ستكون مدينة ريو دي جانيرو اليوم على موعد مع التاريخ كونها ستعطي انطلاقة دورة الألعاب الأولمبية الصيفية التي تستضيفها أميركا اللاتينية للمرة الأولى في تاريخ الحركة الأولمبية، وذلك عبر حفل افتتاح فني متعدد الألوان على الملعب الأسطوري ماراكانا الذي شهد قبل عامين تتويج الألمان بكأس العالم لكرة القدم على حساب الأرجنتين، وبحضور 45 رئيس دولة وحكومة.
وتشهد الألعاب هذا العام مشاركة 11360 رياضيا (6222 لاعبا و5138 لاعبة) يمثلون 207 دولة من بينها جنوب السودان وكوسوفو اللذان يشاركان للمرة الأولى، علما بأن الكويت وفريق من 10 لاجئين سيشاركان تحت إشراف العلم الأولمبي.
ولأول مرة، تم تشكيل فريق للاجئين طبقًا لمعايير حددتها الاتحادات الدولية ضمن برنامج تشرف عليه البطلة الأولمبية الكينية السابقة تيغلا لوروب، وهو يضم السباحين السوريين يسري مارديني ورامي أنيس.
ووجدت ريو دي جانيرو نفسها أمام تحد كبير كون سابقتيها بكين (2008) ولندن (2012) تألقتا بحفلين افتتاحيين مبهرين، لكن وعلى الرغم من معاناة البلاد من أسوأ ركود اقتصادي منذ قرن تقريبا وأزمة سياسية خانقة، وعدت البرازيل بتنظيم حفل لم يسبق تنظيمه أبدا في البلاد.
وعهد بإنجاز الحفل إلى البرازيلي فرناندو ميريليش مخرج أفلام «مدينة الله» و«ذا كونستانت غاردنر» و«بلاندنيس» بمساعدة سينمائية أخرى من مواطنيه اندروشا وادينغتون ودانيالا توماس ودي روزا ماغاليايس والأخيرتان اختصاصيتان في تنظيم الكرنفالات التي سيتم الاستلهام منها كثيرا في هذا الحفل.
ولم يحظ مخرجو حفل الافتتاح بالموازنتين الخياليتين لحفلي افتتاح أولمبيادي لندن 2012 (36 مليون يورو) وبكين 2008 (85 مليون يورو)، وقال ميريليش في هذا الصدد: «الزمن الحالي يتطلب خلاف ذلك، تكلفة حفل ريو ستكون أقل 12 مرة من موازنة لندن و20 مرة من موازنة بكين».
من جهتها، قالت توماس: «على الرغم من هذه القيود المالية، أردنا أن نقدم أكبر حفل لم يتم تنظيمه أبدا في هذا البلد».
وأضافت: «الألعاب الأولمبية الصيفية، هي صاحبة أكبر متابعة تلفزيونية في العالم. من مادونا إلى البابا فرانسيس، من بوتين إلى القرية الأوغندية الصغيرة، العالم كله سيكتشف قوة الإثارة في البرازيل».
وأعربت توماس عن أملها في أن ينسى البرازيليون في هذه الأمسية الفضائح السياسية التي طفت على السطح في الأشهر الأخيرة وفتح قوسين أكثر سعادة.
فأمام أعين نحو 3 مليار مشاهد في جميع أنحاء العالم، سيتحول ملعب ماراكانا الأسطوري، الذي سيكون غاصا بنحو 80 ألف متفرج، في ليلة واحدة إلى مسرح لكرنفال مدته نحو 4 ساعات حيث سيستعرض مئات الممثلين لنحو 12 مدرسة لرقص السامبا.
الشعار الذي وضعه ميريليش هو: «ليكن لحفل الافتتاح تأثير مضاد للاكتئاب في البرازيل. البرازيليون سيشاهدونه ويقولون (نحن شعب رائع، نعرف كيف نستمتع بالحياة)».
وستكون الموسيقى البرازيلية حاضرة بقوة خصوصا الأغنية الرسمية للألعاب «الروح والقلب» لمغنيي الراب ثياغوينيو وبروجوتا، إلى جانب ألحان اثنين من رموز الموسيقى الشعبية في البرازيل، جيلبرتو جيل وكايتانو فيلوزو. كما أن عارضة الأزياء السابقة جيزيل بوندشن، التي اعتزلت منذ 2015، ستستعرض على المسرح تحت نغمات أغنية «فتاة من ايبانيما».
وخلف ظهور عارضة الأزياء السابقة جدلا عندما كتبت الصحافة البرازيلية في الأيام الأخيرة تسريبات مفادها أنها ستقوم بمشهد يحاكي اعتداء عليها من قبل صبي سوقي، وهو مشهد دائم في ريو دي جانيرو، المدينة التي ترتفع فيها باستمرار نسبة الجريمة.
لكن المنظمين أكدوا أنه لن يكون «هناك مشهد سرقة» في الحفل الذي سيتميز بلوحات فنية رائعة، وبرحلة عبر أبرز المراحل المميزة في تاريخ البلاد: الاستعمار البرتغالي، والعبودية، وتحليق رائد الطيران ألبرتو سانتوس على متن طائرته (14 مكرر) في أوائل القرن العشرين.
وسيركز الحفل أيضًا على مستقبل الكرة الأرضية، مع لوحة حول ظاهرة الاحتباس الحراري تؤكد على الدور الحاسم للبرازيل التي تضم الجزء الأكبر من غابة الأمازون.
ويحتفظ المنظمون لنفسهم بهوية آخر شخص سيحمل الشعلة الأولمبية ويقوم بإضاءة الشعلة الكبيرة بملعب ماراكانا، في حين سيتم إيقاد شعلة ثانية في الوقت ذاته وسط ريو، في منطقة الميناء التي تم تجديدها.
ويعتبر «ملك كرة القدم» بيليه المرشح الأبرز بحسب التكهنات على الرغم من بلوغه سن الـ75 ويمشي بصعوبة مستندا إلى عكاز بعد عمليات جراحية عدة خضع لها مؤخرا.
وقال بيليه قبل يومين لمحة تلفزيونية: «تلقيت الكثير من الاتصالات بخصوص الشعلة الأولمبية، الرئيس (اللجنة الأولمبية البرازيلية، كارلوس أرثر نوزمان ورئيس اللجنة الأولمبية الدولية (توماس باخ) قاما بدعوتي شخصيا»، مضيفا: «لدي عقدان مع شركة للراعية وسأكون يوم الافتتاح مسافرا. إذا نجحت في إلغاء التزاماتي، أحب أن أحظى بهذا الشرف. هل سأكون هنا لإيقاد الشعلة، لا يمكنني تأكيد ذلك».
وتقوم المجموعة الأميركية «الأساطير العشرة» بإدارة حقوق صورة بيليه وهي وقعت معه في 2010 عقدا لتمثيله لمدة 30 عاما، وبالتالي فهي المسؤولة عن مشاركته في الأحداث وعقود الدعاية.
غوستافو كويرتن، بطل رولان غاروس 3 مرات والذي لا يزال يحظى بمرتبة مميزة في قلوب البرازيليين، يمكن أن يحرم بيليه من هذه اللحظة.
وتفتتح الألعاب الأولمبية الأولى في التاريخ في أميركا اللاتينية على وقع أجواء سياسية متوترة وفي غياب ديلما روسيف، رئيسة البلاد التي أقصيت عن الرئاسة وترفض القيام بدور «ثانوي» أمام أنظار العالم، وسلفها إنياسيو لولا الذي لعب دورا رئيسيا في حصول بلاده على شرف الاستضافة قبل 8 أعوام.
وسيقوم ميشال تامر، الرئيس بالوكالة منذ منتصف مايو (أيار) الماضي، بالإعلان عن افتتاح دورة الألعاب الأولمبية الحادية والثلاثين وبحضور 45 رئيس دولة وحكومة بينهم الفرنسي فرنسوا هولاند ورئيس الحكومة الإيطالي ماتيو رنتسي ورئيسا الأرجنتين ماوريسيو ماكري وكولومبيا خوان مانويل سانتوس. وكان نائب الرئيسة روسيف أعلن سابقا أنه «مستعد» لتحمل الاحتجاجات وصافرات الاستهجان.
هواجس الأمن والتنظيم
وبقي الأمن قضية أساسية مطروحة بعدما شهد العالم هجمات متزايدة في الأسابيع الماضية فقررت السلطات نشر 47 ألف شرطي و38 ألف عسكري لحماية الرياضيين والسياح الذين يتوقع حضور 500 ألف منهم.
صحيح أن العنف لم يطل البرازيل حتى الآن، لكن متطرفًا فرنسيًا هدد في نوفمبر (تشرين الثاني) بعيد اعتداءات باريس قائلا: «البرازيل، أنت هدفنا المقبل». كما أوقفت الشرطة قبل أسبوعين 12 شخصا أعلن بعضهم ولاءه لتنظيم داعش، وكانوا يخططون لتنفيذ هجمات إرهابية خلال الدورة.
وتقع عاصمة البرازيل السابقة قبل انتقال مركز القرار إلى برازيليا عام 1960، على المحيط الأطلسي ويقطنها أكثر من 6 ملايين نسمة وتشتهر بشواطئها خصوصا كوباكوبانا. وهي جاهزة لإيقاد الشعلة رغم تلويح عمال المترو بإضرابات قد تعرقل سير المسابقات.
وتواجه البرازيل أسوأ أزمة اقتصادية في 80 عاما وارتفاع معدل الجريمة، كما تغيب علامات الفرح عن وجوه راقصي السامبا.
والتباين لافت في ريو بين شوارع ميسورة ومدن صفيح «فافيلا» تبث الرعب في قلوب زائري مدينة تنظم سنويا أشهر كرنفال في العالم، ومياهها ملوثة لدرجة أن إقامة سباقات المياه المفتوحة باتت مصدر قلق للسباحين.
كما طفا على السطح «فيروس زيكا» الذي قض مضاجع ضيوف ريو، وهو ينتقل عن طريق لدغات البعوض المنتشرة، وقد يكون مسؤولا عن الحمى، وآلام مفاصل وفي حالات نادرة كما طفحت مشكلة منشطات روسيا.
الحظوظ العربية
تتفاوت الحظوظ العربية بين مشاركات رمزية للبعض ومتوسطة وفاعلة لآخرين. وتوج العرب بـ24 ذهبية منذ انطلاق الألعاب، أولها في أمستردام 1928.
وطالت لعنة المنشطات الرياضيين العرب أيضًا، فاستبعد العداء السعودي يوسف مسرحي (400 متر)، والمصري إيهاب عبد الرحمن وصيف بطل العالم 2015 في رمي الرمح.
ومن أبرز المرشحين العرب لحصد ميداليات «القرش» التونسي أسامة الملولي حامل ذهبيتي 1500 متر في بكين 2008 و10 كلم حرة في لندن 2012، مع مواطنته حبيبة لغريبي التي حصدت ذهبية 3 آلاف متر موانع في لندن 2012 بعد شطب نتيجة خصمتها الروسية المتنشطة.
وتعول الجزائر على العداء توفيق مخلوفي بطل سباق 1500 متر، وقطر على معتز برشم صاحب برونزية الوثب العالي في لندن وناصر العطية صاحب برونزية السكيت في الرماية بالإضافة إلى منتخب كرة اليد، فيما يبحث المغرب عن تلميع صورته الملطخة بالمنشطات بعد أن اكتفى ببرونزية عبد العاطي ايغيدير في لندن، وآماله معقودة على الفارس الخمسيني عبد الكبير ودار.
ويبحث الكويتي فهيد الديحاني عن ميدالية ثالثة بعد برونزيتي الحفرة المزدوجة في سيدني 2000 والتراب في لندن 2012، ومن وراء الركام يطل السوري مجد الدين غزال حالما بنقل تألقه الحالي في الوثب العالي إلى الساحة الأولمبية.