وعود «الإسكان».. مشاريع سيغير تنفيذها الخريطة العقارية السعودية

التزام الوزارة من شأنه تخفيض السوق لأكثر من 30 في المائة

نموذج لأحد مشاريع وزارة الإسكان في معرض متخصص عقد أخيرا في السعودية ({الشرق الأوسط})
نموذج لأحد مشاريع وزارة الإسكان في معرض متخصص عقد أخيرا في السعودية ({الشرق الأوسط})
TT

وعود «الإسكان».. مشاريع سيغير تنفيذها الخريطة العقارية السعودية

نموذج لأحد مشاريع وزارة الإسكان في معرض متخصص عقد أخيرا في السعودية ({الشرق الأوسط})
نموذج لأحد مشاريع وزارة الإسكان في معرض متخصص عقد أخيرا في السعودية ({الشرق الأوسط})

أبدى عقاريون سعوديون خشيتهم من انعكاسات سلبية على السوق العقارية في حال تأخر تنفيذ المشروعات من قبل وزارة الإسكان، مؤكدين أن الأشهر الستة المتبقية من الأشهر السبعة التي حددتها الوزارة لتمليك الدفعة الأكبر في تاريخها ستحدد مدى تغيّر قيمة العقار المحلي بشكل كامل.
وأوضح العقاريون في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» أن التزام الوزارة بوعدها من شأنه أن يخفض السوق لأكثر من 30 في المائة، نتيجة تزايد العزوف على شراء الوحدات التجارية.
وعلى صعيد آخر فإن الأسعار ستزداد حال تأخر الوزارة عن تسليم الوحدات السكنية المنتظرة، حيث إن آمال المواطنين ستتلاشى في الثقة بالوعود التي تطلقها الجهات الحكومية المهتمة بملف الإسكان، الذي يراوح مكانه منذ إنشاء الوزارة قبل أربع سنوات.
ومن المتوقع أن يكون الخيار التجاري ذو السعر المرتفع على واجهة الأحداث من جديد، وسيضطرون على أثره إلى تسليم أمرهم لتجار العقار الذين سيغردون بالسوق لمستويات أكبر من الحالية بعد تأثرهم من بلبلة «الإسكان» ومحاولتهم التعويض.
وفي هذا السياق، قال عبد الله الجبرين المستثمر العقاري: «إن الخوف يكمن في تخلف الوزارة كعادتها عن تطبيق وعودها التي قطعتها على نفسها بتسليم أكبر الدفعات بعد ستة أشهر، حيث سيضطر المواطنون إلى تسليم الأمر إلى التجار الذين سيؤمنون بأنهم الخيار الوحيد الذي يعتمد عليه».
ومن شأن ذلك، وفق الجبرين، إطلاق موجة جديدة من ارتفاع الأسعار، قد تلامس الـ20 في المائة، ذلك أن التجار سيعوضون خسائرهم الحالية التي تسببت بها الوزارة، نتيجة الوعود بالتملك التي فتحت على أثرها بوابتها الإلكترونية لتلقي طلبات المواطنين.
ولفت إلى معاناة التجار من ملف الإسكان الذي يأتي على رأس المشكلات التي يحرصون على حلها، بعد أن وصلت القيمة العامة للقطاع العقاري إلى مستويات مهولة. وأضاف: «ليس أمام الوزارة إلا تنفيذ مشروعاتها للمحافظة على الأسعار والعودة بها إلى مستوياتها الطبيعية، وإن هذه الطريقة هي الوحيدة التي تهدد القطاع بانهيار في الأسعار، بعد أن دخلت الحكومة بثقلها في توفير المنازل للمواطنين».
ولفت إلى أن السوق كانت متروكة للعمليات التجارية التي قفزت أسعارها إلى ما يزيد على الضعف خلال السنوات الخمس الماضية، مبينا أن الحركة العقارية العامة متوقفة على ما ستفعله الوزارة، وأن ما تقوم به سيكون محددا لحال السوق سواء صدقت الوزارة في وعودها أو لم تصدق.
يشار إلى أن الوزارة أطلقت بداية مارس (آذار) الماضي بوابتها الإلكترونية لجميع المواطنين في كل مناطق المملكة، ودعت الراغبين في الحصول على منتجات الدعم السكني ولا يملكون مسكنا مناسبا للتسجيل واستكمال بياناتهم عبر البوابة، وكذلك للمتقدمين إلى صندوق التنمية العقارية دون شرط الأرض، حيث تحتسب لهم أولوية مقابل عدد سنوات الانتظار.
وفي الشأن ذاته، كشف عبد الله العليان الذي يمتلك مكتبا للاستشارات العقارية أن معظم التجار والمستثمرين في القطاع العقاري يتمنون في قرارة أنفسهم تعثر مشروعات الوزارة، لأنها ستطلق عليهم رصاصة الرحمة، وسيجنون الخسائر ولن يستطيعوا العودة كما كانوا سابقا.
وأضاف: «بعض المستثمرين يتفننون في تحديد الأسعار بحسب المزاجية ودرجة الجشع، في ظل غياب قانون يحمي جميع الأطراف ويقنن التزايد المستمر للأسعار الذي تسبب فيه التجار إلى مستويات كبيرة».
ولفت إلى أن هذا الأسلوب التسعيري أخرج السوق عن نطاقها وقدرتها، وأصبح معظم المواطنين لا يستطيعون توفير قطعة الأرض فقط، «فكيف سيوفرون المنزل المناسب الذي سيبلغ بأقل مساحة وتجهيزات مليون ريال، وهو مبلغ كبير جدا على قدرات 80 في المائة من المواطنين؟».
وزاد العليان بأن القطاع لا يخلو من حركة اعتيادية في نشاطه، إلا أنها ليست بالمستوى الذي يجب أن تكون عليه السوق السعودية، نظرا للحاجة الكبيرة إلى المساكن، في ظل العرض المتوقف، الذي لم يجد إلا مشترين قلائل، ممن تمكنهم إمكاناتهم المادية من تملك منزل العمر.
ونوّه بأن هناك انخفاضا بدأ يطفو على السطح، إلا أن المستوى لم يصل إلى ما يطمح إليه المستهلك، وهو انهيار السوق، وهو أمر مستبعد للغاية، إلا أن الأسعار ستشهد انخفاضا لا محالة.
من جهته، قدر عبد الله البواردي الخبير العقاري نسبة هبوط الأسعار عند تنفيذ الوزارة مشروعاتها بأنها تتجاوز الـ30 في المائة، مبينا أن العزوف سيبلغ أقصاه مما سيجبر التجار على خفض الأسعار في محاولة لكسب شريحة من المشترين، الذين سيتوجهون إلى المشروعات الحكومية فقط نظير انخفاض أسعارها.
وأكد أن الانخفاض سيكون تدريجيا، وذلك لأن التجار يحاولون إثبات أن السوق متماسكة وأن العمليات التجارية تجرِ، مبينا أن هناك حركة تعيشها السوق لكسر حاجز العزوف، ما اضطر بعضهم إلى التوقف مؤقتا حتى تتضح الرؤية. ولفت إلى أن وزارة الإسكان سترسم المستقبل الجديد لسوق العقار، سواء التزمت أو لم تلتزم، وأن وعودها ستلقي بظلالها على أداء السوق سواء بالإيجاب أو السلب.



جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
TT

جدل أميركي حول تأثير بناء الشقق الفاخرة في الأحياء الفقيرة

المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه
المباني الجديدة مشكلة وحل في الوقت نفسه

غالباً ما ينظر النشطاء في مجال الإسكان بالولايات المتحدة الأميركية إلى بناء المباني السكنية الجديدة على أنه هو المشكلة، حيث يتم السماح للمطورين العقاريين ببناء مزيد من المساكن، لا سيما في الأحياء الفقيرة، مما يجعل المستأجرين والجيران في هذه المناطق يخشون من ارتفاع أسعار السوق وزيادة تكلفة الإيجارات عليهم، في حين يميل الاقتصاديون، من ناحية أخرى، إلى رؤية المباني الجديدة بوصفها الحل وليست المشكلة، حيث يقولون إن الطريقة الوحيدة لتخفيف النقص في عدد الشقق، الذي بدوره يؤدي إلى رفع الإيجارات، هي بناء مزيد من المساكن، فهم يؤكدون أن بناء ما يكفي من المساكن سيؤدي لانخفاض الإيجارات بشكل عام.
وتعدّ الإشكالية بين هذين الرأيين أساس حالة الجدل المثارة حول البناء الفردي والمعارك الأوسع حول كيفية تخفيف أزمة الإسكان في الولايات المتحدة. وحتى وقت قريب، لم تكن هناك أي بيانات تقريباً على نطاق الأحياء لحل هذه الأزمة، ويبدو أن كلا الرأيين صحيح في الوقت نفسه، فالمساكن الجديدة قد تساعد في خفض الإيجارات في مناطق المترو على سبيل المثال وذلك حتى في الوقت الذي قد يعني فيه ذلك زيادة الطلب على هذه المناطق مما يزيد من قيمة الإيجارات فيها.
وتقدم دراسات جديدة عدة أخيراً بعض الأدلة المشجعة، إن لم تكن كاملة، حيث نظر الباحثون في جامعة نيويورك و«معهد آب جون»، وجامعة مينيسوتا، إلى ما يحدث بشكل مباشر مع بناء المساكن الجديدة، واسعة النطاق، والتي تُباع بسعر السوق (دون قيود على قيمة الإيجار)، حيث تشير دراسات عدة بالفعل إلى أن المناطق التي تبني مزيداً من المساكن تكون أسعارها معقولة، وتتساءل هذه الدراسات الحديثة عما إذا كان هذا النمط يظل ثابتاً عند النظر إلى بناء المساكن الفردية وليس المجمعات السكنية الكبيرة.
وتشير النتائج، مجتمعة، إلى أن المساكن الجديدة يمكن أن تخفف من حدة ارتفاع الإيجارات في المباني الأخرى القريبة، لكن جاء رأي هذه النتائج مختلطاً حول ما إذا كان المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض يستفيدون بشكل مباشر من المباني الجديدة أيضاً.
وتمثل أنواع المباني التي تصفها هذه الدراسات، والتي تخضع لسعر السوق وتتكون من 50 وحدة سكنية أو أكثر، غالبية المباني الجديدة الآن، كما تستهدف الغالبية العظمى من الشقق الجديدة اليوم المستأجرين من ذوي الدخل المرتفع، حيث يبلغ متوسط الإيجار لوحدة جديدة الآن 1620 دولاراً أميركياً في الشهر، أي أعلى بنسبة 78 في المائة من متوسط الإيجار على مستوى البلاد، وذلك وفقاً لـ«مركز هارفارد المشترك للدراسات الإسكانية»، (كما أن الهوة بين هذه الأرقام آخذة في الاتساع)، وتميل هذه المباني أيضاً إلى أن تكون الأكثر ظهوراً في المعارك المتعلقة بالإسكان في مختلف الأحياء الأميركية.
وتقول الزميلة في «مركز فورمان» بجامعة نيويورك، والتي درست تأثير المباني الجديدة في نيويورك، شياودي لي: «المستأجرون لا يحبون فكرة بناء المباني الشاهقة الجديدة، وذلك لأنهم يجدون هناك ارتفاعاً أيضاً في قيمة الإيجارات لديهم».
وقد يفترض الجيران أن المباني الجديدة تتسبب في ارتفاع الإيجارات، وهذا أمر مبرر إذا كانت المباني الجديدة تجذب كثيراً من السكان الأكثر ثراءً، والذين بدورهم يجذبون وسائل الراحة الراقية التي تجعل الحي مرغوباً فيه بشكل أكبر.
وتضيف لي: «السؤال الرئيسي هنا هو: ما التأثير الحقيقي لبناء هذه المباني؟». وقد وجدت لي أن المباني الجديدة في نيويورك تجذب مزيداً من المطاعم والمقاهي في المناطق المجاورة، لكنها خلصت إلى أن أي تأثير قد يؤدي لرفع الإيجارات في المناطق المجاورة لهذه المرافق، سيتم وقفه بسبب زيادة المعروض من المباني، وهو الأمر الذي يؤدي لخفض الإيجارات، كما وجدت أنه مقابل كل زيادة بنسبة 10 في المائة في المعروض من المساكن، فإن إيجارات العقارات التي تقع على مسافة 500 قدم تنخفض بنسبة واحد في المائة، وذلك مقارنة بالمناطق الأخرى التي يرتفع فيها الطلب.
ولكن يبدو أن هذه الفوائد ستذهب للمستأجرين في المباني الراقية والمتوسطة القريبة، حيث يفترض أن مالكي العقارات يرون منافسة جديدة في الجوار مما يدفعهم لتعديل قيمة إيجارات مساكنهم بما يتناسب مع هذه المنافسة، لكن «لي» وجدت أن المباني الجديدة ليس لها أي تأثير على إيجار العقارات التي تقع على بُعد أكثر من 500 قدم، وأنها لا تؤثر أيضاً على إيجارات الوحدات منخفضة التكلفة القريبة، وذلك لأنه ربما لا يرى ملاك هذه الوحدات الأبراج الفاخرة الجديدة على أنها منافسة لهم بشكل مباشر.
وفي دراسة منفصلة، وجد براين أسكويث وإيفان ماست من «معهد آب جون»، وديفين ريد في «بنك فيلادلفيا الفيدرالي»، مجموعة مماثلة من النتائج في 11 مدينة رئيسية، بما في ذلك أتلانتا وأوستن وشيكاغو ودنفر، وشملت الدراسة المباني الجديدة التي تضم 50 وحدة على الأقل والتي تم بناؤها في أحياء يقطنها ذوو الدخل المنخفض في وسط المدينة، ويقدر هؤلاء الباحثون أن هذه المباني الجديدة تؤدي لخفض الإيجارات بنسبة بين 5 و7 في المائة في المناطق المجاورة بشكل مباشر، وذلك مقارنة بقيمة الإيجارات المتوقعة في حال لم يكن قد تم بناء هذه المباني الجديدة.
ولكن لا تعني الدراسة أن الإيجارات تنخفض بالفعل، إلا إنها تشير، بدلاً من ذلك، إلى أن المباني الجديدة تبطئ وتيرة زيادة الإيجارات في أنواع الأحياء التي يصفها المطورون العقاريون بأنها مرتفعة بالفعل، حيث إنه بحلول الوقت الذي يصل فيه هؤلاء المطورون إلى حي ما، خصوصاً مع وجود خطط لمشاريع كبيرة الحجم، فإنه من المرجح أن ترتفع الإيجارات بشكل سريع.
وعن تفسيره النتائج التي توصل إليها في اجتماع عام بشأن الرؤية السابقة، يقول ماست: «الأثرياء يتطلعون بالفعل إلى الانتقال إلى حي ما، ولذلك فإنه يمكننا بناء ذلك المبنى الذي يمنحهم شكل الوحدة التي يريدون أن يعيشوا فيها، وفي حال لم نفعل ذلك، فإنهم سيقومون بشراء وحدة في مكان قريب ثم سيقومون بتجديدها».
وقد يكون هذا الرأي غير مريح بالنسبة للمقيمين في الأحياء منذ فترة طويلة، خصوصاً أولئك الذين يشعرون بالقلق من التغيرات التي تحدث في أحيائهم والتي تتجاوز فكرة قيمة الإيجارات فقط، لكنه يمثل رداً على نقطة واحدة على الأقل فيما يخص الجدل المثار حول بناء المباني السكنية الجديدة.
ويقول الأستاذ في جامعة نيويورك، إنغريد غولد إيلين: «هذه النتائج تشير ببساطة إلى أن بناء مزيد من المساكن في أحد الأحياء لن يؤدي إلى تفاقم أعباء الإيجار المرتفعة، ولكنه قد يساعد في التخفيف من حدتها».
ويأتي أحد التحذيرات في الأبحاث التي أجراها أنتوني داميانو وكريس فرينير، اللذان يدرسان للحصول على الدكتوراه في جامعة مينيسوتا، حيث قاما بدراسة المباني الجديدة واسعة النطاق التي بنيت في مينابولس، وقد وجدوا أن بناء المساكن الجديدة قد ساعد في تخفيف حدة ارتفاع قيمة الإيجارات للوحدات الراقية القريبة، لكنهم خلصوا إلى أنه في الثلث الأسفل من السوق يكون للمباني الجديدة تأثير معاكس، حيث ترتفع قيمة الإيجار بشكل سريع.
ومن الممكن في بعض السياقات أن يتسبب بناء الشقق الجديدة، التي تباع وفقاً لسعر السوق، في قيام ملاك العقارات في المناطق القريبة بكبح جماح قيمة إيجار شققهم، لكنه قد يتسبب أيضاً في رؤية مجموعة أخرى من الملاك أن قيمة إيجاراتهم تعد قليلة مقارنة بالأسعار الجديدة، ومن المحتمل أن يشعر المستأجرون من ذوي الدخل المنخفض بالغضب من المساكن الجديدة في البداية، وذلك حتى لو كانوا سيستفيدون منها على المدى الطويل، وذلك لأنه مع تقدم عُمر هذه المباني الجديدة، فإن أسعارها تصبح في المتناول.
وبشكل عام، فإن هناك أدلة في هذه الدراسات كافة على أن العرض والطلب يعملان على النحو الذي يتوقعه الاقتصاديون، وذلك حتى على نطاق الحي الواحد، ولكن هناك أيضاً أدلة على تحقيق مخاوف المستأجرين الأكثر فقراً.
ويقول داميانو: «هؤلاء هم الأشخاص الذين مروا بعدد كبير من التجديدات الحضرية، وإنشاء الطرق السريعة، والاستثمار العام في الإسكان، وإخفاقات التخطيط الأوسع والمؤسسات الحكومية على مرّ الأجيال، وأعتقد أن الخوف من مجرد جملة (مبنى جديد) هو خوف حقيقي ومبرر، والأمر متروك للمخططين وصانعي السياسات للنظر إلى تلك المخاوف بشكل جيد».

* خدمة «نيويورك تايمز»