انحسار إيرادات أفلام الصيف يقلق هوليوود‬

كابتن أميركا حرب أهلية… أو معارك الصيف الخاسرة.‬
كابتن أميركا حرب أهلية… أو معارك الصيف الخاسرة.‬
TT

انحسار إيرادات أفلام الصيف يقلق هوليوود‬

كابتن أميركا حرب أهلية… أو معارك الصيف الخاسرة.‬
كابتن أميركا حرب أهلية… أو معارك الصيف الخاسرة.‬

لم يقابل فيلم «ستار ترك» هجمة من عشاق السلسلة عليه، فهو الفيلم الثالث عشر من السلسلة التي انطلقت على الشاشات الكبيرة لأول مرّة سنة 1979، وتكلّف 185 مليون دولار، غير مصاريف الإعلان والدعاية، وجذب داخليًا 59 مليون دولار فقط.‬
قبل إطلاق هذا الفيلم ببضعة أسابيع رصد العاملون أن موسم الصيف هذا العام لن يثمر عن نجاحات فائقة. ففي منتصف الشهر الماضي خرجت الأرقام لتؤكد أن الموسم أنجز من مطلعه (أول مايو/أيار) إلى ذلك الحين هبوطًا في الإيرادات يبلغ 14 في المائة عن الفترة ذاتها من العام الماضي.‬
بعد أسبوعين من ذلك التقرير أوردت الصحف المعنية («سكرين»: «فاراياتي»: «ذ هوليوود ريبورتر») أن الهبوط بلغ 22 في المائة.‬
هذا لم يكن في حسبان استوديوهات السينما. من وجهة نظرها لم تخطئ. سارت على الطريق ذاته الذي يميّـز عادة مواسم الصيف: إطلاق أفلام كبيرة الإنتاجات، غزيرة المغامرات، خيالية وفانتازية الأحداث ثم تزويدها بالمؤثرات المبهرة. غامرت بكل شيء إلا بالتخلي عما كان السبب في رواج أفلام الصيف خلال السنوات القليلة الماضية. لكن ما حصدته في المقابل ربما يكون بداية سأم الجمهور من هذا المنوال الواحد من الأعمال وبالتالي قد (وقد ضعيفة) يكون بداية لتغيير ما يعيد للسينما درامياتها الإنسانية الغائبة عوض تلك الميكانيكية الغالبة.‬
موسم الصيف انطلق ضعيفًا بفيلم «كابتن أميركا: حرب أهلية» واستمر على هذا النحو مع عروض شملت «أليس من خلال المنظار» و«هنتسمان: حرب الشتاء» و«عصر الجليد 2» و«يوم الاستقلال: الانبعاث». هذه الأفلام تحديدًا تلتقي في نقطة مشتركة أساسية وهي أنها جميعًا حلقات تالية (ثانية وثالثة الخ…) من مسلسلات سينمائية معروفة، ما يعني أن سقوط بعضها وإخفاق بعضها الآخر في تحقيق إيراد جيد على أي حال، له علاقة برفض الجمهور لها. تحديدًا، بحالة شبع من أفلام تقلد أفلام أخرى سبقتها ولا تضيف. تبدو متشابهة لا بحكاياتها فقط، بل بشخصياتها وقدرات تلك الشخصيات أيضًا. ‬
هذا واضح في «رجال إكس - سفر الرؤيا» على سبيل المثال، حيث قام منحى الجزء الجديد من سلسلة أفرزت حتى الآن نحو ثمانية أعمال، على خلط الأزمنة والانتقال بينها. لكن حتى هذا لم ينجز ما أريد له أن ينجز. ‬
ما يقلق هوليوود اليوم هو التالي:‬
أفلام المؤثرات الضخمة والفانتازيات المستحيلة حوّلت الجمهور عن الممثلين الذين كانوا عماد نجاح هوليوود منذ الأزل. ما عاد الجمهور يكترث للممثل في دور درامي يظهر فيه بكل هيئته. بات يفضله، أو سواه، في أدوار تفرض على الممثل ارتداء بدلات من الحديد وأقنعة من فولاذ وخوذات من الأجهزة الحديثة التي تطلق أعاجيب غير متوقعة. مع تحوّل الممثلين البشر إلى جزء من الآلة الهندسية - الميكانيكية المدارة في أجهزة الدجيتال والكومبيوتر صار صعبًا عليهم النجاح في أفلام تظهرهم على نحو إنساني كامل.‬
لكن هناك بالطبع النجدة الآتية من الأسواق الخارجية. صحيح أن «كابتن أميركا: حرب أهلية» الذي تكلف 200 مليون دولار أنجز 406 ملايين دولار فقط في أميركا (ما يكفي لتغطية التكلفة من دون أرباح ولا كامل حصص التوزيع) إلا أن أسواق العالم هي التي منعت سقوط «كابتن أميركا»، إذ سجل 744 مليون دولار خارج أميركا.‬
«باتمان ضد سوبرمان» اكتفى هذا العام بـ330 مليون دولار في أميركا (بلغت ميزانيته نحو 200 مليون دولار أيضًا) لكنه سجل ضعف ذلك عالميا. رغم هذا تدرك هوليوود أن الجمهور العالمي الذي جهّـزته ليماثل الجمهور الأميركي ذوقًا، قد ينحسر في الخارج كما بدأ ينحسر في الداخل. ‬



«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
TT

«العواصف» و«احتفال»

«العواصف» (فيستيڤال سكوب)
«العواصف» (فيستيڤال سكوب)

LES TEMPÊTES

(جيد)

* إخراج: دانيا ريمون-بوغنو

* فرنسا/ بلجيكا (2024)

الفيلم الثاني الذي يتعاطى حكاية موتى- أحياء، في فيلم تدور أحداثه في بلدٍ عربي من بعد «أغورا» للتونسي علاء الدين سليم («شاشة الناقد» في 23-8-2024). مثله هو ليس فيلم رعب، ومثله أيضاً الحالة المرتسمة على الشاشة هي في جانب كبير منها، حالة ميتافيزيقية حيث العائدون إلى الحياة في كِلا الفيلمين يمثّلون فكرةً أكثر ممّا يجسّدون منوالاً أو حدثاً فعلياً.

«العواصف» إنتاج فرنسي- بلجيكي للجزائرية الأصل بوغنو التي قدّمت 3 أفلام قصيرة قبل هذا الفيلم. النقلة إلى الروائي يتميّز بحسُن تشكيلٍ لعناصر الصورة (التأطير، والإضاءة، والحجم، والتصوير نفسه). لكن الفيلم يمرّ على بعض التفاصيل المكوّنة من أسئلة لا يتوقف للإجابة عليها، أبرزها أن بطل الفيلم ناصر (خالد بن عيسى)، يحفر في التراب لدفن مسدسٍ بعد أن أطلق النار على من قتل زوجته قبل 10 سنوات. لاحقاً نُدرك أنه لم يُطلق النار على ذلك الرجل بل تحاشى قتله. إذن، إن لم يقتل ناصر أحداً لماذا يحاول دفن المسدس؟

الفيلم عن الموت. 3 شخصيات تعود للحياة بعد موتها: امرأتان ورجل. لا أحد يعرف الآخر، وربما يوحي الفيلم، أنّ هناك رابعاً متمثّلاً بشخصية ياسين (مهدي رمضاني) شقيق ناصر.

ناصر هو محور الفيلم وكان فقد زوجته «فجر» (كاميليا جردانة)، عندما رفضت اعتلاء حافلة بعدما طلب منها حاجز إرهابي ذلك. منذ ذلك الحين يعيش قسوة الفراق. في ليلة ماطرة تعود «فجر» إليه. لا يصدّق أنها ما زالت حيّة. هذا يؤرقها فتتركه، ومن ثَمّ تعود إليه إذ يُحسن استقبالها هذه المرّة. الآخران امرأة ورجل عجوزان لا قرابة أو معرفة بينهما. بذا الموت الحاصد لأرواح تعود إلى الحياة من دون تفسير. الحالة نفسها تقع في نطاق اللا معقول. الفصل الأخير من الفيلم يقع في عاصفة من التراب الأصفر، اختارته المخرجة ليُلائم تصاعد الأحداث الدرامية بين البشر. تنجح في إدارة الجانبين (تصوير العاصفة ووضعها في قلب الأحداث)، كما في إدارة ممثليها على نحوٍ عام.

ما يؤذي العمل بأسره ناحيةٌ مهمّةٌ وقعت فيها أفلام سابقة. تدور الأحداث في الجزائر، وبين جزائريين، لكن المنوال الغالب للحوار هو فرنسي. النسبة تصل إلى أكثر من 70 في المائة من الحوار بينما، كما أكّد لي صديق من هناك، أن عامّة الناس، فقراء وأغنياء وبين بين، يتحدّثون اللهجة الجزائرية. هذا تبعاً لرغبة تشويق هذا الإنتاج الفرنسي- البلجيكي، لكن ما يؤدي إليه ليس مريحاً أو طبيعياً إذ يحول دون التلقائية، ويثير أسئلة حول غياب التبرير من ناحية، وغياب الواقع من ناحية أخرى.

* عروض مهرجان مراكش.

«احتفال» (كرواتيا إودڤيحوال سنتر)

CELEBRATION

(ممتاز)

* إخراج: برونو أنكوڤيتش

* كرواتيا/ قطر (2024)

«احتفال» فيلم رائع لمخرجه برونو أنكوڤيتش الذي أمضى قرابة 10 سنوات في تحقيق أفلام قصيرة. هذا هو فيلمه الطويل الأول، وهو مأخوذ عن رواية وضعها سنة 2019 دامير كاراكاش، وتدور حول رجل اسمه مِيّو (برنار توميتش)، نَطّلع على تاريخ حياته في 4 فصول. الفصل الأول يقع في خريف 1945، والثاني في صيف 1933، والثالث في شتاء 1926، والرابع في ربيع 1941. كلّ فصل فيها يؤرّخ لمرحلة من حياة بطله مع ممثلٍ مختلف في كل مرّة.

نتعرّف على مِيو في بداية الفيلم يُراقب من فوق هضبة مشرفة على الجيش النظامي، الذي يبحث عنه في قريته. يمضي مِيو يومين فوق الجبل وتحت المطر قبل أن يعود الفيلم به عندما كان لا يزال فتى صغيراً عليه أن يتخلّى عن كلبه بسبب أوامر رسمية. في مشهد لا يمكن نسيانه، يربط كلبه بجذع شجرة في الغابة ويركض بعيداً يلاحقه نباح كلب خائف، هذا قبل أن ينهار مِيو ويبكي. ينتقل الفيلم إلى شتاء 1926. هذه المرّة الحالة المعيشية لا تسمح لوالده بالاختيار، فيحمل جدُّ مِيو فوق ظهره لأعلى الجبل ليتركه ليموت هناك (نحو غير بعيد عمّا ورد في فيلم شوهاي إمامورا «موّال ناراياما» The Ballad of Narayama سنة 1988). وينتهي الفيلم بالانتقال إلى عام 1941 حيث الاحتفال الوارد في العنوان: أهالي القرى يسيرون في استعراضٍ ويرفعون أيديهم أمامهم في تحية للنازية.

«احتفال» معني أكثر بمراحل نمو بطله وعلاقاته مع الآخرين، وسط منطقة ليكا الجبلية الصعبة كما نصّت الرواية. ما يعنيه هو ما يُعانيه مِيو وعائلته وعائلة الفتاة التي يُحب من فقر مدقع. هذا على صعيد الحكاية وشخصياتها، كذلك وَضعُ مِيو وما يمرّ به من أحداث وسط تلك الطبيعة القاسية التي تُشبه قسوة وضعه. ينقل تصوير ألكسندر باڤلوڤيتش تلك الطبيعة وأجواءها الممطرة على نحوٍ فعّال. تمثيلٌ جيدٌ وناضجٌ من مجموعة ممثلين بعضُهم لم يسبق له الوقوف أمام الكاميرا، ومن بينهم كلارا فيوليتش التي تؤدي دور حبيبة مِيو، ولاحقاً، زوجته.

* عروض مهرجان زغرب (كرواتيا).