«أميركا هيلاري».. حين يتحول الوثائقي إلى آيديولوجي

قدم للجمهور باسم الفن والثقافة ليسيء إلى كليهما

لقطة من فيلم «اميركا هيلاري»:  التاريخ السري للحزب الديمقراطي
لقطة من فيلم «اميركا هيلاري»: التاريخ السري للحزب الديمقراطي
TT

«أميركا هيلاري».. حين يتحول الوثائقي إلى آيديولوجي

لقطة من فيلم «اميركا هيلاري»:  التاريخ السري للحزب الديمقراطي
لقطة من فيلم «اميركا هيلاري»: التاريخ السري للحزب الديمقراطي

كان العنوان جذابًا بقدر ما كان محيرًا ومربكًا. صورة المرشحة الأميركية هيلاري كلينتون على لوحات الدعاية للفيلم لم تكن توحي بتناول محايد: لم تكن سوى الصورة التي أشاعها الجمهوريون لا سيما مرشحهم دونالد ترامب عن منافسته. كانت صورة امرأة ذات ملامح غير مريحة، بل هي أقرب إلى عجائز الدسائس والخبث في الحكايات الشعبية. عينان مكفهرتان وجبين مقطب وتهديد مباشر لكل مشاهد. وكان ذلك كافيًا لأن أتجاهل الفيلم رغم اهتمامي بالسينما وحرصي على استغلال وجودي حيث تكون لأرى كل ما يمكن مشاهدته من الأعمال الجادة. لكن التجاهل لم يطل لسببين: ضغط الأحداث السياسية في الولايات المتحدة هذه الأيام وارتفاع حدة الصراع بين المتنافسين على الرئاسة، من ناحية، وضغط حب الاستطلاع من ناحية أخرى.
فكان أن وجدت مقعدي في الصالة الوثيرة وسط ثلاثة صفوف من المشاهدين الأميركيين لم ألاحظ بينهم شبابًا. كلفتني التذكرة خمسة عشر دولارًا، وهو مبلغ أذكره لأنني بدأت أستكثره بعد مضي أقل من خمس دقائق على انطلاقة العرض، ثم انتقل من الاستكثار إلى الأسف على المبلغ مع مضي الوقت. «أميركا هيلاري» فيلم كتبه وأخرجه دنيش دي سوزا، وهو كاتب ومخرج ومعلق سياسي أميركي من أصل هندي، عرف بانتمائه المحافظ ودفاعه عن سياسات الجمهوريين في مقابل هجائه المتواصل للديمقراطيين والليبراليين وآخرهم باراك أوباما. لفيلم «أميركا هيلاري» عنوان ثانوي يكفي للتدليل على توجهاته: «التاريخ السري للحزب الديمقراطي». يوصف الفيلم عادة بأنه «وثائقي» بينما تقول محتوياته شيئا آخر. الفيلم الوثائقي فيلم معلومات غير مسيسة أو مؤدلجة، فيلم ينشد الحقيقة على الأقل. ليس هذا فيلما وثائقيًا وإنما فيلم يخدم أجندة سياسية حزبية واضحة بل وفاقعة الوضوح، فيلم أبيض وأسود، خير وشر، ولا اختلاط بينهما: نحن أهل الخير (الجمهوريون) وهم أهل الشر (الديمقراطيون). ومع أن الشر والخير وما بينهما يوجدون في كل مكان، فإن لكل تاريخه السري ولكل أخطاءه، ولكن أيضًا لكل إنجازاته.
فيلم «أميركا هيلاري» هو من ذلك النوع الذي يرفض حتى المنطقة الرمادية التي يصعب فيها استيضاح السيئ من الطيب، القبيح من الجميل، ويحسم الأمور دون مواربة. لكن ذلك هو ما اعتاد عليه، فيما يبدو، دي سوزا، وهو أحد كاتبي الفيلم ومخرجيه. الفيلم يحمل بصمته الواضحة منذ فيلمه السابق عن أوباما، وأطروحاته «الترامبية» (نسبة إلى دونالد ترامب الذي حث الجمهور على مشاهدة الفيلم)، ومنذ ألصق كل مساوئ التاريخ الأميركي والحكومات الأميركية في كتبه وأفلامه الأخرى بالليبراليين والديمقراطيين والملحدين، كل من هو غير محافظ وغير جمهوري. لنتخيل فقط أن هذا الكاتب/المخرج الذي جاء من الهند طالبًا ثم استقر واكتسب الجنسية الأميركية كتب مؤيدًا استعمار بريطانيا لبلاده، قائلاً إن ذلك الاستعمار كان مفيدًا للهند كما كان لأفريقيا، وإنه كان ينبغي أن يستمر، وكأن الاستعمار كان ينشر النور والنماء وليس الاستغلال والاضطهاد والتأخير عن ركب الحضارة.
لكني لا أود إطالة الكلام في عمل رديء بهذا الشكل، لا لأنني أفضل حزبا أميركيًا على آخر أو مرشحًا على منافسه، فكلا الخيارين المطروحين في الانتخابات الأميركية سيئ مع الأسف، وإنما لأنني أكره أن أرى عملاً يقدم للجمهور باسم الفن والثقافة ليسيء إلى الفن والثقافة مثلما يسيء لذكاء الجمهور. لقد عانيت كثيرًا في محاولتي البقاء على مقعدي لأشاهد أكبر قدر يمكنني مشاهدته، لكنني فشلت في النهاية واضطررت لمغادرة القاعة قبل انتهاء الفيلم لأجد ما يؤكد انطباعي عنه لدى النقاد الذين كتبوا عنه في الإعلام الأميركي والبريطاني. ما يهمني هنا هو التعبير عن دهشتي لإمكانية إنتاج وإخراج فيلم بهذه السذاجة وعرضه في دور السينما الأميركية. فلو كان الأمر في إحدى دول العالم الثالث لما كان الأمر مستغربا، بل إنه مع الأسف هو المألوف، لكن أن يحدث هذا في بلد يقود العالم الأول في معظم المجالات، ومنها الثقافي، فالأمر يدعو للدهشة. ومع ذلك فإن المتأمل للحياة السياسية الأميركية التي أنتجت ريغان وبوش الابن والآن ترامب سيجد أن البيئة ما تزال قادرة على احتضان الرداءة والسذاجة وإغراق العالم بها. والمشكلة ليست في إنتاج أولئك أو احتضانهم وإنما في الشعبية التي حققوها، أي إننا نتحدث عن ملايين النسخ لبوش وترامب ممن لا يرون في تصرفات أولئك أو كلامهم شيئا مستغربا.
يخطر ببالي مقال للباحث الأميركي (الفرنسي المولد) جورج شتاينر، الأستاذ المتقاعد حاليًا في جامعة هارفرد، انتقد فيه منجزات الثقافة الأميركية، مشيرًا إلى أنها لم تنتج فلاسفة أو موسيقيين أو رسامين كبارًا، ضمن مجالات أخرى. كما تخطر ببالي عناوين كثيرة لكتب ومقالات تنتقد الولايات المتحدة من حيث العطاء الثقافي ودور المثقفين، كما في عنوان كتاب موريس بيرمان «غروب الثقافة الأميركية» (2000)، والعناوين الكثيرة لنعوم تشومسكي. كما يخطر ببالي كتاب قديم لهنري ميلر بعنوانه الساخر والمخيف «الكابوس المكيّف» (1945). كل هذه وغيرها تخطر بالبال عند مشاهدة الغوغاء الجماهيرية في المؤتمرين الوطنيين للجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء، الغوغاء التي تعرفها المشاهد السياسية في معظم بقاع الأرض ولكن بأقدار مختلفة، وتكاد تغيب تمامًا في بلاد مثل ألمانيا أو السويد أو اليابان. لكن لا شك أن المبالغة في هجاء الثقافة الأميركية يتجاهل التركيبة الاجتماعية والسياق التاريخي لهذه البلاد الضخمة. فأميركا التي تشكلت من أخلاط هائلة من المهاجرين وطغى عليها العنصر الأنجلو سكسوني، عرفت في وقت واحد أفضل ما في الحضارة الغربية وأسوأ ما فيها. بنت الجامعات العظيمة وأنبتت العلماء والمخترعين والمكتشفين والكتاب الكبار وارتقت بالبشرية في الطب والعلوم والهندسة، وخلفت في الوقت نفسه ما يندى له الجبين من العبودية والتعامل العنصري والفروق الطبقية والإبادات الجماعية والدمار العسكري في مختلف أنحاء العالم.
هذه الأميركا هي التي احتضنت الهندي دي سوزا وأتاحت له المجال ليصبح مخرجًا وكاتبًا ثريًا يمجد العنصرية والاستعمار ويقدم أعمالاً تزيف التاريخ، مثلما أتاحت للفلسطيني إدوارد سعيد والألماني اليهودي تيودور أدورنو واللبناني مايكل دبغي والمصري أحمد زويل وغيرهم أن ينجزوا في مجالات العلم والثقافة المختلفة.



أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة
TT

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أربع ساعات مع إيزابيل الليندي في محبة الكتابة

أطلّت الكاتبة التشيلية الأشهر إيزابيل الليندي، عبر منصة «مايسترو»، في «هيئة الإذاعة البريطانية»، من صالونها الهادئ الذي يضم تفاصيلها الشخصية والحميمية، من كتب وتحف وصور فردية وعائلية عبر مراحل حياتها. قدمت إيزابيل الليندي عبر أربع ساعات ونصف الساعة نصائح إلى الكُتاب الناشئين أو مشروع الروائيين الجدد، من خلاصة تجربتها الشخصية في كتابة ونشر 28 كتاباً، تمّت ترجمتها لعشرات اللغات عبر العالم وبِيعت منها ملايين النسخ. يضم الكورس عشرين نصيحة أو درساً مع أمثلة من تجربتها الشخصية أو تجارب كتاب تعدّهم أعلاماً في الأدب اللاتيني والعالمي، مثل غابرييل غارسيا ماركيز.

بدأت الليندي بنقطة أساسية في مقدمة الكورس، وهي أهمية «الصدق والأصالة» في أي حكاية، ثم انتقلت مباشرة إلى الحديث بإسهاب عن صنعة الكتابة بوصفها مهنة تحتاج إلى الكثير من التمرين والانضباط وتحديداً فترة البداية. كما تتطلّب طقوساً مهمة، وتنصح هنا بعدة أمور؛ من أهمها: اختيار يوم محدد يقرّر فيه الكاتب الالتزام بالكتابة. بالنسبة إليها شخصياً، فهو اليوم الذي تلقت فيه رسالة من ناشرتها الإسبانية التي تحدّتها بكتابة كتاب ثانٍ ناجح، بعد «بيت الأرواح»، ففعلت وكان ذلك يوم الثامن من يناير (كانون الثاني)، وهو اليوم الذي لم تغيّره بعد إنجاز عشرات الكتب. تشبه الليندي بداية الكتابة بعملية زراعة بذرة، قد تبدو في بداية نموها نبتة ضعيفة، إلا أنها ستصبح شجرة قوية هي «الكتاب الأول». ركزت أيضاً على ضرورة إبقاء الكاتب مسافة ضرورية من المادة الأساسية، مستعيرة مثال الإعصار فتقول: «حين تكون داخل الإعصار لا يمكنك الكتابة عنه»، وكذلك في الكتابة يجب أن تكون لديك «غرفة توفّر لك الصمت الداخلي والعزلة». بهذا المعنى تتوفر للكاتب تصوراته ومسافته اللازمة؛ ليكتب عن الشخصيات والحدث في أي عمل.

أما عن أهمية القراءة على طول الخط فتقول: «لا يمكن أن تكتب أدباً إن لم تقرأ وتقرأ كثيراً. ربما لكاتبك المفضل، أو غيره، فبذلك تتقن السرد دون انتباه إلى ما تتعلّمه». تنتقل الكاتبة إلى الحديث في أحد الدروس عن صوت الراوي، فتعده موضوعاً بسيطاً للغاية: «إنه الشخص الذي يروي الحكاية بكل تفاصيلها، وقد يكون الحديث بصيغة المتكلم، وهو أسهل بكثير من الحديث بلغة الأنا». ثم تنتقل بنا الليندي إلى موضوع النبرة في السرد، معرفة إياها بالمزاج الذي يأخذ طابعه من الحبكة، فإما أن يكون مستفزاً، مشوقاً، مثيراً... حسب التيمة الأساسية للعمل، سواء كان تاريخياً، رومانسياً أو تراجيدياً إلخ... وهنا تحث الكاتب على التخلي عن إحساس الخوف من عيوب الكتابة مثل ارتكاب الأخطاء، قليلة أو كثيرة. فهي تعدّ ذلك أمراً طبيعياً في عملية الكتابة وتحديداً كتابة الرواية.

وأولت الليندي اهتماماً كبيراً بالبحث عن المزيد، خصوصاً في الروايات التاريخية. فالتفاصيل هي ما يبعث الحياة في القصص. وهنا قدمت مثالاً عن كيفية بحثها قبيل كتابتها لرواية «ابنة الحظ». فتقول: «لقد بحثت في موضوع الرسائل التي كان يرسلها عمال مناجم الذهب، ويدفعون أونصة منه، مقابل إيصال رسالة إلى عائلاتهم. لقد كانت مهنة ساعي البريد خطيرة وتستغرق مخاطرة السفر لمدة قد تستغرق شهرين لعبور مسافة وعرة من الجبال إلى مكان إرسال الرسائل»، قرأت الليندي مثل هذه المعلومات في رسائل من أرشيف المكتبة الوطنية في تشيلي.

في منتصف هذه الدورة التعليمية، وتحديداً في الدرس التاسع، ركزت الليندي على تفصيل رسم شخصيات مقنعة: «ليس مهماً أن تحب الشرير في الرواية أو المشهد المسرحي، المهم أن تفهم شره». وكما في مجمل أجزاء الكورس، أعطت الكاتبة أمثلة من تجربتها الروائية وطريقتها في رسم ملامح شخصياتها، فهي تتجنّب الوصف الشكلي إن لم يكن ضرورياً، وإن اضطرت تحرص أن يكون مختلفاً وبعيداً عن المعتاد والكليشيهات.

احتلّت الحبكة والبنية موضوع الدرس الثاني عشر، وفيه عدّت إيزابيل أن أهم نصيحة يمكن إعطاؤها هي تشكيل بداية بسيطة للحبكة، فذلك يفسح مجالاً للشخصية أو الشخصيات كي تتجول بحرية في الزمان والمكان. أما الجملة الأولى فكانت موضوع الدرس الثالث عشر، وتعدّه الليندي مهماً جداً، فهي «الباب الذي يفتحه الكاتب لقارئه كي يدخل في الحكاية». أما المقطع الأول فهو يهيئ للصوت الأساسي في الرواية. مع ضرورة تجنب الكليشيهات، خصوصاً في الاستعارات التي قد تنقلب وتصبح فخاً مملاً.

خصصت الكاتبة درساً أيضاً عن الروتين والانضباط وعملية خلق عادة للكتابة، فهي بمثابة تكوين «عضلات لجسد الكتابة»، يتطلّب التمرين والتكرار. يلاحظ المستمع في هذا الدرس نقاطاً طُرحت في الدروس الأولى عن طقوس الكتابة. وهنا كما في «سن الأربعين، وأنا أعمل في وظيفتين، استلزم مني ذلك العمل منذ الساعة السابعة صباحاً والعودة في السابعة مساء». لم أكن أفوّت وقتاً لتدوين ملاحظاتي في دفتر أحمله معي أينما ذهبت «كطفلي الصغير»، وخلال عام كتبت 560 صفحة شكلت مسودة «بيت الأرواح». لقد صممت الليندي على كتابة ما تراكم في داخلها خلال السنوات الماضية، بعد مغادرتها القسرية لتشيلي، بسبب انقلاب بينوشيه الذي أطاح بسلفادور الليندي. استخدمت الكاتبة هذه الاستعارة أكثر من مرة؛ لتؤكد أهمية الشغف «إن كنت تود الكتابة، يمكنك فعل ذلك في أي مكان، فالكتابة كممارسة الحب، إن أردتها من أعماقك فستجد دوماً الوقت والمكان لفعلها».

في الدرس السادس عشر، تشبه الكاتبة تفاصيل الرواية بخصلات الشعر التي يمكن ضفرها بإتقان خصوصاً الخصلة الوسطى، فهي التي تجمع طرفي الحكاية بجزالة. يمكن للكاتب أن يضيف خصلات إضافية لجديلة الحكاية، ويجعل الشخصيات أكثر عدداً وقصصها أكثر تعقيداً. استخدمت الليندي مثال أي مسرحية من مسرحيات شكسبير، مشبهة إياها بعشرات الخصل المعقدة التي تتضافر معاً وتخلق نصاً مذهلاً.

أما عن التعاطي مع أصوات الرواية والانتباه لأصالة المكان الذي قد يتطلّب استخداماً معيناً بثقافة أو جغرافية ما، فقد خصّصت له الكاتبة أيضاً درساً مستقلاً أتبعته مباشرة بالحديث عن أهمية الحوار بين الشخصيات. وهنا أشارت الليندي إلى إمكانية تجريب أي كاتب للقراءة الشخصية بصوت عالٍ. مخطوط روايته مثلاً، قد يضطره الأمر إلى تعديل الحوار أو اختصاره.

بالاقتراب من نهاية تلك الدورة التعليمية المصغرة، تطرّقت الليندي إلى موضوع التصعيد، مستعيرة مثال نقاط الصمت بين العلامات الموسيقية ومدى أهميتها. وكذلك مثال من يلقون النكت الساخرة أو المزحات، حين يؤجلون جوهر المزحة تقريباً للنهاية، مما يجعل المستمع متشوقاً.

أربع ساعات ونصف الساعة أطلّت خلالها الكاتبة الشهيرة عبر منصة «مايسترو» في «هيئة الإذاعة البريطانية»، قدّمت خلالها إلى قرّائها ومحبيها خلاصة تجربتها في محبة الكتابة وطرائق صناعتها

أما عن نهاية القصة أو الرواية التي صمّمت على أن تكون نهاية النصائح، في آخر الكورس، فتكثفها بالقول: «في سياق الكتابة وتطوير الحبكة وتصعيدها، ليس مستغرباً أن يفهم الكاتب جميع شخصياته ويحدّد نبرات أصواتهم، وكذلك منتهى الحكاية ومآل الشخصية الأساسية أحياناً أو الشخصيات. قد تغيّر جملة أو حركة مسار الحكاية كلها، وتُعطي للنهاية لمسة لا تُنسى». استعارت الكاتبة كلمة واحدة من المشهد الأخير في رواية «الحب في زمن الكوليرا» لماركيز، عن العاشقين الأبديين في لقائهما المتأخر بعد خمسين عاماً من الفراق: «لقد أبحرا، أبحرا إلى الأبد». فتعلّق بالقول: «لو اكتفى الكاتب بجملة (أبحرا)، لن يكون لتلك النهاية ذات التأثير. حين أضاف لهما (إلى الأبد) منح الخلود لتلك النهاية، وأعطى القارئ مشهداً لا يُنسى».

اختتمت الليندي نصائحها المهمة بخلاصة شخصية وعامة عن النشر، مركزة على ضرورة الكتابة من أجل المتعة، لأنها بصفتها مهنة لن تمنح الشهرة أو المال بسهولة أو بسرعة. ومع ذلك حثت المستمع والمشاهد على الكتابة بكل الأحوال. وهنا نبهت الكاتبة على أهمية العلاقات الاجتماعية والمهنية لجميع الكتاب الناشئين، وحتى المشهورين. وكذلك على حضور مؤتمرات ومهرجانات تساعد جميعها على توسيع دائرة المعارف.

نصائح إيزابيل العشرون، أشبه بحكاية حب حقيقية عن تجربة الروائية الثمانينية التي لم يوقفها شيء عن الكتابة، لا المنفى ولا إخفاقات الزواج والطلاق لأكثر من مرة، ولا خسارة ابنتها الوحيدة... بل جعلت من كل محنة نقطة انطلاق، أو سبباً للكتابة، وهذا ما ذكرته في لقطة الدعاية للكورس: «إن الأدب العظيم غالباً ما ينطلق من المحن الشخصية أو العامة».

يُذكر أن هذه الدورة التعليمية وشبيهاتها غير مجانية، إلا أنها بالقياس لقيمتها وأهميتها تُعدّ رمزية، بل متواضعة وقد استقطبت «هيئة الإذاعة البريطانية» قبل إيزابيل الليندي كتاباً آخرين؛ مثل: مارغريت أتوود وسلمان رشدي وغيرهما؛ لتقديم محتويات مشابهة.