم تغيرها منذ أن رفعتها 600 نقطة أساس في اجتماع استثنائي خلال مارس في إطار اتفاق قرض تمت زيادة حجمه إلى 8 مليارات دولار مع صندوق النقد الدولي. وكان هذا الرفع قد جاء بعد زيادة بلغت 200 نقطة أساس أول فبراير (شباط).