أنقرة تصرح ببقاء الأسد مؤقتًا وسط خطوات تغييرية في الملف السوري

يلدريم رأى أن دمشق بدأت تدرك الخطر الكردي.. وأن سياستها السابقة سببت لها «المتاعب»

نقطة تفتيش للقوات الكردية في أطراف مدينة الحسكة التي شهدت نزوحاً نتيجة القصف أمس (رويترز)
نقطة تفتيش للقوات الكردية في أطراف مدينة الحسكة التي شهدت نزوحاً نتيجة القصف أمس (رويترز)
TT

أنقرة تصرح ببقاء الأسد مؤقتًا وسط خطوات تغييرية في الملف السوري

نقطة تفتيش للقوات الكردية في أطراف مدينة الحسكة التي شهدت نزوحاً نتيجة القصف أمس (رويترز)
نقطة تفتيش للقوات الكردية في أطراف مدينة الحسكة التي شهدت نزوحاً نتيجة القصف أمس (رويترز)

أعلنت تركيا للمرة الأولى أنها «ستقبل بوجود رئيس النظام السوري بشار الأسد مؤقتًا، لكنه لن يكون له مكان في مستقبل سوريا»، حسبما أكد رئيس الوزراء بن علي يلدريم. وفيما يعد أول إعلان صريح للموقف التركي من الأسد، الذي أثار كثيرا من التساؤلات مع توالي تصريحات المسؤولين الأتراك حول احتمالات التطبيع مع سوريا على غرار التطبيع مع روسيا وإسرائيل، قال يلدريم في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام المحلية والأجنبية في إسطنبول، أمس السبت، إن تركيا تقبل بأن يبقى الرئيس السوري بشار الأسد «رئيسًا مؤقتًا، لكن لن يكون له دور في القيادة الانتقالية وفي مستقبل البلاد». وأضاف يلدريم أن تركيا ستتمكن بالتعاون مع روسيا وإيران وغيرهما من الدول المعنية بإيجاد حل للأزمة السورية خلال الأشهر الستة المقبلة.
مصادر دبلوماسية كانت قد أكدت لـ«الشرق الأوسط» في التاسع من يوليو (تموز) الماضي أن أنقرة قد تقبل بوجود الأسد لمرحلة مؤقتة تمتد لستة أشهر لكنها لن تقبل بأن يكون طرفا في أي معادلة للحل النهائي في سوريا. وأمس، قال يلدريم في تصريحاته إن «دمشق بدأت تدرك خطر الأكراد» مؤكدا أن بلاده ستضطلع «بدور أكثر فعالية في التعامل مع الأزمة السورية حتى لا تنقسم البلاد». ووصف يلدريم تطلع الأكراد إلى وصل المناطق التي يسيطرون عليها في الجانب الآخر من الحدود التركية بأنه «وضع جديد» و«من الواضح أن النظام السوري فهم أن البنية التي يحاول الأكراد تشكيلها في شمال سوريا بدأت تشكل تهديدا لدمشق أيضا».
وفي هذا السياق، وفق مصادر دبلوماسية ومحللين أتراك التقتهم «الشرق الأوسط»، فإن تصريحات يلدريم بشأن «إدراك دمشق الخطر الكردي» تشير إلى العمليات الجوية التي نفذتها قوات النظام السوري في الحسكة، الخميس، واستهدفت الميليشيات الكردية التي تصنفها تركيا على أنها «تنظيم إرهابي» يشكل امتدادا لمنظمة حزب العمال الكردستاني التي تقاتل ضد الجيش وقوات الأمن التركية في جنوب شرقي تركيا. وتلفت المصادر في حديثها إلى «حدوث أخطاء في السياسة الخارجية لتركيا تجاه الأزمة السرية منذ بدايتها عام 2011».
للعلم، يعد القتال الذي اندلع هذا الأسبوع في الحسكة المقسمة إلى مناطق خاضعة للأكراد وأخرى تابعة للنظام السوري أعنف مواجهة بين الميليشيات الكردية ودمشق منذ اندلاع الحرب قبل خمس سنوات. وتشكل «وحدات حماية الشعب» الكردية حاليا ركيزة الحملة التي تقودها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا، وتسيطر على مساحات من شمال البلاد شكلت فيها الجماعات الكردية إدارتها الخاصة.
وكانت الضربات الجوية على الحسكة أول مرة يرسل فيها جيش النظام السوري طائراته الحربية لضرب جماعات كردية منذ اندلاع الحرب، كما أنها ثاني معركة كبرى بين «وحدات حماية الشعب» وقوات النظام هذا العام، وكان الطرفان قد خاضا معارك دامية على مدى أيام في مدينة القامشلي الحدودية مع تركيا، شمال مدينة الحسكة. وحاليًا تسيطر «وحدات حماية الشعب» على معظم القامشلي أيضا.
على صعيد آخر، لمح الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، أول من أمس الجمعة، إلى أن تركيا قد تقصف مواقع ميليشيا «وحدات حماية الشعب» الكردية في شمال سوريا إذا اقتضت الضرورة وأنها لن تستأذن أحدا في هذا الأمر. وفي السياق نفسه، قال مراد يشيل طاش، الباحث التركي المتخصص في الشؤون السورية ودول الجوار، لـ«الشرق الأوسط»، إن هناك «قضايا مشتركة في مقدمتها منع تقسيم سوريا والحيلولة دون إقامة كيان كردي في شمال شرقي سوريا سيعزل تركيا عن جارتها سوريا، ومسألتا أمن الحدود واللاجئين تستوجبان التنسيق بشكل ما أو بآخر بين تركيا وسوريا».
والواضح أن تركيا تخشى الآن من أن يؤدي اكتساب الجماعات المسلحة الكردية في سوريا مزيدًا من القوة إلى تشجيع منظمة حزب العمال الكردستاني، التي استأنفت نشاطها بعد انهيار وقف لإطلاق النار بين المسلحين والحكومة التركية العام الماضي، على محاولة الانفصال بمناطق جنوب شرقي تركيا.
أما فيما يتعلق بأول اعتراف رسمي من الحكومة التركية بخطأ سياستها السابقة تجاه سوريا، فإنه ورد على لسان نائب رئيس الوزراء التركي المتحدث باسم الحكومة التركية، نعمان كورتولموش، الذي قال في لقاء مع ممثلي وسائل الإعلام المحلية والأكاديميين وممثلي مراكز البحوث التركية، مساء الأربعاء الماضي، نقلت صحيفة «حرييت» ما دار فيه، الجمعة، إذ قال: «إن سياسة أنقرة تجاه سوريا أصبحت مصدرا (لمتاعب كثيرة) تعاني منها تركيا اليوم». وأضاف: «لم تتمكن أي من الدول، بما في ذلك تركيا، من تقديم نهج سياسي سليم من أجل التوصل إلى حل في سوريا. إنني كنت أتحدث عن ذلك منذ سنوات». ثم تابع: «ليتنا تمكنّا من وضع آفاق صالحة للسلام قبل ذلك. ولكن سيتم قريبا التوصل إلى حل يمكن للشعب السوري أن يقبله بدلا من فرض الحل من الخارج. وهناك حاليا عملية جارية من هذا القبيل، وفي هذه المرحلة تزداد العلاقات مع روسيا أهمية».
ولقد أشارت الصحيفة التركية، في مقال لرئيس تحرير نسختها الإنجليزية، مراد يتكين، إلى أن تصريحات كورتولموش هي «الانتقاد الأكثر حدة لسياسة أنقرة تجاه سوريا من جانب ممثلي القيادة التركية العليا منذ اندلاع الأزمة السورية»، ولفتت إلى أن اللقاء الذي أطلق خلاله نائب رئيس الوزراء التركي تصريحاته المفاجئة، لم يكن مخصصا للأزمة السورية، بل كان يتوقع أن يدور الحديث خلاله فقط عن الجهود الدبلوماسية التي تقوم بها أنقرة بعد الانقلاب الفاشل في منتصف يوليو الماضي.
وتفاعلا مع تصريحات كورتولموش، قال رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض، كمال كيليتشدار أوغلو، خلال لقاء مع ممثلي الصحف التركية، أمس في أنقرة: «نحن لا نعترض على هذا التغيير لكن الحكومة ما زالت تواصل سياستها تجاه القضية السورية رغم هذه التصريحات، وهذا يظهر عدم مصداقية الحكومة في هذا الصدد». وأضاف كيليتشدار أوغلو أن المساعدات الإنسانية المقدمة إلى الشعب السوري لا بد أن ترسل عبر الهلال الأحمر التركي. وعلى الحكومة أن تنتهج سياسة الشفافية في هذه المسألة ولا تخاف من فتح صناديق المساعدات ليراها الجميع. في إشارة منه إلى ما سبق أن نشرته صحيفة «جمهوريت» التركية عن ضبط أسلحة متجهة إلى تنظيمات متشددة في تركيا وسط صناديق للمساعدات على طريق أضنة - هطاي (الإسكندرونة) جنوب تركيا في يناير (كانون الثاني) 2014.
وتابع كيليتشدار أوغلو - مكررًا مواقفه السابقة - «عندما أدلينا بالتصريح نفسه كانوا يصنفوننا أنصارًا للأسد. نحن نقول إنه لا بد من تحقيق السلام في سوريا سواء بمشاركة الأسد أو من دونه. والشعب السوري هو من سيقرر ما إن كان الأسد سيستمر في الحكم أم يرحل ويأتي شخص آخر. لكنني أقول بكل أسى إن إرسال الأسلحة إلى بعض الجماعات في سوريا لا يزال مستمرًا وهذا أمر غاية في الخطورة ومحفوف بالمشكلات. لا شك أن على تركيا التراجع عن هذا الأمر. فالحريق مشتعل في دولة مجاورة لنا ونحن نذهب إلى هناك حاملين حاوية بنزين». على حد تعبيره.
في هذه الأثناء، اعتقلت قوات الأمن التركية، أمس السبت، السفير السابق غوركان باليك الذي كان يعد الذراع الأيمن لرئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو أثناء فترة توليه منصب وزير الخارجية. وشغل باليك منصب مستشار رئيس الجمهورية السابق عبد الله غل في أغسطس (آب) عام 2013 بعدما أمضى فترة طويلة برفقة داود أوغلو، حيث كان هو الذراع الأيمن لوزير الخارجية، ثم تولى منصب مستشار رئيس الجمهورية في الفترة بين 2010 - 2012. وربط بعض المحللين بين اعتقال باليك وتصريحات كورتولموش التي ذكر فيها أن تدهور العلاقات مع سوريا ناتجة عن السياسة الخاطئة في القضية السورية، وكان يقصد بها فترة رئاسة داود أوغلو للحكومة ووزارة الخارجية. ولفت أيضا إلى أن ما يسمى منظمة فتح الله غولن أو الكيان الموازي المتهمة من جانب الحكومة بتدبير الانقلاب الفاشل في تركيا منتصف يوليو الماضي «عملت على تخريب علاقات تركيا بدول العالم والدول المجاورة». في الوقت نفسه، أشار نائب رئيس الوزراء التركي نور الدين جانيكلي إلى أن الأيام المقبلة قد تشهد تطورا في العلاقات الاقتصادية بين تركيا وسوريا وأن هذه العلاقات ستتم على الصعيدين الرسمي والشعبي.



تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
TT

تنديد يمني بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين في تعز

مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)
مسلحون حوثيون خلال تجمع في صنعاء دعا إليه زعيمهم (رويترز)

نددت الحكومة اليمنية بتصفية الحوثيين أحد المعتقلين المدنيين في أحد السجون الواقعة شرق مدينة تعز، واتهمت الجماعة بالتورط في قتل 350 معتقلاً تحت التعذيب خلال السنوات الماضية.

التصريحات اليمنية التي جاءت على لسان وزير الإعلام، معمر الإرياني، كانت بعد أيام من فرض الولايات المتحدة عقوبات على قيادي حوثي يدير المؤسسة الخاصة بملف الأسرى في مناطق سيطرة الجماعة.

معمر الإرياني وزير الإعلام والثقافة والسياحة في الحكومة اليمنية (سبأ)

ووصف الإرياني إقدام الحوثيين على تصفية المواطن أحمد طاهر أحمد جميل الشرعبي، في أحد معتقلاتهم السرية في منطقة الحوبان شرق تعز، بأنها «جريمة بشعة» تُضاف إلى سجل الجماعة الحافل بالانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية، وتعكس طبيعتها الوحشية وعدم التزامها بأي قانون أو معايير إنسانية، وفق تعبيره.

وأوضح الوزير اليمني في تصريح رسمي أن الحوثيين اختطفوا الضحية أحمد الشرعبي، واحتجزوه قسرياً في ظروف غير إنسانية، قبل أن يطلبوا من أسرته، في 11 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، الحضور لاستلام جثته بعد وفاته تحت التعذيب.

وقال إن هذا العمل الوحشي من قِبَل الحوثيين يظهر اللامبالاة بأرواح اليمنيين، ويعيد التذكير باستمرار مأساة الآلاف من المحتجزين والمخفيين قسراً في معتقلات الجماعة بما في ذلك النساء والأطفال.

وأشار وزير الإعلام اليمني إلى تقارير حكومية وثقت أكثر من 350 حالة قتل تحت التعذيب في سجون الحوثيين من بين 1635 حالة تعذيب، كما وثقت المنظمات الحقوقية -بحسب الوزير- تعرض 32 مختطفاً للتصفية الجسدية، بينما لقي آخرون حتفهم نتيجة الانتحار هرباً من قسوة التعذيب، و31 حالة وفاة بسبب الإهمال الطبي، وقال إن هذه الإحصاءات تعكس العنف الممنهج الذي تمارسه الميليشيا بحق المعتقلين وحجم المعاناة التي يعيشونها.

ترهيب المجتمع

اتهم الإرياني الحوثيين باستخدام المعتقلات أداة لترهيب المجتمع المدني وإسكات الأصوات المناهضة لهم، حيث يتم تعذيب المعتقلين بشكل جماعي وتعريضهم لأساليب قاسية تهدف إلى تدمير إرادتهم، ونشر حالة من الخوف والذعر بين المدنيين.

وطالب وزير الإعلام في الحكومة اليمنية المجتمع الدولي والأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان بمغادرة ما وصفه بـ«مربع الصمت المخزي»، وإدانة الجرائم الوحشية الحوثية التي تمثل انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني.

الحوثيون يتعمدون ترهيب المجتمع بالاعتقالات والتعذيب في السجون (رويترز)

ودعا الوزير إلى «ممارسة ضغط حقيقي على ميليشيا الحوثي» لإطلاق صراح كل المحتجزين والمخفيين قسرياً دون قيد أو شرط، وفرض عقوبات صارمة على قيادات الجماعة وتصنيفها «منظمة إرهابية عالمية».

وكانت الولايات المتحدة فرضت قبل أيام عقوبات على ما تسمى «لجنة شؤون الأسرى» التابعة للحوثيين، ورئيسها القيادي عبد القادر حسن يحيى المرتضى، بسبب الارتباط بانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في اليمن.

وتقول الحكومة اليمنية إن هذه المؤسسة الحوثية من أكبر منتهكي حقوق الإنسان وخصوصاً رئيسها المرتضى الذي مارس خلال السنوات الماضية جرائم الإخفاء القسري بحق آلاف من المدنيين المحميين بموجب القوانين المحلية والقانون الدولي الإنساني.