السوق العقارية التركية تحافظ على جاذبيتها رغم الأزمات

2015 «عام ذهبي».. وتراجع 9.4 % في النصف الأول من العام الحالي

مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود من بين الوجهات التي تشهد رواجا سياحيا وعقاريا في تركيا ({الشرق الأوسط})
مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود من بين الوجهات التي تشهد رواجا سياحيا وعقاريا في تركيا ({الشرق الأوسط})
TT

السوق العقارية التركية تحافظ على جاذبيتها رغم الأزمات

مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود من بين الوجهات التي تشهد رواجا سياحيا وعقاريا في تركيا ({الشرق الأوسط})
مدينة طرابزون على ساحل البحر الأسود من بين الوجهات التي تشهد رواجا سياحيا وعقاريا في تركيا ({الشرق الأوسط})

أكد خبراء في القطاع العقاري في تركيا عدم وجود تأثير ملموس لمحاولة الانقلاب الفاشلة التي وقعت في منتصف يوليو (تموز) الماضي على رغبة المستثمرين في ضخ أموالهم في القطاع.
وتوقع الخبراء أن يحدث العكس بالنسبة للمستثمرين العرب، الذين كشفت مؤشرات عن زيادة ثقتهم في قدرة الحكومة التركية على الإمساك بزمام الأمور عقب الأحداث الأخيرة، وإن كانت العمليات الإرهابية التي تشهدها مناطق مختلفة من البلاد تؤثر في قرارات المستثمرين، وتدفع لتأجيل بدء نشاطهم أحيانا.
وقال سشكين أراوغلو الخبير في شركة «يدي تبه» للعقارات لـ«الشرق الأوسط» إن «المستثمرين الخليجيين ارتفعت ثقتهم بتركيا واقتصادها بعد محاولة الانقلاب الفاشلة وباتوا أكثر حماسًا للاستثمار في تركيا، وتلاشت مخاوفهم التي كانت موجودة في السابق بسبب الأحداث الإرهابية التي شهدتها البلاد منذ مطلع العام الحالي».
من جانبه، قال محمد أوغروجان بارمان، رئيس مجلس الأعمال التركي البحريني التابع لمجلس العلاقات الاقتصادية الخارجية التركي، إن قطاع العقارات تعافى بسرعة بعد الأحداث الأخيرة، وعبر المستثمرين في كبريات شركات الاستثمار العقاري في تركيا مثل «إملاك كونوت»، وجمعية شركات العقارات والاستثمار العقاري «غيودار»، عن ارتياحهم لعدم حدوث اضطراب في هذا القطاع.
وأضاف بارمان، وهو أيضًا مدير شركة «بيتورك» للإنشاءات، إن الشركة تملك مشاريع في يالوفا وفي إسطنبول (غرب تركيا)، وأن هناك مستثمرين خليجيين مهتمون بالبلاد ككل، وليس فقط بإسطنبول.
وأوضح أن المستثمرين الأجانب لم يفقدوا حماسهم للاستثمار في تركيا على الرغم من الأحداث التي شهدتها تركيا، وأنه باع 148 شقة سكنية بقيمة 33 مليون ليرة (ما يعادل أكثر من 11 مليون دولار) لمجموعة من دبي أخيرًا، معتبرًا أنه مؤشر على ثقة المستثمرين الأجانب بتركيا.
كما لفت إلى أن شركته وصلت إلى 15 ألف مستثمر في منطقة الخليج حتى الآن، وأنه يسعى إلى جذب 5 آلاف مستثمر آخرين من المنطقة إلى مشاريعهم.
وفي إشارة إلى المشروع الذي قاموا بتصميمه مع اتحاد «قمة خزيمة السعودية»، الذي يقول القائمون عليه إنه سيغير وجه منطقة مرمرة، قال بارمان إنه سيتم بناء مركز للمعيشة يضم 5 آلاف شقة سكنية في ولاية يالوفا، تستوعب 25 ألف شخص، وإن المستثمرين الأجانب أبدوا اهتمامهم بهذا المشروع، الذي تبلغ تكلفته ملياري ليرة تركية (نحو 660 مليون دولار).
ولفت بارمان إلى أن مستثمري الخليج يرون أن الاستقرار سيستمر في تركيا، مما يعني ارتفاع ثقتهم، وأن استثمار رأس المال الخليجي سيتواصل، في حين أن المستثمرين الذين علّقوا استثماراتهم بدأوا بتحريكها مرة أخرى.
وخلال النصف الأول من العام الحالي، واصل مواطنو الدول العربية اهتمامهم بسوق العقارات التركية، مع تصدر العراقيين والكويتيين والسعوديين على التوالي قائمة الأجانب الذين تملكوا عقارات في تركيا، خلال هذه الفترة.
وبحسب معطيات هيئة الإحصاء التركية، فإن النصف الأول من العام الحالي شهد شراء المواطنين العراقيين 1600 عقار، مما شكل نسبة 16.9 في المائة من إجمالي الأجانب، فيما جاء الكويتيون في المرتبة الثانية بـ893 عقارا، في حين اشترى السعوديون 882 عقارا خلال الفترة نفسها، وجاء بعدهم الأفغان والروس.
وأوضحت الهيئة أن مواطني الدول الخمس، اشتروا ما مجموعه 4736 عقارا، بنسبة وصلت إلى 50 في المائة، فيما بلغ إجمالي العقارات التي بيعت في خلال تلك الفترة إلى الأجانب 9378 عقارا.
وشهدت الفترة نفسها ازدياد نسبة المستثمرين في سوق العقارات من أفغانستان ومصر والصين، فيما تراجعت معدلات شراء مواطني روسيا والإمارات والنرويج، بنسب متفاوتة.
وحافظت إسطنبول على مكانتها كأكثر المناطق جذبا للأجانب في تركيا، حيث بيع في إسطنبول 3194 عقارا، تلتها أنطاليا (جنوب تركيا) بـ2151 عقارا، ثم بورصة (شمال غرب) التي بيع فيها 699 عقارا، ومن ثم يالوفا (شمال غرب) التي بيع فيها 413 عقارا. كما شهد الإقبال على شراء العقارات في كل من العاصمة أنقرة (وسط) وطرابزون (شمال) ارتفاعا ملحوظا.
لكن النسبة العامة لشراء الأجانب للعقارات خلال النصف الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، انخفضت بنسبة بلغت 9.4 في المائة، حيث بلغت 9378 عقارا، مقارنة بـ10 آلاف و353 عقارا العام الماضي.
كما أظهرت بيانات هيئة الإحصاء التركية انخفاض مبيعات العقارات بنسبة 4 في المائة في يونيو (حزيران) الماضي، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
وأوضحت بيانات الهيئة أن مبيعات العقارات في عموم تركيا بلغت 106187 عقارًا، منها 1543 عقارًا بيعت للأجانب.
وأشارت البيانات إلى أن العراقيين احتلوا المرتبة الأولى من بين الأجانب في شراء 214 عقارًا في يونيو الماضي، ثم الروس بشراء 114 عقارًا، في حين جاء السعوديون في المرتبة الثالثة بشراء 112 عقارًا، ثم الكويتيون 110 عقارًا والأفغان 107 عقارات.
وحافظت إسطنبول على مكانتها أيضًا كأكثر المدن التركية بيعًا للعقارات للأجانب في يونيو الماضي، إذ بلغ عدد العقارات المبيعة 507 عقارات، تلتها أنطاليا، ثم مرسين المطلتين على البحر المتوسط بعدد 318 و97 على التوالي.
أما بالنسبة للعام الماضي 2015، فأشار تقرير لهيئة الإحصاء التركية إلى أن مبيعات الشقق السكنية في تركيا حققت زيادة بنسبة 10.6 في المائة عن العام الأسبق 2014، حيث وصل العدد إلى مليون و289 ألفا و320 شقة، لتحطم بذلك الرقم القياسي في عدد الشقق المبيعة خلال عام واحد في تاريخ الجمهورية التركية.
وأضاف التقرير أن مدينة إسطنبول احتلت المرتبة الأولى ببيع 239 ألفا و767 شقة، تلتها العاصمة أنقرة بـ146 ألفا و537 شقة، وإزمير ثالثة بـ77 ألفًا و796 شقة، في حين جاءت ولاية هكّاري جنوب شرقي البلاد، التي تشهد اضطرابات بسبب الاشتباكات بين القوات التركية ومنظمة حزب العمال الكردستاني، في المرتبة الأخيرة بين الولايات التركية الـ81 بـ139 شقة فقط.
وأشار التقرير إلى أن عدد الشقق المبيعة خلال عام 2013 كان بلغ مليونا و157 ألفا و190 شقة، في حين ارتفع العدد إلى مليون و165 ألفا و381 شقة في العام 2014.
وعزا خبراء أهم الأسباب في زيادة المبيعات العام الماضي إلى المناخ الجاذب واعتبار الخليجيين الاستثمار العقاري بتركيا رابحًا، لا سيما بعد تراجع الفرص الاستثمارية في لبنان وسوريا، فضلاً عن فقدان السوريين واليمنيين والليبيين الأمل بالعودة قريبًا لبلادهم، مما دفعهم لشراء الشقق السكنية التي تشهد عروضا مغرية في مختلف المدن التركية.
ولفت رئيس الغرف الاستشارية للعقاريين في إسطنبول نظام الدين آشا إلى أن مبيعات تركيا من العقارات للأجانب خلال العام الماضي، حققت نسبة جيدة بوصولها إلى 5 مليارات دولار، وذلك على الرغم من تردي الأوضاع الأمنية في الدول المجاورة لتركيا وفي عدد من المناطق الداخلية فيها، ولا سيما شرق وجنوب شرقي البلاد.
وأكد آشا الحاجة إلى زيادة الرقابة على الشركات التي تقوم بدور الوساطة بين المستثمرين الأجانب ومالكي العقارات، منوهًا بأن مطالبة تلك الشركات بعمولات مرتفعة من كلا الطرفين تؤدي إلى ارتفاع أسعار المنازل والعقارات، بنسبة تصل إلى 5 أو 10 في المائة عن السعر الحقيقي.
وتصدر المستثمرون السعوديون قائمة الاستثمار الأجنبي في مجال العقارات بتركيا في عام 2015، حيث بلغ إجمالي أملاكهم من العقارات أكثر من مليون متر مربع، بعد أن كان إجمالي ما يملكه المستثمرون السعوديون 402 ألف متر مربع خلال عام 2014، وذلك يرجع إلى تعديل قوانين تملك الأجانب في تركيا.
ويبلغ عدد السياح السعوديين الذين يقضون إجازاتهم في المدن التركية في الوقت الحالي نحو 40 ألف سائح، معظمهم يتوجهون إلى مدن شمال تركيا بمنطقة البحر الأسود وأهمها طرابزون، إضافة إلى مدينة إسطنبول.
ويرجح الخبراء استمرار ارتفاع جاذبية السوق العقارية التركية لرؤوس الأموال السعودية في ظل الانخفاض النسبي لأسعار العقارات السكنية والسياحية في تركيا مع تراجع الليرة التركية، كما لم تحدث انسحابات ملموسة للمستثمرين العقاريين السعوديين بعد الانقلاب الفاشل، وإن كان بعض المستثمرين فضل تأجيل الدخول في استثمارات جديدة كانوا ينوون البدء فيها خلال الإجازة الصيفية الحالية، حتى تتضح الأوضاع.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»