تقرير أميركي: «طالبان» تسيطر على 5 % من أراضي أفغانستان

مقتل 4 متمردين وإصابة 5 رجال شرطة في اشتباكات بإقليم ورداك

جندي أفغاني أمام مصفحة في موقع متقدم في مواجهة خطوط «طالبان» الأمامية في سانجين بمقاطعة هلمند أمس (إ.ب.أ)
جندي أفغاني أمام مصفحة في موقع متقدم في مواجهة خطوط «طالبان» الأمامية في سانجين بمقاطعة هلمند أمس (إ.ب.أ)
TT

تقرير أميركي: «طالبان» تسيطر على 5 % من أراضي أفغانستان

جندي أفغاني أمام مصفحة في موقع متقدم في مواجهة خطوط «طالبان» الأمامية في سانجين بمقاطعة هلمند أمس (إ.ب.أ)
جندي أفغاني أمام مصفحة في موقع متقدم في مواجهة خطوط «طالبان» الأمامية في سانجين بمقاطعة هلمند أمس (إ.ب.أ)

قالت أكبر وكالة حكومية أميركية لشؤون إعادة إعمار أفغانستان في تقرير أمس، إن الحكومة الأفغانية فقدت السيطرة أو النفوذ على 5 في المائة تقريبًا من الأراضي خلال الفترة بين يناير (كانون الثاني) ومايو (أيار) الماضيين، في دلالة على التحديات التي تواجهها قواتها. وبعد 15 عامًا على غزو الولايات المتحدة أفغانستان للإطاحة بحكومة «طالبان» التي وفرت المأوى لأعضاء تنظيم القاعدة الذين هاجموا الولايات المتحدة، تمكنت «طالبان» من تحقيق مكاسب كبيرة. وتشير التقديرات إلى أنهم باتوا يسيطرون على أراضٍ أكبر مما كانوا يسيطرون في أي وقت منذ عام 2001. وتقوم واشنطن بتدريب وتجهيز قوات الأمن الأفغانية من أجل سحب القوات الأميركية من أفغانستان، لكن الأفغان ما زالوا يفتقرون للأفراد والمعدات.
وجاء في التقرير الذي نشرته الوكالة الأميركية لشؤون إعادة إعمار أفغانستان (سيغار)، أن الأراضي التي تخضع «لسيطرة أو نفوذ» الحكومة الأفغانية تقلصت إلى 6.‏65 في المائة بنهاية شهر مايو الماضي، بعد أن كانت 5.‏70 في المائة قرب نهاية شهر يناير الماضي، استنادًا إلى بيانات قدمتها القوات الأميركية العاملة في أفغانستان. وهذا يعني فقدان السيطرة على 19 منطقة من مناطق الحكم البالغ عددها 400 منطقة تقريبًا بالبلاد. وقال قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال جون نيكلسون، إن معظم المناطق التي تسيطر عليها «طالبان» مناطق ريفية. وأضاف في إفادة صحافية لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) عبر الفيديو، أنهم اعتقدوا أن بوسعهم الاستيلاء على الأراضي والاحتفاظ بها وفشلوا في ذلك. ولم يتسنَ على الفور الوصول إلى الحكومة الأفغانية للتعقيب.
وفي كابل، ذكر مسؤول أفغاني أمس أن 4 مسلحين قتلوا وأصيب 15 شخصًا آخرون، من بينهم 5 رجال شرطة خلال اشتباكات مع مسلحين بإقليم ميدان ورداك، وسط البلاد، طبقًا لما ذكرته وكالة «باجوك» الأفغانية للأنباء. ومنذ انتهاء المهمة القتالية لحلف شمال الأطلسي (ناتو) في أفغانستان في ديسمبر 2014، تتكبد قوات الأمن الأفغانية خسائر كبيرة في القتال أمام مسلحي «طالبان»، مما دفع الدول الأعضاء في الناتو أخيرًا إلى إبطاء وتيرة سحب باقي القوات. ولقي نحو 7 آلاف من قوات الجيش والشرطة الأفغانية حتفهم خلال القتال مع «طالبان» عام 2015، فيما أصيب نحو 14 ألفًا آخرون. ويقول خبراء الأمن إنه من المتوقع أن يرتفع هذا العدد مرة أخرى هذا العام.
إلى ذلك، قال القائد الأعلى للقوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان أول من أمس، إن 5 جنود أميركيين أصيبوا بجروح في العمليات ضد تنظيم داعش في أفغانستان هذا الأسبوع. وأضاف الجنرال جون نيكلسون للصحافيين في «البنتاغون» عبر دائرة تلفزيونية مغلقة، أن الجنود كانوا يساعدون القوات الأفغانية في استعادة أراضٍ من قبضة تنظيم داعش، الذي تراجع في إقليم ننغرهار. وقال: «سنواصل قتال (داعش) حتى هزيمته في أفغانستان».
وقدر عدد أفراد «داعش» بما يتراوح بين 1000 و1500 شخص في أفغانستان، في حين قدر المعهد الأميركي للسلام العدد بنحو 2500. وأنهت القوات الأميركية مهمتها القتالية رسميًا في أفغانستان، ولكن لا تزال تشارك في عمليات مكافحة الإرهاب ومساعدة قوات الأمن الأفغانية، ولا تهدد الإصابات حياة الذين تعرضوا لها، ولكن جرى نقل 3 منهم إلى خارج أفغانستان لتلقي العلاج الطبي. ودمرت قوات الأمن الأفغانية قاعدة لـ«داعش» في شرق أفغانستان يوم الاثنين الماضي.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟