دور كتيبة الفرنسيين في «داعش» في هجمات نيس

كالعادة.. توظيف تقليدي لشخصيات مأزومة نفسيًا وسلوكيًا

رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
TT

دور كتيبة الفرنسيين في «داعش» في هجمات نيس

رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)
رجال شرطة فرنسيون يطوقون شاحنة لتفتيشها قرب المنطقة التي حصلت فيها هجمات نيس قبل ايام (أ.ف.ب)

ثلاث عشرة عملية إرهابية كبيرة شهدتها أوروبا خلال العامين 2015 و2016 ابتليت فرنسا وحدها بعشر منها. ولقد بدأ المسلسل مع الاعتداء على مطبوعة «شارلي إيبدو» الساخرة، الذي راح ضحيته سبعة عشر قتيلا بين السابع والتاسع من يناير (كانون الثاني) 2015. حتى هجوم نيس الأخير يوم الخميس الماضي 14 يوليو (تموز) 2016. وفيه دهس عمدي لاحتفالات المدنيين والمواطنين العاديين فيها بـ«يوم سقوط الباستيل» وذكرى الثورة الفرنسية عام 1789. وقد راح ضحيتها 84 قتيلا وعشرات الجرحى.

خلال سنتين، هذه هي المرة الثانية التي يضرب فيها الإرهاب الداعشي مدينة نيس الساحلية في جنوب فرنسا، إذ شهدت المدينة السياحية الشهيرة يوم 3 فبراير (شباط) 2015، تعرّض 3 جنود لاعتداء بالسكاكين أثناء الخدمة أمام مركز لليهود في نيس، من قبل موسى كوليبالي (30 سنة) الذي عبر أثناء احتجازه عن كراهيته فرنسا والشرطة والجنود واليهود. وهو يبدو من أقرباء أميدي كوليبالي الذي أعلن انتماءه لـ«داعش»، وقتل شرطية في أحياء باريس، بعد احتجازه رهائن في متجر يهودي في يناير 2015. ولقد أقرّ بتنسيقه مع الأخوين كواشي اللذين نفذا عملية «شارلي إيبدو» في 7 يناير من العام نفسه، وإن كان أعلن أميدي انتماءه لـ«داعش» فإن الأخوين كواشي أعلنا انتماءهما لـ«القاعدة».
تعد هجمات نيس الأخطر والأكبر في فرنسا بعد تفجيرات باريس في 13 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي التي راح ضحيتها 140 قتيلاً و350 جريحا، التي تعد الثانية في خطورتها بتاريخ أوروبا خلال أربعة عقود بعد اعتداءات مدريد في 11 مارس (آذار) 2004.
وتأتي عملية نيس بعد نجاح فرنسا في تأمين نهائيات كأس أوروبا لكرة القدم التي انطلقت في 10 يونيو (حزيران) واختمت يوم 10 يوليو الحالي، رغم توقع وزارة الخارجية الأميركية وقوع حوادث إرهابية خلالها، وهو ما لم يحدث حتى كانت مفاجأة نيس والدهس الانتحاري الذي راح ضحيته 84 قتيلاً وأصيب العشرات حتى اللحظة. ولقد جاءت هذه العملية الإجرامية التي تحمل بصمة داعشية واضحة، سواء لجهة اختيار الزمان، ومعها إهانة اليوم الوطني الفرنسي، أو المكان عبر استباحة المدنيين وبشاعة القتل. ومع أن العملية تختلف عن سابقاتها أوروبيًا فإنها سبقت في بعض مناطق «داعش» في سوريا، حين جاءت دهسًا غير متوقع لقائد حافلة مَوتور استخدم حافلته في دهس المحتفلين بيوم الباستيل، وإطلاق النار على مَن استطاع منهم. كذلك كانت محيّرة في دوافع فاعلها الذي لم يعرف عنه - حسب الأمن الفرنسي - أي ميول إرهابية في السابق، بينما يتضمّن سجله الجنائي جرائم أخلاقية متعددة من بينها السرقة عمدًا وبالإكراه، والفشل الأسري وغير ذلك، وهو ما يكشف عن أزمات نفسية وسلوكية يحسن استغلالها «داعش» دائمًا وتوظيفها.
كتيبة الفرنسيين «الدواعش»
يضم تنظيم داعش بين عناصره كتيبة من الفرنسيين والناطقين بالفرنسية، حسب تصريح لرئيس الوزراء الفرنسي، مانويل فالس في مايو (أيار) الماضي تقدّر أعدادهم بـ900 عنصر، وهي النسبة الأكبر بين المقاتلين الأجانب من الدول الأوروبية. وهذا مع ملاحظة تراجع أعداد المقاتلين الأجانب عمومًا في «داعش» بفضل اليقظة الدولية الأمنية والعسكرية المتأخرة ضد التنظيم المتطرّف عام 2016 ومقتل نسبة كبيرة منهم تقدر بـ14 في المائة وعودة ما لا يقل عن نصفهم، حسب بعض التقارير الأوروبية. وهذا ما يرتبط منطقيًا بارتفاع معدل العمليات في أوروبا بشكل عام، ولقد اتضح هذا في تفجيرات باريس وبروكسل، خصوصًا، إذ نفذّها بعض العائدين من المقاتلين الأجانب. ولقد ظهر بعض هؤلاء في تسجيل مصوّر في أواخر نوفمبر 2014 وهم يهددون فرنسا، وكان بينهم المدعو «أبو أسامة» الفرنسي الأصل البالغ من العمر 26 سنة، الذي تعرّف عليه جيرانه - من خلال هذا الفيديو - في محافظة التارن بجنوب فرنسا وهو يهدد بلاده ومواطنيه بلغتهم، وهو حقًا ينحدر من التارن.
الظاهر أن «داعش» يستهدف في تجنيده الفرنسيين، والغربيين عمومًا، فئتين رئيستين:
1 - المتحوّلون الجدد للإسلام، شأن «أبو أسامة» الفرنسي المذكور سابقًا، فهو حديث التحوّل، وحسب كثير من المراقبين يُعد «داعش» التنظيم الوحيد الذي يمثل فيه المتحوّلون الجدد نحو الإسلام 25 في المائة من مجموع عناصره.
2 - مهمّشو الضواحي والمعانون من الأزمات: وهم أبناء أجيال الهجرة ونتاج أزماتها، ومَن يُعرفون بـ«مسلمي الضواحي» الذين يعانون أزمات اقتصادية واجتماعية وثقافية متعدّدة تصب في مسألة الاندماج.
وهنا يغدو الانتماء لـ«داعش» عاملاً يحوّل أصحاب الأمراض النفسية والاجتماعية، وأصحاب السوابق والماضي السيئ، الذين يعانون الاغتراب الاجتماعي والهوياتي، إلى قنابل موقوتة قابلة للانفجار في أي لحظة. ويحرّك في الانتحاري من نوعية «الذئب المنفرد» اعتقاد «مُت لتقتل» فينتقم من منظومة قيم يئس من الاندماج فيها، أو كان يؤمن بها ولم تحقّق له شيئا.
تفجيرات باريس في نوفمبر الماضي شغلت الباحثين والخبراء في شؤون التطرف والإرهاب، فمنهم مَن أصرّ على إعادتها إلى ذهنية التطرّف ذاته وأصوله أو ربطها بالأزمات الاقتصادية والاجتماعية ومواقف السياسة الخارجية بشكل رئيسي أو بأزمات المهاجرين، ومنهم مَن حاول تعميقها سيكولوجيًا عن أزمة الشباب بشكل عام في أوروبا والغرب. وفي حين يركّز أوليفيه روا على التفسير الثقافي والمعرفي دون السياسي والاجتماعي، يلحّ فرنسوا بورغا على هذا التفسير ومعه آخرون كجيل كيبيل. وفي حين يلح الأول كذلك على عالمية ظاهرة التطرّف وتصاعد نزعات العنف عالميًا وبشكل عام، يشدّد الآخران وغيرهم على السياق الخاص لصعود ظاهرة الإرهاب الانتحاري والإسلامي من «القاعدة» إلى «داعش» وأخوانه.
أوليفيه روا لا يرى في الإرهابيين الجُدد «تعبيرًا عن غَضبِ المُسلِمين تجاهَ الاعتداءاتِ الغربيّة»، ومن ثم، لا دخلَ إذن للصراعِ العربي - الإسرائيلي في سخطِ العالم الإسلامي تجاهَنا(!).. ويلح روا على أن المتطرفين يأتون من «هوامشِ العالم الإسلامي، وليس من صلبِ المجتمعات العربيّة أو الإسلاميّة»، كما ورد في كتابه «فشل الإسلام السياسي». كذلك لا يحمل السياسات الدولية والفرنسية المسؤولية عن دفع هؤلاء الانتحاريين لمثل هذا، وهو ما يرفضه فرنسوا بورغا وغيره.
وتماهيا مع روا والمدخل النفسي للإرهاب، في اتجاه قدرة وجاذبية «داعش» للشباب في تنفيذ عمليات انتحارية عدمية تستهدف المدنيين للنزوعات العنفية الصاعدة، حسب الباحث الفرنسي بيتر هارلينغ، في مقالة له نشرت في يناير الماضي: «يؤسِس عنفُ مُرتَكِبي هجَمات باريس الشبان لهويَّة بطلٍ عصري تَرفَع من شأنِ حاملها، تتميَّزُ برومانسيَّة حربيَّة تُساهِم وسائلُ التواصُل الاجتماعي بتشكيلِها في سياقٍ أوروبِّي من تَعَصُّب عُنصُري وانسِداد المُستقبَل أمامَ جيلٍ شابٍ بكاملِه. هويَّة يستردُها تنظيم داعش ويوظِفُها لمصلحَتِه مقدِمًا لها فضاءً مَلموسًا يُمكِنُها أن تتجسَد فيه».
وهذا ما أكّده روا أيضًا في مقاله الشهير عقب تفجيرات باريس السابقة، الذي نُشر في جريدة «لوموند» يوم 30 نوفمبر الماضي، وأطروحته عن أسلمة التطرّف وضرورة إدخال علم النفس في دراسة أجيال المتطرّفين والانتحاريين الجديدة، وعدم الاكتفاء بالتفسير الآيديولوجي باعتباره صورة من «تطرّف الإسلام». وهنا يؤكد روا عدمية لا معيارية صاعدة، وتيه شبابي يندفع نحو العنف الرغبوي والانتقامي من منظومة قيَم يمارس التمرّد والرفض لها، بشكل عام، دون اتكاء على التفسيرات التاريخية... كذاكرة المستعمر الذي لم يعرفه ولا يعلم عنه شيئا كثير من أبناء المهاجرين، أو السياسة الخارجية الفرنسية أو الجذور الراديكالية للفكر العنيف نفسه. وهو، دفاعًا عن أطروحته، ينفي أحادية المدخل الذي يعلنه، لكنه يؤكد ضرورة تكامل المناهج وأهمية العامل النفسي في قراءة ظاهرة التطرّف المحيّرة.
المرجّح أن الحيرة الأكاديمية الغربية ستستمر، فالإرهاب ظاهرة متكاملة تتعدّد أبعادها ودوافعها وتتكامل معًا، ولعل في أحداث نيس المأساوية الأخيرة تعبير عن ذلك. فحسب السجل الجنائي للإرهابي الانتحاري فإنه يبدو متحوِّلاً جديدًا ومأزومًا انفجر في محيطه بشكل عشوائي، وتم استغلال ظروفه من أجل ذلك، ولكن هذا لا ينفي أن موقف فرنسا في التحالف الدولي ضد الإرهاب، ومشاركتها مع الولايات المتحدة في التركيز على العراق وتقدمها في هذا الاتجاه عن سواها، جعلاها الهدف الأول أوروبيًا لعمليات الإرهاب.
مع ذلك يصحّ تفسير أوليفيه روا بدرجة ما في أنه لم يعُد غضب المسلمين من القضايا التاريخية الدافع الوحيد، مثل قضية الصراع العربي الإسرائيلي أو الاعتداءات الغربية التاريخية والتجربة الإمبريالية، لهذه الأجيال الجديدة من الانتحاريين، لكنه مع ذلك لا يمكن نفي توظيفه واستغلاله مع أدبيات الراديكالية القتالية المعولَمة المصرة على أممية خطابها وتقسيم الفسطاطين والدارين للعالم.
ونظن أن «داعش» الذي أعاد الأخوين عبد السلام وغيرهما لينفذوا عمليات في باريس وبروكسل، يمتلك استراتيجية استنزاف عبر ما يسميه القتال الفردي أو «الذئاب المنفردة» يستهدف بها تخفيف الضغط عليه من ضربات التحالف الدولي الذي أجبره عن التخلي عن كثير من مناطق سيطرته، وفي حين يُبقي المئات في معاقله في سوريا والعراق يعد مئات آخرين للقتل والانتحار في شوارع نيس مرة وثانية.



«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)
TT

«حزب الله»... خلايا قائمة وقادمة

متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي  (أ.ب)
متظاهرون موالون لـ«حزب الله» يشعلون النيران أمام مجمع السفارة الأميركية، في العاصمة بغداد نهاية الشهر الماضي (أ.ب)

قبل نحو شهر تقريباً أدرجت السلطات البريطانية جماعة «حزب الله» بمؤسساتها المختلفة السياسية والعسكرية كمنظمة إرهابية، ومن قبلها مضت ألمانيا في الطريق عينه، الأمر الذي دفع المراقبين لشأن الميليشيات اللبنانية الجنسية الإيرانية الولاء والانتماء للتساؤل: «ما الجديد الذي جعل الأوروبيين يتصرفون على هذا النحو؟»

الشاهد أن الأمر لا يقتصر فقط على الجانب الأوروبي، بل أيضاً تبدو الولايات المتحدة الأميركية في حالة تأهب غير مسبوقة، وسباق مع الزمن في طريق مواجهة الخلايا النائمة «لحزب الله» على أراضيها، ناهيك عن تلك المنتشرة في الفناء اللوجيستي الخلفي، لها أي في أميركا اللاتينية.
غير أن الجديد والذي دفع جانبي الأطلسي لإعلان مواجهة شاملة لميليشيات «حزب الله» هو ما توفر لأجهزة الاستخبارات الغربية، والشرقية الآسيوية أيضاً، لا سيما تلك التي ترتبط بعلاقات تبادل أمني مع بروكسل وواشنطن، من معلومات تفيد بأن «حزب الله» ينسج خيوطاً إرهابية جديدة في دول أوروبية وأميركية وآسيوية، من أجل الاستعداد للمواجهة القادمة حكماً في تقديره بين طهران والغرب.
ليس من الجديد القول إن ميليشيات «حزب الله» هي أحد أذرع الإيرانيين الإرهابية حول العالم، وقد أعدت منذ زمان وزمانين من أجل اللحظة المرتقبة، أي لتكون المقدمة الضاربة في إحداث القلاقل والاضطرابات، ومحاولة ممارسة أقصى وأقسى درجات الضغط النفسي والمعنوي على الأوروبيين والأميركيين، مع الاستعداد التام للقيام بعمليات عسكرية سواء ضد المدنيين أو العسكريين في الحواضن الغربية حين تصدر التعليمات من نظام الملالي.
مؤخراً أشارت عدة مصادر استخباراتية غربية لعدد من وسائل الإعلام الغربية إلى الخطة الجديدة لـ«حزب الله» لإنشاء شبكات موالية له في العديد من مدن العالم شرقاً وغرباً، الأمر الذي أماطت عنه اللثام صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية بنوع خاص والتي ذكرت في تقرير مطول لـ«نيكولا باروت»، أن فكر التقية الإيراني الشهير يمارس الآن على الأرض، بمعنى أن البحث يجري على قدم وساق من أجل تجنيد المزيد من العناصر لصالح ميليشيات «حزب الله»، لكن المختلف هو انتقاء عناصر نظيفة السجلات الأمنية كما يقال، أي من غير المعروفين للأجهزة الأمنية والاستخباراتية سواء الأوروبية أو الآسيوية أو الأميركية.
هل الحديث عن عناصر «حزب الله» في الغرب قضية حديثة أم محدثة؟
الواقع أنهما الأمران معا، بمعنى أن ميليشيات «حزب الله» كثفت حضورها الخارجي في الأعوام الأخيرة، لا سيما في أميركا اللاتينية، وهناك جرى إنشاء «كارتلات» تعمل على تهريب البشر والسلاح والمخدرات من جهة، وتتهيأ لمجابهة أميركا الشمالية من ناحية أخرى.
ولعل المثال الواضح على قصة هذا الاختراق لدول القارة اللاتينية يتمثل في قضية الإرهابي سلمان رؤوف سلمان، الذي شوهد مؤخراً في بوغوتا بكولومبيا، والذي ترصد الولايات المتحدة الأميركية عدة ملايين من الدولارات لاقتناصه، بوصفه صيداً ثميناً يحمل أسرار ميليشيات «حزب الله» في القارة الأميركية الجنوبية برمتها.
أما المثال الآخر على الخلايا النائمة في الولايات المتحدة الأميركية فيتمثل في شخص علي كوراني الذي تم القبض عليه في نيويورك بعد أن تم تجنيده لصالح «حزب الله» لتنفيذ هجمات إرهابية، حال تعرض إيران أو «حزب الله» في لبنان لهجمات من جانب الولايات المتحدة الأميركية، ولاحقاً أكدت التحقيقات التي جرت معه من قبل المباحث الاتحادية الأميركية أنه أحد أعضاء وحدة التخطيط للهجمات الخارجية في الحزب والمعروفة بـ«الوحدة 910».
كارثة كوراني تبين التخطيط الدقيق لإيران وأذرعها لإصابة الدول الغربية في مقتل، ذلك أنه كان دائم التنقل بين كندا والولايات المتحدة، حيث حاول تهريب متفجرات من كندا إلى الداخل الأميركي.
كان كوراني مثالاً على الخلايا النائمة التابعة «لحزب الله» في دول العالم، لا سيما أنه ينتمي لعائلة معروفة بصلاتها الوثيقة مع الحزب، وقد التحق بمعسكر تدريب تابع للحزب عندما كان في السادسة عشرة من عمره، وتعلم إطلاق النار، والقذائف الصاروخية قبل أن يجند كجزء من خطة للانتقام لمقتل عماد مغنية أحد قادة «حزب الله» رفيعي المستوى الذي قضى بسيارة مفخخة في دمشق عام 2008.
هل كان القبض على كوراني المدخل للخطط الجديدة لميليشيات «حزب الله» لنسج خيوط شبكات إرهابية جديدة غير معروفة لقوى الأمن والاستخبارات الدولية؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، ولهذا تقضي الآلية الجديد تجنيد عناصر غير عربية، وغالباً ما يكون المعين المفضل من دول شرق وجنوب آسيا، والتي تكثر فيها الحواضن المشبعة بالإرهاب الأصولي، وقد كان آخر شخص تم الاشتباه فيه مهندس باكستاني لا يتجاوز الثلاثة عقود من عمره، وبدا أنه على اتصال «بحزب الله».
ويعزف القائمون على الميليشيات الخاصة «بحزب الله» على الأوتار الدوغمائية الشيعية تحديداً، ويستغلون الكراهية التقليدية تجاه الولايات المتحدة الأميركية والقارة الأوروبية، ويلعبون على أوتار القضايا الدينية، مظهرين الصراع بين إيران والغرب على أنه صراع ديني وليس آيديولوجياً، وفي الوسط من هذا يقومون بتجنيد من يقدرون على تعبئتهم، وفي هذا تكون الكارثة لا الحادثة، أي من خلال استخدام جوازات سفرهم الأجنبية أو تزويد بعضهم الآخر بجوازات سفر قد تكون حقيقية مسروقة، أو مزورة، ليمثلوا حصان طروادة في الجسد الأوروبي أو الأميركي.
لا تكتفي خطط ميليشيات «حزب الله» الخاصة بإعداد شبكات إرهابية جديدة في الغرب بالطرق التقليدية في تجنيد عناصر جديدة من الصعب متابعتها، بل يبدو أنها تمضي في طريق محاكاة تنظيم «داعش» في سعيه لضم عناصر إرهابية إضافية لصفوفه عبر استخدام وسائط التواصل الاجتماعي الحديثة من مخرجات الشبكة العنكبوتية الإنترنت، مثل «فيسبوك» و«تويتر» و«إنستغرام».
في هذا السياق تبدو الخطط الجديدة لـ«حزب الله» كمن ينسج شبكات إرهابية في العالم الرقمي، بمعنى أنها خطط لتجنيد المزيد من «الذئاب المنفردة»، تلك التي يمكن أن يتفتق ذهنها عن وسائل انتقام غير مدرجة من قبل على خارطة الأعمال الإرهابية، فكما كان استخدام الشاحنات للدهس في أوروبا أداة غير معروفة، فمن الجائز جداً أن نرى آليات جديدة تمارس بها الجماعة الإيرانية الخطى طريقها في إقلاق الحواضن الغربية.
يتساءل المراقبون أيضاً هل من دافع جديد يقودها في طريق شهوة الانتقام غير المسبوقة هذه؟
من الواضح جداً أن قيام الولايات المتحدة الأميركية باغتيال قاسم سليماني، والتهديدات التي أطلقها «إسماعيل قاآني»، قائد فيلق القدس الجديد، ضمن صفوف الحرس الثوري الإيراني، بأن تملأ جثث الأميركيين الشوارع، هي وراء تسريع إيران في طريق دفع ميليشيات «حزب الله» في تغيير طرق تجنيد واكتساب عملاء جدد يكونون بمثابة رؤوس حراب في المواجهة القادمة.
خلال صيف العام الماضي كشفت مصادر استخباراتية لصحيفة «ديلي تليغراف» البريطانية عن أن الأزمة مع إيران قد تتسبب في إيقاظ خلايا إرهابية نائمة، وتدفعها إلى شن هجمات إرهابية على بريطانيا، ولفتت المصادر عينها إلى الخلايا يديرها متشددون مرتبطون بـ«حزب الله» اللبناني.
ولم تكن هذه تصريحات جوفاء أو عشوائية، وإنما جاءت بعد أن كشفت شرطة محاربة الإرهاب في عام 2015 في بريطانيا عن خلية جمعت أطناناً من المتفجرات في متاجر بضواحي لندن، موضحة أن إيران وضعت عملاءها في «حزب الله» على استعداد لشن هجمات في حالة اندلاع نزاع مسلح، وهذا هو الخطر الذي تشكله إيران على الأمن الداخلي في بريطانيا.
والثابت أنه لا يمكن فصل مخططات ميليشيات «حزب الله» الخاصة بتجنيد عناصر ونسج شبكات جديدة عن الموقف الواضح لـ«حزب الله» من الصراع الدائر بين أميركا وإيران، فهي ترغب في القتال، وهو ما أشار إليه حسن نصر الله أمين عام الحزب في مقابلة تلفزيونية مع قناة المنار التابعة لجماعته عندما أجاب على سؤال حول ما ستفعله الجماعة في حال نشوب حرب بين إيران والولايات المتحدة، إذ أجاب بسؤال استفهامي أو استنكاري على الأصح في مواجهة المحاور: «هل تظن أننا سنقف مكتوفي الأيدي؟ إيران لن تحارب وحدها، هذا أمر واضح وضوح الشمس، هكذا أكد نصر الله».
هل قررت إيران إذن شكل المواجهة القادمة مع الولايات المتحدة الأميركية، طالما ظلت العقوبات الاقتصادية الأميركية قائمة وموجعة لهيكل إيران التكتوني البنيوي الرئيسي؟
فوفقا لرؤية «ماثيو ليفيت» مدير برنامج ستاين لمكافحة الإرهاب والاستخبارات في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، يبدو أن إيران و«حزب الله» لن يعتمدا المواجهة المباشرة مع الولايات المتحدة في حال نشوب حرب بين واشنطن طهران، إذ سيتم إيقاظ «الخلايا النائمة» من سباتها في الداخل الأميركي الشمالي والجنوبي أولاً، عطفاً على ذلك إعطاء الضوء الأخضر للعناصر والشبكات الجديدة بإحداث أكبر خسائر في صفوف الأوروبيين، وتجاه كل ما يشكل أهدافاً ومصالح أميركية من شمال الأرض إلى جنوبها، ومن شرقها إلى غربها دفعة واحدة.
الخلاصة... العالم أمام فصل جديد مقلق من تنامي مؤامرات «حزب الله» والتي ظهرت خلال السنوات القليلة الماضية خارج الشرق الأوسط، ربما بشكل لا يقل إقلاقاً عن الدور الذي يلعبه على التراب الوطني اللبناني في حاضرات أيامنا، ما يجعل التفكير في حصار هذا الشر أمراً واجب الوجود كما تقول جماعة الفلاسفة، من غير فصل مشهده عن حجر الزاوية الذي يستند إليه، أي إيران وملاليها في الحال والمستقبل.