خلافة البغدادي في سنة 2016 تراجع جغرافي ونزيف بشري مستمر

تكريسًا لمسلسل الانتصارات على «داعش» بعد استعادة الفلوجة وغيرها

جندي افغاني في شرق ولاية ننجرهار يوجه سلاحه إلى عناصر داعش في عملية أمنية ضد عناصر التنظيم الإرهابي {غيتي}
جندي افغاني في شرق ولاية ننجرهار يوجه سلاحه إلى عناصر داعش في عملية أمنية ضد عناصر التنظيم الإرهابي {غيتي}
TT

خلافة البغدادي في سنة 2016 تراجع جغرافي ونزيف بشري مستمر

جندي افغاني في شرق ولاية ننجرهار يوجه سلاحه إلى عناصر داعش في عملية أمنية ضد عناصر التنظيم الإرهابي {غيتي}
جندي افغاني في شرق ولاية ننجرهار يوجه سلاحه إلى عناصر داعش في عملية أمنية ضد عناصر التنظيم الإرهابي {غيتي}

شكلت سنة 2016 بداية حقيقية لتراجع خلافة البغدادي الإسلامية، مساحة ودعوة وموارد بشرية وإمكانيات مالية. ويأتي هذا المسار الإيجابي ليوقف التوسع الجغرافي والسياسي لتنظيم داعش، في العراق، وسوريا وليبيا؛ مستغلا بذلك تناقض وصراعات القوى الداخلية، والإقليمية والدولية حول معالجة أزمة تلك الدول. وتكريسا لمسلسل الانتصارات على «داعش» بعد استعادة الفلوجة وغيرها، بدأت القوات العسكرية العراقية من عدة محاور، وبمساندة جوية جد مكثفة من التحالف الدولي، يوم السبت 13 أغسطس (آب) 2016 عملية عسكرية للسيطرة على ناحية مدينة القيارة، التي تفصل بين محافظتي صلاح الدين وجنوب الموصل. ويأتي هذا بعد تمكن قيادة تحرير نينوى من السيطرة على 4 قرى جنوب المدينة المشار إليها.
وتأتي المعارك في المناطق الخاضعة «لخلافة البغدادي»، لتفسر مجمل التطورات التي شهدها شريط المواجهة الدولية للإرهاب منذ بداية هذه السنة. حيث أكدت عدة تقارير، أن التطور النوعي في عملية مكافحة التنظيمات الإرهابية التي انتقلت سنة 2016، من سياسة الحصار المكاني والمادي، لتصل لهزائم كبيرة لفكرة «الخلافة»، على أرض العراق وسوريا، مما يشكل بداية حقيقية لاستعادة السيطرة على الوضع بالمنطقة. خاصة أمام تراجع إمكانيات «داعش» المالية المعتمدة على تجارة النفط، وانعكاسها على جلب الموارد البشرية وعملية التسليح، وهذا أدى بدوره لتقلص جغرافية «الخلافة» بنحو 12 في المائة، وأظهر تنظيم البغدادي بمظهر العجز عن الدفاع عن أرض دولته المزعومة.
مجموع هذه الخسائر، يعني الكثير على المستوى المعنوي، ففكرة الخلافة ترتبط ارتباطا جذريا وميكانيكيا بالأرض في الفكر والتنظير «الداعشي» للدولة. فخسائر «داعش» في محافظة الأنبار غرب العراق، ومدينة الفلوجة، وشمال سوريا، والتضييق المتزايد على الرقة «عاصمة» تنظيم البغدادي بسوريا؛ تعني أن الانحسار الجغرافي لا يؤشر فقط على تقلص الخريطة الداعشية، وإنما يهدد بنسف فكرة «الخلافة»، الملهمة للجيل الجديد من الإرهابيين العالميين من أساسها، ويصيبها بالشلل.
وحسب مؤسسة «IHS للأبحاث وتحاليل الصراعات»، فإن «داعش» سيطرت على نحو 78 ألف كيلومتر مربع من مساحة العراق وسوريا في بداية في 2015؛ لكنها تراجعت بسرعة سنة 2016 إلى ما يقارب 68.3 ألف كيلومتر مربع. بمعنى أكثر وضوحًا، فإننا نشهد انهيار دفاعات التنظيم الإرهابي، الذي كان يمارس منذ 2014 استراتيجيته الهجومية التوسعية. وإلى حدود شهر مايو (أيار) الماضي خسرت خلافة البغدادي، أكثر من 45 في المائة من أراضيها بالعراق و20 في المائة من مجال سيطرتها بسوريا، كما أنها ما زالت تفقد أراضي جراء المعارك المستمرة؛ حيث تمكنت الوحدات الكردية يوم الجمعة 12 / 08 / 2016 من تحرير مدينة منبج بالكامل من سيطرة «داعش» بعد 73 يوما من المواجهات؛ وتأتي الأهمية الاستراتيجية لهذه المدينة في كونها تبعد بنحو 40 كيلومترًا عن الحدود التركية، و80 كيلومترًا شمال شرقي مدينة حلب.
ورغم أن كثيرا من المحللين والباحثين في قضايا الإرهاب توقعوا أن تكون ليبيا هي «جنة دولة الخلافة»، بعد التراجع الواضح بالعراق وسوريا؛ فإن تمدد التنظيم بالحدود الليبية التونسية وبالشرق الليبي وجنوبه، سرعان ما واجه رفضًا شعبيًا متزايدًا وقوى مسلحة حاربته بشراسة. ويبدو أن دخول «داعش» ليبيا لمدينة مصراتة، كانت بداية التراجع، حيث شكلت هذه الخطوة الإرهابية حافزا قويا للمجموعات المحلية المتحاربة لتشكيل جبهة موحدة ضد «داعش»، مما مهد لظهور قوات عسكرية خاصة لمواجهة تمدد التنظيم الإرهابي، بمدينة سرت أكبر معقل للتنظيم بليبيا.
وعلى خلاف معركة تحرير مصراتة من الإرهابيين، التي اعتمدت على الإمكانيات الذاتية للسكان المحليين، بشكل أبهر القوى الإقليمية والدولية. تخوض القوات التابعة لحكومة الوفاق الوطني «البنيان المرصوص»، معاركها المتواصلة ضد «داعش»، بسرت بمساندة الطيران الأميركي، مما مكنها من الدخول لوسط المدينة والسيطرة على أهم مرافقها، بما فيها مركز الإذاعة يوم السبت 17 - 08 - 2016.
من جانب آخر، تمثل الخسائر البشرية التي مني بها تنظيم البغدادي في بداية النصف الثاني من هذه السنة، مؤشرًا قويًا على انكساراته وهزائمه الميدانية. فبالإضافة لعودة نحو 30 في المائة من المقاتلين الأوروبيين لبلدانهم؛ فإن الهجمات الجوية ما زالت تحقق نتائج نوعية، آخرها ما أعلن عنه مسؤول في «البنتاغون» الجمعة 12 / 08 / 2016، فقد قتل زعيم تنظيم داعش في أفغانستان وباكستان حافظ سعيد بغارة أميركية نفذتها طائرة أميركية دون طيار في إقليم بشرق أفغانستان.
أما السفير الأفغاني لدى باكستان عمر زخيلوال فأكد لوكالة «رويترز»، «أن حافظ سعيد خان زعيم ولاية خراسان التابعة لتنظيم داعش قتل مع كبار قادته ومقاتليه في ضربة نفذتها طائرة أميركية دون طيار في 26 يوليو (تموز) في منطقة كوت بإقليم ننكرهار الأفغاني».
وفي العراق وبعد مقتل أبو علي الأنباري، تلقى التنظيم الإرهابي أقوى ضربة له بمقتل «وزير الحرب»، في دولة البغدادي؛ وكانت وكالة «أعماق» التابعة للتنظيم قالت إن الشيشاني قتل في معركة بمدينة الشرقاط العراقية أثناء «مشاركته في صد الحملة العسكرية على مدينة الموصل». ولا تكمن أهمية الشيشاني في قربه الشديد من زعيم «دولة الخلافة» وما تولاه من مناصب عسكرية؛ بل تتعدى ذلك، لتعكس الدور الريادي الذي تلعبه القيادات غير العراقية والسورية داخل «داعش».
وعلى المحور الليبي تلقى التنظيم ضربة لا تقل قسوة من تلك التي أصيب بها مركزيا؛ حيث قتل محمد القذافي القيادي في الفرع الليبي لتنظيم داعش الذي يتزعم المحور الشرقي لمدينة سرت، خلال معركة مع «قوات البنيان المرصوص» في سرت يوم الثلاثاء 15 - 7 - 2016. والتي تهدف تحرير المدينة من قبضة التنظيم الإرهابي الذي يسيطر عليها منذ ما يقارب العام.
ورغم النجاح الكبير الذي أحرزته معارك هذه السنة ضد البغدادي في ليبيا وسوريا والعراق، فيجب التنبيه أن تنظيم البغدادي، يمتلك فرصا حقيقية للمناورة في المناطق الصحراوية خاصة، والتي تعتبر نقطة تشترك فيها الجغرافيا العراقية والليبية أساسا، بينما يجد صعوبة على الأراضي السورية. كما أن استمرار الصراع الداخلي بين مختلف الفرقاء السياسيين والعسكريين بليبيا، وسلبية التدخلات الأجنبية الإقليمية والدولية، ودورها البارز في استمرار فشل الدولة الليبية يزيد من قدرة «داعش» على المناورة وربما استرداد المبادرة عسكريا.
فالمعارك التي خاضتها بليبيا وانهزمت فيها، لم تؤدِّ لإضعاف التنظيم بشكل كبير، حيث استغلت ميلشياته فشل الدولة وشساعة الصحراء لتنقل بالمعدات العسكرية، باتجاه سرت والجنوب الشرقي، محافظة بذلك على مواردها البشرية. والتي يرى المركز الليبي لمتابعة الإرهاب، أنها تتكون من ليبيين، وبضعة آلاف من المقاتلين الأجانب، أغلبهم من تونس المجاورة، ويبلغ عددهم نحو 3200 مقاتل، ومن دولة مالي نحو699 فردا، والسودان 455 مقاتلا، ومصر المجاورة 111 مقاتلا، إضافة لجنسيات تشادية وموريتانية وأفريقية وخليجية أخرى. غير أنه يلاحظ استئثار الليبيين والتونسيين أساسا بقيادة التنظيم متبوعين بالمقاتلين المصريين.
لا يرتبط سقوط خلافة البغدادي بإضعاف تنظيمه الإرهابي، عبر محاصرته عسكريا، وقطع موارده المالية والبشرية؛ بل يرتبط أساسا بقدرة المنظومة الدولية على تطوير أساليب الصراعات الدولية، وسبل حلها توافقيا. ذلك أن ظهور تنظيم داعش، لا يفسر فقط تطور المجتمع العراقي وحالة فشل الدولة، وإنما يكشف أساليب الصراع الإقليمي والدولي وتناقضات مصالحه في منطقة الشرق الأوسط. هذا الوضع التناقضي والتقاطبي الدولي الإقليمي، استغله «داعش» وما زال ليتمدد، ويناور في جغرافية الحروب السياسية الممتدة من الشرق الأوسط لشمال أفريقيا؛ واستمرار التراجع الذي يشهده تنظيم البغدادي وخلافته المزعومة، يستوجب تطويرا سريعا لديناميات المساومات والتفاهمات الإقليمية السنية الشيعية، بقيادة المملكة العربية السعودية وتركيا، وإيران، والدولية بزعامة موسكو وواشنطن. وأي ضعف أو تراجع عن مسار التفاهمات هذه، يعني منح مزيد من فرص الحياة «لداعش»، وتمكينها من المناورة، وخلق دورة جديدة من موجات الإرهاب بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
* أستاذ العلوم السياسية جامعة محمد الخامس



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».