حرب طاحنة داخل الحكومة الإسرائيلية على خلفية الإخفاقات في الحرب

حرب طاحنة داخل الحكومة الإسرائيلية على خلفية الإخفاقات في الحرب
TT

حرب طاحنة داخل الحكومة الإسرائيلية على خلفية الإخفاقات في الحرب

حرب طاحنة داخل الحكومة الإسرائيلية على خلفية الإخفاقات في الحرب

اشتد الخلاف بين حزبي «الليكود» و«البيت اليهودي» الحاكمين في إسرائيل وبلغ أمس ذروة جديدة وصلت إلى حد تبادل اتهامات بين الحزبين. فقد اتهم الليكود الوزيرين اليمينيين نفتالي بينت وأيليت شكيد «بحفر أنفاق تحت سلطة الليكود»، وبدفع مصالح صحيفة «يديعوت أحرونوت» المعادية لرئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بينما ادعى الطرف الآخر أن نتنياهو «يطلق النار داخل المدرعة» و«مستسلم أمام حماس» و«هو من سلم الخليل لياسر عرفات».
ورد الليكود على الاتهام الأخير بتغريدة على «تويتر» يتهم فيها وزير التعليم نفتالي بنيت بالترويج للشاعر الفلسطيني العالمي محمود درويش – «من انتخب بأصوات اليمين يحافظ على ميراث (محمود) درويش في مدارس أولاد إسرائيل».
وكانت هذه المعركة قد انفجرت على خلفية موقف الوزير بنيت من تقرير مراقب الدولة، القاضي يوسف شبيرا، من الحرب الأخيرة على قطاع غزة، حيث اعتبرها حربا فاشلة. لم تدر كما يجب ولم تنته كما يجب. وقال بنيت إنه قرر في حينه أن يترك حياته كرجل أعمال ناجح جدا، وتحول إلى السياسة بعد أن رأى إخفاقات إسرائيل في حرب لبنان الثانية سنة 2006. واليوم لن يسكت على إخفاقات حرب غزة الأخيرة ويصر على نشر التقارير التي تكشف هذه الإخفاقات وتطالب بمعالجتها». ويتهم بنيت رئيس الوزراء بالكذب عندما يقول إنه كان مدركا لأخطار الأنفاق التي تبنيها حماس تحت الأرض وتمتد من قطاع غزة إلى تخوم إسرائيل. ويؤكد أن نتنياهو لم يطرح هذه القضية في المجلس الوزاري الأمني المصغر.
ورد الليكود عليه ببيان رسمي غاضب يقول فيه إن «بنيت يكذب. ويحاول استغلال جهل الجمهور بأسرار الأمن». وأضاف: «الأمر الأكثر إثارة للسخرية هو أن بنيت يردد اتهامات باطلة سبقه إليها قادة اليسار في إسرائيل، الذين يدعون إلى السلام مع حماس وأبو مازن (الرئيس الفلسطيني، محمود عباس)». ورد بنيت: «نتنياهو عجيب. تجده قبل لحظة من الانتخابات يتملق دائما للجمهور اليميني الديني، وبعد دقيقة من الانتخابات يلقي بهم ويحتقرهم. انتهت أيام أولاد التصفيق». وأضافت وزيرة القضاء أيليت شكيد: «الليكود أصدر هذا الأسبوع ثلاثة بيانات ضد البيت اليهودي. وقد سكتنا مرتين، لكننا قررنا أن لا نسكت بعد». وسارع الليكود إلى الرد ببيان آخر، جاء فيه أن «بينت يعمل مع الأخ (يئير) لبيد، على حفر أنفاق تحت سلطة الليكود».
وعقب حليف الطرفين، وزير المالية موشيه كحلون، على التوتر في الائتلاف وقال: «يجب إخراج هذه الحكومة كلها إلى إجازة». وقال رئيس المعسكر الصهيوني، يتسحاق هرتسوغ المعارض معقبا، خلال اجتماع لكتلته، أن «الحكومة تحتاج إلى إجازة أو إخضاع قسري للعلاج». وقالت تسيبي ليفني إن «هذا هو امتحان كحلون. إذا كان هذا هو الوضع فإنه لا يمكنه البقاء ليوم واحد في الحكومة».
ومع أن نتنياهو راح يلمح إلى أنه يريد التخلص من بنيت وحزبه واستبداله بحزب آخر، إلا أن المراقبين يؤكدون أن هذا الاحتمال ضعيف جدا، وأن الطرفين يدركان أن انفصالهما قد يضع حدا لحكم اليمين.
لكن الخلاف بينهما يعتبر غير مسبوق في السياسة الإسرائيلية الداخلية. وقد بدأ يئير انتقادات واسعة في الصحافة. وأمس كتبت صحيفة «معريب»، التي تعتبر يمينية: إن «كل يوم يمر على هذين الاثنين وهما جالسان في ذات الحكومة وفي كابينت واحد، يحمل معه تجليات الاستهانة العميقة بالشعب الإسرائيلي. إنها إهانة شديدة للجمهور، فلو كان نتنياهو صادقا، فإن بينت كاذب. ولو كان نتنياهو قد صدق بأنه قد كانت هناك مداولات كثيرة ومعمقة في موضوع الأنفاق، فمن غير الواضح كيف بالإمكان أن يحصل فيه أن وزيرا رفيع الشأن في الكابينت السياسي الأمني، يكذب على الجمهور في مواضيع شديدة الحساسية كمواضيع الجيش والأمن، حول حملة أدت إلى موت خيرة مقاتلينا. إن أي دولة تحترم ذاتها، لو قام رئيس الحكومة فيها باتهام وزير رفيع في حكومته بتصرف كهذا، لكان ملزما بإقالته من وظيفته. والأمر ذاته يمكن قوله فيما لو كانت رواية بينت هي الصحيحة، والتي تعني بأنه، وعمليا، لم تجر أي مداولات معمقة حول الأنفاق: لو كان هذا صحيحا، فإن نتنياهو هو رئيس حكومة عديم المسؤولية وبشكل متطرف.



هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
TT

هل يشغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة العربية؟

مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)
مقرّ جامعة الدول العربية في القاهرة (الشرق الأوسط)

تزامناً مع الاستعداد لزيارة وفد من جامعة الدول العربية إلى دمشق خلال أيام، أثيرت تساؤلات بشأن ما إذا كان قائد الإدارة السورية الجديدة أحمد الشرع سيشغل مقعد بلاده في اجتماعات الجامعة المقبلة.

وأعلن الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، السفير حسام زكي، في تصريحات متلفزة مساء الأحد، أنه «سيزور العاصمة السورية دمشق خلال أيام على رأس وفد من الأمانة العامة للجامعة لعقد لقاءات من الإدارة السورية الجديدة وأطراف أخرى؛ بهدف إعداد تقرير يقدم للأمين العام، أحمد أبو الغيط، وللدول الأعضاء بشأن طبيعة التغيرات في سوريا».

وكانت «الشرق الأوسط» كشفت قبل أيام عن عزم وفد من الجامعة على زيارة دمشق بهدف «فتح قناة اتصال مع السلطات الجديدة، والاستماع لرؤيتها»، وفقاً لما صرح به مصدر دبلوماسي عربي مطلع آنذاك.

وخلال تصريحاته، عبر شاشة «القاهرة والناس»، أوضح زكي أنه «قبل نحو ثلاثة أيام تواصلت الجامعة العربية مع الإدارة السورية الجديدة لترتيب الزيارة المرتقبة».

وبينما أشار زكي إلى أن البعض قد يرى أن الجامعة العربية تأخرت في التواصل مع الإدارة السورية الجديدة، أكد أن «الجامعة ليست غائبة عن دمشق، وإنما تتخذ مواقفها بناءً على قياس مواقف جميع الدول الأعضاء»، لافتاً إلى أنه «منذ سقوط نظام بشار الأسد لم يحدث سوى اجتماع واحد للجنة الاتصال العربية المعنية بسوريا منتصف الشهر الماضي».

وأوضح الأمين العام المساعد أن «الجامعة العربية طلبت بعد ذلك بأسبوع اجتماعاً مع الإدارة السورية الجديدة»، وقال: «نقدّر الضغط الكبير على الإدارة الجديدة، وربما عدم وجود خبرات أو أفكار كافية لملاحقة مثل هذه الطلبات».

وعقدت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاً بمدينة العقبة الأردنية، في 14 ديسمبر (كانون الأول) الماضي، أكدت خلاله الوقوف إلى جانب الشعب السوري في هذه المرحلة الانتقالية.

وحول الهدف من الزيارة، قال زكي: «هناك دول عربية تواصلت مع الإدارة الجديدة، لكن باقي أعضاء الجامعة الـ22 من حقهم معرفة وفهم ما يحدث، لا سيما أنه ليس لدى الجميع القدرة أو الرغبة في التواصل». وأضاف أن «الزيارة أيضاً ستتيح الفرصة للجانب السوري لطرح رؤيته للوضع الحالي والمستقبل».

ولن تقتصر زيارة وفد الجامعة إلى سوريا على لقاء الإدارة الجديدة، بل ستمتد لأطراف أخرى فصَّلها زكي بقوله: «سنلتقي أي أطراف من المجتمع المدني والقيادات الدينية والسياسية». لكنه في الوقت نفسه نفى إمكانية لقاء «قسد»، وقال «(قسد) وضعها مختلف، كما أنها بعيدة عن العاصمة، حيث ستقتصر الزيارة على دمشق».

ومنذ إطاحة نظام بشار الأسد، في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تسعى الإدارة السورية الجديدة إلى طمأنة الدول العربية والمجتمع الدولي. وفي هذا السياق، تواصلت دول عربية عدة مع الإدارة الجديدة، سواء عبر زيارات رسمية أو وفود برلمانية واستخباراتية أو اتصالات هاتفية.

وهو ما وصفه رئيس وحدة الدراسات العربية والإقليمية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور محمد عز العرب، بـ«الانفتاح العربي». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «اختيار وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني للسعودية أولى محطاته الخارجية يعدّ تأكيداً على رغبة دمشق في تعميق علاقتها العربية، لا سيما مع حاجتها إلى دعمها من أجل رفع العقوبات عن البلاد وإعادة إعمارها».

وأكد عز العرب أن «زيارة وفد الجامعة العربية المرتقبة إلى دمشق ستعمّق العلاقات العربية - السورية، في سياق انفتاح متبادل بين الجانبين».

واتفق معه أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور أحمد يوسف أحمد، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الجامعة العربية تتحرك بما يتلاءم مع توجهات أعضائها أو على الأقل الدول الوازنة فيها».

هذا الانفتاح العربي يأتي إيماناً بأن «سوريا دولة كبيرة ومهمة»، بحسب الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية، الذي قال: «سوريا تحتاج إلى كل الدعم العربي السياسي والمادي»، مضيفاً: «قد يكون الوضع غير مرضٍ للبعض، ويمكن تفهم هذا، لكن الشأن السوري أمر مرتبط بالسوريين أنفسهم إلى أن يبدأ في التأثير على دول قريبة».

وأضاف: «سوريا تمر بمرحلة جديدة، لكتابة التاريخ بأيدي مواطنيها، وعلى الدول العربية مدّ يد العون لها».

وبشأن شغل الشرع مقعد سوريا في الجامعة، قال زكي إن «القرار بيد الدول العربية وليس الأمانة العامة»، موضحاً أنه «لو كانت سوريا غير ممثلة ومقعدها شاغر كان من الممكن بحث عودتها الآن وربما وضع بعض المطالب لتحقيق ذلك».

وأضاف: «الواقع يقول إن سوريا موجودة في الجامعة وتشغل مقعدها، أما من يمثلها في هذا المقعد فهو أمر سوري في الأساس. عند تغيير الحكم في أي دولة يمثل الحكم الجديد بلده في المنظمة». لكن زكي أشار في الوقت نفسه إلى أن «هناك أموراً تتعلق بتمثيل شخص معين للدولة، وهنا قد يكون الأمر مرتبطاً بمجلس الأمن، حيث إن هناك قرارات تخصّ التنظيم الذي يرأسه الشرع لا بد من التعامل معها بشكل سريع وسلس».

وقال: «سوريا دولة كبيرة وما يحدث لها يعني العرب، ونظام الحكم الحالي غير النمطي قد لا يسهل الانفتاح عليه، لكن في النهاية دولة بهذه التركيبة لا يمكن أن تترك من جانب العرب».

وأقرّ مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماع طارئ عقد في القاهرة في 7 مايو (أيار) 2023 عودة سوريا لمقعدها بالجامعة، منهياً قراراً سابقاً بتعليق عضويتها صدر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2011، بعد 8 أشهر من اندلاع الاحتجاجات في سوريا.

بدوره، قال الكاتب والباحث السياسي السوري، غسان يوسف، لـ«الشرق الأوسط» إن «الإدارة الحالية هي التي تقود العملية السياسية في سوريا، وهي سلطة الأمر الواقع، وأي اجتماع في الجامعة العربية سيحضره من يمثل هذه الإدارة لأنه ليس هناك بديل آخر الآن».

بينما أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة إن «شغل الشرع لمقعد بلاده يتطلب اعترافاً من الجامعة العربية بالإدارة الجديدة، فالتواصل الذي حدث حتى الآن لا يعني بالضرورة اعترافاً به». وأشار إلى أن «الأمر قد يرتبط أيضاً بقرارات مجلس الأمن بهذا الشأن وما إذا كان سيسقط تكييف (الإرهاب) عن (هيئة تحرير الشام)».

لكن أحمد أشار إلى أن «الانفتاح العربي الحالي قد يحل المسألة، لا سيما مع وجود سوابق تاريخيّة اعترفت فيها الجامعة بحكم انتقالي كما حدث في العراق عام 2003».

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2003 أعلنت الجامعة العربية، عقب اجتماع على مستوى وزراء الخارجية، الموافقة على شغل مجلس الحكم الانتقالي العراقي مقعد بلاده في الجامعة بصورة مؤقتة إلى حين قيام حكومة شرعية في بغداد.

وأعرب عز العرب عن اعتقاده أن «الفترة المقبلة ستشهد رفعاً للعقوبات الدولية عن سوريا، وتعزيزاً لشرعية الإدارة الجديدة».

وبينما أكد غسان يوسف أن «العقوبات لم ترفع عن سوريا حتى الآن»، أبدى تفاؤلاً بـ«إمكانية تغير الوضع مع عقد مؤتمر الحوار الوطني في سوريا الذي سيعطي مشروعية للحكومة».

وكانت «هيئة تحرير الشام» تُعرف سابقاً باسم «جبهة النصرة»، الجناح الرسمي لتنظيم «القاعدة» في سوريا، حتى قطعت علاقتها به عام 2016. ومنذ مايو (أيار) 2014، أُدرجت الجماعة على قائمة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لعقوبات تنظيمي «القاعدة» و«داعش»، كما أن قائدها أحمد الشرع، وكان وقتها يكنى «أبو محمد الجولاني» مدرج على القائمة منذ يوليو (تموز) 2013.