العبيدي والجبوري يتنقلان بين «النزاهة» والقضاء لإثبات التهم أو البراءة

محكمة تستدعي وزير الدفاع للرد على اتهام رئيس البرلمان له بالقذف والتشهير

العبيدي والجبوري يتنقلان بين «النزاهة» والقضاء لإثبات التهم أو البراءة
TT

العبيدي والجبوري يتنقلان بين «النزاهة» والقضاء لإثبات التهم أو البراءة

العبيدي والجبوري يتنقلان بين «النزاهة» والقضاء لإثبات التهم أو البراءة

يواصل رئيس البرلمان العراقي سليم الجبوري، ووزير الدفاع خالد العبيدي، الانتقال من هيئة النزاهة إلى السلطة القضائية إلى المحاكم العراقية شاكين ومشتكين عليهما، وذلك على أثر الجلسة العاصفة التي عقدها البرلمان العراقي الأسبوع الماضي لاستجواب وزير الدفاع، والتي تحولت إلى جلسة لتبادل التهم بين عدة أطراف أصبح القضاء وهيئة النزاهة ساحتها الرئيسية.
وبينما أصدرت محكمة الكرخ مذكرة استقدام بحق وزير الدفاع، بناء على شكوى تقدم بها رئيس البرلمان بحقه بتهمة القذف والسب والتشهير خلال جلسة الاستجواب، فإن كلا الرجلين يواصلان في الوقت نفسه المثول أمام السلطتين القضائية وهيئة النزاهة لإثبات التهم من جانب العبيدي بحق الجبوري ومن معه، وإثبات البراءة من قبل الجبوري بالأصالة عن نفسه.
وحول المذكرة الصادرة من محكمة الكرخ بحق وزير الدفاع يقول الخبير القانوني أحمد الجميلي في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إنه «بموجب قانون العقوبات العراقي لسنة 1969 المعدل فإن إسناد واقعة معينة إلى الغير بإحدى الطرق العلانية من شأنه لو صحت أن توجب عقاب من أسند إليه»، مشيرًا إلى أن «عقوبة القذف هي الحبس أو الغرامة أو بإحدى هاتين العقوبتين». وأشار إلى أن «الوزير يمكن أن يتعرض للعقوبة في حال تم إثبات الواقعة، مع بقاء الأمور الأخرى على حالها من تهم فساد ضد الآخرين، بمن فيهم رئيس البرلمان».
إلى ذلك، أكد وزير الدفاع أن الأسماء التي ذكرت في جلسة الاستجواب البرلمانية هي من حاولت الحصول على «صفقات مشبوهة» في المؤسسة العسكرية. وقال في بيان أمس أن «من حاول ابتزاز المؤسسة العسكرية للحصول على صفقات مشبوهة هم من وردت أسماؤهم في جلسة الاستجواب»، مبينًا أن «التحقيقات الحالية حاليًا في القضاء العراقي كفيلة بكشف كل الحقائق أمام الرأي العام». ودعا العبيدي، بحسب البيان «كل من يملك معلومة أو تهمة تخص شبهات فساد لها علاقة بعقود التسليح أو التجهيز يجب تسليمها إلى هيئة النزاهة أو هيئة الادعاء العام ليأخذ التحقيق مجراه الصحيح».
من جهتها، أعلنت هيئة النزاهة مثول رئيس البرلمان أمام محققيها للإدلاء بإفادته بشأن الاتهامات التي وجهت إليه من العبيدي، فيما أكدت أن إفادات الجبوري دوّنت في محاضر أصولية.
في السياق نفسه أكد عضو لجنة النزاهة النيابية، حيدر الفوادي، أن العبيدي لم يقدم أدلة أو براهين خلال استضافته أمس باللجنة، مشيرًا إلى أن الوزير أكد تقديمه الأدلة للقضاء حفاظا على سير التحقيق. وأضاف الفوادي أن «العبيدي قال أنا فقط أتحدث عن ادعاءات واتهامات، إلا أن الأدلة والبراهين قدمتها للقضاء»، مشيرا إلى أن «اللجنة سألت الوزير بشأن وجود ابتزاز من شخصيات بالتحالف الوطني، حيث أجاب بأنه لا يوجد أي ابتزاز من القيادات السياسية في التحالف الوطني أو الكردستاني أو تحالف القوى، ما عدا فقط النائب محمد الكربولي الذي يتحدث باسم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري». وتابع الفوادي أن «اللجنة طرحت على الوزير مجموعة من الأسئلة التي جاوب عليها ولكن غير مكتملة بالدليل أو قرينة»، مشيرا إلى أنه «أكد أن الأدلة والقرائن قدمها للقضاء، حفاظًا على سير التحقيق،



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.