فرنسا في مواجهة الإرهاب

حرب السياسيين وتحذيرات الأكاديميين

انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
TT

فرنسا في مواجهة الإرهاب

انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)
انتشار أمني فرنسي عقب هجمات باريس (أ.ف.ب)

أظهرت الأحداث الإرهابية التي تعرضت لها فرنسا منذ عام 2015م أن هذه الدولة الأوروبية أصبحت مسرحًا للإرهاب المعولم. فلوقت قريب كانت فرنسا في طليعة دول البحر الأبيض المتوسط القوية المواجهة للإرهاب في عقر داره في أفغانستان، وفي الصحراء الأفريقية كذلك، خاصة مالي، وفي العراق، وأخيرا في سوريا وليبيا. في كل هذه الجغرافية الواسعة كانت الوحدات الخاصة والجيش الفرنسي تخوض حربًا حقيقية ضد التنظيمات والجماعات التي تعتبرها باريس إرهابية. ومنذ غزو أفغانستان والعراق، انغمست فرنسا بشكل انفرادي تارة، وعن طريق نسج تحالفات على الأرض مع بعض القوى الغربية تارة أخرى في حرب عسكرية، لم يعلنها السياسيون ولم يكشفوا عنها وعن دوافعها للشعب الفرنسي، إلا أخيرًا عندما تعرضت فرنسا لما يعتبره الإرهابيون غزوة باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 التي راح ضحيتها 129 قتيلا و200 جريح.
طبول الحرب ضد الإرهاب المعلوم، المتسربل زورًا سربال الإسلام، لم يعلنها الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند لوحده، فقد انضم إليه رئيس حكومته منذ البداية، كما أعلن الرئيس السابق نيكولا ساركوزي بدوره أنها «حرب» و«ليس لنا خيار إلا الانتصار فيها». يأتي هذا المسار السياسي إذن بعد سلسلة من الهجمات النوعية التي تعرضت لها كل من باريس ونيس (يوم الخميس 15‏ / 07‏ / 2016)، ووصلت مثل هذه الجرائم لهوامش المدن في عملية كنيسة النورماندي بشمال غربي فرنسا الثلاثاء 26 يوليو (تموز)، أسفرت عن قتل قس ذبحًا على يد المهاجمين؛ محققة بذلك رعبًا عامًا في البلاد مما دفع الفرنسيين إلى التزام منازلهم وعدم النزول للاحتفالات العامة، وهو مؤشر مقلق يدل على إحساس مجتمعي عميق بفقدان الأمن داخل حدود الدولة.
في ظل هذا الوضع العام، تدخلت النخب السياسية لاستثمار التعبئة العامة ضد الإرهاب لأهداف حزبية انتخابية، ونادى الرئيس اليميني السابق نيكولا ساركوزي بضرورة تشديد الترسانة القانونية المتعلقة بالأجانب والإرهاب. وذهب اليمين المتطرف أبعد من ذلك حينما اقترح روزنامة من الإجراءات أكثر مصادرة للحقوق والحريات، من تلك التي يقترحها ساركوزي. غير أن الأكاديميين المتخصصين في قضايا الإرهاب بفرنسا، سبحوا منذ البداية ضد طروحات النخبة الحزبية، وخطابها السياسي والإعلامي، وحذّروا من مغبة تشجيع ثقافة اليمين واليمين المتطرف الفرنسي، التي أسست لظاهرة «الإسلاموفوبيا» في فرنسا، والتي وقفت ضد بعض الحقوق والحريات الدينية مثل لبس الحجاب والرموز الدينية في الفضاءات العامة.
أكثر من ذلك رفض كل من جيل كيبيل وأولييفيه روا، وهما أبرز الخبراء الأكاديميين المتخصصين في قضايا الإرهاب والشرق الأوسط، مقولة النخبة السياسية القائلة بأن فرنسا في «حرب» ضد «داعش» والإرهاب. إذ اعتبر كيبيل أن النخبة الحزبية والإعلامية الفرنسية ليست مؤهلة لمعرفة تطورات الثقافة السياسية والتنظيمية للحركات الإرهابية، وأن هذا كاف لحدوث الارتباك الذي تعيشه السياسة الفرنسية في مواجهتها للإرهاب، ولذلك تزعم أننا في «حرب»؛ فهذه الدعوة دليل على عجز السياسيين على فهم طبيعة تحول الإرهاب زمن العولمة. ومن ثم أشار كيبيل في كتابه: «رعب في فرنسا، نشأة الجهاد الفرنسي» الصادر عن دار النشر الفرنسية «غاليمار» 2016، إلى أن «الجيل الجديد» من الإرهابيين الفرنسيين استفاد من تطورات الفكر «الراديكالي» في الثمانينات من القرن العشرين، لكنه شهد انعطافا كبيرا مع الحرب بالجزائر خلال تسعينات ذلك القرن، حين انضم الشباب الفرنسي من أصول جزائرية للتنظيمات الإرهابية وبدأت النشاط في الأراضي الفرنسية. لكن ما لم تستوعبه النخب الحزبية والإعلامية، حسب أستاذ العلوم السياسية كيبيل، هو «عالمية وعولمية» الإرهاب. ذلك أن تنظيم داعش عالمي، وهو يتعايش مع العولمة، ولذا يخوض المواجهة في أوروبا بقصد تدميرها من الداخل، باستعمال «جنود» من الجيل الثالث والرابع من مسلمي فرنسا. هذا - كما يرى كيبيل - يجعل المواجهة شرسة، وتحتاج لاستيعاب وإعادة نظر في السياسات العامة الموجهة للمسلمين بأوروبا، وفرنسا تحديدا، بشكل يسحب البساط من تحت «داعش» والفكر المتطرف عمومًا. وهذا الهدف الاستراتيجي لن يتحقق من دون اندماج الجيل الجديد من الشباب في المجتمع الأوروبي والفرنسي وتمتعه بحقوق المواطنة.
وفي مقاربة أكثر تفسيرية يقدم أوليفييه روا، باعتباره كبير المتخصصين الفرنسيين في التنظيمات الإرهابية، أطروحة تناقش طبيعة المواجهة بين فرنسا والإرهاب. ويعتقد روا أن كلمة «الحرب» غير واقعية ولا تعبر عن الحدث الواقع. إذ إن «داعش» تهاجم فرنسا باستمرار في عقر دارها، لكن هذا التنظيم ليس «دولة» تشبه دولة «طالبان» في أفغانستان إبان الهجوم على نيويورك 2001. بل إن تنظيم البغدادي نموذج لحلم الخلافة المتوهمة، وحينما يقول الرئيس الفرنسي الحالي هولاند والرئيس السابق ساركوزي: «إننا في حرب»، فإن الإشكال يبدأ في أسلوب المواجهة. ومن ثم يرى أستاذ العلوم السياسية روا أنه «لا سبيل إلى الفوز بالحرب من غير اللجوء للقوات برية، ويبدو أن فرنسا وحدها مَن يرغب في القضاء على (داعش)». ولكنها لا تستطيع تحقيق مرادها، كما أنها غير قادرة على شن حرب على جبهتين: الشرق الأوسط ومنطقة الساحل الأفريقي. وعليه فلسان حال فرنسا اليوم هو «العين بصيرة واليد قصيرة». وفي المقابل حال «داعش» من حال فرنسا. فـ«داعش» لا يملك القدرة على بلوغ أهدافه. وإثر سيطرته السريعة على رقعة أراض واسعة في الشرق الأوسط، تقتصر نجاحاته اليوم على تصدّره عناوين الصحف وانشغال رواد وسائط التواصل الاجتماعي به، بشكل أكثر من اهتمامهم بنجاحات «القاعدة». ويمكن القول حاليا إن «داعش» بلغ أقصى ما يمكنه بلوغه.
علينا أن نستحضر أن الإرهاب الداعشي وهو يكرّر ضرباته في فرنسا، إنما يحاول بذلك الظهور بمظهر المنتصر في الوقت الذي يفقد فيه بريقه في الشرق الأوسط، خاصة في العراق، كما أنه يواجه مشكلات الحصار في سوريا.
ولكن علينا كذلك أن نأخذ بعين الاعتبار أيضًا، استراتيجيته العولمية في الانتماء والتجنيد، حيث يخترق الفعل الداعشي جغرافية الولادة والانتماء العربي الإسلامي. ويرى الخبير روا أن هذا المنهج يتحول إلى هوية غير محددة و«يبدو هذا اللاّ انتماء جليًّا عندما ندرس منفذي العمليات الانتحارية اجتماعيًا. هذا ما اسميته «اللاإقليمية / اللاترابية»: فهم لا يقاتلون مطلقًا من أجل جماعة ملموسة من المسلمين، لا يندمجون مطلقًا مع هذه الجماعة. هم يمارسون الترحال الراديكالي، وغالبًا إلى محيط العالم الإسلامي (الشيشان، أفغانستان، الساحل، البوسنة). ويأتون غالب الوقت من المحيط الغربي (أوروبا، الولايات المتحدة). مسارهم يضم غالبًا ثلاثة بلدان (بلد الأصل الذي تنحدر منه عائلتهم، بلد منشئهم، وبلد فعلهم وعملياتهم). ومن بينهم عدد كبير من معتنقي الإسلام (والنسبة آخذة في التزايد: يبدو أنها تبلغ ثلث الشبان الذين يغادرون إلى سوريا، وكانت في تسعينات القرن الماضي تدور حول نسبة 20 في المائة)».
يبدو كذلك أن ما تعيشه فرنسا، يتطلب مقاربة جديدة تتجاوز اللقاءات مع مختلف ممثلي الديانات، ومع المؤسسات الدينية التي ترعى وتتحكم فرنسا في هياكلها، عبر التوجيه المباشر أو التحكم عن بعد. فالجيل الإرهابي الجديد لا علاقة له بمؤسسات المسلمين المعترف بها، ولا علاقة لهم بالمساجد، والجمعيات الإسلامية المدنية المختلفة. إنهم شباب راديكالي ضد الحركات الإسلامية مثلما هم ضد الغرب الذي يعتبرونه صليبيًا.
وهكذا، علينا ونحن نواجه الإرهاب أن نأخذ بعين الاعتبار قضية مركزية يلخصها أوليفييه روا في «التمييز بين الحركات والأحزاب الإسلامية المعتدلة، والتنظيمات الإرهابية». وفي ذلك يقول روا «والحق يقال، لم تحضن الحركات الإسلامية السياسية الغلو الراديكالي، لا في الجزائر مع جبهة الإنقاذ الإسلامية، ولا في المغرب مع حزب العدالة والتنمية، ولا في فرنسا أو سوريا أو الأردن أو حركة النهضة التونسية أو جماعتي إسلامي بباكستان. وفي أفغانستان، اغتيل الإخواني عبد الله عزام، رائد الحركة الراديكالية ضد السوفيات، في 1989، لأنه عارض الانحراف الإرهابي والمناهض للغرب الذي رفع لواءه خالف عزام، أسامة بن لادن. ولم يكن بن لادن إخوانيًا، في يوم من الأيام. إن «الراديكالية» الإسلامية اليوم هي ثمرة العولمة واضمحلال الثقافة الإسلامية، وليست وليدة الأحزاب الإسلامية، على ما وصفت في كتابي «الإسلام المعولم» – والكلام لا يزال لروا.
من ناحية أخرى، يبدو أن تبني تنظيم «داعش» للجريمة البشعة التي استهدفت كنيسة النورماندي، واعتبار منفذي الهجوم الإرهابي «جنديين من جنود التنظيم في فرنسا، نفذا العملية «استجابة لنداءات استهداف دول التحالف الصليبي» يؤكد أن المواجهة المفتوحة بين «داعش» والتنظيمات الإرهابية مع باريس ستطول، ويطول معها النقاش السياسي. وستزداد أيضًا الهوة بين السياسيين والأكاديميين المتخصصين في الإرهاب. ذلك أن همجية الفكر والفعل الإرهابي، يجد أمامه في فرنسا ثقافة غير متسامحة مع الدين، تتحول لموجات متتالية من الإسلاموفوبيا يغذيها اليمين واليمين المتطرف الفرنسي؛ وهو ما يحقق حسب أوليفييه روا، وجيل كيبيل هدف «داعش» الرامي لتقسيم المجتمعات وتدميرها بالحرب الداخلية.
* أستاذ العلوم السياسية - جامعة محمد الخامس، الرباط



«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
TT

«المراجعات»... فكرة غائبة يراهن عليها شباب «الإخوان»

جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)
جانب من اعتصام «الإخوان» في ميدان «رابعة» بالقاهرة عام 2013 عقب عزل مرسي (الشرق الأوسط)

بين الحين والآخر، تتجدد فكرة «مراجعات الإخوان»، الجماعة التي تصنفها السلطات المصرية «إرهابية»، فتثير ضجيجاً على الساحة السياسية في مصر؛ لكن دون أي أثر يُذكر على الأرض. وقال خبراء في الحركات الأصولية، عن إثارة فكرة «المراجعة»، خصوصاً من شباب الجماعة خلال الفترة الماضية، إنها «تعكس حالة الحيرة لدى شباب (الإخوان) وشعورهم بالإحباط، وهي (فكرة غائبة) عن قيادات الجماعة، ومُجرد محاولات فردية لم تسفر عن نتائج».
ففكرة «مراجعات إخوان مصر» تُثار حولها تساؤلات عديدة، تتعلق بتوقيتات خروجها للمشهد السياسي، وملامحها حال البدء فيها... وهل الجماعة تفكر بجدية في هذا الأمر؟ وما هو رد الشارع المصري حال طرحها؟
خبراء الحركات الأصولية أكدوا أن «الجماعة ليست لديها نية للمراجعات». وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط»: «لم تعرف (الإخوان) عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى الأهداف»، لافتين إلى أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (محنة) للبقاء، وجميع قيادات الخارج مُستفيدين من الوضع الحالي للجماعة». في المقابل لا يزال شباب «الإخوان» يتوعدون بـ«مواصلة إطلاق الرسائل والمبادرات في محاولة لإنهاء مُعاناتهم».

مبادرات شبابية
مبادرات أو رسائل شباب «الإخوان»، مجرد محاولات فردية لـ«المراجعة أو المصالحة»، عبارة عن تسريبات، تتنوع بين مطالب الإفراج عنهم من السجون، ونقد تصرفات قيادات الخارج... المبادرات تعددت خلال الأشهر الماضية، وكان من بينها، مبادرة أو رسالة اعترف فيها الشباب «بشعورهم بالصدمة من تخلي قادة جماعتهم، وتركهم فريسة للمصاعب التي يواجهونها هم وأسرهم - على حد قولهم -، بسبب دفاعهم عن أفكار الجماعة، التي ثبت أنها بعيدة عن الواقع»... وقبلها رسالة أخرى من عناصر الجماعة، تردد أنها «خرجت من أحد السجون المصرية - بحسب من أطلقها -»، أُعلن فيها عن «رغبة هذه العناصر في مراجعة أفكارهم، التي اعتنقوها خلال انضمامهم للجماعة». وأعربوا عن «استعدادهم التام للتخلي عنها، وعن العنف، وعن الولاء للجماعة وقياداتها».
وعقب «تسريبات المراجعات»، كان رد الجماعة قاسياً ونهائياً على لسان بعض قيادات الخارج، من بينهم إبراهيم منير، نائب المرشد العام للجماعة، الذي قال إن «الجماعة لم تطلب من هؤلاء الشباب الانضمام لصفوفها، ولم تزج بهم في السجون، ومن أراد أن يتبرأ (أي عبر المراجعات) فليفعل».
يشار إلى أنه كانت هناك محاولات لـ«المراجعات» عام 2017 بواسطة 5 من شباب الجماعة المنشقين، وما زال بعضهم داخل السجون، بسبب اتهامات تتعلق بـ«تورطهم في عمليات عنف».
من جهته، أكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «(المراجعات) أو (فضيلة المراجعات) فكرة غائبة في تاريخ (الإخوان)، وربما لم تعرف الجماعة عبر تاريخها (مراجعات) يُمكن التعويل عليها، سواء على مستوى الأفكار، أو على مستوى السلوك السياسي التنظيمي، أو على مستوى أهداف الجماعة ومشروعها»، مضيفاً: «وحتى الآن ما خرج من (مراجعات) لم تتجاوز ربما محاكمة السلوك السياسي للجماعة، أو السلوك الإداري أو التنظيمي؛ لكن لم تطل (المراجعات) حتى الآن جملة الأفكار الرئيسية للجماعة، ومقولتها الرئيسية، وأهدافها، وأدبياتها الأساسية، وإن كانت هناك محاولات من بعض شباب الجماعة للحديث عن هذه المقولات الرئيسية».

محاولات فردية
وقال أحمد بان إن «الحديث عن (مراجعة) كما يبدو، لم تنخرط فيها القيادات الكبيرة، فالجماعة ليس بها مُفكرون، أو عناصر قادرة على أن تمارس هذا الشكل من أشكال (المراجعة)، كما أن الجماعة لم تتفاعل مع أي محاولات بحثية بهذا الصدد، وعلى كثرة ما أنفقته من أموال، لم تخصص أموالاً للبحث في جملة أفكارها أو مشروعها، أو الانخراط في حالة من حالات (المراجعة)... وبالتالي لا يمكننا الحديث عن تقييم لـ(مراجعة) على غرار ما جرى في تجربة (الجماعة الإسلامية)»، مضيفاً أن «(مراجعة) بها الحجم، وبهذا الشكل، مرهونة بأكثر من عامل؛ منها تبني الدولة المصرية لها، وتبني قيادات الجماعة لها أيضاً»، لافتاً إلى أنه «ما لم تتبنَ قيادات مُهمة في الجماعة هذه (المراجعات)، لن تنجح في تسويقها لدى القواعد في الجماعة، خصوصاً أن دور السلطة أو القيادة في جماعة (الإخوان) مهم جداً... وبالتالي الدولة المصرية لو كانت جادة في التعاطي مع فكرة (المراجعة) باعتبارها إحدى وسائل مناهضة مشروع الجماعة السياسي، أو مشروع جماعات الإسلام السياسي، عليها أن تشجع مثل هذه المحاولات، وأن تهيئ لها ربما عوامل النجاح، سواء عبر التبني، أو على مستوى تجهيز قيادات من الأزهر، للتعاطي مع هذه المحاولات وتعميقها».
وأكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أن «الجماعة لم تصل لأي شيء في موضوع (المراجعات)، ولا توجد أي نية من جانبها لعمل أي (مراجعات)»، مضيفاً: «هناك محاولات فردية لـ(المراجعات) من بعض شباب الجماعة الناقم على القيادات، تتسرب من وقت لآخر، آخرها تلك التي تردد أنها خرجت من داخل أحد السجون جنوب القاهرة - على حد قوله -، ومن أطلقها صادر بحقهم أحكام بالسجن من 10 إلى 15 سنة، ولهم مواقف مضادة من الجماعة، ويريدون إجراء (مراجعات)، ولهم تحفظات على أداء الجماعة، خصوصاً في السنوات التي أعقبت عزل محمد مرسي عن السلطة عام 2013... وتطرقوا في انتقاداتهم للجوانب الفكرية للجماعة، لكن هذه المحاولات لم تكن في ثقل (مراجعات الجماعة الإسلامية)... وعملياً، كانت عبارة عن قناعات فردية، وليس فيها أي توجه بمشروع جدي».
وأكد زغلول، أن «هؤلاء الشباب فكروا في (المراجعات أو المصالحات)، وذلك لطول فترة سجنهم، وتخلي الجماعة عنهم، وانخداعهم في أفكار الجماعة»، مضيفاً: «بشكل عام ليست هناك نية من الجماعة لـ(المراجعات)، بسبب (من وجهة نظر القيادات) (عدم وجود بوادر من الدولة المصرية نحو ذلك، خصوصاً أن السلطات في مصر لا ترحب بفكرة المراجعات)، بالإضافة إلى أن الشعب المصري لن يوافق على أي (مراجعات)، خصوصاً بعد (مظاهرات سبتمبر/ أيلول الماضي) المحدودة؛ حيث شعرت قيادات الجماعة في الخارج، بثقل مواصلة المشوار، وعدم المصالحة».
وفي يناير (كانون الثاني) عام 2015، شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على أن «المصالحة مع من مارسوا العنف (في إشارة ضمنية لجماعة الإخوان)، قرار الشعب المصري، وليس قراره شخصياً».
وأوضح زغلول في هذا الصدد، أن «الجماعة تتبنى دائماً فكرة وجود (أزمة أو محنة) لبقائها، وجميع القيادات مستفيدة من الوضع الحالي للجماعة، وتعيش في (رغد) بالخارج، وتتمتع بالدعم المالي على حساب أسر السجناء في مصر، وهو ما كشفت عنه تسريبات أخيرة، طالت قيادات هاربة بالخارج، متهمة بالتورط في فساد مالي».

جس نبض
وعن ظهور فكرة «المراجعات» على السطح من وقت لآخر من شباب الجماعة. أكد الخبير الأصولي أحمد بان، أن «إثارة فكرة (المراجعة) من آن لآخر، تعكس حالة الحيرة لدى الشباب، وشعورهم بالإحباط من هذا (المسار المغلق وفشل الجماعة)، وإحساسهم بالألم، نتيجة أعمارهم التي قدموها للجماعة، التي لم تصل بهم؛ إلا إلى مزيد من المعاناة»، موضحاً أن «(المراجعة أو المصالحة) فكرة طبيعية وإنسانية، وفكرة يقبلها العقل والنقل؛ لكن تخشاها قيادات (الإخوان)، لأنها سوف تفضح ضحالة عقولهم وقدراتهم ومستواهم، وستكشف الفكرة أمام قطاعات أوسع».
برلمانياً، قال النائب أحمد سعد، عضو مجلس النواب المصري (البرلمان)، إن «الحديث عن تصالح مع (الإخوان) يُطلق من حين لآخر؛ لكن دون أثر على الأرض، لأنه لا تصالح مع كل من خرج عن القانون، وتورط في أعمال إرهابية - على حد قوله -».
وحال وجود «مراجعات» فما هي بنودها؟ أكد زغلول: «ستكون عبارة عن (مراجعات) سياسية، و(مراجعة) للأفكار، ففي (المراجعات) السياسية أول خطوة هي الاعتراف بالنظام المصري الحالي، والاعتراف بالخلط بين الدعوة والسياسة، والاعتراف بعمل أزمات خلال فترة حكم محمد مرسي... أما الجانب الفكري، فيكون بالاعتراف بأن الجماعة لديها أفكار عنف وتكفير، وأنه من خلال هذه الأفكار، تم اختراق التنظيم... وعلى الجماعة أن تعلن أنها سوف تبتعد عن هذه الأفكار».
وعن فكرة قبول «المراجعات» من قبل المصريين، قال أحمد بان: «أعتقد أنه يجب أن نفصل بين من تورط في ارتكاب جريمة من الجماعة، ومن لم يتورط في جريمة، وكان ربما جزءاً فقط من الجماعة أو مؤمناً فكرياً بها، فيجب الفصل بين مستويات العضوية، ومستويات الانخراط في العنف».
بينما أوضح زغلول: «قد يقبل الشعب المصري حال تهيئة الرأي العام لذلك، وأمامنا تجربة (الجماعة الإسلامية)، التي استمرت في عنفها ما يقرب من 20 عاماً، وتسببت في قتل الرئيس الأسبق أنور السادات، وتم عمل (مراجعات) لها، وبالمقارنة مع (الإخوان)، فعنفها لم يتعدَ 6 سنوات منذ عام 2013. لكن (المراجعات) مشروطة بتهيئة الرأي العام المصري لذلك، وحينها سيكون قبولها أيسر».
يُشار إلى أنه في نهاية السبعينات، وحتى منتصف تسعينات القرن الماضي، اُتهمت «الجماعة الإسلامية» بالتورط في عمليات إرهابية، واستهدفت بشكل أساسي قوات الشرطة والأقباط والأجانب. وقال مراقبون إن «(مجلس شورى الجماعة) أعلن منتصف يوليو (تموز) عام 1997 إطلاق ما سمى بمبادرة (وقف العنف أو مراجعات تصحيح المفاهيم)، التي أسفرت بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقتها، على إعلان الجماعة (نبذ العنف)... في المقابل تم الإفراج عن معظم المسجونين من كوادر وأعضاء (الجماعة الإسلامية)».
وذكر زغلول، أنه «من خلال التسريبات خلال الفترة الماضية، ألمحت بعض قيادات بـ(الإخوان) أنه ليس هناك مانع من قبل النظام المصري - على حد قولهم، في عمل (مراجعات)، بشرط اعتراف (الإخوان) بالنظام المصري الحالي، وحل الجماعة نهائياً».
لكن النائب سعد قال: «لا مجال لأي مصالحة مع (مرتكبي جرائم عنف ضد الدولة المصرية ومؤسساتها) - على حد قوله -، ولن يرضى الشعب بمصالحة مع الجماعة».