تونس: اندلاع معركة دستورية بسبب تكليف الشاهد رئاسة الحكومة المقبلة

تأجيل موعد إجراء الانتخابات البلدية المقبلة

تونس: اندلاع معركة دستورية بسبب تكليف الشاهد رئاسة الحكومة المقبلة
TT
20

تونس: اندلاع معركة دستورية بسبب تكليف الشاهد رئاسة الحكومة المقبلة

تونس: اندلاع معركة دستورية بسبب تكليف الشاهد رئاسة الحكومة المقبلة

تسبب تكليف يوسف الشاهد برئاسة حكومة الوحدة الوطنية في تونس في ظهور خلافات جوهرية، وجدل قانوني وسياسي في تفسير فصول دستور 2014 بشأن إجراءات التكليف، وتحديد معاني «تكليف الشخصية الأقدر» برئاسة الحكومة، ومدى ارتباط هذه العملية بنتائج الانتخابات البرلمانية وتشكيل حكومة جديدة.
وفي انتظار الإعلان عن تركيبة الحكومة وهيكلتها، وعدد أعضائها قبل 15 من أغسطس (آب) الحالي، حسبما أعلن عن ذلك رئيس الحكومة المكلف، اختلف خبراء في القانون الدستوري حول تكليف الشاهد، وتوافقوا حول صعوبة تأويل محتوى الدستور التونسي، وانعكس هذا الاختلاف على الساحة السياسية، وتحول إلى محور جدل سياسي أساسي بين مختلف الأحزاب السياسية، سواء التي تؤيد الشاهد أو تلك التي تخلت عن المشاركة.
وفي هذا السياق، قال قيس سعيد الخبير في القانون الدستوري لـ«الشرق الأوسط» إن القضية لا تتعلق بمسائل إجرائية ترتبط بالدستور الدستوري، واعتبر أن الفصل 89 من الدستور الذي تم اعتماده في تكليف الشاهد برئاسة الحكومة يمكن أن يثير الكثير من الخلافات القانونية، على اعتبار أنه يتعلق بتشكيل الحكومة إثر الإعلان عن النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، وهو ما لا ينطبق على الوضع السياسي الحالي.
وفي السياق ذاته، قال الصادق بلعيد الخبير في القانون الدستوري، إن تكليف يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة المقبلة يعتبر خطوة مخالفة للدستور، مضيفا أن الاعتماد على الفصل 89 من الدستور لتكليف الشاهد برئاسة الحكومة غير دستوري، لأن الاعتماد على هذا الفصل تحديدا ينطبق في حال وجود انتخابات برلمانية جديدة ورئيس حكومة جديد.
وتطرق بلعيد في تصريح إعلامي إلى إمكانية الطعن في هذا التكليف أمام الهيئة التونسية الوقتية لمراقبة دستورية القوانين، وهذا الإجراء سيؤدي في حال تنفيذه إلى حدوث فراغ دستوري على حد تقديره، وذلك في ظل حكومة سحبت منها الثقة أمام البرلمان، وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال، وهي مستقيلة من الناحية الدستورية ومحدودة الصلاحيات.
وحول هذا الجدل القانوني قدم البرلمان تعقيبا أوضح أن الطعن في قرار تكليف يوسف الشاهد بتشكيل الحكومة المقبلة لا يعود إلى الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين، التي لا تمتلك الاختصاص المطلوب ويتجاوز صلاحياتها القانونية.
وفي هذا الشأن قال حسان الفطحلي، المكلف الإعلام في مجلس نواب الشعب (البرلمان) إن الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين ليست لها صلاحيات المحكمة الدستورية، بل إنها تختص فقط في مراقبة دستورية مشاريع القوانين، وذلك وفق القانون الأساسي المنظم لها.
وتتولى هذه الهيئة مراقبة دستورية مشاريع القوانين بناء على طلب من رئيس الجمهورية، أو رئيس الحكومة، أو ثلاثين نائبا في البرلمان على الأقل.
وبخصوص إشارة الفصل 89 من الدستور إلى تكليف الشخصية الأقدر دستوريا على رئاسة الحكومة، اعتبر الفطحلي أن المسألة لا ترتبط بنتيجة الانتخابات البرلمانية على حد قوله.
على صعيد غير متصل، قال شفيق صرصار رئيس الهيئة العليا المستقلة للانتخابات، إثر لقاء جمعه أمس مع الرئيس الباجي قائد السبسي حول مسار الانتخابات البلدية المعطل، إن موعد إجراء الانتخابات في 26 مارس (آذار) 2017 أصبح ملغى بعد تأخير مصادقة البرلمان بشهرين على القانون الانتخابات البلدية، وتأثير هذا التأخير على بقية روزنامة إجراء الانتخابات التي كانت مقررة نهاية الربع الأول من السنة المقبلة، مشيرا إلى أن عدم المصادقة على قانون الانتخابات البلدية قبل يوم 22 يوليو (تموز) الماضي ودخول البرلمان في عطلة سنوية أدى عمليا إلى صعوبة إجراء الانتخابات البلدية في شهر مارس المقبل.
وفيما يتعلق بأسباب تأجيل موعد الانتخابات ومن يقف وراءها، قال صرصار إن القانون الانتخابي المتعلق بالانتخابات البلدية معطل في بعض الجزئيات، التي يمكن الاتفاق عليها في حيز زمني بسيط، مضيفا أن بعض الأحزاب السياسية تعمدت تأخير موعد هذا الاستحقاق الانتخابي لاعتبارات ضيقة.
وعبر صرصار عن تخوفات جدية من تأثير هذا التأخير على نفسية التونسيين، وتوقع أن يفقد الكثير منهم الثقة بصفة تدريجية في المسار الديمقراطي، وفي الطبقة السياسية برمتها، وهو ما قد يؤدي إلى العزوف عن المشاركة في الانتخابات المقبلة.
وبشأن تحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات البلدية المقبلة، قال صرصار إن ذلك مرتبط بمصادقة البرلمان على القانون الانتخابي، وتجاوز بعض النقاط المعلقة على غرار الخلاف حول تشريك الأمنيين والعسكريين في الانتخابات، والتناصف العمودي والأفقي في اللوائح الانتخابية، وتحديد السجلات الانتخابية.



خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
TT
20

خدمة التوصيل تزدهر في صنعاء رغم تردي المعيشة

بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)
بسبب تدهور المعيشة توقف نشاط عدد من شركات التوصيل في صنعاء (فيسبوك)

برغم فشل غالبية مشاريع خدمة التوصيل في العاصمة اليمنية صنعاء بسبب غلاء المعيشة، فإن الطلب عليها لم يتوقف، ويستمر مئات الشباب في تقديمها خصوصاً في شهر رمضان، وتشهد الشوارع المزدحمة قبيل مغرب كل يوم سباقاً مع الوقت يخوضه الشباب العاملون في هذه الخدمة، معرضين حياتهم للخطر.

وغالباً ما تتسبب الدراجات النارية بالكثير من الحوادث المرورية في شوارع صنعاء، ويرفع العاملون في خدمة التوصيل منسوب هذه الحوادث نتيجة رغبتهم في توصيل أكبر عدد من الطلبات لزيادة مداخيلهم، والاستجابة لإلحاح زبائنهم المطالبين بسرعة وصول الوجبات من المطاعم ومستلزمات الوجبات المنزلية من الأسواق.

ويذكر عمار سعيد، وهو عامل توصيل على دراجة هوائية، أن عمله في هذه المهنة يتطلب هدوء أعصاب وتركيزاً شديداً وقدرة على الصبر والتحمل.

ويبين سعيد لـ«الشرق الأوسط» أن غالبية زبائنه يطلبون وصول الطعام بأقصى سرعة، ويستعجلونه خلال تنقلاته بإلحاح شديد وتذمر، ما قد يفقده التركيز أثناء قيادة دراجته، وكثيراً ما يكون مضطراً لتوصيل أكثر من طلب في الوقت نفسه في اتجاهات مختلفة.

عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)
عمال في شركة توصيل في صنعاء خلال حفل تكريم لهم (فيسبوك)

وكانت خدمة التوصيل في العاصمة صنعاء ومدن أخرى قد شهدت ازدهاراً كبيراً منذ 5 أعوام بسبب حائجة كورونا (كوفيد 19) وما تسببت به من عزوف عن الاختلاط والخروج من المنازل، وهو ما دفع بعدد من المستثمرين إلى إنشاء شركات توصيل تستخدم تطبيقات على الهواتف المحمولة.

ويكشف مقيمون في العاصمة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أنه، وبرغم إيقاف العديد من شركات التوصيل نشاطها وتسريح العاملين فيها خلال الأعوام الماضية، فإن الخدمة ذاتها لم تتوقف، بل تشهد تزايداً نسبياً من خلال طلب العائلات والأفراد لها من شبان يتعاملون معهم باستمرار، إلى جانب توظيف المطاعم الكبيرة لعمال توصيل.

ثراء غير متوقع

يستغرب الكثير من المتابعين للوضع في العاصمة صنعاء ومناطق سيطرة الجماعة الحوثية من ظهور وانتشار خدمة التوصيل، في حين يعاني غالبية السكان من أوضاع معيشية صعبة ومعقدة، ولا يملكون القدرة على شراء الطعام من المطاعم، ناهيك عن دفع المزيد من الأموال مقابل خدمة توصيله.

المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)
المطاعم والكافتيريات الشعبية تنتشر في غالبية شوارع وأحياء العاصمة صنعاء (خرائط جوجل)

وبحسب هؤلاء، فإن العاصمة صنعاء تشهد اتساع رقعة البطالة وإغلاق العديد من الشركات التجارية وهروب أصحاب الأموال والاستثمارات، ولم يتبقَّ فيها إلا من لا يستطيع المغادرة لعدم مقدرته على ذلك، أو من لا يخشى على نفسه وممتلكاته من ممارسات الجماعة الحوثية.

إلا أن الباحث الاقتصادي اليمني عادل شمسان يشير إلى أن الإقبال على طلب خدمة التوصيل يأتي بسبب نشوء فئة واسعة تمكنت من الإثراء مستفيدة من الانقلاب والحرب، وهي الفئة التي تسيطر مظاهر ثرائها على المشهد في صنعاء من خلال ظهور أنواع جديدة من السيارات الفارهة والقصور الكبيرة وزيادة النشاط العمراني، مقابل اتساع دائرة الفقر والفاقة.

ويوضح شمسان لـ«الشرق الأوسط» أن هذه الفئة الجديدة نشأت من خلال أعمال النهب المنظم، أو العشوائي، لموارد المؤسسات العامة وأعمال الجباية والإتاوات المفروضة على غالبية السكان، وابتزاز الشركات التجارية ورجال الأعمال والمستثمرين، وتكوين طبقة من المستثمرين الطفيليين الذين سعوا للإثراء من خلال الأموال المنهوبة أو بالشراكة الإجبارية مع أصحاب رؤوس الأموال.

شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)
شركة توصيل في صنعاء استخدمت الخيول قبل ثلاث سنوات للفت الانتباه (إكس)

ويرى مراقبون للشأن اليمني في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية أن هناك فئة أخرى تمكنت من الإثراء من خلال العمل أو النشاط في تقديم المساعدات الإغاثية، سواء مع المنظمات الدولية والأممية أو المحلية، وهو النشاط الذي يشهد فساداً واسعاً بحسب العديد من التقارير.

أطعمة جديدة

يعدّ انتشار خدمة التوصيل في صنعاء أمراً لافتاً، كون الأوضاع المعيشية فيها لا تؤهل لذلك، إلى جانب أن المطاعم الشعبية منتشرة في كل الشوارع والأحياء وبالقرب من جميع المساكن تقريباً، في حين يفضل غالبية السكان إعداد الطعام في المنازل.

تقول لبنى عقلان، وهي طبيبة أسنان، إنها وحتى سنوات قليلة مضت، لم تكن تطلب هذه الخدمة كما هي عليها الآن، وكانت تكتفي بالاتصال الهاتفي إلى الكافتيريا الموجودة في نفس البناية التي تقع فيها عيادتها لطلب الطعام، فيقوم أحد العاملين بإيصاله خلال دقائق معدودة.

انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)
انتشار مشاريع الطبخ في المنازل ساعد في انتشار خدمة التوصيل (الأمم المتحدة)

لكن الأعوام الأخيرة شهدت، بحسب حديث عقلان لـ«الشرق الأوسط»، افتتاح مطاعم تقدم وجبات جديدة ومميزة، وهو ما يغري بطلب إيصالها بسبب ازدحام أوقات العمل وعدم القدرة على التنقل إليها والعودة بسرعة.

أما عصام شرف، وهو اسم مستعار لمعلم فيزياء في إحدى كبريات مدارس العاصمة صنعاء، فيلفت إلى أن طلبات توصيل الطعام تعدّ رفاهية لا يحصل عليها سوى من يملكون القدرة على ذلك، وقد حظي بها بسبب عملها في تقديم الدروس الخصوصية.

الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)
الإثراء بسبب الحرب والانقلاب والفساد أدى إلى انتشار واسع لمطاعم فارهة في صنعاء (خرائط جوجل)

ووفق حديثه لـ«الشرق الأوسط»، فإن الطلاب الذين يقدم لهم الدروس الخصوصية، وغالبيتهم من عائلات ثرية، يطلبون الطعام لهم وله خلال جلسات الدراسة، فيحصل على وجبات لم يكن يفكر حتى بها بسبب أسعارها المرتفعة، وأحياناً يأخذ ما تبقى منها لعائلته في المنزل.

وتساعد مشاريع إعداد الطعام بالمنازل في استمرار خدمة التوصيل، حيث يعتمد أصحاب هذه المشاريع، وأغلبهم من النساء، على شبان يعملون على دراجات نارية أو هوائية في توصيل الطعام إلى الزبائن.