مقتل إمام مسجد الفرقان في نيويورك يفجر غضب الجالية المسلمة

المتظاهرون يقولون إن الجريمةارتكبت بدافع الكراهية والشرطة تؤكد لـ «الشرق الأوسط» أنها ما زالت قيد التحقيق

أبناء الجالية المسلمة في كوينز في حالة غضب وصدمة إثر مقتل  الإمام مولاما أوكونجي ومساعده أمس (رويترز)
أبناء الجالية المسلمة في كوينز في حالة غضب وصدمة إثر مقتل الإمام مولاما أوكونجي ومساعده أمس (رويترز)
TT

مقتل إمام مسجد الفرقان في نيويورك يفجر غضب الجالية المسلمة

أبناء الجالية المسلمة في كوينز في حالة غضب وصدمة إثر مقتل  الإمام مولاما أوكونجي ومساعده أمس (رويترز)
أبناء الجالية المسلمة في كوينز في حالة غضب وصدمة إثر مقتل الإمام مولاما أوكونجي ومساعده أمس (رويترز)

بينما قالت، أمس، متحدثة باسم شرطة قسم كوينز في نيويورك لـ«الشرق الأوسط» إن الشرطة تحقق في الدوافع، عقد مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، أكبر منظمات اللوبي الإسلامي في الولايات المتحدة، مؤتمرا صحافيا في نيويورك، في نفس المكان، أمام مسجد الفرقان، الذي قتل فيه مجهول، أول من أمس، الإمام مولاما أوكونجي (55 عاما)، ومساعده ثارا أودين (46 عاما).
في المؤتمر الصحافي، طلبت «كير» من شرطة نيويورك إجراء تحقيقات «سريعة، وشاملة، ونزيهة» بينما تبحث الشرطة عن الجاني، وعن دوافعه.
وقالت عفاف ناشر، مديرة مكتب «كير» في نيويورك: «يجب القبض سريعا على الجاني، وتطبيق القانون بحذافيره عليه. ونحن نطلب من أي شخص عنده معلومات عما حدث أن يقدمها إلى الشرطة.
يوم السبت، تظاهر مسلمون أمام المسجد. وطالبوا بتطبيق العدالة. ورفع متظاهرون لافتات عن أن الإسلام دين تسامح. وعن أن الإمام ومساعده كانا رسولي سلام. وقتلا بسبب إطلاق شخص النار عليهما بعد خروجهما من صلاة الظهر أول من أمس. قتل الإمام برصاصة في الرأس. وأصيب مساعده بجروح خطيرة في الصدر، لكنه توفي بعد ساعات من الحادث.
وأمس، قالت لـ«الشرق الأوسط» متحدثة باسم شرطة كوينز إن الشرطة اعتقلت شخصا تشتبه فيه، وإن الشرطة تواصل التحقيق معه. وتواصل، أيضا، فحص كاميرات المراقبة أمام المسجد لجمع معلومات أكثر حول ما حدث. وأنها لم تحدد دوافع الهجوم.
وحسب تصريحات الشرطة، فإن شخصا أطلق النار على الرجلين بعد أن كان يمشي وراءهما. ثم اقترب منهما. وبعد رصاصة في رأس الأمام، وأخرى في صدر مساعده، هرب الرجل، وهو يحمل سلاحا.
ونشرت صحيفة «نيويورك ديلي نيوز» تصريحات راجي ماجد، ابن أخ الإمام أكونجي، بأن الإمام جاء من بنغلاديش قبل عامين لخدمة الجالية المسلمة في المنطقة. وأن أغلبية المسلمين هناك من أصول بنغلاديشية وهندية وباكستانية. وقال ماجد: «ما كان مولاما يريد أن يؤذي ذبابة».
ونقلت وكالة «أسوشييتدبرس» الأميركية تصريحات لبعض المتظاهرين، قالوا فيها إن القتل «كان بدافع الكراهية للمسلمين». وقال ملة الدين، أحد رواد المسجد، إن على الشرطة أن تحقق في القتل «على أساس أنه كان بدافع الكراهية». فيما نقل تلفزيون «سي بي إس نيويورك» قول ملة الدين: «نشعر حقا بأننا غير آمنين في لحظة كهذه. هذا، حقا، تهديد لنا، تهديد لمستقبلنا، تهديد للجالية الإسلامية في منطقتنا، ونحن نتطلع إلى تحقيق العدل. وقالت سارة سعيد من أعضاء بلدية نيويورك التي تعمل كحلقة وصل مع الجاليات المسلمة: «أتفهم الخوف لأنني أشعر به بنفسي». وأضافت: «لكن، مهم للغاية الوصول إلى الحقيقة وتحقيق العدالة». وقال كبير شودوري إمام مسجد الأمان القريب في بروكلين: «هذه بالتأكيد جريمة كراهية أيا تكن الزاوية التي ننظر إليها منها». وأضاف: «إنها كراهية للإنسانية، وكراهية ضد المسلمين. صار واضحا أن هؤلاء يكرهون الإسلام، ويسببون هذه الكوارث».
وأمس، قالت وكالة الصحافة الفرنسية: «يأتي إطلاق النار هذا مع تصاعد مشاعر الخوف من الإسلام والعداء للمسلمين. وبعد سلسلة هجمات داخل الولايات المتحدة وخارجها. تبنى بعض هذه الهجمات تنظيم داعش. ووقعت هذه الهجمات بينما يقترح المرشح الجمهوري دونالد ترامب منع المسلمين من دخول الولايات المتحدة».
يقع المسجد، واسمه بالكامل «جامع ومسجد الفرقان»، في شارع غلينمور، في حي «أوزون بارك» في ضاحية كوينز، من ضواحي مدينة نيويورك، على مسافة ليست بعيدة من مطار جون كنيدي الدولي.
وهو واحد من عشرة مساجد تقريبا في منطقة نيويورك، منها: مسجد عمر، ومسجد مالكولم شاباز، ومسجد الرحمن، ومسجد محمد، ومسجد عثمان بن عفان. وفي قلب المدينة، يوجد المركز الثقافي الإسلامي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟