انتشار المتاحف التراثية ظاهرة تميز سكان عسير السعودية

انتشار المتاحف التراثية ظاهرة تميز سكان عسير السعودية
TT

انتشار المتاحف التراثية ظاهرة تميز سكان عسير السعودية

انتشار المتاحف التراثية ظاهرة تميز سكان عسير السعودية

المتاحف التراثية في مدن ومحافظات منطقة عسير في السعودية باتت هواية تمارسها مجموعة من سكان المنطقة، وميدانا يتسابق فيه 35 متحفاً على عرض أجمل وأقدم الأثريات التي عرفت بها عسير على مر السنين، الأمر الذي جعلها مطلباً مهماً لتعريف الأجيال القادمة بحياة أهالي المنطقة في الماضي وأسلوب عيشهم.
فقد أصبح انتشار المتاحف التراثية في عسير ظاهرة مميزة ودليلا على شغف الهواة بالمحافظة على تاريخهم، والاستفادة من مقتنياتهم للتعريف بها وحفظ موروثهم من الضياع والاندثار.
صاحب متحف "آل سلمه" بمحافظة بلقرن المواطن مهدي بن محمد القرني البالغ من العمر 55 عاماً، والذي التقته وكالة الانباء السعودية (واس) نقل في متحفه تراث وتاريخ منطقة عسير بشكل عام، ومحافظة بلقرن بشكل خاص، وعرضها أمام الزوار والمصطافين القادمين إلى عسير من خلال معرضه المشارك في القرية التراثية بالسودة، وذلك في إطار حرصه على تعريف السائح بهوية المنطقة وإرثها العريق، وإبراز الوجهات السياحية المتعددة التي تتيح للزوار خيارات متعددة داخل المنطقة. صرح القرني بأه بدأ هوايته في جمع التراث منذ أكثر من 36 عاماً، وأنه جمع أكثر من 20 ألف قطعة أثرية ، ثم راودته فكرة تأسيس متحفه قبل عامين، فألحت عليه حتى صارت مطلباً لجميع أصحابه ومعارفه. فاختار حوالي 300 قطعة ليعرضها في جناحه الذي يشارك به في القرية، معرفاً من خلالها على أبرز المقتنيات وأشهرها في المنطقة، مبيناً أن المتحف يحتوي على أدوات زراعية قديمة، وأدوات كانت تستخدم للطبخ، وبعض المقتنيات القديمة المستوردة من البلدان العربية المجاورة كالدلال بأنواعها المختلفة البغدادية والكردية والحلبية والحساوية والنجدية والقرشية وغيرها، إلى جانب الأدوات المستخدمة قديماً في الإضاءة كالسراج والفانوس والاتريك، وأجهزة قديمة كالكاميرات وأجهزة الراديو والأجراس العتيقة المصنوعة في الستينات او السبعينات من القرن الماضي، إلى جانب المقشة التي كانت تستعمل لإنقاذ الغرقى من الآبار في الماضي. ويعرض القرني في قسمه الآخر الملبوسات النسائية القديمة والحلي وأحزمة الفضة التي كانت تتزين بها النساء في الماضي ، مما جعلها مطلباً مهماً لاقتنائها من زوار القرية حين رؤيتها، مستعرضاً أبرز المقتنيات للرجال والمستخدمة في المناسبات والاحتفالات كالبنادق والأسلحة التراثية الخفيفة والجنابي التي يزيد تاريخ صناعتها على 200 عام، ولعل أبرز مقتنياته سيف قديم مؤرخ عليه تاريخ 1516 ميلادي، مكتوب عليه بيت شعري "من بناها بطيب طاب مسكنه .. ومن بناها بشر خاب بانيها" ، والذي يحث في معناه على الأعمال الصالحة في الدنيا.



مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
TT

مرايا تتعدَّى دورَها الوظيفي نحو الجمال الفنّي في غاليري بيروتيّ

مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)
مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق (ذا ميرور بروجيكت)

يُطلق المهندس اللبناني عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية. ليستْ هنا محصورةً في عَكْس وجوهٍ وأشياء تتقاطع ضمن حدودها، فتنتهي الحاجة إليها باطمئنان الرائي إلى مظهره، أو إدخال تعديل عليه، أو بلملمة انعكاسات خارجية. بمَنْحها وَقْعاً جمالياً، تتحوّل إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر، فيستوقفه ليتساءل عن ماهيتها: أهي مرآة أو لوحة فنّية، وماذا لو كانت الاثنتين معاً؟ في «ذا ميرور بروجيكت» بمنطقة مار مخايل البيروتية، مرايا تتجاوز مفهومها التقليدي لتُحلّق خارج الصندوق.

تتحوّل المرآة إلى عمل فنّي يملك تَرْك الأثر في العابر (ذا ميرور بروجيكت)

نُسِجت علاقةٌ بالمرايا في داخل الشاب البالغ 37 عاماً منذ المرة الأولى التي تسلَّم فيها مشروعاً وتعذَّر إيجاد مرآة بملامح فنّية. رفض الاكتفاء بزجاج يتيح للآخر رؤية نفسه من خلاله؛ فالمسألة بالنسبة إليه تتخطّى الدور المُعدّ سلفاً، والمَهمَّة الجاهزة. المرايا «فنّ وظيفي»، لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها وتُكافأ ببرودة الناظر إليها. يُحوّل عبد الله بركة الغاليري معرضَه الدائم، فتصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تسرق العين من احتمال الاكتفاء بالنظرة الخاطفة.

المرايا «فنّ وظيفي» لا مجرّد وظيفة تؤدّي الغرض منها (ذا ميرور بروجيكت)

يتحدّث لـ«الشرق الأوسط» بشغف الفنان الباحث عن لمسة، ويُذكّر بأنّ الهندسة الداخلية تتطلّب عمقاً في النظرة والأفكار، وخَلْق مزاج فنّي خاص. يقول عبد الله بركة: «لا أريد للمرآة أن تتحلّى بدور واحد. ذلك حَدٌّ لها. المرايا هي الأشخاص. أي نحن حين تُرينا أشكالنا وصورنا. وهي انعكاس يمكن أن نشعر به، فإذا بإبهاره الجمالي المُعبَّر عنه في التصميم والكادر، يجَعْل ذلك الشعور متبادَلاً، فيُعدّل حالة نفسية أو يُغيّر نظرة تجهُّم. هذا فعلُ اللون حول المرآة وقالبها. بمجرّد أنها ليست تقليدية، يحدُث الأثر في الناظر».

يُطلق عبد الله بركة فكرةَ المرآة أبعد من وظيفتها الآلية (ذا ميرور بروجيكت)

لم تكن يسيرةً ولادة الغاليري. مخاضُها خليطٌ من إحباط ومحاولة. يعود إلى عام 2019 المفصلي في لبنان. كلّ شيء بدأ يتغيَّر، والمسارات تتّخذ شكل السقوط. لم يدرك مكانه في وطن شديد التقلُّب؛ مباغت، وطافح بالمفاجآت. يروي: «الفراغ كان مميتاً. أشغالٌ توقّفت ومشروعات تبخَّرت. أسوةً بشباب لبناني لمس انسداد الأفق، تراءى منزلي مساحة اختناق. في تلك اللحظة، هبَّ الأمل. اشتريتُ ألواناً ورحتُ أرسم، وصمَّمتُ أشكالاً بالطين، فلمحتُ طريقي».

لا يريد عبد الله بركة للمرآة أن تتحلّى بدور واحد (ذا ميرور بروجيكت)

من الضياع وجد الخطوة الأولى. صقل عبد الله بركة رغبته في النحت وطوَّر مهارته. أنجز الشكل وصبَّ ضمنه المرآة. أراد وضع حدّ لحقيقة أنّ غاليريهات المرايا الفنّية في بيروت نادرة. اليوم، ليس عليه أو على زملاء المهنة البحث الطويل عن مرآة مشتهاة: «تعدّدت أدوات صناعة المرايا وكثَّفتُ العمل. كلما سمعتُ إطراء أردتُ مزيداً منه. في الغاليري أعمالي وأعمال مصمّمين من أميركا وكندا وأفريقيا الجنوبية وتايلاند وهولندا وأوكرانيا... خلف مراياهم قصص. ثمة مرايا مصمَّمة بالأسيد المحروق، وأخرى بالزجاج المُطبَّع، وصنف تتداخل بكادراته ألوان مُبهِجة. ولمّا تعدَّدت أسفاري، تعرَّفتُ إلى مدارس التصميم خصوصاً في ألمانيا وإيطاليا، وتعمّقت في جَعْل هذا الشغف واقعاً. اليوم أقول: أنا شاب لبناني بلغ اليأس. فرغَ العالم من حولي. وشعرتُ بالأبواب الموصدة. ثم نهضت. استراتيجية التفكير تبدَّلت، وأصبحت المعادلة: الآن أو أبداً! انتظار الوقت المناسب يهدر العمر. كل لحظة هي وقتٌ مناسب».

تصطفّ على الجدران أشكالٌ جمالية تجذب العين (ذا ميرور بروجيكت)

أمضى شهراً ونصف شهر يُصمّم مرايا بأشكال خلّاقة حتى ساعات الليل المتقدّمة، استعداداً لإطلاق المعرض بعد تأخُّر فَرَضَه الظرف اللبناني. «4 مرايا علّقتُها على جدرانه قبل ربع ساعة من فَتْح الباب للحضور!»، يُكمل ضاحكاً. إحدى الزائرات رمت على مسمعه ما علَّم في أعماقه: «لم نكن نعلم أنّ هذه المرايا حاجة. متى أدخلناها إلى منازلنا أصبحت منّا». ومن كثافة الإقبال وحلاوة الأصداء، يُدرك أنه على السكّة التي نادته، أو ناداها؛ يمنحها كلَّه فتمنحه الإشباع الذاتي.

بعض المرايا بسيط يحوط به كادر يُجمِّل البساطة (ذا ميرور بروجيكت)

بعض المرايا بسيط، يحوط به كادر يُجمِّل البساطة. يتعامل عبد الله بركة مع تصاميمه بما يُبقي على الأساس، وهو المُتوقَّع من المرآة بوصفها زجاجاً يستجيب للانعكاسات؛ لكنه أساسٌ (Basic) لا يكتفي بنفسه، وإنما يتعدّاها إلى الغاية الجمالية والبُعد الفنّي ما دام الزجاج مقولباً بالألوان ومتداخلاً بإطار مُبتَكر. يرى في المرايا حكايات، وإنْ خلت صفحتها من أي شكل: «تُخبرني دائماً بأنّ المشاعر أصدق ما نملك. هي الدافع لنُنجز ما طال انتظاره. باستطاعتها تعويض غياب اللوحة عن الجدار. مشغولة بحبٍّ مماثل».