«الشرق الأوسط» تكشف اتفاق كيري ـ لافروف: «تجزيء» الحل السوري.. وتأجيل مصير الأسد

وزير الخارجية الأميركي أبلغ نظيره الروسي أن ما يقوم به هو «المحاولة الأخيرة للإدارة الحالية»

قوات الدفاع المدني تتفحص الدمار الذي لحق بحي في بلدة دوما قرب دمشق إثر غارة لطيران النظام أمس (رويترز)
قوات الدفاع المدني تتفحص الدمار الذي لحق بحي في بلدة دوما قرب دمشق إثر غارة لطيران النظام أمس (رويترز)
TT

«الشرق الأوسط» تكشف اتفاق كيري ـ لافروف: «تجزيء» الحل السوري.. وتأجيل مصير الأسد

قوات الدفاع المدني تتفحص الدمار الذي لحق بحي في بلدة دوما قرب دمشق إثر غارة لطيران النظام أمس (رويترز)
قوات الدفاع المدني تتفحص الدمار الذي لحق بحي في بلدة دوما قرب دمشق إثر غارة لطيران النظام أمس (رويترز)

تمكنت «الشرق الأوسط» من الاطلاع على مجريات الاجتماع الذي ضم وزير الخارجية الأميركي جون كيري مع نظرائه الأوروبيين في بروكسل، في الثامن عشر من الشهر الحالي، وذلك عقب عودته من اجتماعاته المطولة مع وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف والرئيس فلاديمير بوتين، لغرض إطلاعهم على الاتفاق الذي توصل إليه في موسكو، ونظرته إلى مسار الأزمة السورية، والجهود المشتركة التي يبذلها مع لافروف.
وكشف المصدر الذي تحدثت معه «الشرق الأوسط» أن كيري كان «بادي التفاؤل» لجهة وضع الاتفاق موضع التنفيذ، الأمر الذي أثار «دهشة البعض»، نظرا لما خبروه من تعامل موسكو مع الملف السوري، وللأهداف التي تسعى روسيا لتحقيقها بالربط بين الملف المذكور والملفات الأخرى العالقة بينها وبين واشنطن والحلف الأطلسي والاتحاد الأوروبي، ومنها الأزمة الأوكرانية، وازدياد الوجود العسكري الأطلسي على الحدود مع روسيا، وجهود التسلح التي يقوم بها الحلف التي تراها موسكو موجهة ضدها.
وقال كيري لنظرائه خلال الاجتماع، إن اتفاقه مع لافروف يقوم على مبدأ «تجزيء» التعامل مع الأزمة السورية على مراحل؛ تبدأ مرحلتها الأولى بالعمل على التنسيق العسكري بين الطرفين فيما يخص الضربات الجوية ضد تنظيمي «داعش» و«النصرة». لكن أمرا كهذا، وفق كيري، لن يمكن البدء فيه إلا بعد أن يكون قد تم الفصل بين مواقع المعارضة المعتدلة ومواقع «النصرة».
وبحسب المصدر الدبلوماسي، فإن كيري يريد أن يحصل من الجانب الروسي على تعهدات بأن يقوم الطرفان بتحديد الأهداف التي ستقصف «معا»، الأمر الذي يفهم من الجانب الأميركي على أنه «تقييد» لحركة الطيران الروسي الذي تتهمه بعض الأطراف الغربية والخليجية بأنه يستهدف أولا مواقع المعارضة المعتدلة قبل أن يستهدف مواقع «داعش» أو «النصرة»، وذلك لمساندة نظام الأسد وإيقافه على قدميه.. وأكثر من ذلك.
وتقوم الخطة التي نقلها كيري لنظرائه الأوروبيين، والتي احتاج مع نظيره الروسي إلى 12 ساعة من المناقشات لإقرارها، على إنشاء «غرفة عمليات مشتركة» في العاصمة الأردنية تكون من صلاحياتها الإشراف على العمليات العسكرية في سوريا. ومشكلة موسكو في هذا الطرح أن لديها منذ أشهر غرفة عمليات مشتركة روسية - إيرانية - سورية في العاصمة العراقية، وأن التنسيق بين قواتها والقوات الأميركية سيثير حفيظة طهران.
مقابل الثمن «العسكري» الذي قبلت واشنطن بدفعه من خلال قبولها تنسيق العمليات مع موسكو، فإنها طلبت ثمنا مقابلا، وهو امتناع الطرف الروسي عن استهداف مواقع المعارضة المعتدلة التي تقاتل النظام و«داعش» في الوقت عينه. والمشكلة أن واشنطن تتهم الطيران الروسي باستهداف مجموعات تدعمها وتدربها وتسلحها واشنطن من برنامج المخابرات الأميركي لمساعدة المعارضة. كذلك تريد واشنطن، وفق ما شرحه كيري، أن «تضغط» روسيا على نظام الأسد، ليوقف بدوره استهداف المعارضة المذكورة؛ أقله الجانب المدني. لكن المشكلة كما أثيرت في موسكو أن الجانب الروسي لا يريد فقط فصل المعارضة المعتدلة عن مواقع «النصرة»، بل إنه يعتبر أيضا أن «جيش الإسلام» و«أحرار الشام»، اللتين تحظيان بدعم خليجي واسع، هما حركتان إرهابيتان، وهو ما لا تقبله واشنطن، خصوصا أن «جيش الإسلام»، مثلا كان جزءا من وفد الهيئة العليا للمفاوضات في جنيف، وأن ممثله محمد علوش كان يحمل صفة «مفاوض رئيسي» قبل أن يستقيل منه. وفي أي حال، فإن مصدرا رفيعا في المعارضة السورية أبلغ «الشرق الأوسط»، أن المعارضة «لن تكون قابلة بأي مساع للفصل، إلا في حال حصول هدنة شاملة». كذلك، فإنها ترفض رفضا قاطعا إعطاء الروس إحداثيات مواقعها، لأن هذا يعني تعرضها مباشرة للقصف.
إلى الجانب العسكري، شرح كيري لنظرائه أن الاتفاق مع لافروف ينص على إعادة إحياء المحادثات التي يقودها ستيفان دي ميستورا. وكشفت مصادر فرنسية لـ«الشرق الأوسط»، أن الأخير «يتعرض لضغوط روسية وأميركية» لحمله على الدعوة إلى جولة ثالثة من المحادثات في جنيف، وهو ما سارع المبعوث الدولي إلى إعلانه أول من أمس، بقوله إنه يأمل تحقيق هذا الهدف نهاية شهر أغسطس (آب) المقبل. وأشارت المصادر الفرنسية إلى أن دي ميستورا «قدم تنازلا» للروس عندما لم يربط، كما كان يفعل سابقا، بين العمل مجددا على وقف الأعمال العدائية وإيصال المساعدات الإنسانية، والعودة إلى المحادثات، عند إشارته في مؤتمره الصحافي، أول من أمس، إلى أن هذه العودة «لن تنتظر تطورات الوضع في حلب ودمشق»، في إشارة إلى حصار المدينة الأولى واستمرار القصف في محيط المدينة الثانية.
تشير المصادر الأوروبية إلى أن كيري، من باب العمل بمبدأ «التجزيء»، شرح لنظرائه أن البحث في مصير الأسد «مؤجل لمراحل لاحقة»، معيدا التأكيد على أن «لا حل في سوريا إلا سياسيا»، وألا تفاهم من غير الجانب الروسي. والحال، فإن موسكو ما زالت ترفض الخوض علنا في هذا الموضوع. أما في المشاورات التي تجري مع مسؤوليها بشأن الأسد، فإنها تنبه من تعميم الفوضى وانتشار الإرهاب على نطاق أوسع، كما أنها، في أي حال، تربط هذا الموضوع، بالانتهاء من الحرب على الإرهاب.
ووفق تقدير المصادر الأوروبية، فإن موسكو «لن تقبل الخوض جديا في هذا الموضوع إلا بعد أن يكون قد توفرت لديها شخصية تثق بها من أجل قيادة سوريا، وبعد أن تكون قد اطمأنت على مصالحها في هذا البلد، إضافة إلى ما يمكن أن تحصل عليه في الملفات الخلافية الأخرى».
وتعتبر المصادر الأوروبية التي نقلت كلام الوزير الأميركي، أن اتفاق كيري - لافروف «صعب التنفيذ»، وجل ما يمكن تحقيقه هو منع القصف عن بعض مناطق المعارضة فقط، لافتا إلى أن استكمال سيطرة النظام على طريق الكاستيلو ومحاصرته حلب قد جرى بدعم روسي وبعد لقاءات كيري في موسكو، أي بعد التوصل إلى الاتفاق. وتضيف هذه المصادر أن النظام بدعم روسي وإيراني وجميع الميليشيات، سيستمر في تغيير الوقائع الميدانية، خصوصا في حلب، وأنه سيناور في العودة إلى المفاوضات التي يدعو إليها دي ميستورا، حتى تحقيق أهدافه الميدانية. وتجاه هذا الواقع، ترى هذه المصادر أن الدول الداعمة للمعارضة السورية، لا سيما الخليجية منها، «تنتظر ثبات فشل الجهود الأميركية لرفع مستوى دعمها بشكل كبير للمعارضة، كي تتمكن هذه من الاستمرار، ومن خلق الظروف الملائمة لإعادة تحسين وضعها الميداني».
أما آخر خلاصة للمصادر الأوروبية، فهي أن كيري أبلغ لافروف أن ما يقوم به هو «المحاولة الأميركية الأخيرة للإدارة الحالية»، وأنه في حال لم تضغط روسيا على النظام وإيران لتطبيقه، فإن واشنطن ستنسحب تماما من الأزمة السورية وتترك لموسكو عبء التعامل مع كل الوقائع الميدانية. ويدرس الأوروبيون جديا الخطة البديلة للتعامل مع الأزمة السورية ولملء الفراغ السياسي في حال فشل الاتفاق.
ومنذ وصول الجهود التي يبذلها المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا إلى طريق مسدود بعد جولتين من المحادثات استضافتهما مدينة جنيف، باتت كل الأنظار مشدودة لما يقوم به كيري ولافروف باعتبارهما «رئيسي» أوركسترا المفاوضات، وضامني اتفاقية وقف الأعمال العدائية التي تحولت منذ أسابيع طويلة إلى أثر بعد عين. من هنا، أهمية اجتماع كيري والوزراء الأوروبيين، وبينهم كثيرون ممن يلزمون الحذر إزاء جهود كيري ومن سياسة الإدارة الأميركية، فيما يخص الأزمة السورية للفترة المتبقية من ولاية الرئيس أوباما.



«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
TT

«سوريو مصر» يفضلون التريث قبل اتخاذ قرار العودة

لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)
لاجئون سوريون في مصر (مفوضية اللاجئين)

بعد مرور نحو أسبوع على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، يفضل اللاجئون والمهاجرون السوريون في مصر التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة إلى بلادهم التي تمر بمرحلة انتقالية يشوبها الكثير من الغموض.

ويتيح تغيير نظام الأسد وتولي فصائل المعارضة السورية السلطة الانتقالية، الفرصة لعودة المهاجرين دون ملاحقات أمنية، وفق أعضاء بالجالية السورية بمصر، غير أن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في القاهرة ترى أنه «من المبكر التفكير في عودة اللاجئين المسجلين لديها، إلى البلاد حالياً».

وازدادت أعداد السوريين في مصر، على مدى أكثر من عقد، مدفوعة بالتطورات السياسية والأمنية في الداخل السوري؛ إذ ارتفع عدد السوريين المسجلين لدى مفوضية اللاجئين إلى نحو 148 ألف لاجئ، غير أن تلك البيانات لا تعكس العدد الحقيقي للجالية السورية بمصر؛ إذ تشير المنظمة الدولية للهجرة إلى أن تعدادهم يصل إلى 1.5 مليون.

ولم تغير تطورات الأوضاع السياسية والأمنية في الداخل السوري من وضعية اللاجئين السوريين بمصر حتى الآن، حسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في القاهرة، كريستين بشاي، التي قالت في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن «السوريين المسجلين كلاجئين لدى المفوضية يتلقون خدماتهم بشكل طبيعي»، مشيرة إلى أنه «لا يوجد أي إجراءات حالية لمراجعة ملف اللاجئين المقيمين بمصر، تمهيداً لعودتهم».

وتعتقد بشاي أنه «من المبكر الحديث عن ملف العودة الطوعية للاجئين السوريين لبلادهم»، وأشارت إلى إفادة صادرة عن المفوضية العامة لشؤون اللاجئين مؤخراً، تدعو السوريين في الخارج لـ«التريث والصبر قبل اتخاذ قرار العودة لبلادهم».

وكانت مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد نصحت المهاجرين السوريين في الخارج «بضرورة التحلي بالصبر واليقظة، مع قضية العودة لديارهم». وقالت، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إن «ملايين اللاجئين يواصلون تقييم الأوضاع قبل اتخاذ قرار العودة»، وأشارت إلى أن «الصبر ضروري، على أمل اتخاذ التطورات على الأرض منحى إيجابياً، ما يتيح العودة الطوعية والآمنة والمستدامة».

ووعدت المفوضية، في بيانها، بـ«مراقبة التطورات بسوريا، مع الانخراط مع مجتمعات اللاجئين، لدعم الدول في مجال العودة الطوعية والمنظمة، وإنهاء أزمة النزوح القسري الأكبر في العالم»، وأشارت في الوقت نفسه إلى أن «الاحتياجات الإغاثية داخل سوريا لا تزال هائلة، في ظل البنية التحتية المتهالكة، واعتماد أكثر من 90 في المائة من السكان على المساعدات الإنسانية».

وحسب مسؤولة العلاقات الخارجية بمكتب مفوضية اللاجئين في القاهرة، يمثل اللاجئون السوريون المسجلون لدى المفوضية نحو 17 في المائة من تعداد اللاجئين في مصر، بواقع 148 ألف لاجئ سوري، من نحو 863 ألف لاجئ من أكثر من 60 جنسية. ويأتي ترتيبهم الثاني بعد السودانيين.

وباعتقاد مدير عام مؤسسة «سوريا الغد»، ملهم الخن، (مؤسسة إغاثية معنية بدعم اللاجئين السوريين في مصر)، أن «قضية عودة المهاجرين ما زال يحيطها الغموض»، مشيراً إلى «وجود تخوفات من شرائح عديدة من الأسر السورية من التطورات الأمنية والسياسية الداخلية»، ورجّح «استمرار فترة عدم اليقين خلال الفترة الانتقالية الحالية، لنحو 3 أشهر، لحين وضوح الرؤية واستقرار الأوضاع».

ويفرق الخن، في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، بين 3 مواقف للمهاجرين السوريين في مصر، تجاه مسألة العودة لبلادهم، وقال إن «هناك فئة المستثمرين، وأصحاب الأعمال، وهؤلاء تحظى أوضاعهم باستقرار ولديهم إقامة قانونية، وفرص عودتهم ضئيلة».

والفئة الثانية، حسب الخن، «الشباب الهاربون من التجنيد الإجباري والمطلوبون أمنياً، وهؤلاء لديهم رغبة عاجلة للعودة، خصوصاً الذين تركوا أسرهم في سوريا»، أما الثالثة فتضم «العائلات السورية، وهؤلاء فرص تفكيرهم في العودة ضعيفة، نظراً لارتباط أغلبهم بتعليم أبنائهم في المدارس والجامعات المصرية، وفقدان عدد كبير منهم منازلهم بسوريا».

وارتبط الوجود السوري في مصر باستثمارات عديدة، أبرزها في مجال المطاعم التي انتشرت في مدن مصرية مختلفة.

ورأى كثير من مستخدمي مواقع «السوشيال ميديا» في مصر، أن التغيير في سوريا يمثّل فرصة لعودة السوريين لبلادهم، وتعددت التفاعلات التي تطالب بعودتهم مرة أخرى، وعدم استضافة أعداد جديدة بالبلاد.

وتتيح مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مساعدات لراغبي العودة الطوعية من اللاجئين، تشمل «التأكد من أن العودة تتم في ظروف آمنة، والتأكد من أن الأوضاع في البلد الأصلي آمنة»، إلى جانب «تقديم دعم نقدي لتغطية النفقات الأساسية والسفر»، حسب مكتب مفوضية اللاجئين في مصر.

ويرى مسؤول الائتلاف الوطني السوري، عادل الحلواني، (مقيم بمصر)، أن ملف عودة المهاجرين «ليس أولوية في الوقت الراهن»، مشيراً إلى أن «جميع السوريين يترقبون التطورات الداخلية في بلادهم، والهدف الأساسي هو عبور سوريا الفترة الانتقالية بشكل آمن»، معتبراً أنه «عندما يستشعر المهاجرون استقرار الأوضاع الداخلية، سيعودون طواعية».

وأوضح الحلواني، لـ«الشرق الأوسط»، أن «حالة الضبابية بالمشهد الداخلي، تدفع الكثيرين للتريث قبل العودة»، وقال إن «الشباب لديهم رغبة أكثر في العودة حالياً»، منوهاً بـ«وجود شريحة من المهاجرين صدرت بحقهم غرامات لمخالفة شروط الإقامة بمصر، وفي حاجة للدعم لإنهاء تلك المخالفات».

وتدعم السلطات المصرية «العودة الآمنة للاجئين السوريين إلى بلادهم»، وأشارت الخارجية المصرية، في إفادة لها الأسبوع الماضي، إلى أن «القاهرة ستواصل العمل مع الشركاء الإقليميين والدوليين لتقديم يد العون والعمل على إنهاء معاناة الشعب السوري الممتدة، وإعادة الإعمار، ودعم عودة اللاجئين، والتوصل للاستقرار الذي يستحقه الشعب السوري».