تأييد سياسي يستبق الخطة الأمنية بالبقاع.. وفصيل متشدد يتوعد الجيش اللبناني

مصادر «الداخلية» تؤكد أنها ستشمل كل المناطق.. والحريري يثمن الإنجازات في طرابلس

تأييد سياسي يستبق الخطة الأمنية بالبقاع.. وفصيل متشدد يتوعد الجيش اللبناني
TT

تأييد سياسي يستبق الخطة الأمنية بالبقاع.. وفصيل متشدد يتوعد الجيش اللبناني

تأييد سياسي يستبق الخطة الأمنية بالبقاع.. وفصيل متشدد يتوعد الجيش اللبناني

استبق تنظيم متشدد، أمس، الخطة الأمنية التي تنوي السلطات الرسمية اللبنانية تنفيذها في البقاع (شرق لبنان) بعد الخطة الأمنية بطرابلس، بتوجيه تهديدات للجيش اللبناني، بقوله إن للخطة «أهدافا خبيثة»، في حين واصل الجيش عملياته في المعابر الحدودية غير الشرعية مع سوريا، حيث قتل سوري، وأصيب آخرون بجروح، إثر إطلاق الجيش اللبناني الرصاص باتجاههم، بعدما رفضوا الامتثال للحاجز في وادي حميد بعرسال (شرق لبنان).
وتأتي الخطة المرتقبة للبقاع بعد نجاح الخطة الأمنية في طرابلس التي ثمّنها رئيس تيار المستقبل رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إذ أثنى على حسن سير تنفيذها لإنهاء مظاهر الاقتتال والفوضى المسلحة في المدينة، وإعادة الأمن والهدوء والاستقرار، معتبرا أن هذا الأمر «يظهر أن الدولة قادرة على بسط سلطتها وسيادتها والإمساك بزمام الأمور في المناطق اللبنانية كافة متى حزمت أمرها، وعندما يتخذ القرار الوطني السليم بهذا الخصوص».
في موازاة ذلك، استكمل الجيش اللبناني تنفيذ الخطة الأمنية في طرابلس، أمس، لليوم الثالث على التوالي، وأزال الدشم الإسمنتية الضخمة عبر جرافات وآليات خاصة، وسط ترحيب شعبي بالإجراءات وبالخطة الأمنية، وأقام كذلك حواجز ثابتة ومتنقلة، وسُجلت حركة ناشطة في الشوارع. وفيما يستكمل الجيش اللبناني انتشاره في عاصمة الشمال، تتحضر القوى الأمنية الرسمية تنفيذ خطة مشابهة في البقاع (شرق لبنان)، من غير تحديد مهلة محددة لبدء انتشار الجيش فيها. وقالت مصادر وزارة الداخلية اللبنانية لـ«الشرق الأوسط» إن الخطة الأمنية للقوى الأمنية «ستشمل كل مناطق لبنان»، لكنها رفضت تحديد مهلة محددة لإطلاقها في البقاع، علما بأن هذه المنطقة ستكون الثانية بعد طرابلس، نظرا للتوتر اليومي الذي تشهده على خلفية دخول مسلحين عبر معابر غير شرعية من سوريا. وأكدت مصادر الداخلية أن الخطة بطرابلس «حققت إنجازات كبيرة، لكنها ستُستكمل بهدف الإمساك بالوضع الأمني في شمال لبنان».
وتحظى الخطة الأمنية المرتقبة في البقاع بتأييد واسع من فعاليات المنطقة والمسؤولين فيها. وأكد عضو «كتلة المستقبل» النائب جمال الجراح، لـ«الشرق الأوسط»، أن الخطة المرتقبة ونشر القوى الأمنية الرسمية «يحظيان بدعم مطلق، وينسجمان مع مطالبنا بأن السلطة الوحيدة في كل المناطق اللبنانية بيد الجيش والقوى الشرعية».
وإذ نفى معرفته بموعد إطلاقها في البقاع، على الرغم من أن التحركات الميدانية تشير إلى أنها وشيكة، قال إن الخطة الأمنية في البقاع «ستكون شبيهة بالخطط الأمنية في سائر المناطق اللبنانية، ولن تقتصر على الانتشار في بؤر التوتر في عرسال وغيرها من المناطق الحدودية مع سوريا». وأكد أن نشر القوى الشرعية «هو مطلبنا من الأساس، لبسط سلطة الدولة على كل المناطق اللبنانية، بهدف ضبط الوضع الأمني». وأمل الجراح، بعد نجاح تجربة الخطة الأمنية في طرابلس، أن «تشمل كل الأراضي اللبنانية، ويتحقق الوجود الأمني الذي يساعد على حماية المواطنين تمهيدا لنزع السلاح غير الشرعي».
وفي موازاة الحديث عن الخطة الأمنية المخصصة للبقاع، حذر فصيل متشدد مجهول، يطلق على نفسه اسم «لواء أحرار السنة في بعلبك»، الجيش اللبناني من «التهور وتكبير الرأس»، معتبرا أن «للخطة الأمنية أهدافا خبيثة»، معتبرا أنها «من إنتاج حزب الله وإيران، وهدفها الرئيس تحجيم أهل السُنّة». وتوجه لواء «أحرار السُنّة في بعلبك» عبر موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» للجيش اللبناني بالقول «لا أنت ولا حزب الله قادران على نزع النبض الثوري من قلوبنا، وإن حاولتم تنفيذ المشروع الإيراني».
وكان هذا الفصيل المتشدد تبنى أواخر الأسبوع الماضي هجوما انتحاريا على حاجز للجيش اللبناني في منطقة حدودية في عرسال (شرق لبنان)، أسفر عن مقتل 3 جنود وجرح 8 آخرين. وجاء تحذير «لواء أحرار السنة» بعد ساعات من إطلاق الجيش النار على 3 سوريين كانوا يحاولون العبور فوق ساتر ترابي أقامه الجيش اللبناني في منطقة حدودية مع سوريا، مما أسفر عن مقتل أحدهم وإصابة آخرين بجروح، في وقت أشارت فيه «الوكالة الوطنية للإعلام» إلى أن الثلاثة «ينتمون إلى جبهة النصرة».
وأعلن الجيش اللبناني أن «ثلاثة أشخاص من التابعية السورية يستقلون دراجة نارية حاولوا الفرار وعدم الامتثال لعناصر حاجز تابع للجيش في محلة وادي حميد - عرسال، على الرغم من إنذارهم مرارا، مما اضطر عناصر الحاجز إلى إطلاق النار»، مشيرا، في بيان، إلى أن الحادثة أسفرت عن «مقتل أحدهم وإصابة الاثنين الآخرين بجروح». ولفت الجيش إلى أن الشرطة العسكرية «تولت التحقيق في الحادث بإشراف القضاء المختص».
وجاءت الحادثة غداة إيقاف الجيش في عرسال 14 سوريا، بتهم حيازة أعتدة عسكرية ودخول الأراضي اللبنانية خلسة وبهويات مزورة تحمل أسماء لبنانية، قبل تسليمهم للشرطة العسكرية في رأس بعلبك للتحقيق.
في الوقت ذاته، ذكرت «الوكالة الوطنية للإعلام» أن جهاز أمن الدولة في البقاع «ضبط 4 صواريخ في جرد عرسال مجهزة للإطلاق باتجاه بلدة النبي عثمان وبجانبها صناديق متفجرات». وكانت النبي عثمان وبلدات أخرى مؤيدة لحزب الله تعرضت في وقت سابق لإطلاق صواريخ من السلسلة الشرقية في جبل لبنان، أسفر بعضها عن وقوع قتلى لبنانيين.



القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
TT

القطن المصري... محاولة حكومية لاستعادة «عصره الذهبي» تواجه تحديات

مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)
مصطفى مدبولي بصحبة عدد من الوزراء خلال تفقده مصنع الغزل والنسيج في المحلة (مجلس الوزراء المصري)

تراهن الحكومة المصرية على القطن المشهور بجودته، لاستنهاض صناعة الغزل والنسيج وتصدير منتجاتها إلى الخارج، لكن رهانها يواجه تحديات عدة في ظل تراجع المساحات المزروعة من «الذهب الأبيض»، وانخفاض مؤشرات زيادتها قريباً.

ويمتاز القطن المصري بأنه طويل التيلة، وتزرعه دول محدودة حول العالم، حيث يُستخدم في صناعة الأقمشة الفاخرة. وقد ذاع صيته عالمياً منذ القرن التاسع عشر، حتى أن بعض دور الأزياء السويسرية كانت تعتمد عليه بشكل أساسي، حسب كتاب «سبع خواجات - سير رواد الصناعة الأجانب في مصر»، للكاتب مصطفى عبيد.

ولم يكن القطن بالنسبة لمصر مجرد محصول، بل «وقود» لصناعة الغزل والنسيج، «التي مثلت 40 في المائة من قوة الاقتصاد المصري في مرحلة ما، قبل أن تتهاوى وتصل إلى ما بين 2.5 و3 في المائة حالياً»، حسب رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي، الذي أكد عناية الدولة باستنهاض هذه الصناعة مجدداً، خلال مؤتمر صحافي من داخل مصنع غزل «1» في مدينة المحلة 28 ديسمبر (كانون الأول) الماضي.

أشار مدبولي، حسب ما نقله بيان مجلس الوزراء، إلى أن مشروع «إحياء الأصول» في الغزل والنسيج يتكلف 56 مليار جنيه (الدولار يعادل 50.7 جنيها مصري)، ويبدأ من حلج القطن، ثم تحويله غزلاً فنسيجاً أو قماشاً، ثم صبغه وتطويره حتى يصل إلى مُنتج سواء ملابس أو منسوجات، متطلعاً إلى أن ينتهي المشروع نهاية 2025 أو بداية 2026 على الأكثر.

وتكمن أهمية المشروع لمصر باعتباره مصدراً للدولار الذي تعاني الدولة من نقصه منذ سنوات؛ ما تسبب في أزمة اقتصادية دفعت الحكومة إلى الاقتراض من صندوق النقد الدولي؛ مرتين أولاهما عام 2016 ثم في 2023.

وبينما دعا مدبولي المزارعين إلى زيادة المساحة المزروعة من القطن، أراد أن يطمئن الذين خسروا من زراعته، أو هجروه لزراعة الذرة والموالح، قائلاً: «مع انتهاء تطوير هذه القلعة الصناعية العام المقبل، فسوف نحتاج إلى كل ما تتم زراعته في مصر لتشغيل تلك المصانع».

وتراجعت زراعة القطن في مصر خلال الفترة من 2000 إلى عام 2021 بنسبة 54 في المائة، من 518 ألفاً و33 فداناً، إلى 237 ألفاً و72 فداناً، حسب دراسة صادرة عن مركز البحوث الزراعية في أبريل (نيسان) الماضي.

وأرجعت الدراسة انكماش مساحته إلى مشكلات خاصة بمدخلات الإنتاج من بذور وتقاوٍ وأسمدة، بالإضافة إلى أزمات مرتبطة بالتسويق.

أزمات الفلاحين

سمع المزارع الستيني محمد سعد، وعود رئيس الوزراء من شاشة تليفزيون منزله في محافظة الغربية (دلتا النيل)، لكنه ما زال قلقاً من زراعة القطن الموسم المقبل، الذي يبدأ في غضون 3 أشهر، تحديداً مارس (آذار) كل عام.

يقول لـ«الشرق الأوسط»: «زرعت قطناً الموسم الماضي، لكن التقاوي لم تثمر كما ينبغي... لو كنت أجَّرت الأرض لكسبت أكثر دون عناء». وأشار إلى أنه قرر الموسم المقبل زراعة ذرة أو موالح بدلاً منه.

نقيب الفلاحين المصري حسين أبو صدام (صفحته بفيسبوك)

على بعد مئات الكيلومترات، في محافظة المنيا (جنوب مصر)، زرع نقيب الفلاحين حسين أبو صدام، القطن وكان أفضل حظاً من سعد، فأزهر محصوله، وحصده مع غيره من المزارعين بقريته في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لكن أزمة أخرى خيَّبت أملهم، متوقعاً أن تتراجع زراعة القطن الموسم المقبل مقارنة بالماضي (2024)، الذي بلغت المساحة المزروعة فيه 311 ألف فدان.

تتلخص الأزمة التي شرحها أبو صدام لـ«الشرق الأوسط» في التسويق، قائلاً إن «المحصول تراكم لدى الفلاحين شهوراً عدة؛ لرفض التجار شراءه وفق سعر الضمان الذي سبق وحدَّدته الحكومة لتشجيع الفلاح على زراعة القطن وزيادة المحصول».

ويوضح أن سعر الضمان هو سعر متغير تحدده الحكومة للفلاح قبل أو خلال الموسم الزراعي، وتضمن به ألا يبيع القنطار (وحدة قياس تساوي 100 كيلوغرام) بأقل منه، ويمكن أن يزيد السعر حسب المزايدات التي تقيمها الحكومة لعرض القطن على التجار.

وكان سعر الضمان الموسم الماضي 10 آلاف جنيه، لمحصول القطن من الوجه القبلي، و12 ألف جنيه للمحصول من الوجه البحري «الأعلى جودة». لكن رياح القطن لم تجرِ كما تشتهي سفن الحكومة، حيث انخفضت قيمة القطن المصري عالمياً في السوق، وأرجع نقيب الفلاحين ذلك إلى «الأزمات الإقليمية وتراجع الطلب عليه».

ويحدّد رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن التابع لوزارة الزراعة، الدكتور مصطفى عمارة، فارق سعر الضمان عن سعر السوق بنحو ألفي جنيه؛ ما نتج منه عزوف من التجار عن الشراء.

وأكد عمارة أن الدولة تدخلت واشترت جزءاً من المحصول، وحاولت التيسير على التجار لشراء الجزء المتبقي، مقابل أن تعوض هي الفلاح عن الفارق، لكن التجار تراجعوا؛ ما عمق الأزمة في السوق.

يتفق معه نقيب الفلاحين، مؤكداً أن مزارعي القطن يتعرضون لخسارة مستمرة «سواء في المحصول نفسه أو في عدم حصول الفلاح على أمواله؛ ما جعل كثيرين يسخطون وينون عدم تكرار التجربة».

د. مصطفى عمارة رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية (مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار المصري)

فرصة ثانية

يتفق المزارع ونقيب الفلاحين والمسؤول في مركز أبحاث القطن، على أن الحكومة أمامها تحدٍ صعب، لكنه ليس مستحيلاً كي تحافظ على مساحة القطن المزروعة وزيادتها.

أول مفاتيح الحل سرعة استيعاب أزمة الموسم الماضي وشراء المحصول من الفلاحين، ثم إعلان سعر ضمان مجزٍ قبل موسم الزراعة بفترة كافية، وتوفير التقاوي والأسمدة، والأهم الذي أكد عليه المزارع من الغربية محمد سعد، هو عودة نظام الإشراف والمراقبة والعناية بمنظومة زراعة القطن.

ويحذر رئيس قسم بحوث المعاملات الزراعية في معهد بحوث القطن من هجران الفلاحين لزراعة القطن، قائلاً: «لو فلاح القطن هجره فـلن نعوضه».

أنواع جديدة

يشير رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات محمد المرشدي، إلى حاجة مصر ليس فقط إلى إقناع الفلاحين بزراعة القطن، لكن أيضاً إلى تعدد أنواعه، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن القطن طويل التيلة رغم تميزه الشديد، لكن نسبة دخوله في المنسوجات عالمياً قليلة ولا تقارن بالقطن قصير التيلة.

ويؤكد المسؤول في معهد بحوث القطن أنهم استنبطوا بالفعل الكثير من الأنواع الجديدة، وأن خطة الدولة للنهوض بصناعة القطن تبدأ من الزراعة، متمنياً أن يقتنع الفلاح ويساعدهم فيها.