عندما كانت السينما العربية ملتقى الأجيال

سعاد حسني كما بدت في «الجوع» لعلي بدرخان
سعاد حسني كما بدت في «الجوع» لعلي بدرخان
TT

عندما كانت السينما العربية ملتقى الأجيال

سعاد حسني كما بدت في «الجوع» لعلي بدرخان
سعاد حسني كما بدت في «الجوع» لعلي بدرخان

أضفت وفاة المخرج محمد خان، في السادس والعشرين من الشهر الماضي، الشعور بالفراغ الكبير لا لرحيله المؤثر فقط، بل لوصول أبناء جيل كامل إلى مرحلة من الحياة المتقدّمة التي قد تتوقف بأصحابها في أي لحظة ولأي سبب.
بالطبع هو ليس الوحيد من جيل مخرجي وسينمائيي السبعينات والثمانينات الذي يغادر رفاقه. سبقه سعيد مرزوق، سنة 2014، وهو صاحب «المذنبون» و«أريد حلاً» وقبلهما «الخوف»، ورأفت الميهي، في العام التالي، وهو مخرج «للحب قصّة أخيرة» و«الأفوكاتو» وهو الذي جاء من بعد مرحلة نشطة ككاتب سيناريو لأفلام جيدة مثل «غرباء» و«على من نطلق الرصاص» و«الهارب».
غير هذين المثالين نال الموت من عاطف الطيّب ورضوان الكاشف باكرًا. الأول توفي في عام 1995 وكان من عداد جيل محمد خان وبشير الديك وخيري بشارة وسعيد الشيمي وظهر في فيلم «نص أرنب» ممثلاً (دور شرف) سنة 1984 والثاني توفي سنة 2002 وكان من جيل لاحق مباشرة لكنه سار على درب السينما المختلفة ذاتها وكلاهما كان له جولاته السينمائية القيّمة بلا ريب.
المشكلة هي أن من يغادر لا يعود في سواه. كل واحد من هؤلاء (وبل كل واحد من المخرجين الكبار الذين غادرونا) كان منفردًا في مهنته خلال حياته، وبقي مكانه شاغرًا حتى اليوم: كمال الشيخ، يوسف شاهين، صلاح أبو سيف، عاطف سالم، توفيق صالح وآخرون.
والخسارة تتبدّى في تلك السنوات التي كانت لا تزال تجمع في محطاتها السينمائية أكثر من جيل في وقت واحد كل منهم ما زال في أوج عطائه.
نلحظ الزخم الكبير الذي شهدته الثمانينات على وجه التحديد. ففي عام واحد، هو 1982 خرج فيلم يوسف شاهين «حدوتة مصرية» الذي مثّل جيل الخمسينات والستينات. وفي العام ذاته حقق عاطف الطيّب أحد أفضل أفلامه وهو «سواق الأتوبيس» من بطولة نور الشريف (كتب قصته محمد خان وبشير الديك)، وأخرج خيري بشارة «العوامة 70» من بطولة أحمد زكي وكمال الشناوي، بينما أخرج رأفت الميهي «عيون لا تنام» مع مديحة كامل وأحمد زكي.
بعد ثلاثة أعوام امتلأت بدورها بأفلام رائعة، داهمتنا السينما المصرية بعدد كبير من الأفلام المتميزة شكلاً ومضمونًا: خيري بشارة أخرج عملاً رائعًا بعنوان «الطوق والأسورة» وصديقه محمد خان حقق فيلمين متتابعين هما «عودة مواطن» و«خرج ولم يعد»، بينما عاد رأفت الميهي بفيلم قوي آخر هو «للحب قصّة أخيرة».
ومع أن فيلم سعيد مرزوق في عام 1986«إنقاذ ما يمكن إنقاذه» لم يكن بجودة أعماله السابقة إلا أنه أنجز هذا الفيلم الصعب من دون تنازلات جنبًا إلى جنب مع أحد أفلام صلاح أبو سيف الأخيرة «البداية» الذي ظُلم من قِبل بعض النقاد المصريين إلى حد بعيد. ومن جيله المتمكن عاد كمال الشيخ وأنجز «قاهر الزمان» الذي ناله الظلم ذاته معتبرينه عملاً ثانويًا بالنسبة لمخرج في قامته.
في منتصف الثمانينات أيضًا قدّم عاطف الطيب «الحب فوق هضبة الهرم» مع أحمد زكي وآثار الحكيم ثم تبعه مباشرة بفيلم «البريء» الذي شهد جولته الحادة مع الرقابة قبل السماح بعرضه ثم قدّم المخرج علي بدرخان أحد أفضل أفلامه قاطبة وهو «الجوع» مع سعاد حسني ومحمود عبد العزيز ويسرا وعبد العزيز مخيون.
وقام بشير الديك بتجربته الأولى مخرجًا في فيلم «سكة سفر» مع نور الشريف ونورا وأحمد بدير وتبعه بفيلم «الطوفان» مع محمود عبد العزيز وفاروق الفيشاوي.
يستطيع المرء أن يسترجع أفلاما أكثر أثرت الحياة السينمائية في مصر، ومثيلاتها في لبنان وتونس وسوريا والمغرب والجزائر في الفترة ذاتها، لكن الرابط والمعني هنا بهذه الاستعادة القول بأن الفترة المذكورة كان لها من العناصر والظروف ما تسبب بثرائها وهو ما ليس موجودًا على النحو ذاته هذه الأيام.



هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
TT

هوليوود ترغب في صحافيين أقل بالمهرجانات

جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)
جوني دَب خلال تصوير فيلمه الجديد (مودي بيكتشرز)

عاش نقادُ وصحافيو السينما المنتمون «لجمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» (كنت من بينهم لقرابة 20 سنة) نعمة دامت لأكثر من 40 عاماً، منذ تأسيسها تحديداً في السنوات الممتدة من التسعينات وحتى بُعيد منتصف العشرية الثانية من العقد الحالي؛ خلال هذه الفترة تمتع المنتمون إليها بمزايا لم تتوفّر لأي جمعية أو مؤسسة صحافية أخرى.

لقاءات صحافية مع الممثلين والمنتجين والمخرجين طوال العام (بمعدل 3-4 مقابلات في الأسبوع).

هذه المقابلات كانت تتم بسهولة يُحسد عليها الأعضاء: شركات التوزيع والإنتاج تدعو المنتسبين إلى القيام بها. ما على الأعضاء الراغبين سوى الموافقة وتسجيل حضورهم إلكترونياً.

هذا إلى جانب دعوات لحضور تصوير الأفلام الكبيرة التي كانت متاحة أيضاً، كذلك حضور الجمعية الحفلات في أفضل وأغلى الفنادق، وحضور عروض الأفلام التي بدورها كانت توازي عدد اللقاءات.

عبر خطّة وُضعت ونُفّذت بنجاح، أُغلقت هذه الفوائد الجمّة وحُوّلت الجائزة السنوية التي كانت الجمعية تمنحها باسم «غولدن غلوبز» لمؤسسة تجارية لها مصالح مختلفة. اليوم لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة بعدما فُكّكت وخلعت أضراسها.

نيكول كيدمان في لقطة من «بايبي غيرل» (24A)

مفاجأة هوليوودية

ما حدث للجمعية يبدو اليوم تمهيداً لقطع العلاقة الفعلية بين السينمائيين والإعلام على نحو شائع. بعضنا نجا من حالة اللامبالاة لتوفير المقابلات بسبب معرفة سابقة ووطيدة مع المؤسسات الإعلامية المكلّفة بإدارة هذه المقابلات، لكن معظم الآخرين باتوا يشهدون تقليداً جديداً انطلق من مهرجان «ڤينيسيا» العام الحالي وامتد ليشمل مهرجانات أخرى.

فخلال إقامة مهرجان «ڤينيسيا» في الشهر التاسع من العام الحالي، فُوجئ عدد كبير من الصحافيين برفض مَنحِهم المقابلات التي اعتادوا القيام بها في رحاب هذه المناسبة. أُبلغوا باللجوء إلى المؤتمرات الصحافية الرّسمية علماً بأن هذه لا تمنح الصحافيين أي ميزة شخصية ولا تمنح الصحافي ميزة مهنية ما. هذا ما ترك الصحافيين في حالة غضب وإحباط.

تبلور هذا الموقف عندما حضرت أنجلينا جولي المهرجان الإيطالي تبعاً لعرض أحد فيلمين جديدين لها العام الحالي، هو «ماريا» والآخر هو («Without Blood» الذي أخرجته وأنتجته وشهد عرضه الأول في مهرجان «تورونتو» هذه السنة). غالبية طلبات الصحافة لمقابلاتها رُفضت بالمطلق ومن دون الكشف عن سبب حقيقي واحد (قيل لبعضهم إن الممثلة ممتنعة لكن لاحقاً تبيّن أن ذلك ليس صحيحاً).

دانيال غريغ في «كوير» (24A)

الأمر نفسه حدث مع دانيال كريغ الذي طار من مهرجان لآخر هذا العام دعماً لفيلمه الجديد «Queer». بدءاً بـ«ڤينيسيا»، حيث أقيم العرض العالمي الأول لهذا الفيلم. وجد الراغبون في مقابلة كريغ الباب موصداً أمامهم من دون سبب مقبول. كما تكرر الوضع نفسه عند عرض فيلم «Babygirl» من بطولة نيكول كيدمان حيث اضطر معظم الصحافيين للاكتفاء بنقل ما صرّحت به في الندوة التي أقيمت لها.

لكن الحقيقة في هذه المسألة هي أن شركات الإنتاج والتوزيع هي التي طلبت من مندوبيها المسؤولين عن تنظيم العلاقة مع الإعلاميين ورفض منح غالبية الصحافيين أي مقابلات مع نجوم أفلامهم في موقف غير واضح بعد، ولو أن مسألة تحديد النفقات قد تكون أحد الأسباب.

نتيجة ذلك وجّه نحو 50 صحافياً رسالة احتجاج لمدير مهرجان «ڤينيسيا» ألبرتو باربيرا الذي أصدر بياناً قال فيه إنه على اتصال مع شركات هوليوود لحلّ هذه الأزمة. وكذلك كانت ردّة فعل عدد آخر من مديري المهرجانات الأوروبية الذين يَرون أن حصول الصحافيين على المقابلات حقٌ مكتسب وضروري للمهرجان نفسه.

لا تمثّل «جمعية هوليوود للصحافة الأجنبية» إلّا قدراً محدوداً من نشاطاتها السابقة

امتعاض

ما بدأ في «ڤينيسيا» تكرّر، بعد نحو شهر، في مهرجان «سان سيباستيان» عندما حضر الممثل جوني دَب المهرجان الإسباني لترويج فيلمه الجديد (Modi‪:‬ Three Days on the Wings of Madness) «مودي: ثلاثة أيام على جناح الجنون»، حيث حُدّد عدد الصحافيين الذين يستطيعون إجراء مقابلات منفردة، كما قُلّصت مدّة المقابلة بحدود 10 دقائق كحد أقصى هي بالكاد تكفي للخروج بحديث يستحق النشر.

نتيجة القرار هذه دفعت عدداً من الصحافيين للخروج من قاعة المؤتمرات الصحافية حال دخول جوني دَب في رسالة واضحة للشركة المنتجة. بعض الأنباء التي وردت من هناك أن الممثل تساءل ممتعضاً عن السبب في وقت هو في حاجة ماسة لترويج فيلمه الذي أخرجه.

مديرو المهرجانات يَنفون مسؤولياتهم عن هذا الوضع ويتواصلون حالياً مع هوليوود لحل المسألة. الاختبار المقبل هو مهرجان «برلين» الذي سيُقام في الشهر الثاني من 2025.

المديرة الجديدة للمهرجان، تريشيا تاتل تؤيد الصحافيين في موقفهم. تقول في اتصال مع مجلة «سكرين» البريطانية: «الصحافيون مهمّون جداً لمهرجان برلين. هم عادة شغوفو سينما يغطون عدداً كبيراً من الأفلام».

يحدث كل ذلك في وقت تعرّضت فيه الصحافة الورقية شرقاً وغرباً، التي كانت المساحة المفضّلة للنشاطات الثقافية كافة، إلى حالة غريبة مفادها كثرة المواقع الإلكترونية وقلّة عدد تلك ذات الاهتمامات الثقافية ومن يعمل على تغطيتها. في السابق، على سبيل المثال، كان الصحافيون السّاعون لإجراء المقابلات أقل عدداً من صحافيي المواقع السريعة الحاليين الذين يجرون وراء المقابلات نفسها في مواقع أغلبها ليس ذا قيمة.

الحل المناسب، كما يرى بعض مسؤولي هوليوود اليوم، هو في تحديد عدد الصحافيين المشتركين في المهرجانات. أمر لن ترضى به تلك المهرجانات لاعتمادها عليهم لترويج نشاطاتها المختلفة.