ممثلون عرب.. مواهب كثيرة وفرص قليلة

يبحثون عن مفاتيح النجاح في السينما الأوروبية والأميركية

عمرو واكد كما بدا كرئيس بوليس فرنسي في {لوسي} - نموذج عمر الشريف في لورنس العرب  ما يزال وارداً.
عمرو واكد كما بدا كرئيس بوليس فرنسي في {لوسي} - نموذج عمر الشريف في لورنس العرب ما يزال وارداً.
TT

ممثلون عرب.. مواهب كثيرة وفرص قليلة

عمرو واكد كما بدا كرئيس بوليس فرنسي في {لوسي} - نموذج عمر الشريف في لورنس العرب  ما يزال وارداً.
عمرو واكد كما بدا كرئيس بوليس فرنسي في {لوسي} - نموذج عمر الشريف في لورنس العرب ما يزال وارداً.

على إثر قيام أكاديمية العلوم والفنون السينمائية في لوس أنجليس، في نهاية شهر يونيو (حزيران) الماضي بانتخاب 683 سينمائيًا جديدًا للانضمام إليها ظهرت تساؤلات عن العدد المحدود من المنتسبين العرب، وأخرى تطالب هيئات مدنية وحكومية بإرسال خطابات إلى الأكاديمية، موزعة جوائز الأوسكار، تشير فيه (أو تندد على نحو أو آخر) بإغفال سينمائيين عرب كثيرين من فرصة الانضمام إلى الجسد الأكاديمي المهم.
ما قامت به الأكاديمية، وتبعًا لقوانينها الداخلية، هو الطلب من كل أعضائها في كل فروع العمل السينمائي (نحو 6000 عضو) ترشيح من يريدون ضمّهم إلى عضوية الأكاديمية بعدما أدركت الحاجة لتجديد دم المؤسسة الكبيرة على ثلاثة أصعدة: صعيد المنتسبين الإناث، وصعيد المنتسبين الأميركيين وغير الأميركيين المنتمين إلى الأقليات العرقية (السود واللاتينيين)، وصعيد السينمائيين غير الأميركيين أساسًا.
هذا بدوره حدث بعدما تلقت الأكاديمية ردّات فعل سلبية كبيرة بسبب خروج ترشيحات العام الحالي حاملة نسبة كبيرة من المنافسين البيض، وغياب أصحاب الأعراق الأخرى ممن يشكلون كيان المجتمع الأميركي أساسًا. ونتيجة ذلك انضمام هذا العدد أعلاه من السينمائيين الذين لم يسبق لهم أن شاركوا في أي شكل من أشكال العمل داخل الأكاديمية ومن بينهم سينمائيون معروفون بقوا خارج الحلبة لسنوات عدة بينهم الممثل الأميركي (الأبيض) بروس غرينوود، والمنتج الأفرو - أميركي آيس كيوب، والممثل البريطاني الأسود إدريس ألبا، والممثلة البريطانية إيما واتسون، وأيضا المخرجة اليابانية ناوومي كواسي.
العرب، أو ذوو الأصول العربية، بلغ عددهم عشرة أشخاص من بينهم المخرجة السعودية هيفاء المنصور («وجدة»)، والمخرج الأردني ناجي أبو نوار («ذيب»)، والمخرج الصومالي محمد صالح هارون («الرجل الصارخ»). بينهم كذلك جميل عزيز العامل في تصميم الديكورات السينمائية والموريتاني سفيان خليفة وهو مدير تصوير من أعماله الأخيرة «تمباكتو».
الممثل الأول
بما أن الانضمام هو بالدعوة فقط، وليس عبر خطابات يرسلها الراغبون في الانتساب أو أي جهة سينمائية في البلاد المنتجة، فإن المنتسبين الجدد، عرب وغير عرب، عليهم التمتع أولاً بدعم عضوين فعليين يقومان بترشيح كل منهم. بعد ذلك تدرس الطلب لجنة إدارية موسعة وتقرر انتخابيًا ضمّه أو عدم ضمه.
وجود عشرة من العرب أو من ذوي الأصول العربية أفضل من لا شيء، لكن الملاحظ على نحو مؤسف أن الممثلين العرب لم يحظوا بأي عضوية تليق بإسهاماتهم المهمّة، خصوصًا في السنوات الأخيرة بعدما ازداد عدد العاملين منهم في إطار السينما الأميركية. بعض هؤلاء، مثل المصري عمرو واكد، له اسم وسجل في الأفلام الأميركية والفرنسية، وبعضهم الآخر (مثل السوري الأصل مالك عقاد، والمصري الأصل أيمن سمّان) بقوا خارج الصورة، ما يعيد الحديث حول تلك الفئة من الممثلين العرب الذين ظهروا طوال نحو مائة سنة في أفلام أميركية وبقوا هامشيين على نحو أو آخر.
اللبناني محمد يقطين، كان أول عربي مهاجر إلى هوليوود وجد عملاً دائمًا كممثل. تحت اسم جديد هو فرانك لاكتين، ظهر حسب مرجع pro.labs في 194 فيلمًا ما بين 1916 و1965. لم يقم يقطين بأي أدوار بطولة لكن هذا العدد الضخم من الأفلام (غير المسبوق أو الملحوق لأي ممثل ذي أصل عربي آخر) شهد انتشاره حتى بين الأدوار الثانوية غالبًا.
السوري جميل حسون جاوره في الفترة ذاتها فظهر في نحو 33 فيلمًا ما بين 1929 و1947. أما في الفترات اللاحقة فانبرى، على الأخص، جورج نادر بنحو 50 فيلمًا وإنتاج قام بها كممثل ما بين 1950 و1973 من بينها حفنة من أدوار البطولة من بينها «مسيرة بجانب البحر» (1963)، و«طوفان» سنة 1957.
الظهور العربي في الأفلام الأميركية خلال النصف الأول من القرن العشرين، تبدّى إما عبر قيام ممثلين أميركيين بأداء الأدوار العربية في أفلام مثل: «الشيخ» و«متاعب في المغرب» و«قسمت» و«خرطوم» و«الريشات الأربع»، أو تسليم الأدوار الثانوية الصغيرة للفيف عربي غير معروف. أما المعاملة ذاتها فكانت روتينية ونمطية في معظم الأحيان، خصوصًا تلك التي كانت تدور في رحى الصحراء العربية حيث القبائل المعادية للوجود الفرنسي أو الأميركي، أو التي تختطف النساء الغربيات لتحويلهن إلى جوارٍ، قبل أن ينقذها بطل الفيلم ويعيدها سالمة إلى ثقافتها وعالمها الآمنين.
في العموم هي المعاملة ذاتها التي سادت أفلام الهنود الحمر، حيث المواطنين الأميركيين الأصليين هم، غالبًا، أعداء. حتى تصاميم المعارك وأسبابها بقيت واحدة: القبيلة المعادية تتحرك على جيادها لتفاجئ الحامية الغربية. المعركة تدور. الحامية تتغلب على «غزو» أصحاب الأرض!
المسافة الآن شاسعة وبعيدة عن تلك الفترة وذلك النوع المحدد من التنميط، لكن الممثل العربي ما زال يجد نفسه، حسبما قال لي المصري عمرو واكد إثر تمثيله دورًا مساندًا في فيلم «لوسي» أمام سكارلت جوهانسن، محاطًا بالمحاذير: «في هوليوود ينتظرون من الممثل غير الأميركي أن يأتيهم نجمًا تم صنعه في الخارج كما كان حال عمر الشريف. وهي مشكلة، فحتى يمكن للممثل العربي أن يلعب دورًا ناجحًا وكبيرًا عليه أن يصل إلى مصادر الإنتاج، وحتى يصل إلى هذه المصادر عليه أن يكون نجمًا…».
يؤكد أكثر من ممثل عربي الأصل حاليًا هذا الكلام على نحو أو آخر، مع ملاحظة أن الأحداث الإرهابية التي تقع حول العالم أو المخاوف منها لا تساعد ممثلين آخرين حاليًا، مثل سيد بدرية وأيمن سمّان ومالك عقاد، على العمل كثيرًا. يقول أيمن سمّان: «لقد رفضت أدوارًا اعتبرتها نمطية جدًا. أحدها دور في فيلم حول إرهابي يسلم آخر العدة المطلوبة لعملية انتحارية».
وفي حين أن عمر الشريف كان اكتشاف السينما الغربية لقيمة الموهبة العربية، إلا أن هوليوود التي فتحت له ذراعيها بحثت له عن أدوار يقوم بها كغريب غالبًا: هو الروسي والألماني والإيطالي والعربي، لكنها لم تعتبره الممثل الموهوب الذي يستحق اختراق هذا التنميط صوب أعمال تكسر الحدود.
ليس أن كل الأدوار المتاحة حاليًا هي من هذا النوع (ومالك عقاد لعب في فيلم بوليسي عنوانه «كل تلك الأبدان الملائكية» دورًا غير عربي)، لكن ما يحدث حول العالم من إرهاب وحروب يحد من فرص العمل أكثر مما هي محدودة في الأصل.



شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
TT

شاشة الناقد: فيلمان من لبنان

دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)
دياماند بوعبّود وبلال حموي في «أرزة» (مهرجان أفلام آسيا الدولي)

أرزة ★★☆

دراجة ضائعة بين الطوائف

أرزة هي دياماند بو عبّود. امرأة تصنع الفطائر في بيتها حيث تعيش مع ابنها كينان (بلال الحموي) وشقيقتها (بَيتي توتَل). تعمل أرزة بجهد لتأمين نفقات الحياة. هي تصنع الفطائر وابنها الشاب يوزّعها. تفكّر في زيادة الدخل لكن هذا يتطلّب درّاجة نارية لتلبية طلبات الزبائن. تطلب من أختها التي لا تزال تعتقد أن زوجها سيعود إليها بعد 30 سنة من الغياب، بيع سوار لها. عندما ترفض تسرق أرزة السوار وتدفع 400 دولار وتقسّط الباقي. تُسرق الدرّاجة لأن كينان كان قد تركها أمام بيت الفتاة التي يحب. لا حلّ لتلك المشكلة إلا في البحث عن الدراجة المسروقة. لكن من سرقها؟ وإلى أي طائفة ينتمي؟ سؤالان تحاول أحداث الفيلم الإجابة عليهما ليُكتشف في النهاية أن السارق يعيش في «جراجه» المليء بالمسروقات تمهيداً لبيعها خردة، في مخيّم صبرا!

قبل ذلك، تنتقل أرزة وابنها والخلافات بينهما بين المشتبه بهم: سُنة وشيعة ومارونيين وكاثوليك ودروز. كلّ فئة تقترح أن واحدة أخرى هي التي سرقت وتشتمها. حتى تتجاوز أرزة المعضلة تدخل محلاً للقلائد وتشتري العُقد الذي ستدّعي أنها من الطائفة التي يرمز إليها: هي أم عمر هنا وأم علي هناك وأم جان- بول هنالك.

إنها فكرة طريفة منفّذة بسذاجة للأسف. لا تقوى على تفعيل الرّمز الذي تحاول تجسيده وهو أن البلد منقسم على نفسه وطوائفه منغلقة كل على هويّتها. شيء كهذا كان يمكن أن يكون أجدى لو وقع في زمن الحرب الأهلية ليس لأنه غير موجود اليوم، لكن لأن الحرب كانت ستسجل خلفية مبهرة أكثر تأثيراً. بما أن ذلك لم يحدث، كان من الأجدى للسيناريو أن يميل للدراما أكثر من ميله للكوميديا، خصوصاً أن عناصر الدراما موجودة كاملة.

كذلك هناك لعبٌ أكثر من ضروري على الخلاف بين الأم وابنها، وحقيقة أنه لم يعترف بذنبه باكراً مزعجة لأن الفيلم لا يقدّم تبريراً كافياً لذلك، بل ارتاح لسجالٍ حواري متكرر. لكن لا يهم كثيراً أن الفكرة شبيهة بفيلم «سارق الدّراجة» لأن الحبكة نفسها مختلفة.

إخراج ميرا شعيب أفضل من الكتابة والممثلون جيدون خاصة ديامان بوعبّود. هي «ماسة» فعلاً.

• عروض مهرجان القاهرة و«آسيا وورلد فيلم فيستيڤال».

سيلَما ★★★☆

تاريخ السينما في صالاتها

لابن بيروت (منطقة الزيدانية) لم تكن كلمة «سيلَما» غريبة عن كبار السن في هذه المدينة. فيلم هادي زكاك الوثائقي يُعيدها إلى أهل طرابلس، لكن سواء كانت الكلمة بيروتية أو طرابلسية الأصل، فإن معناها واحد وهو «سينما».

ليست السينما بوصفها فناً أو صناعة أو أيّ من تلك التي تؤلف الفن السابع، بل السينما بوصفها صالة. نريد أن نذهب إلى السينما، أي إلى مكان العرض. عقداً بعد عقد صار لصالات السينما، حول العالم، تاريخها الخاص. وفي لبنان، عرفت هذه الصالات من الأربعينات، ولعبت دوراً رئيسياً في جمع فئات الشعب وطوائف. لا عجب أن الحرب الأهلية بدأت بها فدمّرتها كنقطة على سطر التلاحم.

هادي زكّاك خلال التصوير (مهرجان الجونا)

فيلم هادي زكّاك مهم بحد ذاته، ومتخصّص بسينمات مدينة طرابلس، ولديه الكثير مما يريد تصويره وتقديمه. يُمعن في التاريخ وفي المجتمع ويجلب للواجهة أفلاماً ولقطات وبعض المقابلات والحكايات. استقاه من كتابٍ من نحو 600 صفحة من النّص والصور. الكتاب وحده يعدُّ مرجعاً شاملاً، وحسب الزميل جيمي الزاخم في صحيفة «نداء الوطن» الذي وضع عن الكتاب مقالاً جيداً، تسكن التفاصيل «روحية المدينة» وتلمّ بتاريخها ومجتمعها بدقة.

ما شُوهد على الشاشة هو، وهذا الناقد لم يقرأ الكتاب بعد، يبدو ترجمة أمينة لكلّ تلك التفاصيل والذكريات. يلمّ بها تباعاً كما لو كان، بدُورها، صفحات تتوالى. فيلمٌ أرشيفي دؤوب على الإحاطة بكل ما هو طرابلسي وسينمائي في فترات ترحل من زمن لآخر مع متاعها من المشكلات السياسية والأمنية وتمرّ عبر كلّ هذه الحِقب الصّعبة من تاريخ المدينة ولبنان ككل.

يستخدم زكّاك شريط الصوت من دون وجوه المتكلّمين ويستخدمه بوصفه مؤثرات (أصوات الخيول، صوت النارجيلة... إلخ). وبينما تتدافع النوستالجيا من الباب العريض الذي يفتحه هذا الفيلم، يُصاحب الشغف الشعور بالحزن المتأتي من غياب عالمٍ كان جميلاً. حين تتراءى للمشاهد كراسي السينما (بعضها ممزق وأخرى يعلوها الغبار) يتبلور شعورٌ خفي بأن هذا الماضي ما زال يتنفّس. السينما أوجدته والفيلم الحالي يُعيده للحياة.

* عروض مهرجان الجونة.

★ ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز