رئيس الأركان العراقي يزور نينوى لوقف تمدد «القاعدة» في الموصل

«داعش» تجبر الحكومتين المركزية والمحلية على فتح صفحة جديدة من التعاون الأمني

جندي عراقي يقف أمام  أحد المنازل التي تعرضت للتفجير غرب الفلوجة في 21 أكتوبر الماضي ( أ ف ب )
جندي عراقي يقف أمام أحد المنازل التي تعرضت للتفجير غرب الفلوجة في 21 أكتوبر الماضي ( أ ف ب )
TT

رئيس الأركان العراقي يزور نينوى لوقف تمدد «القاعدة» في الموصل

جندي عراقي يقف أمام  أحد المنازل التي تعرضت للتفجير غرب الفلوجة في 21 أكتوبر الماضي ( أ ف ب )
جندي عراقي يقف أمام أحد المنازل التي تعرضت للتفجير غرب الفلوجة في 21 أكتوبر الماضي ( أ ف ب )

بحث رئيس أركان الجيش العراقي الفريق بابكر زيباري، مع محافظ نينوى أثيل النجيفي، وقيادة العمليات العسكرية هناك، سبل مواجهة الخطر المتنامي لتنظيم القاعدة، لا سيما بعد إعلان «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) بدء عمليات نوعية في المحافظات الغربية.
وقال مسؤول أمني رفيع المستوى في محافظة نينوى طالبا عدم الإشارة إلى اسمه، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «اللقاء الذي جمع محافظ نينوى أثيل النجيفي والقادة العسكريين والأمنيين هناك كان صريحا ومباشرا، وقد تم خلاله بدء صفحة جديدة بين الطرفين». وقال المسؤول الأمني إن «الاجتماع انتهى إلى خارطة طريق في كيفية التنسيق المشترك بين الحكومة المحلية من جهة والحكومة الاتحادية من جهة أخرى، من خلال قيادة عمليات نينوى والأجهزة الأمنية، حيث إن عدم التنسيق وتضارب الصلاحيات وتقاطعها هو الذي مكن تنظيم القاعدة من التمدد في بعض مناطق نينوى لا سيما جنوب الموصل». وأضاف أن «الأوضاع في الموصل قد لا تختلف عن الأوضاع في محافظات أخرى، لكننا نلاحظ أن هناك تركيزا على المحافظة، وهو أمر له أسبابه التي تتعلق بالمتغيرات في الوضع السوري». وتوقع المسؤول الأمني أن «يتم فتح صفحة جديدة من التعاون والتنسيق، لأن الإرهاب يستهدف الجميع، وهو ما يتطلب موقفا موحدا لمواجهته».
وكان رئيس الوزراء نوري المالكي، بوصفه قائدا عاما للقوات المسلحة، قد ترأس قبل يومين اجتماعا لخلية الأزمة لمواجهة التداعيات الأمنية الخطيرة في البلاد لا سيما بعد الضربات التي وجها تنظيم القاعدة المعروف بـ«داعش»، في مناطق مختلفة من العراق، كانت آخرها عملية راوة وعملية الفلوجة غرب العراق.
وكانت القوات الأمنية في مدينة الموصل فرضت أمس الثلاثاء حظرا للتجوال على المركبات والأشخاص في كل أرجاء المدينة، من دون «بيان الأسباب». وكان زيباري عقد فور وصوله الموصل اجتماعا مغلقا مع محافظ نينوى أثيل النجيفي والقادة الأمنيين ومسؤولين في الحكومة المحلية، لمناقشة الوضع الأمني.
وفي سياق متصل، فقد حمل رئيس مجلس أبناء العراق الشيخ محمد الهايس قادة التظاهرات في المحافظات الغربية، لا سيما محافظة الأنبار، مسؤولية التردي الأمني. وقال الهايس في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «(القاعدة) عادت بالفعل إلى محافظة الأنبار، وامتدت إلى محافظات أخرى ومنها الموصل وليس العكس كما يشار من أن (القاعدة) امتدت من الموصل أولا»، مشيرا إلى أن «الذي فتح الأبواب أمام (القاعدة) أولا هي ساحات وخيم الاعتصام في محافظة الأنبار التي يقف خلفها قادة سياسيون لهم أهداف أخرى غير تلك التي تظهر في وسائل الإعلام والتي تتمثل في الدعوة لتحقيق المطالب المشروعة للمتظاهرين». وأضاف الهايس «إننا قلنا منذ البداية إن هذه المظاهرات والاعتصامات لا علاقة لها بأي نوع من المطالب، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، بل لها هدف مركزي واحد وهو تسهيل مهمة (القاعدة) في المناطق الغربية».
وأوضح الهايس أن «مجلس أبناء العراق ومن خلال تنسيقه مع الحكومة المركزية والقيادات العسكرية يعرف جيدا أين يوجد هؤلاء، حيث إن بعضهم يوجد في ساحات الاعتصام والخيام حيث تجري الاجتماعات وعمليات التنسيق، وأن ذلك موثق من خلال معلومات واعترافات لمن ألقي القبض عليهم». واعتبر أن «عمليات التصعيد الطائفي مقصودة وذلك لجهة أن يتم تسهيل مهمة تنظيم القاعدة أولا تحت ذريعة حماية أهل السنة، بينما نجد الآن ما يحصل من اغتيالات في الموصل واقتحامات لمبان حكومية في راوة والفلوجة، فضلا عن استمرار التصفيات بين أبناء السنة، مما يعني أن (القاعدة) الآن تقاتل أهل السنة وتقتل أبناءهم على مرأى ومسمع من يسهل عملياتهم من السياسيين الطائفيين وبعض شيوخ العشائر ممن ضربت مصالحهم مع الحكومة بعد أن كانوا من أعز أصدقائها في الماضي».



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.