«المنتدى الاقتصادي لغرب المتوسط» بنسخته الأولى تستضيفه برشلونة في إطار «5 زائد 5»

يبحث عن شراكات ثلاثية تضم أوروبا والمتوسط وأفريقيا

رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي  ورئيس إقليم كتالونيا أرتور ماس (رويترز)
رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي ورئيس إقليم كتالونيا أرتور ماس (رويترز)
TT

«المنتدى الاقتصادي لغرب المتوسط» بنسخته الأولى تستضيفه برشلونة في إطار «5 زائد 5»

رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي  ورئيس إقليم كتالونيا أرتور ماس (رويترز)
رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي ورئيس إقليم كتالونيا أرتور ماس (رويترز)

عشرة وزراء خارجية ورئيس الحكومة الإسبانية والأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط ونظيره لاتحاد المغرب العربي وممثل عن المفوضية الأوروبية وعشرات المسؤولين عن تجمعات أرباب العمل على ضفتي المتوسط والعديد من رجال الأعمال تنادوا لاجتماع هو الأول من نوعه في برشلونة تحت عنوان «المنتدى الاقتصادي للمتوسط الغربي» الذي عهدت قمة رؤساء دول وحكومات مجموعة «5 زائد 5» للأمانة العامة للاتحاد من أجل المتوسط بمهمة تنظيمه.
الفكرة انطلقت من قمة مالطا في شهر أكتوبر (تشرين الأول) 2013 ثم بلورها وزراء خارجية المجموعة بمناسبة اجتماعهم في نواكشوط الربيع الماضي. والغرض كما تجلى من كلمات الرسميين ومداخلات المسؤولين واللاعبين الاقتصاديين هو التقريب بين الفعاليات الاقتصادية من على ضفتي المتوسط ودفع القطاعين العام والخاص لدى الجانبين على العمل معا من أجل مزيد من التعاون الاقتصادي على أن يكون الهدف الأبعد التوصل إلى «اندماج اقتصادي» ما زالت المنطقة المتوسطية بعيدة جدا عنه.
وما بين جلسة افتتاحية تحدث خلالها ماريانو راخوي رئيس الحكومة الإسبانية وفتح الله سجلماسي أمين عام الاتحاد من أجل المتوسط، ووزيرا خارجية البرتغال وموريتانيا اللذان يترأسان معا مجموعة «5 زائد 5» وستة وستة جلسات عامة شارك فيها وزراء المجموعة العشرة ثم جلسة ختامية، تبدت الطموحات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية، ومنها ذو بعد أفريقي، ولكن برزت كذلك التحديات، وأولها موضوع الهجرة من الجنوب إلى الشمال والأمن والاستقرار والحدود والتنمية غير المتكافئة بين الضفتين.
وتناول الوزراء العشرة، في غداء العمل الذي ضمهم، القضايا السياسية الساخنة التي تهم بالدرجة الأولى غرب المتوسط وأولها الإرهاب وكيفية التعاطي معه والمخاوف التي يثيرها مغاربيا وأوروبيا، وثانيها الهجرة التي حولت المتوسط إلى «مقبرة مفتوحة» والتي تعجز بلدان الجنوب وحدها عن التصدي له.
فتح الله سجلماسي اعتبر أن المتوسط «لديه اليوم موعد مع التاريخ»؛ إذ عليه أن يتعامل مع تنافسية اقتصاداته واندماجها الإقليمي وتوفير فرص العمل للشباب ومواجهة الهجرة غير المشروعة وتدعيم التنمية، بينما يتعين على أوروبا أن تعي «مسؤوليتها الخاصة» والفرصة المتوفرة لها في إقامة فضاء اقتصادي أوروبي - متوسطي - أفريقي.
وفي هذا السياق، رأى سجلماسي أن مؤتمر برشلونة يندرج في سياق «دينامية» جديدة لا تنحصر فقط في «5 زائد 5» بل تطال كل المتوسط حيث تدعمها «إرادة سياسية ومشاركة القطاع الخاص والبحث عن أعمال ومشاريع محسوسة». أما فيما خص سكرتارية الاتحاد، فقد أعرب سجلماسي عن سعادته لوضعها في خدمة المجموعة المذكورة بحيث تكون صلة الوصل بينها وبين الاتحاد من أجل المتوسط، مشيرا إلى أن عددا من المشاريع أطلقتها المجموعة ثم تبناها الاتحاد وسعت السكرتارية إلى تحويلها إلى واقع محسوس.
الواقع أن المداخلات الرسمية لم تحِد عن هذا الخط. فرئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي شدد على الحاجة لقيام «فضاء متوسطي يسوده الرخاء والازدهار»، ولكن كذلك «فضاء للتعايش والتعاون»، ذاهبا إلى حد اعتبار الاندماج المتوسطي «حتمية لا مفر منها» في ظل التجمعات الإقليمية التي برزت في العالم.
وتحدث راخوي عن فضاء موسع ثلاثي الضلع «أوروبا - المتوسط - أفريقيا ما تحت الصحراء». يضم الجميع «ولا يقصي أحدا». وبرأي راخوي، فإن المتوسط «ليس فقط التاريخ بل هو المستقبل» والطريق إليه هو «التعاون والانفتاح بين كل بلداننا».
بيد أن راخوي لم يتجاهل لا التحديات ولا أغفل التركيز على «رؤيته» للفضاء المتوسطي الذي يريده.
وفي باب التحديات، ركز على مأساة الهجرات والحاجة إلى معالجتها عبر آليات تضم الأطراف الثلاثة (بلدان المصدر والممر والوجهة) وعلى الحاجة لتوفير التنمية وسيلة وحيدة لمحاولة التغلب على معضلة الهجرة غير الشرعية.
وفي باب الرؤية طالب بأنظمة «منفتحة تحترم حقوق الإنسان والحريات وتدافع عن القيم التي ندافع عنها». ودعا راخوي إلى «إطلاق المشاريع المشتركة داخل مجموعة (5 زائد 5) وداخل الاتحاد كوسيلة للوصول إلى ما يسمى (متوسط المشاريع)».
وفي الكلمة التي ألقاها بعد الظهر، نبه وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس إلى أنه سيكون «متيقظا» إزاء ما سينتج عمليا عن منتدى برشلونة الذي سيلتئم العام المقبل في لشبونة والبرتغال.
وركز فابيوس في كلمته على العلاقة «الجدلية» بين الأمن والاستقرار من جهة وبين التنمية والنمو من جهة أخرى، معتبرا أن موضوع الأمن «أو غيابه» لم تعد محلية أو إقليمية، بل تهم الجميع، داعيا إلى «مواجهة جماعية» له. وهذا الموضوع عاد إليه وزير الخارجية المغربي صلاح الدين مزوار الذي عد المشاكل الأمنية «متوقعة بسبب المرحلة الانتقالية» التي تعرفها الضفة الجنوبية وأفريقيا تحت الصحراء.
ونوه مزوار بأهمية الأمن بالنسبة لرجال الأعمال وحاجتهم إلى بيئة حاضنة مستقرة. ونوه مزوار بوعي الأطراف الإقليمية والدولية للحاجة لمعالجة الملف الأمني الذي لا يتعين أن يعتم على الفرص الاقتصادية الموجودة إن في بلدان المغرب أو في أفريقيا. واتفق فابيوس ومزوار على اعتبار أن أفريقيا «ليست المشكلة بل هي الحل»، وفق تعبير الوزير المغربي الذي أشار إلى نسب النمو المرتفعة فيها بينما أوروبا تعاني الانكماش الاقتصادي.
والخلاصة التي توصل إليها الوزير المغربي هي الحاجة لـ«تغيير مقاربتنا» بالنسبة لأفريقيا التي حققت بعض بلدانها نسب نمو تصل إلى 20 في المائة. لكن الوزير فابيوس رصد مشاكل تتناول الحوكمة وتسيير شؤون الإدارة في أفريقيا التي دعا إلى الاهتمام بها لتفعيل التعاون.
وإلى جانب المبادئ الكبرى والخطط العامة، غطت بعض المداخلات على المشاريع الملموسة التي يتعين القيام بها لترجمة هذه المبادئ والخطط حتى لا يكون مؤتمر برشلونة اجتماعا إضافيا يضاف لاجتماعات انتهى مفعولها باختتام أعمالها.
وفي هذا السياق، شدد سجلماسي على منهج عمل السكرتارية التي يديرها، وهي الاهتمام بالمشاريع المحسوسة الآتية إليها من مجموعة «5 زائد 5» أو في إطارات أخرى وحرصها على إيجاد التمويل اللازم الذي قال عنه إنه «موجود» ويتعين استخدامه.



هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
TT

هل تؤدي العقوبات وأسعار الفائدة الروسية إلى موجة شاملة من الإفلاسات؟

الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)
الساحة الحمراء وكاتدرائية القديس باسيل وبرج سباسكايا في الكرملين كما تظهر من خلال بوابة في وسط موسكو (رويترز)

في ظلّ الضغوط المتزايدة التي فرضتها العقوبات الغربية وارتفاع أسعار الفائدة بشكل مذهل، تتزايد المخاوف في الأوساط الاقتصادية الروسية من احتمال حدوث موجة من الإفلاسات التي قد تهدّد استقرار الكثير من الشركات، لا سيما في ظل استمرار الرئيس فلاديمير بوتين في التمسّك بحربه في أوكرانيا.

وفي كلمته خلال مؤتمر الاستثمار الذي نظمته مجموعة «في تي بي» هذا الشهر، لم يفوّت بوتين الفرصة للتفاخر بما عدّه فشل العقوبات الغربية في إضعاف الاقتصاد الروسي، فقد صرّح قائلاً: «كانت المهمة تهدف إلى توجيه ضربة استراتيجية إلى روسيا، لإضعاف صناعتنا وقطاعنا المالي والخدماتي». وأضاف أن النمو المتوقع للاقتصاد الروسي سيصل إلى نحو 4 في المائة هذا العام، قائلاً إن «هذه الخطط انهارت، ونحن متفوقون على الكثير من الاقتصادات الأوروبية في هذا الجانب»، وفق صحيفة «واشنطن بوست».

وعلى الرغم من التصفيق المهذّب الذي قُوبل به الرئيس الروسي، فإن التوترات بدأت تظهر بين النخبة الاقتصادية الروسية بشأن التأثيرات السلبية المتزايدة للعقوبات على الاقتصاد الوطني. فقد حذّر عدد متزايد من المسؤولين التنفيذيين في الشركات الكبرى من أن رفع البنك المركزي أسعار الفائدة لمكافحة التضخم -الذي تفاقم بسبب العقوبات والنفقات العسكرية لبوتين- قد يهدد استقرار الاقتصاد في العام المقبل. وقد تتسبّب هذه السياسة في تسارع موجات الإفلاس، لا سيما في القطاعات الاستراتيجية الحساسة مثل الصناعة العسكرية، حيث من المتوقع أن يشهد إنتاج الأسلحة الذي يغذّي الحرب في أوكرانيا تباطؤاً ملحوظاً.

حتى الرئيس الأميركي المنتخب، دونالد ترمب، أشار في منشور على شبكته الاجتماعية «تروث سوشيال» إلى أن روسيا أصبحت «ضعيفة جزئياً بسبب اقتصادها المتداعي».

تحذيرات من الإفلاس

ومع تزايد توقعات أن «المركزي الروسي» سيضطر إلى رفع الفائدة مرة أخرى هذا الشهر، انضم بعض الأعضاء المعتدلين في الدائرة الداخلية لبوتين إلى الانتقادات غير المسبوقة للسياسات الاقتصادية التي أبقت على سعر الفائدة الرئيس عند 21 في المائة، في وقت يستمر فيه التضخم السنوي في الارتفاع ليصل إلى أكثر من 9 في المائة. وهذا يشير إلى احتمالية حدوث «ركود تضخمي» طويل الأمد أو حتى ركود اقتصادي في العام المقبل. وبالفعل، يتوقع البنك المركزي أن ينخفض النمو الاقتصادي بشكل حاد إلى ما بين 0.5 في المائة و1.5 في المائة في العام المقبل.

كما تسبّبت العقوبات الأميركية الجديدة التي شملت فرض عقوبات على 50 بنكاً روسياً، بما في ذلك «غازبروم بنك»، وهو قناة رئيسة لمدفوعات الطاقة، في زيادة تكاليف المعاملات بين المستوردين والمصدرين الروس. وقد أسهم ذلك في انخفاض قيمة الروبل إلى أدنى مستوى له مقابل الدولار منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في عام 2022. وقد أدى هذا الانخفاض في قيمة الروبل إلى زيادة التضخم، حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 0.5 في المائة بين 26 نوفمبر (تشرين الثاني) و2 ديسمبر (كانون الأول)، وفقاً للبيانات الرسمية.

وفي هذا السياق، حذّر رئيس هيئة الرقابة المالية الروسية، نجل أحد أقرب حلفاء بوتين، بوريس كوفالتشوك، من أن رفع أسعار الفائدة «يحد من إمكانات الاستثمار في الأعمال، ويؤدي إلى زيادة الإنفاق في الموازنة الفيدرالية». كما انتقد الرئيس التنفيذي لشركة «روسنفت» الروسية، إيغور سيتشين، البنك المركزي بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، مؤكداً أن ذلك أسهم في زيادة تكاليف التمويل للشركات وتأثر أرباحها سلباً.

وفي تصريح أكثر حدّة، حذّر رئيس شركة «روس أوبورون إكسبورت» المتخصصة في صناعة الأسلحة، سيرغي تشيميزوف، من أن استمرار أسعار الفائدة المرتفعة قد يؤدي إلى إفلاس معظم الشركات الروسية، بما في ذلك قطاع الأسلحة، مما قد يضطر روسيا إلى الحد من صادراتها العسكرية.

كما شدّد قطب صناعة الصلب الذي يملك شركة «سيفيرستال»، أليكسي مورداشوف، على أن «من الأفضل للشركات أن تتوقف عن التوسع، بل تقلّص أنشطتها وتضع الأموال في الودائع بدلاً من المخاطرة بالإدارة التجارية في ظل هذه الظروف الصعبة».

وحذّر الاتحاد الروسي لمراكز التسوق من أن أكثر من 200 مركز تسوق في البلاد مهدد بالإفلاس بسبب ارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى الرغم من أن بعض المديرين التنفيذيين والخبراء الاقتصاديين يشيرون إلى أن بعض الشركات قد تبالغ في تقدير تأثير أسعار الفائدة المرتفعة، في محاولة للحصول على قروض مدعومة من الدولة، فإن القلق بشأن الوضع الاقتصادي يبدو مشروعاً، خصوصاً أن مستويات الديون على الشركات الروسية أصبحت مرتفعة للغاية.

ومن بين أكثر القطاعات تأثراً كانت صناعة الدفاع الروسية، حيث أفادت المستشارة السابقة للبنك المركزي الروسي، ألكسندرا بروكوبينكو، بأن الكثير من الشركات الدفاعية لم تتمكّن من سداد ديونها، وتواجه صعوبة في تأمين التمويل بسبب ارتفاع تكاليفه. وقالت إن بعض الشركات «تفضّل إيداع الأموال في البنوك بدلاً من الاستثمار في أنشطة تجارية ذات مخاطر عالية».

كما تحدّث الكثير من المقاولين علناً عن الأزمة الاقتصادية المتزايدة في روسيا. ففي أوائل نوفمبر، أشار رئيس مصنع «تشيليابينسك» للحديد والصلب، أندريه جارتونغ، خلال منتدى اقتصادي إلى أن فروعاً رئيسة من الهندسة الميكانيكية قد «تنهار» قريباً.

وفي الثالث من ديسمبر (كانون الأول)، أفادت وكالة «إنترفاكس» الروسية بأن حالات عدم السداد انتشرت في مختلف أنحاء الاقتصاد، حيث تأخرت الشركات الكبرى والمتوسطة بنسبة 19 في المائة من المدفوعات بين يوليو (تموز) وسبتمبر (أيلول)، في حين تأخرت الشركات الصغيرة بنسبة 25 في المائة من المدفوعات في الفترة نفسها.

وحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية، فقد انخفض الاستثمار في البلاد، وتسببت العقوبات في ارتفاع تدريجي لتكاليف الواردات والمعاملات المالية، مما أدى إلى زيادة التضخم. كما قال مسؤول مالي روسي كبير سابق، تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية الموضوع: «ما يحدث هو صدمة إمداد نموذجية في البلاد».

صناعة الدفاع مهددة

تأتي هذه التحديات في وقت حساس بالنسبة إلى صناعة الدفاع الروسية. فعلى الرغم من ضخ بوتين مبالغ ضخمة من التمويل الحكومي في هذا القطاع، مع تخصيص 126 مليار دولار في موازنة العام المقبل، فإن معظم الزيادة في الإنتاج كانت ناتجة عن تعزيز القوة العاملة لتشغيل المصانع العسكرية على مدار الساعة وتجديد مخزونات الحقبة السوفياتية. ومع ذلك، ومع استمرار الحرب ودخولها عامها الثالث، وارتفاع خسائر المعدات العسكرية، فإن القوة العاملة في القطاع قد وصلت إلى أقصى طاقتها، وإمدادات الأسلحة السوفياتية تتضاءل بسرعة.

وتقول جانيس كلوغ، من المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية، إن التكاليف المتزايدة والعقوبات المشددة على واردات المعدات تجعل من الصعب على قطاع الدفاع الروسي بناء الأسلحة من الصفر. ووفقاً لتقرير صادر هذا العام عن الباحثَين في المعهد الملكي للخدمات المتحدة بلندن، جاك واتلينغ ونيك رينولدز، فإن 80 في المائة من الدبابات والمركبات القتالية المدرعة التي تستخدمها روسيا في الحرب ليست جديدة، بل جُدّدت من المخزونات القديمة. ويضيف التقرير أن روسيا «ستبدأ في اكتشاف أن المركبات بحاجة إلى تجديد أعمق بحلول عام 2025. وبحلول عام 2026 ستكون قد استنفدت معظم المخزونات المتاحة».

ثقة الكرملين

على الرغم من هذه التحديات يبدو أن الوضع لا يثير قلقاً في الكرملين. وقال أكاديمي روسي له علاقات وثيقة مع كبار الدبلوماسيين في البلاد: «لا يوجد مزاج ذعر». وأضاف أن المسؤولين في الكرملين يعدّون أن «كل شيء يتطور بشكل جيد إلى حد ما». ووفقاً لهذا الرأي، فإن روسيا تواصل تحقيق تقدم عسكري، وفي ظل هذه الظروف، لا يرى الكرملين حاجة إلى تقديم أي تنازلات جادة.

وتزيد الاضطرابات السياسية في العواصم الغربية -بما في ذلك التصويت بحجب الثقة في فرنسا، مع التصويت المرتقب في ألمانيا، بالإضافة إلى اعتقاد الكرملين أن ترمب قد يقلّل من دعمه لأوكرانيا- من الثقة داخل روسيا.

وقد تصدّى بوتين لانتقادات متزايدة بشأن زيادات أسعار الفائدة ورئيسة البنك المركزي، إلفيرا نابيولينا، قائلاً في مؤتمر الاستثمار إن كبح جماح التضخم يظل أولوية بالنسبة إليه. ومع الارتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل البطاطس التي ارتفعت بنسبة 80 في المائة هذا العام، يواصل بوتين دعم نابيولينا وزيادات أسعار الفائدة، رغم شكاوى الشركات الكبرى. وقالت كلوغ: «من وجهة نظر بوتين، لا يمكن السماح للتضخم بالخروج عن السيطرة، لأنه يمثّل تهديداً لاستقرار النظام السياسي، ولهذا السبب منح نابيولينا تفويضاً قوياً».

لكن المستشارة السابقة للبنك المركزي، ألكسندرا بروكوبينكو، ترى أن الضغط من الشركات الكبرى لن يهدأ. وقالت: «عندما يكون التضخم عند 9 في المائة، وسعر الفائدة عند 21 في المائة، فهذا يعني أن السعر الرئيس لا يعمل بشكل صحيح، ويجب البحث عن أدوات أخرى. أولوية بوتين هي الحرب وتمويل آلتها، ولا يمتلك الكثير من الحلفاء، والموارد المتاحة له تتقلص». وأضافت أنه من المحتمل أن تتعرّض نابيولينا لمزيد من الضغوط مع استمرار الوضع الاقتصادي الصعب.

ومع تزايد الضغوط على بوتين، أصبحت الصورة في الغرب أكثر تفاؤلاً بشأن فرص التغيير في روسيا، وفقاً لمؤسسة شركة الاستشارات السياسية «ر. بوليتيك» في فرنسا، تاتيانا ستانوفايا.

وأضافت: «بوتين مستعد للقتال ما دام ذلك ضرورياً... لكن بوتين في عجلة من أمره. لا يستطيع الحفاظ على هذه الشدة من العمل العسكري والخسائر في الأرواح والمعدات كما كان في الأشهر الأخيرة».