محمد حناني.. حربة دفاع سعودية قفزت إلى قمة «الشهداء»

والده: «الشهيد» دافع عن وطنه في جازان.. وشقيقه يتصدى للعدو بنجران

محمد حناني.. حربة دفاع سعودية قفزت إلى قمة «الشهداء»
TT

محمد حناني.. حربة دفاع سعودية قفزت إلى قمة «الشهداء»

محمد حناني.. حربة دفاع سعودية قفزت إلى قمة «الشهداء»

عسكري سعودي، من قوات حرس الحدود، كان على الموعد، مدافعًا عن حدود وطنه، بتصديه مع زملائه لمحاولات وتهديدات ميليشيا الحوثي والمخلوع صالح، التي تحاول نقل معركتها الداخلية اليمنية إلى نطاق تهديد الحدود.
درع سعودي، تجلى سهما، لم يكن في خندق للمواجهة، بل صاحب حق في الدفاع، على خط أمامي يدحر العدو، ويضمن سلامة أرض بلاده، مقدمًا عقيدته الوطنية على كل أمر، حتى يكون أمن بلاده كما هو مستقرًا، رغم كل محاولات تهديد استقراره، مقدمًا الروح على كل ما يخطط له من جوانب حياته الفردية الأخرى، عاكسًا روح شباب من الجنسين وقودًا للحاضر والمستقبل.
الجندي أول، محمد حسين حناني، فتى من محافظة صامطة، المنعّمة ببسالة وصمود أهلها في منطقة جازان، والده المزارع في حقول المحافظة، أنبت نباتاته الحية، ما يصدر لتغذية بيته، وجانب أسمى بنبات صالح يجعله في حماية وطنه الأكبر، فكان وإخوته ظلاً تُستدام به رحلة البلاد الكبيرة إلى الأمن الدائم.
غادر محمد منزل والده، صباح أول من أمس، متجهًا لمهمته الأساسية، في مراقبة الحدود السعودية مع اليمن، التي تعيش تحديات المواجهة لنصرة الشعب اليمني ودعم الشرعية فيه ضد الانقلابيين هناك، يقول والده الفخور، والراضي بالقضاء، في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» قبل لحظات من أداء صلاة الجنازة ودفن ابنه: «أن خروجه من المنزل كان قبل ساعات من ورودهم نبأ استشهاده، وهو في كل مرة يخرج فيها من المنزل، كان خروجه وداعيًا، وهي عادته كل يوم».
كان، محمد حناني، في الصورة مساء السبت عبر بيان المتحدث الأمني لوزارة الداخلية، الذي أشار فيه إلى «استشهاد» الجندي أول محمد حناني، وصرح بيان وزارة الداخلية، بأنه عند الساعة العاشرة وخمسين دقيقة من صباح السبت تعرضت إحدى دوريات حرس الحدود بمركز جلاح بمنطقة جازان، وهي تؤدي مهامها في تنفيذ عمليات حفظ الأمن في الحدود الجنوبية، تعرضت لإطلاق نار وقذائف هاون وصواريخ حرارية موجهة، من داخل الأراضي اليمنية؛ حيث تم على الفور مساندة الدورية بما اقتضاه الموقف، والرد على مصادر النيران بالمثل والسيطرة على الوضع، بمساندة من القوات البرية الملكية السعودية، المساندة للوجود الأمني على طول الحدود مع اليمن.
تلك الصورة ستظل مخلدة، وعلى أطرافها قصص وذكريات، لم يعرف السعوديون صوتها، ولم يشاهدوا حُسنها إلا بعد أن غادرت، فالثمرات هي أمن وطن وشعب، يستذكرونها بفخر وسيل من الدعوات، إذ يضيف والد «الشهيد» محمد، مستكملاً حديثه، في زمن رحيل ابنه: «غادر قبل أن يكمل بناء منزله الذي كان يخطط أن يكون هو أولى خطواته قبل أن يتقدم للزواج».
بقي كما يقول بابتسامة حاضرة، لكنه فخور به، وأدائه وتصديه لمحاولات تهديد أمن السعودية، فوالد «الشهيد»، يروي من سماء تتلظى شهبًا، أن محمد لديه شقيق آخر، في ذات القطاع وعلى ذات الجبهة الجنوبية، في قطاع سقام بمنطقة نجران التي هي الأخرى تتسطر فيها وحولها ملاحم انتصارات سعودية متواصلة بكلمة فخر «لدي ابني أحمد وفيه الخير لأهله ووطنه».
المواقف السعودية، حاسمة وواضحة على أن التضحيات التي قدمها أبناؤها ضمن قوات التحالف العربي للدفاع عن الشرعية في اليمن تزيد يومًا بعد آخر في الإصرار والاستمرار على المضي قدمًا لترسيخ التلاحم العربي ووحدة المصير المشترك بين الدول العربية، من أجل مواجهة التحديات الجسام في هذه المرحلة وخدمة لقضاياهم المصيرية، ودفاعا عن أمنهم الإقليمي.
الحكومة السعودية اعتمدت إنشاء صندوق يعتني بأسر الشهداء وإصلاح أوضاع من لديهم التزامات مالية إضافية وفق آلية تشاركيّة مع مجمل وزارات: الداخلية والدفاع، والحرس الوطني، ووزارات خدمية أخرى، تحفظ لهم مكانتهم وتحقق معالجة الأولويات، تقديرًا منها لتضحيات «شهداء الواجب» الذين قدموا أرواحهم في سبيل الدفاع عن دينهم وأمن وطنهم واستقراره، وهو ما يؤكده، الأمير محمد بن نايف ولي العهد وزير الداخلية، على أن تضحيات شهداء الواجب والأسرى والمصابين والمفقودين ستظل على الدوام محل اعتزاز الوطن قيادة وشعبًا، وستظل أسرهم وذووهم محط الرعاية والاهتمام الدائمين، وفاء لكل من ضحى بنفسه خدمة لواجب الدين والوطن، وردع كل من يحاول المساس بأمنه وأمن أبنائه والمقيمين فيه.
إحكام دفاعي وقوة في الهجوم لعودة الشرعية في اليمن، يصاحبها حزم أمني في الداخل السعودي، حيث تعمل الأجهزة الأمنية بفاعلية في دحر موجة الإرهاب التي يخطط لها تنظيم داعش، بضربات استباقية، فتشكلت ملحمة وطنية للدفاع عن أمن وحدود المملكة، بينما سحابة شهداء الوطن أضحت نجومًا في سماء السعودية وأمام أعين شعبها.
قوات سعودية تجابه مراحل أخرى من تهديدات ميليشيا الحوثي - صالح، رغم طبيعة الجغرافيا والتضاريس الصعبة التي تحيط بالجزء الجنوبي للمملكة واتصالها مع اليمن، تشكل صعوبات عدة، لكن ومنذ بدء «عاصفة الحزم» لم تكن أمام ميليشيات العدو على الحدود السعودية سوى زرع الاستفزاز ومحاولة تهديد لأمن الحدود.
عقيدتان: وطنية وعسكرية، ثقة في النفوس وانعدام التباين في مسؤوليات الأفراد عن الضباط، معززين ذلك بالوقوف مع تأمين الحدود والأرواح، مما يعكس الإيمان الكبير بشرف مهنتهم، وتنفيذهم للأعمال الدفاعية والإنسانية، مترابطين في صفوفهم، ومساندين لبعضهم البعض، ومتحدين لأي تهديدات وطنية وإقليمية.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.