باسل بن جابر.. السعودي الذي يريد تعطير العالم بالـ«ثمين» والعود المعتق

سعر بعض عطوره يقدر بـ2750 جنيها إسترلينيا.. والإقبال لا يتراجع

باسل بن جابر.. السعودي الذي يريد تعطير العالم بالـ«ثمين» والعود المعتق
TT

باسل بن جابر.. السعودي الذي يريد تعطير العالم بالـ«ثمين» والعود المعتق

باسل بن جابر.. السعودي الذي يريد تعطير العالم بالـ«ثمين» والعود المعتق

* هناك عطور يدخل فيها العود وأجدها مدهشة وهناك أخرى أجدها أقل من عادية ولا تفهم معناه وطبيعته
* مهما كانت وصفتك رائعة فإنها تفقد الكثير من سحرها ولذتها إذا افتقدت مكونا واحدا وأساسيا

«ثمين»، (Thameen) اسم ماركة عطور يتردد صداها بقوة هذه الأيام في لندن، خصوصا بعد أن خصصت لها محلات «سيلفريدجز» ركنا بارزا. أسعار بعضها قد تصيب البعض برجفة، إذ قد تصل إلى 2750 جنيها إسترلينيا مثل عطر «بالاس عود»، (Palace Oud)، لكنها في الوقت ذاته تزيد من جاذبيتها في عيون الذواقة الذين يعشقون كل ما هو فريد ونادر. وهذا ما يعرفه جيدا السعودي الشاب، باسل بن جابر، صاحب هذه الماركة. منذ البداية كان يريدها أن تكون نخبوية تتوجه إلى الذواقة، وهو أمر لن يغيره أو يعتذر عنه. ويشرح بأن اسم الماركة نفسها يعني كل ما هو غال ونفيس، ومشتق من الأحجار الثمينة التي كان والده يطلق أسماءها على زيوته الخاصة، واصفا إياها بـ«كنز ثمين». وربما هذه العلاقة الحميمية بين العطر والجواهر هي أكثر ما يلفت النظر في الخلاصات التي يستعملها والتسميات التي أطلقها على كل عطر في مجموعته الأخيرة.
عطر «نور العين» مثلا يستوحي اسمه من تاج مرصع بالماس الوردي معروض في متحف طهران، وبالتالي كان مهما أن تدخل فيه مكونات وردية. عطر «بيكوك ثرون» (عرش الطاووس) مستوحى من كرسي صنع من أجل أباطرة الفرس في الهند، وكان أغلى قطعة أثاث على الإطلاق وقتها، إذ رصع بآلاف الأحجار من الماس والزمرد والياقوت واللؤلؤ، مما حتم استعمال خلاصات مترفة وغنية فيها الكثير من القوة والتحدي. كذلك عطر «مون أوف بارودا»، الذي تغلب عليه خلاصات شجر الأرز، واستوحاه من قلادة مرصعة بماسة صفراء ظهرت بها النجمة الراحلة مارلين مونرو في فيلم «الرجال يفضلون الشقراوات». وهكذا من الأسماء التي لم تأت من فراغ، بل لكل منها قصة وسر. عن البدايات وسر المهنة، حدثنا باسل بن جابر قائلا إنه ورث عشقه هذا عن والده، الذي كان يرافقه منذ الطفولة في زياراته إلى العطارين لشراء الورد، ويقف مشدوها وهو يراقبه يختار الجيد منها، وكيف يتعامل مع العطارين. يقول: «كان والدي يعشق كل الخلاصات المترفة والنادرة، خصوصا ورد الطائف، وهذا ما جعلني أحلم بأن أطلق يوما عطورا فاخرة تميز صاحبها وتعلن قدومه قبل أن تراه. فمن الذكريات التي لا يمكنني أن أنساها أبدا، بحثي عن والدي في شوارع الرياض الخلفية مستدلا عليه برائحته. كان عطره يميزه عن الكل، يمتزج فيه ورد الطائف بورد تركيا، مما كان يجعلني أقتفي أثره بسهولة». ويضيف مبتسما: «ثم إن الرياض في ذلك الوقت كانت لا تزال صغيرة».
يعترف باسل بأن علاقته بالعطور علاقة عاطفية أولا وأخيرا، يعتمد فيها على رؤيته وقناعته مهما كلفه الأمر من جهد ووقت. والفضل يعود إلى أنه يتمتع بترف الاستقلالية وليس خاضعا لإملاءات السوق أو متطلبات مساهمين، وما شابه. هذا يعني أنه بإمكانه أخذ الوقت الكافي حتى يأتي العطر بالمواصفات التي ترضيه، ويختزل فيه فكرة العطر الكامل الأوصاف والمواصفات. يقول إن مجموعة «ثمين» الأخيرة استغرقت منه عامين من التجارب والبحث عن المكونات النادرة والفريدة، مثل خشب الأرز اللبناني، الذي استعمله في عطر «مون أوف بارودا» مثلا. فهذه المكونات المترفة، هي الأساس الذي ينطلق منه، وكل واحد منها يكمل الآخر، وحسب قوله: «إنها توازي في أهميتها مكونات طبق شهي. فمهما كانت وصفتك رائعة فإنها تفقد الكثير من سحرها ولذتها إذا افتقدت مكونا واحدا وأساسيا».
واللافت في كل عطوره حتى الآن تكرر ورد الطائف فيها لأنه برأيه: «من أجمل أنواع الورود في العالم، رغم أنه لم يأخذ حقه بالكامل في صناعة العطور». ويتابع: «بين الفترة والأخرى، أقع في حب رائحة معينة، وفي هذه الفترة، أنا مدمن عطر (نور العين) الذي يمتزج فيه ورد تركيا بورد الطائف، ربما لأنه يذكرني بخلطة والدي وذكرياتي معه بسوق العطارين في الرياض القديمة. والحقيقة أن المجموعة كلها، مستلهمة من الأحجار الثمينة لأنها أيضا تذكرني به وهو يصف زيوته بـ(كنز ثمين)، موحيا لي بأنها جواهر تضج بالألوان وبالبريق. وبالفعل، كان غوصي في تاريخ بعض هذه الجواهر، ملهما لي، ووجدت في ترجمة جمالياتها في عطر، رحلة فكرية وعاطفية في الوقت ذاته. خذي مثلا الماسة (ذي كوهي نور)، أشهر ماسة في التاريخ لا تزال ترصع التاج البريطاني، فقد جعلتني أفكر في نغمات تبرق وتلمع وتخطف الأنفاس لترجمة روعتها في رائحة تخلف نفس الإحساس.. كانت العملية تحديا كبيرا». لكن عندما يتطرق الحديث إلى العود، فإنه يتحمس بنفس القدر، ويبدو ملما بكل أسراره وخباياه، ويشرح: «إنه يأتي في أشكال كثيرة، لكل واحدة منها خصوصيتها، ويكمن غلاؤه في ندرته. ولا بد من الإشارة هنا إلى أنه عنصر جديد في الغرب، مما يجعل صناع العطور متحمسين له كثيرا. وبالفعل، هناك عطور يدخل فيها وأجدها مدهشة، وهناك أخرى أجدها أقل من عادية ولا تفهم معنى العود. والسبب أن الكثير من الأنوف أو صناع العطور ليست لديهم خلفية ثقافية كافية لكي يفهموه ويحسنوا استعماله، لهذا تأتي النتيجة غير جيدة. أنوي طرح مجموعة محدودة من العود قبل نهاية العام الحالي، كما لدينا (كارفد عود) الذي يستعمل بطريقة راقية وأيقونية، لأنه معتق، وأنا فخور به». ما لم يقله باسل بن جابر إن كل عطور العود التي طرحت في العقد الأخير من قبل المصممين والشركات الغربية، لقيت نجاحا كبيرا في سوق الشرق الأوسط أكثر من غيرها، لأنها أكثر الأسواق عشقا له، كما أنه كان متعطشا لعطور تضج بعبق الشرق ودفئه، لكن بأسلوب فرنسي عصري وبطريقة غير تقليدية.
هل هذا ما جعل العطار الشاب يصر على أن يطلق ماركته في لندن تحديدا وينوي افتتاح محلات جديدة في عواصم أوروبية أخرى؟ يرد بأن السبب الأساسي يعود إلى طبيعة عطوره، فهي نخبوية وليست محلية: «فأنا لا أضع نصب عيني جنسيات بعينها عند ابتكارها، بل زبائن يتذوقون كل ما هو رفيع، وأنا واثق بأن هذا يشمل عارفين ومتذوقين من كل أنحاء العالم. أما لندن، فلا يختلف اثنان على أنها عاصمة رائعة، تعانق الكثير من الثقافات ومفتوحة على العالم بكل اختلافاته. الجميل فيها أيضا أنها تستقبل كل جديد بالأحضان وبحرارة. وبما أن العرب القادمين إليها يبحثون عن كل ما هو جديد، فإنني لاحظت أن (ثمين) لمس وترا حساسا لديهم، وكأنه كان عز الطلب. أملي أن يتذوق الأنف الغربي كل العناصر التي تدخل في صلب هذه العطور، لأننا تربينا عليها وتعودنا عليها، من العود الدافئ إلى ورد الطائف، مرورا بخشب الصندل والأرز والبهارات والمسك. كذلك لأنها عطور تثير العاطفة وتخاطب الحواس بشكل مباشر، وهذا جزء من الرسالة التي أريد أن أوصلها لزبائني. فقد حرصت منذ البداية، على أن أمزج مكونات وعناصر من الشرق الأوسط بأسلوب أوروبي تقليدي في صناعة العطر حتى أجمع الأفضل. ويمكنني القول إن ما طرحته حتى الآن، يأخذ أي واحد في رحلة مثيرة، دائما بنغمات شرقية بارزة. خذي مثلا عطر (مون أوف بارودا)، فهو يفتتح بنغمة بسيطة تتطور لعدة نغمات في الوسط، وهو ما يعتبر تقنية صعبة جدا لا يمكن لأي كان أن يتقنها». ومع ذلك لا ينكر أن دخول المنافسة في سوق تعج بالعطارين الغربيين الذين يزورون كل الثقافات ويستقون منها، لم يكن مفروشا بالورد، إلا أنه كان مستعدا للمنافسة، انطلاقا من قناعته بأنه يملك سلاحين لا يخيبان يتمثلان في جودة المنتج وعشق المهنة. أما المقارنة بما يطرحه الآخرون، فهي بعيدة عن باله ولا يوليها أي اهتمام: «لأنني لو فعلت، سأكون تابعا لا رائدا»، حسب قوله. لكن يبقى أهم ما يفرق باسل بن جابر عن غيره من الأنوف والعطارين الذين أسهبوا في استعمال الأخشاب الشرقية والعود لجذب أكبر سوق مستهلكة للعطور في العالم، ألا وهي سوق الشرق الأوسط، إلمامه بكل صغيرة وكبيرة في هذه الصناعة، بدءا من الخلطات وأنواع الزيوت والورود والأخشاب وغيرها إلى تاريخها ودور العرب في تطويرها وتصديرها للعالم، حتى إنه يمكن أن يعطي دروسا في هذا التاريخ. يقول إن المسلمين «استخدموا العطور النباتية والحيوانية وبرعوا في مزجها وتركيبها منذ العصر العباسي، واستخلصوا منها أصنافا من الدهون والبخور والمياه العطرية التي لها روائح زكية لم تكن معروفة من قبل. وأنشئت للعطور بمختلف أنواعها في مدن العالم الإسلامي أسواق خاصة بها سميت أسواق العطارين، كان أشهرها سوق العطارين في بغداد»، كما يقول.
ويتابع: «تظهر أهمية صناعة العطور وتجارتها في تلك الفترة من عدد المصنفات التي ألفت في تلك الفترة، والتي تتحدث عن أنواعها الكثيرة والأطياب المتداولة عند العرب المسلمين وكيفية مزجها وتركيبها وأهم المواد المستخدمة في تحضيرها والأجهزة والأدوات المختبرية المستعملة. كما ازدهرت في هذا العصر صناعة تقطير الزهور واستخلاص الماء المعطر وبيعه وتصديره إلى الخارج، لا سيما أن زراعة الأزهار والورود، وانتشار الحدائق والبساتين في بغداد والبصرة والكوفة وغيرها من المدن الإسلامية، أسهمت في ازدهار هذه الصناعة وتطورها». لهذا كله يبدو أن غزوه أسواق العالم بعطوره الخاصة ما هو إلا تطور طبيعي لهذه الصناعة التي أتقنها العرب وأبدعوا فيها، قبل أن يسحب الغرب السجاد من تحت أقدامهم.

* تتوفر عطوره حصريا في محلات «سيلفريدجز» (Selfridges).



غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
TT

غادر هادي سليمان «سيلين» وهي تعبق بالدفء والجمال

توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)
توسعت الدار مؤخراً في كل ما يتعلق بالأناقة واللياقة لخلق أسلوب حياة متكامل (سيلين)

بعد عدة أشهر من المفاوضات الشائكة، انتهى الأمر بفض الشراكة بين المصمم هادي سليمان ودار «سيلين». طوال هذه الأشهر انتشرت الكثير من التكهنات والشائعات حول مصيره ومستقبله. ولحد الآن لا يُحدد المصمم هذا المستقبل. لكن المؤكد أنه ضاعف مبيعات «سيلين» خلال الست سنوات التي قضاها فيها مديراً إبداعياً. غادرها وهي قوية ومخلفاً إرثاً لا يستهان به، يتمثل في تأسيسه قسماً جديداً للعطور ومستحضرات التجميل. فهو لم يكن يعتبر نفسه مسؤولاً عن ابتكار الأزياء والإكسسوارات فحسب، بل مسؤولاً على تجميل صورتها من كل الزوايا، ومن ثم تحسين أدائها.

العطور ومستحضرات التجميل جزء من الحياة ولا يمكن تجاهلهما وفق هادي سليمان (سيلين)

نجح وفق تقديرات المحللين في رفع إيراداتها من 850 مليون دولار حين تسلمها في عام 2018، إلى ما يقرب من 3.27 مليار دولار عندما غادرها. الفضل يعود إلى أسلوبه الرشيق المتراقص على نغمات الروك أند رول من جهة، وإدخاله تغييرات مهمة على «لوغو» الدار وإكسسواراتها من جهة أخرى. هذا عدا عن اقتحامه مجالات أخرى باتت جزءاً لا يتجزأ من الحياة المترفة تعكس روح «سيلين» الباريسية، مثل التجميل واللياقة البدنية.

اجتهد في رسم جمال الدار في عام 2023 وكأنه كان يعرف أن الوقت من ذهب (سيلين)

بعد عام تقريباً من تسلمه مقاليد «سيلين» بدأ يفكر في التوسع لعالم الجمال. طرح فعلاً مجموعة من العطور المتخصصة استوحاها من تجاربه الخاصة والأماكن التي عاش أو عمل فيها. استعمل فيها مكونات مترفة، ما ساهم في نجاحها. هذا النجاح شجعه على تقديم المزيد من المنتجات الأخرى، منها ما يتعلق برياضة الـ«بيلاتيس» زينها بـ«لوغو» الدار.

يعمل هادي سليمان على إرساء أسلوب حياة يحمل بصماته ونظرته للجمال (سيلين)

مستحضرات التجميل كان لها جُزء كبير في خطته. كان لا بد بالنسبة له أن ترافق عطوره منتجات للعناية بالبشرة والجسم تُعزز رائحتها وتأثيرها. هنا أيضاً حرص أن تشمل كل جزئية في هذا المجال، من صابون معطر يحمل رائحة الدار وكريمات ترطيب وتغذية إلى بخاخ عطري للشعر وهلم جرا.

في عام 2019 طرح مجموعة عطور متخصصة أتبعها بمنتجات للعناية بالبشرة والجسم (سيلين)

كانت هذه المنتجات البداية فقط بالنسبة له، لأنه سرعان ما أتبعها بمستحضرات ماكياج وكأنه كان يعرف أن وقته في الدار قصير. كان أول الغيث منها أحمر شفاه، قدمته الدار خلال أسبوع باريس الأخير. من بين ميزاته أنه أحمر شفاه يرطب ويلون لساعات من دون أن يتزحزح من مكانه. فهو هنا يراعي ظروف امرأة لها نشاطات متعددة وليس لديها الوقت الكافي لتجدده في كل ساعة.

بدأ بأحمر شفاه واحد حتى يجس نبض الشعر ويُتقن باقي الألوان لتليق باسم «سيلين» (سيلين)

حتى يأتي بالجودة المطلوبة، لم تتسرع الدار في طرح كل الألوان مرة واحدة. اكتفت بواحد هو Rouge Triomphe «روج تريومف» على أن تُتبعه بـ15 درجات ألوان أخرى تناسب كل البشرات بحلول 2025 إضافة إلى ماسكارا وأقلام كحل وبودرة وظلال خدود وغيرها. السؤال الآن هو هل ستبقى الصورة التي رسمها هادي سليمان لامرأة «سيلين» وأرسى بها أسلوب حياة متكامل يحمل نظرته للجمال، ستبقى راسخة أم أن خليفته، مايكل رايدر، سيعمل على تغييرها لكي يضع بصمته الخاصة. في كل الأحوال فإن الأسس موجودة ولن يصعب عليه ذلك.