من التاريخ: التجسيد الأول للقومية الأوروبية

كونراد أديناور
كونراد أديناور
TT

من التاريخ: التجسيد الأول للقومية الأوروبية

كونراد أديناور
كونراد أديناور

لقد كان من الصعب على أحد أن يتخيل في صيف 1945 مع انتهاء الحرب العالمية الثانية أي مشروع سياسي أوروبي موحّد في ظل الخراب الذي لحق بهذه القارة والدمار الذي كانت كثير من المدن الأوروبية تعاني منه. ذلك أن ألمانيا صارت مقسمة بين الاحتلال السوفياتي والحلفاء، وبينما خضعت كيانات شرق أوروبا لسلطة «الدب الروسي» العسكرية سيطرت الولايات المتحدة على أوروبا الغربية. ومن ثم، بدأت عملية إدارة السياسة الدولية تتمحور حول القارة الأوروبية بين أميركيين يرغبون في حفظ الأمن والسلم الغربيين، وأوروبيين يأملون في إيجاد وسيلة تقضي على فرص اندلاع حرب عالمية ثالثة، واتحاد سوفياتي طموح يهدف إلى تغيير البنية السياسية في أوروبا من خلال الاشتراكية والجيش الأحمر.
وبدأت لعبة التوازنات الاستراتيجية والأمنية تسيطر على مجريات القارة الأوروبية، ولم يكن لدى العامة في غرب القارة يومذاك مشروع أممي، بل مجرد أفكار لا تخرج عن الرومانسية السياسية كما تابعنا في الأسبوع الماضي. ولكن في باريس نبتت فكرة «القومية الأوروبية» في ذهن اقتصادي فرنسي متميز هو جان مونيه Monnet، الأب الروحي لـ«القومية الأوروبية» الحديثة ممثلة في الاتحاد الأوروبي. لقد كان منبع فكر مونيه حماية المصالح الفرنسية من خلال التكامل مع ألمانيا، وحقًا خدمت الظروف فكر مونيه وفرنسا بشكل كبير مع انتهاء الحرب العالمية الثانية.
لقد انقسمت أوروبا عمليًا وآيديولوجيًا إلى شرق اشتراكي وغرب رأسمالي/ ديمقراطي، وسرعان ما باتت الحرب الباردة على الأبواب. وكان الخطر الشيوعي لا يقلّ عن مخاطر أخرى بالنسبة لغرب أوروبا، إذ سعت الحكومات للعمل على الحفاظ على شرعية نظم الحكم فيها وتفعيل المبادئ المرتبطة بهذه الشرعية، وهو ما أوجد هدفًا أوروبيًا - أميركيًا موحدًا يتمثل في ضرورة إنجاح النموذج التنموي الرأسمالي في أوروبا بعد الحرب. وإلى جانب «مشروع مارشال» الشهير لإعادة بناء الاقتصادات في غرب أوروبا، كانت أوروبا بحاجة إلى مشروع آخر لتضافر الجهود الأوروبية، وبالتالي، أصبحت فكرة التكامل قابلة للتنفيذ لحماية المصالح الاقتصادية المشتركة.. شريطة وجود رؤية واضحة بعيدة عن الرومانسية التي طغت على الفكرة «القومية» على مدار العقود السابقة.
فرنسا كانت من أكثر الدول تأثرًا ولا سيما صراعاتها الممتدة مع ألمانيا. ولم يتيسر احتواء التهديد الألماني لفرنسا من خلال «الكسر السياسي» لألمانيا، كما حدث بعد «صلح فرساي» الذي دفع النازية لتوجيه جام غضبها وآلياتها العسكرية لاحتلال فرنسا بمجرد أن سنحت الفرصة. وعليه، كان الهدف إيجاد وسيلة لضمان التنمية الاقتصادية الألمانية والإيطالية في إطار تكاملي مع فرنسا وباقي الدول الأوروبية في الغرب، وهو الإطار الذي كان كفيلاً بنزع فتيل القومية الألمانية المتطرفة التي ظلت متوهجة على مدار قرن من الزمان. ومن ثم كانت هناك ضرورة لتنفيذ المشروع القومي الألماني من خلال مشروع قومي أوروبي يمكن أن يجمع نواة من الدول الأوروبية تمثل قاعدة لانطلاقة مشروع «الفيدرالية» الأوروبية، وهو سيناريو يصب في مصلحة الجميع لا خاسر فيه إلا التطرف وانعدام التنمية والحرب. ولكن بقي السؤال الأهم.. ألا وهو كيفية إتمام هذا المشروع في ظل الظروف السياسية القائمة في أوروبا وسيطرة الولايات المتحدة عسكريًا واقتصاديًا على القارة.
لقد طرحت فرنسا مشروعها بدايةً خلال اجتماعات وزراء خارجية «اتفاقية بروكسل» وشمل فكرة تأسيس برلمان فيدرالي لدول غرب أوروبا من خلال «مجلس أوروبا»، غير أن الفكرة لم ترق لمستوى التنفيذ، إذ اعتبرها الساسة الأوروبيون حلمًا مثاليًا فوقيًا غير منطقي وغير قابل للتنفيذ. كذلك لم يكن هناك ما يكفي من الحوافز التي تجعل الدول تقبل إدارة فيدرالية فوقية تسيطر على مجريات السياسة بينها، خاصة فكرة التنازل عن السيادة - ولو جزئيًا - لم تكن مطروحة. وهكذا فشلت المبادرة الفرنسية ولكن ليس فكرة القومية ذاتها. إذ أدرك مونيه أن المطلوب هو إيجاد سلسلة من الحوافز العملية القادرة على دفع مشروع القومية قدمًا على أن يتحقق على مراحل، وأنه كان يحتاج إلى عنصرين أساسيين: العنصر الأول، النتائج الإيجابية في قطاع ما بما يساهم في الدفع نحو إنجاح التكامل في قطاع آخر في المشروع القومي أو ما يعرف بال Ramification، أما العنصر الثاني فكان مرتبطًا بتقليل جرعة الانتقاص من «السيادة» لدى الدول الأوروبية، فلن تقبل أية دولة بفكرة الانصياع لمؤسسة فوقية تدير أمورها، خاصة وأن الفكر القومي أو الوطني يكون على أشده بعد الحروب.
وعند هذا الحد طرح الفرنسيون مشروعين أساسيين، الأول من رينيه بليفان Plevin الذي تجسد في «الجماعة الأمنية الأوروبية» التي ضمنت نوعًا من الحد الأدنى للدفاع المشترك للدول الأوروبية ولاقت بعض النجاح المحدود للغاية. وفي الوقت نفسه تقريبًا طرح وزير الخارجية الفرنسي روبير شومان (عام 1950) الخطة التي كان مونيه قد صاغها وهي «جماعة الفحم والصلب الأوروبية». وكان لب الفكرة خلق كيان فيدرالي بين ألمانيا وفرنسا لإدارة إنتاج الفحم والصلب، كون هذه الصناعة هي الأساس الاقتصادي لأي إنتاج حربي. وهنا بدأ التكامل بين الفحم والصلب يخلق التكامل بين فرنسا وألمانيا من خلال مشروع يوفر المكاسب المشتركة للدولتين، ويسيطر في نفس الوقت على المُدخل الأول لصناعة الأسلحة من خلال إيجاد سلطة عليا تدير هذا القطاع عبر قوانين منافسة مشتركة وإدارة إنتاج موحّدة والتدخل في التسعير إذا ما لزم الأمر. وكانت الفكرة تدفع نحو أن تكون صناعة الصلب وإنتاج الفحم الأداة الأولى للتكامل الاقتصادي بين الدولتين بمشاركة دول أخرى. ومع أن رئيس الوزراء الألماني كونراد أديناور كان يدرك أن «الجماعة» المطروحة ستفيد فرنسا أكثر من ألمانيا، لكن بُعد نظر هذا السياسي الداهية جعله يقبل الفكرة ويتحمس لها، خصوصا أن ألمانيا كانت مقسمة وكان أديناور يعتقد أن نجاح فكرة التكامل الأوروبي أحد الأدوات السياسية الأساسية التي كانت ستسمح له بتوحيد ألمانيا مستقبلاً. وفعلاً صدق حدس الرجل وتم ذلك لأسباب مختلفة من ضمنها وجود ألمانيا كقوة دفع أساسية في الاتحاد الأوروبي بعد ذلك.
قبل أديناور «خطة» شومان الذي كان قد أعلن عند طرحها أن «جماعة الفحم والحديد» بداية للفيدرالية الأوروبية، وتم التوقيع على اتفاقية إنشاء «جماعة الفحم والصلب» في مايو (أيار) 1951 وانضمت لها ست دول هي ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وبلجيكا ولوكسمبورغ وهولندا. ومع أن الولايات المتحدة لم تكن رافضة لهذه الفكرة من الأساس، خصوصًا أنها كانت تدفع نحو تطوير الاقتصاد الأوروبي وإعادة تأهيله، كان لبريطانيا تحفظاتها. فبريطانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية مؤمنة بـ«العلاقة عبر الأطلسية الخاصة» Transatlantic Link مع أميركا على حساب المكوّن الأوروبي. ومعلوم أن بريطانيا - الدولة الجزيرية - بنت سياستها الخارجية تقليديًا على تفتيت القارة الأوروبية سياسيًا. ومن ثم، فهي لم تكن تحبذ فكرة الفيدرالية وإن كانت قد قبلت بفكرة التكامل فقط. كذلك رأت لندن أن الكيان الجديد سيمثل خطرًا على صناعة الصلب البريطانية التي كانت مؤممة وتديرها الدولة. ولذا تباطأت لندن في قبول الفكرة وصارت تماطل في المفاوضات أملاً في وأدها. وساعد على ذلك أن بريطانيا خرجت من الحرب كأقوى اقتصاد نسبي في القارة الأوروبية وكانت فرنسا بالإضافة لحلفائها مدينين لها، وكانت التسويات تجري على أساس ما هو معروف بـ«منطقة الإسترليني Sterling Area»، ومن ثم لم تتحمس كثيرًا لفكرة التوحد في هذا المجال. وعندما أيقن الفرنسيون والألمان أن لندن تماطل، وُضع سقف زمني للمفاوضات، وعندما لم تنجح المفاوضات مع بريطانيا، أعلنت فرنسا وألمانيا تأسيس «الجماعة» على الفور تحت أساس فيدرالي بحت، ولم تعد فرنسا أو ألمانيا أو أي من الدول الأربع الأعضاء قادرة على التحكم في صناعات الصلب أو إنتاج الفحم بمعزل عن الدول الأخرى من خلال إدارة عليا مشتركة لهاتين الصناعتين. وكانت هذه هي بداية القومية الأوروبية ممثلة في الاتحاد الأوروبي، وسرعان ما دفع النجاح في هذا القطاع إلى نجاحات أخرى في قطاعات أخرى إلى أن وصلنا لمحطة الاتحاد الأوروبي كما سنرى.



نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا
TT

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

نيتومبو ندايتواه... أول امرأة تترأس ناميبيا

سطرت نيتومبو ناندي ندايتواه، 72 عاماً، اسمها في التاريخ بوصفها أول امرأة تتولى رئاسة ناميبيا منذ استقلال البلاد عام 1990، بعدما حصدت 57 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسية التي جرت نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، فيما حصل أقرب منافسيها باندوليني إيتولا على 26 في المائة فقط من الأصوات. شكَّل فوز نيتومبو الملقبة بـ«NNN»، حلقةً جديدةً في حياة مليئة بالأحداث، عاشتها المرأة التي ناضلت ضد الاحتلال، واختبرت السجن والنفي في طفولتها، قبل أن تعود لتثبت نفسها بصفتها واحدة من أبرز النساء في السياسة الناميبية وقيادية فاعلة في الحزب الحاكم «سوابو».

في أول مؤتمر صحافي لها، بعد أسبوع من إعلان فوزها بالانتخابات الرئاسية، تعهدت نيتومبو، التي ستتولى منصبها رسمياً في مارس (آذار) المقبل، بإجراء «تحولات جذرية» لإصلاح مستويات الفقر والبطالة المرتفعة في ناميبيا، الدولة الواقعة في الجنوب الأفريقي، والتي يبلغ عدد سكانها ثلاثة ملايين نسمة.

نيتومبو أشارت إلى أنها قد تنحو منحى مختلفاً بعض الشيء عن أسلافها في حزب «سوابو» الذي يحكم ناميبيا منذ استقلالها عن جنوب أفريقيا في عام 1990. وقالت نيتومبو: «لن يكون الأمر كالمعتاد، يجب أن نُجري تحولات جذرية من أجل شعبنا».

لم توضح نيتومبو طبيعة هذه التحولات الجذرية التي تعتزم تنفيذها، وإن أشارت إلى «إصلاح الأراضي، وتوزيع أكثر عدالة للثروة». وبينما يصنف البنك الدولي ناميبيا على أنها دولة ذات «دخل متوسط»، فإنها تعد واحدة من أكثر الدول التي تعاني من عدم المساواة في توزيع الدخل على مستوى العالم، مع ارتفاع مستويات الفقر التي ترجع جزئياً إلى إرث عقود الفصل العنصري وحكم الأقلية البيضاء.

ووفق تقرير رسمي من البنك الدولي صدر عام 2021 فإن «43 في المائة من سكان ناميبيا يعيشون فقراً متعدد الأبعاد». وهو مؤشر يأخذ في الاعتبار عوامل عدة إلى جانب الدخل، من بينها الوصول إلى التعليم والخدمات العامة.

ولأن طريق نيتومبو السياسي لم يكن أبداً ممهداً، لم يمر إعلان فوزها بالانتخابات دون انتقادات. وقالت أحزاب المعارضة إنها ستطعن على نتيجة الانتخابات الرئاسية، متحدثةً عن «صعوبات فنية وقمع ضد الناخبين». لكنَّ نيتومبو، المعروفة بين أقرانها بـ«القوة والحزم»، تجاهلت هذه الادعاءات، واحتفلت بالفوز مع أعضاء حزبها، وقالت: «أنا لا أستمع إلى هؤلاء المنتقدين».

نشأة سياسية مبكرة

وُلدت نيتومبو في 29 أكتوبر (تشرين الأول) عام 1952 في قرية أوناموتاي، شمال ناميبيا، وهي التاسعة بين 13 طفلاً، وكان والدها رجل دين ينتمي إلى الطائفة الأنغليكانية. وفي طفولتها التحقت نيتومبو بمدرسة «القديسة مريم» في أوديبو. ووفق موقع الحزب الحاكم «سوابو» فإن «نيتومبو مسيحية مخلصة»، تؤمن بشعار «قلب واحد وعقل واحد».

في ذلك الوقت، كانت ناميبيا تعرف باسم جنوب غرب أفريقيا، وكان شعبها تحت الاحتلال من دولة «جنوب أفريقيا»، مما دفع نيتومبو إلى الانخراط في العمل السياسي، والانضمام إلى «سوابو» التي كانت آنذاك حركة تحرير تناضل ضد سيطرة الأقلية البيضاء، لتبدأ رحلتها السياسية وهي في الرابعة عشرة من عمرها.

في تلك السن الصغيرة، أصبحت نيتومبو ناشطة سياسية، وقائدة لرابطة الشباب في «سوابو»، وهو ما أهّلها فيما بعد لتولي مناصب سياسية وقيادية، لكنها تقول إنها آنذاك «كانت مهتمة فقط بتحرير بلدها من الاحتلال»، مشيرةً في حوار مصوَّر نُشر عبر صفحتها على «فيسبوك» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، إلى أن «السياسة جاءت فقط بسبب الظروف، التي لو اختلفت ربما كنت أصبحت عالمة».

شاركت نيتومبو في حملة «ضد الجَلْد العلنيّ»، الذي كان شائعاً في ظل نظام الفصل العنصري، وكان نشاطها السياسي سبباً في إلقاء القبض عليها واحتجازها، عدة أشهر عام 1973، وهي ما زالت طالبة في المرحلة الثانوية. ونتيجة ما تعرضت له من قمع واضطهاد، فرَّت نيتومبو إلى المنفى عام 1974، وانضمت إلى أعضاء «سوابو» الآخرين هناك، واستكملت نضالها ضد الاحتلال من زامبيا وتنزانيا، قبل أن تنتقل إلى المملكة المتحدة لاستكمال دراستها.

تدرجت نيتومبو في مناصب عدة داخل «سوابو»، فكانت عضواً في اللجنة المركزية للحركة من عام 1976 إلى عام 1986، والممثلة الرئيسية للحركة في لوساكا من عام 1978 إلى عام 1980. والممثلة الرئيسية لشرق أفريقيا، ومقرها في دار السلام من عام 1980 إلى عام 1986.

درست نيتومبو في كلية غلاسكو للتكنولوجيا، وحصلت على دبلوم في الإدارة العامة والتنمية عام 1987، ودبلوم العلاقات الدولية عام 1988، ودرجة الماجستير في الدراسات الدبلوماسية عام 1989 من جامعة كيل في المملكة المتحدة، كما حصلت على دبلوم في عمل وممارسة رابطة الشبيبة الشيوعية التابعة للاتحاد السوفياتي، من مدرسة «لينين كومسومول العليا» في موسكو.

ونالت الكثير من الأوسمة، من بينها وسام النسر الناميبي، ووسام «فرانسيسكو دي ميراندا بريميرا كلاس» من فنزويلا، والدكتوراه الفخرية من جامعة دار السلام بتنزانيا.

تزوجت نيتومبو عام 1983 من إيبافراس دينجا ندايتواه، وكان آنذاك شخصية بارزة في الجناح المسلح لجيش التحرير الشعبي في ناميبيا التابع لـ«سوابو»، وتولى عام 2011 منصب قائد قوات الدفاع الناميبية، وظل في المنصب حتى تقاعده في عام 2013، ولديها ثلاثة أبناء.

العودة بعد الاستقلال

بعد 14 عاماً من فرار نيتومبو إلى المنفى، وتحديداً في عام 1988، وافقت جنوب أفريقيا على استقلال ناميبيا، لتعود نيتومبو إلى وطنها، عضوة في حزب «سوابو» الذي يدير البلاد منذ الاستقلال.

تدرجت نيتومبو في المناصب وشغلت أدواراً وزارية عدة، في الشؤون الخارجية والسياحة ورعاية الطفل والمعلومات. وعُرفت بدفاعها عن حقوق المرأة.

وعام 2002 دفعت بقانون عن العنف المنزلي إلى «الجمعية الوطنية»، وهو القانون الذي يعد أحد أبرز إنجازاتها، حيث دافعت عنه بشدة ضد انتقادات زملائها، ونقلت عنها وسائل إعلام ناميبية في تلك الفترة تأكيدها أن الدستور يُدين التمييز على أساس الجنس.

وواصلت صعودها السياسي، وفي فبراير (شباط) من العام الماضي، أصبحت نائبة رئيس ناميبيا. كانت أول امرأة تشغل مقعد نائب رئيس حزب «سوابو» بعدما انتخبها مؤتمر الحزب في عام 2017 وأعيد انتخابها في مؤتمر الحزب نوفمبر 2022، مما أهَّلها لتكون مرشحة الحزب للرئاسة عام 2024، خلفاً للرئيس الحاج جينجوب، الذي توفي خلال العام الماضي، وتولى رئاسة البلاد مؤقتاً نانجولو مبومبا.

صعوبات وتحديات

لم تكن مسيرة نيتومبو السياسية مفروشة بالورود، إذ اتُّهمت في فترة من الفترات بدعم فصيل منشق في حزب «سوابو» كان يسعى لخلافة سام نجوما أول رئيس لناميبيا بعد الاستقلال، لكنها سرعان ما تجاوزت الأزمة بدعم من هيفيكيبوني بوهامبا، خليفة نجوما.

يصفها أقرانها بأنها قادرة على التعامل مع المواقف الصعبة بطريقة غير صدامية. خلال حياتها السياسية التي امتدّت لأكثر من نصف قرن أظهرت نيتومبو أسلوباً عملياً متواضعاً في القيادة، ولم تتورط -حسب مراقبين- في فضائح فساد، مما يمنحها مصداقية في معالجة مثل هذه الأمور، لكنَّ انتماءها منذ الطفولة إلى «سوابو»، وعملها لسنوات من خلاله، لا ينبئ بتغييرات سياسية حادة في إدارة البلاد، وإن تعهَّدت نيتومبو بذلك.

ويرى مراقبون أنها «لن تبتعد كثيراً عن طريق الحزب، ولن يشكل وجودها على سدة الحكم دعماً أكبر للمرأة». وأشاروا إلى أن نيتومبو التي كانت رئيسة المنظمة الوطنية الناميبية للمرأة (1991-1994)، والمقررة العامة للمؤتمر العالمي الرابع المعنيّ بالمرأة في عام 1995 في بكين، ووزيرة شؤون المرأة ورعاية الطفل 2000-2005، «لا يمكن وصفها بأنها نسوية، وإن دافعت عن بعض حقوق النساء».

خلال الانتخابات قدمت نيتومبو نفسها بوصفها «صوتاً حازماً يتمحور حول الناس، وزعيمة سياسية وطنية، مخلصة للوحدة الأفريقية، مناصرةً لحقوق المرأة والطفل والسلام والأمن والبيئة»، وتبنت خطاباً يضع الأوضاع المعيشية في قمة الأولويات، متعهدةً بـ«خلق 250 ألف فرصة عمل خلال السنوات الخمس المقبلة» ليتصدر هذا التعهد وسائل الإعلام الناميبية، لكن أحداً لا يعرف إن كانت ستنجح في تنفيذ تعهدها أم لا.

تبدأ نيتومبو فترة حكمها بصراعات سياسية مع أحزاب المعارضة التي انتقدت نتيجة الانتخابات التي جعلتها رئيسة لناميبيا، تزامناً مع استمرار تراجع شعبية الحزب الحاكم. وفي الوقت نفسه تواجه نيتومبو عقبات داخلية في ظل ظروف اقتصادية صعبة يعيشها نحو نصف السكان، مما يجعل مراقبون يرون أنها أمام «مهمة ليست بالسهلة، وأن عليها الاستعداد للعواصف».

ويندهوك عاصمة ناميبيا (أدوب ستوك)

حقائق

ناميبيا بلد الماس... و43% من سكانه يعيشون تحت خط الفقر

في أقصى جنوب غربي القارة الأفريقية تقع دولة ناميبيا التي تمتلك ثروات معدنية كبيرة، بينما يعيش ما يقرب من نصف سكانها فقراً متعدد الأبعاد.ورغم مساحة ناميبيا الشاسعة، فإن عدد سكانها لا يتجاوز 3 ملايين نسمة؛ ما يجعلها من أقل البلدان كثافة سكانية في أفريقيا، كما أن بيئتها القاسية والقاحلة تصعّب المعيشة فيها. ومن الجدير بالذكر أن البلاد هي موطن صحراء كالاهاري وناميب.وفقاً لموقع حكومة ناميبيا، فإن تاريخ البلاد محفور في لوحات صخرية في الجنوب، «يعود بعضها إلى 26000 عام قبل الميلاد»، حيث استوطنت مجموعات عرقية مختلفة، بينها «سان يوشمن»، و«البانتو» وأخيراً قبائل «الهيمبا» و«هيريرو» و«ناما»، أرض ناميبيا الوعرة منذ آلاف السنين.ولأن ناميبيا كانت من أكثر السواحل القاحلة في أفريقيا؛ لم يبدأ المستكشفون وصيادو العاج والمنقبون والمبشرون بالقدوم إليها؛ إلا في منتصف القرن التاسع عشر، لتظل البلاد بمنأى عن اهتمام القوى الأوروبية إلى حدٍ كبير حتى نهاية القرن التاسع عشر عندما استعمرتها ألمانيا، بحسب موقع الحكومة الناميبية.سيطرت ألمانيا على المنطقة التي أطلقت عليها اسم جنوب غربي أفريقيا في أواخر القرن التاسع عشر، وأدى اكتشاف الماس في عام 1908 إلى تدفق الأوروبيين إلى البلاد، وتعدّ ناميبيا واحدة من أكبر 10 دول منتجة للماس الخام في العالم، وتنتج وفق التقديرات الدولية نحو مليونَي قيراط سنوياً.شاب فترة الاستعمار صراعات عدة، وتمرد من السكان ضد المستعمر، تسبَّبا في موت عدد كبير، لا سيما مع إنشاء ألمانيا معسكرات اعتقال للسكان الأصليين، وعام 1994 اعتذرت الحكومة الألمانية عن «الإبادة الجماعية» خلال فترة الاستعمار.ظلت ألمانيا تسيطر على ناميبيا، التي كانت تسمى وقتها «جنوب غربي أفريقيا» حتى الحرب العالمية الأولى، التي انتهت باستسلام ألمانيا، لتنتقل ناميبيا إلى تبعية جنوب أفريقيا، فيما تعتبره الدولة «مقايضة تجربة استعمارية بأخرى»، وفق موقع الحكومة الناميبية.في عام 1966، شنَّت المنظمة الشعبية لجنوب غرب أفريقيا (سوابو)، حرب تحرير، وناضلت من أجل الاستقلال، حتى وافقت جنوب أفريقيا في عام 1988 على إنهاء إدارة الفصل العنصري. وبعد إجراء الانتخابات الديمقراطية في عام 1989، أصبحت ناميبيا دولة مستقلة في 21 مارس (آذار) 1990، وأصبح سام نجوما أول رئيس للبلاد التي ما زال يحكمها حزب «سوابو». وشجعت المصالحة بين الأعراق السكان البيض في البلاد على البقاء، وما زالوا يلعبون دوراً رئيسياً في الزراعة والقطاعات الاقتصادية الأخرى.وتعد ناميبيا دولة ذات كثافة سكانية منخفضة، حيث يعيش على مساحتها البالغة 824 ألف متر مربع، نحو ثلاثة ملايين نسمة. ويشير البنك الدولي، في تقرير نشره عام 2021، إلى أن ناميبيا «دولة ذات دخل متوسط»، لكنها تحتل المركز الثالث بين دول العالم من حيث عدم المساواة في توزيع الدخل، حيث يمتلك 6 في المائة فقط من السكان نحو 70 في المائة من الأملاك في البلاد، وتعيش نسبة 43 في المائة من سكان ناميبيا في «فقر متعدد الأبعاد». وتدير ثروات البلاد الطبيعية من الماس والمعادن شركات أجنبية.وتمتلك ناميبيا ثروة برية كبيرة، لكنها تعاني بين الحين والآخر موجات جفاف، كان آخرها الصيف الماضي، ما اضطرّ الحكومة إلى ذبح أكثر من 700 حيوان بري من أجناس مختلفة، بينها أفراس نهر، وفيلة، وجواميس وحمير وحشية، وهو إجراء ووجه بانتقادات من جانب جمعيات البيئة والرفق بالحيوان، لكن حكومة ناميبيا دافعت عن سياستها، مؤكدة أنها تستهدف «إطعام السكان الذين يعانون الجوع جراء أسوأ موجة جفاف تضرب البلاد منذ عقود».ووفق برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة منتصف العام الحالي، فإن «نحو 1.4 مليون ناميبي، أي أكثر من نصف السكان، يعانون انعداماً حاداً في الأمن الغذائي، مع انخفاض إنتاج الحبوب بنسبة 53 في المائة ومستويات مياه السدود بنسبة 70 في المائة مقارنة بالعام الماضي».