الاقتصاد العالمي يتلقى مزيدًا من «الضربات المالية»

«آسيان» تتوقع تباطؤ نمو اقتصادها في 2016

متعاملون في بورصة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
متعاملون في بورصة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
TT

الاقتصاد العالمي يتلقى مزيدًا من «الضربات المالية»

متعاملون في بورصة فرانكفورت الألمانية (رويترز)
متعاملون في بورصة فرانكفورت الألمانية (رويترز)

تلقى الاقتصاد العالمي، عدة ضربات خلال العام الحالي، كان أكبرها تأثيرا تصويت البريطانيين بالخروج من الاتحاد الأوروبي، سبقها التباطؤ الصيني الذي أثر في التعاملات التجارية حول العالم، فضلا عن تراجع أسعار النفط بنسبة تزيد عن 60 في المائة.
ولا يكاد الاقتصاد العالمي يخرج من أزمة حتى يقع في أخرى، كان آخرها توقعات أعضاء رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) بتباطؤ نمو اقتصادها خلال العام الحالي إلى 4.5 في المائة، من 4.7 في المائة العام الماضي، نتيجة الضربات السابقة.
ويوضح حجم التبادل التجاري لـ«آسيان» البالغ 2.3 تريليون دولار، وربع هذه القيمة تمثل حجم التبادل بين دول الرابطة، حجم التأثير في المنطقة والعالم، والصين هي أكبر الشركاء الخارجيين لـ«آسيان»، إذ يبلغ نصيبها 15 في المائة من إجمالي حجم التبادل التجاري تتبعها اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
ووسط دعوات لمسؤولين ومتخصصين لزيادة النفقات في الاقتصادات الكبرى، لإنعاش النمو، وسط تباطؤ اقتصادي عالمي رفع معدل التحديات المالية أمام معظم الدول، جاءت توقعات رابطة «آسيان» لتقف عائقا - بجانب مجموعة العوامل الأخرى - أمام النمو المتباطئ أساسا.
وأراد صندوق النقد الدولي أن يزيد توقعاته بشأن نمو الاقتصاد العالمي، خلال اجتماع مجموعة العشرين في النصف الثاني من الشهر الماضي، لكنه قرر - مجبرًا - تخفيضها بعد قرار بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقالت كريستين لاغارد، مديرة الصندوق، إن تحسن الاقتصاد في الصين واليابان ومنطقة اليورو، دفعها إلى التفكير لأول مرة منذ 6 سنوات في زيادة توقعات نمو الاقتصاد العالمي عامي 2016 و2017، لكن «البريكست» أثار حالة قوية من الغموض حول الاقتصاد العالمي.
وتوقع الصندوق ألا يسجل الناتج الداخلي العالمي أكثر من 3.1 في المائة في 2016 و3.4 في المائة في 2017، بتراجع 0.1 نقطة مئوية مقارنة مع أبريل (نيسان) وحالة مقلقة من الركود مقارنة مع 2015.
ووفق سيناريو كارثي اعتبره الصندوق أقل ترجيحا، توقع الصندوق تراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى 2.8 في المائة اعتبارا من 2016، وأن تكون منطقة اليورو معرضة «لتوترات معممة في القطاع المصرفي».
وكلما وضع صندوق النقد سيناريو للاقتصاد العالمي، لتحديد نسبة نمو مستقرة، يغير حدث ما - غير متوقع - هذا السيناريو، ليزيد التوقعات المتشائمة والإحباط بشأن النمو خلال الفترة المقبلة، حتى ذهب البعض إلى السيناريو الأسوأ للاقتصاد العالمي في حال كسب دونالد ترامب انتخابات الرئاسة الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

زيادة المخاطر في الاقتصاد العالمي

ووفقا لمؤشرات الاقتصاد العالمي الحالية، فإن المخاطر صارت السمة الرئيسية في اقتصادات الدول الكبرى والناشئة أيضًا، ورغم أن اقتصاد الولايات المتحدة الأميركية - الأول عالميا - يتعافى تدريجيا، لكنه بدأ العام بنمو متواضع، نتيجة ثقل الميزان التجاري وارتفاع الدولار.
ورغم أن الصين - ثاني أكبر اقتصاد في العالم - توقعت نموا أقل من العام الماضي، بنسبة تتراوح بين 6.5 إلى 7 في المائة، فإن الصندوق توقع معدل نمو 6.6 في المائة العام الحالي، ناصحًا بكين أن تتعامل بتأن مع توسعها لتفادي «سخونة الاقتصاد».
وتعتبر مخاطر «ديون الدول» على الاقتصاد العالمي، المتحكم الرئيسي في معدلات النمو حاليًا، والتوسع فيها يزيد من مخاطر تباعاتها، وقد توسعت فيها الدول الكبرى والناشئة من خلال الاقتراض الخارجي والداخلي، ويزداد الخطر هنا على الأخيرة رغم تراجع سعر عملتها، لكن اعتمادها على «اقتصاد الريع» - منتج واحد كمصدر رئيسي للإيرادات - أو عدم التوسع في الإنتاجية، يزيد من مخاطر الديون.

«آسيان» والصين

قال وزراء اقتصاد الدول الأعضاء في رابطة «آسيان» خلال اجتماعهم أمس الخميس في لاوس - التي تتولى رئاسة الرابطة هذا العام - إن من المتوقع أن يتعافى نمو اقتصاد التكتل البالغة قيمته 2.4 تريليون دولار إلى 4.7 في المائة العام المقبل بفضل «قوة استهلاك القطاعين العام والخاص وتحسن كفاءة البنية التحتية».
وأضافوا في بيان أن «المنطقة منكشفة على الضعف المستمر في الاقتصاد الصيني وعلى الضبابية التي تكتنف العلاقة الجديدة بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بعد خروج بريطانيا»، مشيرا إلى أن «آسيان» ما زالت ملتزمة بمزيد من التكامل، وقالت الدول الأعضاء العشر في «آسيان» أيضا إنها تهدف إلى تنسيق الاستراتيجيات الاقتصادية وتحسين عمليات التخليص الجمركي وقواعد الملكية الفكرية وسد فجوة التنمية بين الأعضاء الأشد فقرا - وهم كمبوديا ولاوس وفيتنام وميانمار - وبقية دول المنطقة.
كما اتفقت الدول الأعضاء على تحسين الربط بين بنيتها التحتية للنقل والاتصالات وتسهيل الصفقات الإلكترونية بصورة أكبر وتكامل الصناعات لتعزيز الموارد الإقليمية وزيادة مساهمة القطاع الخاص في الاقتصاد. ويعد تعزيز التكامل الاقتصادي لدول «آسيان» خطوة كبيرة للأمام انطلاقا مما يعتبر منذ مهد الرابطة مشروعا سياسيا للعلاقات الإقليمية السلمية.
وتوقعت الرابطة تباطؤ نمو اقتصادها خلال العام الحالي إلى 4.5 في المائة من 4.7 في المائة العام الماضي، نتيجة التباطؤ في الصين، والأجواء الضبابية حول العالم الناجمة عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويبلغ إجمالي حجم التبادل التجاري لـ«آسيان» 2.3 تريليون دولار، وربع هذه القيمة تمثل حجم التبادل بين دول الرابطة. والصين هي أكبر الشركاء الخارجيين لـ«آسيان»، إذ يبلغ نصيبها 15 في المائة من إجمالي حجم التبادل التجاري تتبعها اليابان والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
وتراجعت حركة التجارة بين الصين ورابطة جنوب شرقي آسيا (آسيان) منذ بداية العام الحالي، على خلفية التباطؤ الصيني، رغم أنها شهدت نموا قويا خلال السنوات الـ25 الماضية.
وبلغ حجم التجارة الثنائية بين الصين ودول آسيا العام الماضي 472.16 مليار دولار مقابل 7.96 مليار دولار عام 1991، بمعدل نمو سنوي قدره 18.5 في المائة في المتوسط، بينما تراجعت حركة التجارة بين الجانبين خلال الشهور الخمسة الأولى من العام الحالي بنسبة 7.1 في المائة إلى 173.57 مليار دولار.
وتضم رابطة آسيان 10 دول هي ماليزيا، وسنغافورة، والفلبين، وبروناي، ولاوس، وإندونيسيا، وفيتنام، وكمبوديا، وتايلاند، وميانمار. و«آسيان» ثالث أكبر شريك تجاري للصين.
في الوقت نفسه بلغ إجمالي حركة الاستثمارات المتبادلة بين الجانبين بنهاية مايو (أيار) الماضي أكثر من 160 مليار دولار؛ حيث تعد دول «آسيان» وجهة أساسية للشركات الصينية.
وسجل قطاع التصنيع في الصين تراجعا في يوليو (تموز) بعدما بقي شبه مستقر لأشهر، وحدد المكتب الوطني للإحصاءات الحكومي «مؤشر مديري المشتريات»، الذي يعكس النشاط التصنيعي، بـ49.9 الشهر الماضي، بالمقارنة مع 50.0 في يونيو (حزيران) و50.1 في مايو (أيار)، مسجلا تراجعا غير متوقع.
وحين يفوق هذا المؤشر 50، فهو يدل على توسع في أنشطة التصنيع، فيما يدل دون هذه العتبة على انكماش القطاع.
ونتج هذا الانكماش المفاجئ بالمقام الأول عن الأمطار الغزيرة والفيضانات الجارفة التي ضربت منذ يونيو (حزيران) مناطق صناعية في وسط الصين وجنوبها. وتضررت شركات التصنيع بشكل حاد جراء تراجع الطلب الدولي، وهو ما يعكسه انهيار الصادرات الصينية، ما يؤدي إلى تزايد الفائض في القدرات الإنتاجية.
على صعيد متصل بالأزمة الصينية، زاد الاتحاد الأوروبي رسوم مكافحة الإغراق على صادرات الصلب الصينية والروسية، أمس الخميس، مؤكدا أن الضريبة المؤقتة التي فرضت في فبراير (شباط) الماضي ستستمر لخمسة أعوام.
ويحاول الاتحاد الأوروبي، الذي يضم 28 دولة، أن يمنع إغراق أسواقه بالسلع منخفضة السعر، وعزز الاتحاد بشكل خاص الإجراءات التجارية التي تتعلق بالصلب؛ حيث يتعرض المنتجون الأوروبيون للضغط من الإنتاج العالمي المفرط، وتتراوح الرسوم بين 19.7 في المائة إلى 22.1 في المائة للشركات الصينية، ومن 18.7 في المائة إلى 36.1 في المائة للشركات الروسية.
وأشارت المفوضية الأوروبية إلى أن هذه زيادة على الضرائب التي فرضت بصفة مؤقتة في 12 فبراير (شباط). وفي خطوة غير متوقعة، ستطبق الرسوم أيضا بأثر رجعي على الواردات المسجلة في الشهرين الماضيين. وأفادت أن الهدف هو «استعادة تكافؤ الفرص بين المنتجين في الاتحاد الأوروبي والأجانب»، في أعقاب أزمة الإنتاج المفرط من الصلب. وتأتي الخطوة بعد أسبوع من فرض بروكسل لرسوم جديدة لمكافحة الإغراق على حديد التسليح المستورد من الصين، وهو ما وصفته بكين بأنه خطوة غير عادلة.
وقالت المفوضية الأوروبية إن الاتحاد الأوروبي لديه حاليا أكثر من 100 إجراء دفاعي تجاري. وأضافت أن 37 من هذه الإجراءات تستهدف واردات منتجات الصلب غير العادلة، ومن بينها 15 منتجا من الصين.
وكان صندوق النقد الدولي قد حذر من هذه السياسات قائلا: «إن الاتجاه نحو تبني تدابير حمائية يشكل خطرا حقيقيا»، في حين يهدد المرشح الجمهوري دونالد ترامب في الولايات المتحدة بفرض رسوم جمركية على المكسيك والصين.

مرحلة غموض

وصف كبار المسؤولين الماليين في العالم المرحلة الاقتصادية الحالية بـ«بالغموض»، نتيجة الضبابية الواضحة في الطريق الذي سيسلكه الاقتصاد العالمي، وأسلوب إدارته، إذ قال وزير المالية الأميركي جاكوب لو: «إنها مرحلة غموض متواصلة بالنسبة إلى الآفاق الاقتصادية»، وذلك خلال اجتماع مجموعة العشرين الشهر الماضي في الصين.
ودعا أعضاء في مجموعة العشرين، بدعم من صندوق النقد الدولي أكبر اقتصادات العالم، إلى زيادة النفقات العامة من أجل إنعاش النمو في مواجهة التهديدات التي تلقي بثقلها على الاقتصاد العالمي.
وجاء في مشروع البيان الختامي: «إن أعضاء مجموعة العشرين هم في موقع مناسب للتحرك بشكل استباقي للرد على الانعكاسات المالية والاقتصادية المحتملة للقطيعة بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي».
وتعاني بعض الدول الناشئة تبعات تحركات الدول الكبرى - البريكست - والتباطؤ الصيني، والعكس صحيح، في إشارة إلى معاناة الاقتصادات الكبرى من العمليات الإرهابية، وأكد صندوق النقد الدولي في هذا الصدد أن «التوترات الجيوسياسية والنزاعات الأهلية والإرهاب تلقي بثقلها على توقعات اقتصادات عدة ولا سيما في الشرق الأوسط».
وأشار الصندوق إلى «الانقسامات السياسية» في الدول الغنية التي تعيق إيجاد حلول لأزمة الهجرة واللجوء وتغذي الخطاب الداعي إلى الانغلاق الاقتصادي.

البنوك المركزية

وزاد دور البنوك المركزية خلال تلك الفترة المضطربة ماليا، مستخدمين في ذلك أدواتهم النقدية، للسيطرة على المخاطر، وقال البنك المركزي الأوروبي، أمس الخميس، إن الآفاق الاقتصادية العالمية باتت أكثر غموضا بعد تصويت بريطانيا لصالح الخروج من الاتحاد الأوروبي، مؤكدا استعداده للتحرك إذا لزم الأمر لدعم التضخم في منطقة اليورو.
وقال المركزي الأوروبي في نشرته الاقتصادية الدورية: «تقلبات السوق المالية التي أعقبت استفتاء المملكة المتحدة على عضوية الاتحاد الأوروبي كانت قصيرة الأمد».
وأضاف: «رغم ذلك زاد الغموض الذي يكتنف الآفاق العالمية في حين تشير البيانات الواردة عن الربع الثاني إلى تراجع النشاط العالمي والتجارة».
وأضاف المركزي: «سيتحرك المجلس الحاكم للبنك إذا لزم الأمر مستخدما كل الأدوات المتاحة لديه من أجل تحقيق هدفه».



الليرة السورية ترتفع بشكل ملحوظ بعد تراجع حاد

الليرة السورية (رويترز)
الليرة السورية (رويترز)
TT

الليرة السورية ترتفع بشكل ملحوظ بعد تراجع حاد

الليرة السورية (رويترز)
الليرة السورية (رويترز)

شهدت الليرة السورية تحسناً ملحوظاً في قيمتها أمام الدولار، حيث أفاد عاملون في سوق الصرافة بدمشق يوم السبت، بأن العملة الوطنية ارتفعت إلى ما بين 11500 و12500 ليرة مقابل الدولار، وفقاً لما ذكرته «رويترز».

ويأتي هذا التحسن بعد أن بلغ سعر صرف الدولار نحو 27 ألف ليرة سورية، وذلك بعد يومين فقط من انطلاق عملية «ردع العدوان» التي شنتها فصائل المعارضة في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي.

ويوم الأربعاء، قال رئيس الحكومة الانتقالية المؤقتة في سوريا، محمد البشير، لصحيفة «إيل كورييري ديلا سيرا» الإيطالية: «في الخزائن لا يوجد سوى الليرة السورية التي لا تساوي شيئاً أو تكاد، حيث يمكن للدولار الأميركي الواحد شراء 35 ألف ليرة سورية». وأضاف: «نحن لا نملك عملات أجنبية، وبالنسبة للقروض والسندات، نحن في مرحلة جمع البيانات. نعم، من الناحية المالية، نحن في وضع سيئ للغاية».

وفي عام 2023، شهدت الليرة السورية انخفاضاً تاريخياً أمام الدولار الأميركي، حيث تراجعت قيمتها بنسبة بلغت 113.5 في المائة على أساس سنوي. وكانت الأشهر الستة الأخيرة من العام قد شهدت الجزء الأكبر من هذه التغيرات، لتسجل بذلك أكبر انخفاض في تاريخ العملة السورية.